فلسطين مفهوم القوة والوعي الشقي
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
لم يعد بالإمكان السكوت على فرضية "نهاية التاريخ" فهي مقولة يراد بها ممارسة الإيهام كونها تشير إلى يقينية غير علمية بل وتقف ضد أي معرفة، مقولة تستبطن تعميمية مطلقة، شعار يتغذى على القول بأن العالم غير قابل للتعدد، وأنه لا مجال لأي عقيدة سياسية في عالم اليوم، إلا عقيدة القوة، إنها النظرية التي تريد إقناعنا باستحالة بروز أي نظرية أخرى تؤمن بالأخلاق فوق القوة، وينبغي على العالم أن يرضخ أمام الليبرالية الجديدة.
إن مفهوم "القوة" مركزي في التفكير الغربي، وأنه يجب العمل على تحقيق أكبر قدر من الهيمنة، والطمع في إسقاط أي شكل مستقل للمعرفة والسلطة، ولأجل ذلك فالعمل دؤوب لدى مؤسسات التفكير والبحث في أوروبا وأمريكا لتعميم حضورها عبر صناعة ناطقين باسم ظاهرة القوة الغربية في أوساط المثقفين العرب، إنها المرحلة الثانية من إنجاح الغزوة الليبرالية والتي تتصدى أول ما تتصدى لخصوصية هذه المجتمعات، وتضرب فيها أفق التأمل الحر أو الإرادة المنبعثة من حقائق واقعها الاجتماعي والسياسي، ولذا فإن العقل الغربي شغوف بتغيير طبائع الوعي العربي، ويشغله جداً أن يصاب هذا العقل بالشلل الفكري، وأن يُرغَم على تصديق منظومة الغرب التي تعبد القوة وتستأنس لنفسها صيغ أخلاقية براغماتية، هي مشاغل الغرب تجاهنا وأول ما يتصدر هذه المشاغل هو تجذير صورة الغربي كونه القوة التي لا تقهر، القوة المدججة بالعلم، وأن العرب لا ينبغي لهم أن يملكوا هذه القوة إلا بكمية محدودة، فكلما زاد ما يملكه الآخر (=العرب) قل ما تملكه هي، هذا إن كان يملك السلطة المعرفية في مجتمعه من الأساس. ونظرية الغرب تقوم على أن إعطائك المزيد من القوة يعني فقدانه السلطة، وهي السلطة التي ترتكز لا على علاقات من توازن، يشترط أن تظل علاقات تبادلية داخل السياق، بل هي تبادلية الهيمنة/التبعية؛ إنها قوة تُمارس سلطتها على العقل العربي بتوجيهه من على البعد.
إننا نريد في هذا المقال أن نشير إلى أن الإطار الفكري الذي يعمل بموجبه العقل السياسي العربي يعيش حالات من العزلة عن وسطه الاجتماعي، ولذا فإن الملمات الكبرى في واقعنا يجري التصدي لها بشكل رغائبي يفتقد أدنى درجات المعقولية، دع عنك العقلانية النقدية، وفي علاقات القوة هذه (الغرب/العرب) فإن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها هي أن أنظمتنا الاجتماعية غير قادرة بعد على فهم كيف يدبر الآخر (الغربي) صورتنا عن مفاهيم مثل: القوة،العدالة،الحق...إلخ، إذ هي المسائل الأولى في أي سياق اجتماعي يريد أن يفهم العالم، فهذا الغرب يبني منظومته المعرفية على أساس مادي، وهذه المادية هي الحقيقة الوحيدة في تنظيره للسلطة والهيمنة، رغم أن المادة لا تحمل معنى في ذاتها، لكن هذا العقل الغربي وعبر مراحل تطوره المختلفة استطاع أن يصنع أسطورته التاريخية والتي تجعل من الخطر (=الفناء) القضية التي ينبغي الترويج لها باستمرار، بل والقضاء على كل من يتربص بقيمه وعقيدته الفلسفية.
إن بلاغة الليبرالية تتجلى في صناعة العدو ووضعه دائماً في إطار من المواجهة معها، ولذا فإن أي حديث عن أخلاق للقوة في المفهوم الغربي لا تعدو إلا محاولة تبسيطية لفهم هوية هذا العقل، وإطاره المفاهيمي، والذي يجب ترويجه أن الغرب في خطر داهم ويواجه أعداء افتراضيون يعملون على القضاء على جنته المصنوعة بعناية التدليس، وهذا يفسر لك لماذا يسكت العقل الغربي عن عنف الآلة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، يسكت لأنه استطاع أن يجعل من قضية (المجتمع الغربي في خطر) مصدر كل فاعليته السياسية، وهنا فالقوة سوف تتجرد من أي قيمة أخلاقية طالما أنها تدافع عن قيم الغرب التي باتت لها الكلمة العليا في راهن البشرية. فإذا مات الآلاف من أطفال فلسطين فهم ليسوا إلا آثاراً جانبية لدواء ينبغي أن يتجرعه العربي المتخلف، العربي الذي تراه يدس خنجره المسموم لينال من جسد الحضارة والتقدم، وهنا لتقتل إسرائيل من تشاء طالما أنها تحقق نظرية (القوة بالفعل)، ولا مجال لأية محاسبة أخلاقية، فالقوة أولاً وأخيراً.
إن أزماتنا على الصعيد العربي هي بنت مشكلات الوعي فينا، فلا يزال العقل العربي يعيش حالات من الرغائبية دون أن يتفهم طبيعة الصراع، وموازين القوى، إننا بالفعل نعيش إنكار للواقع، وهو واقع مليئ بالتفكير المقلوب، أو لنسميه "الوعي الشقي" فالذي يصيبنا من مآسي مرده في المقام الأول نظرتنا غير الواقعية للعالم والأشياء، نحن لا نزال نؤمن بفرضيات غير متحققة في الواقع، وأهم هذه الفرضيات، فرضية حقنا المهدور من قِبل ظلم العالَمْ، انه الاستثمار في المظلومية، وفي الوقت ذاته الظن بأننا على حق، ونحن في الحقيقة على حق، لكن أي حق غير محروس بالوعي هو حق محروق بذاته، حق غير قادر على أن يبصر السبيل إلى الإعلان عن نفسه، والحل يبدأ من تحرير العقل العربي من طرائق تفكيره الخرافية إلى بناء منظومته من الوعي القادر على توفير الشروط الموضوعية لنيل الحقوق المهدورة..
الحل في العقلانية والتخلص من التفكير بالرغبة.
• غسان علي عثمان كاتب سوداني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة
سرايا - دعا رئيس البرلمان العربي محمد أحمد اليماحي، المجتمع الدولي ومؤسساته وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي والدول الفاعلة إلى تحمل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية والسياسية والقانونية لوقف المجازر الإسرائيلية، والانتصار للإنسانية وقيم التسامح التي تُنتهك يوميًا على أيدي قوات الاحتلال في فلسطين ولبنان.
كما دعا دول العالم إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح هذا العام تحت شعار "كفى قتلا ودمارا"، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للتسامح الذي دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الاحتفال به في يوم 16 تشرين الثاني من كل عام من خلال تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب.
وقال اليماحي، إن الاحتفال باليوم الدولي للتسامح هذا العام، يأتي في ظل أوضاع مأساوية يعيشها الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض على مدار أكثر من عام لحرب إبادة جماعية ولمجازر وحشية لم يعرفها التاريخ، مشددًا على أن صمت المجتمع الدولي على تلك الجرائم، يغذي التعصب والكراهية على حساب قيم التسامح والتعايش السلمي.
وشدد على أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي على جميع المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، خاصة في هذه الأوقات التي تنتشر فيها الصراعات والنزاعات حول العالم، مؤكدا أن العالم بات في حاجة شديدة إلى ترسيخ ثقافة التسامح لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية الذي يؤجج هذه الصراعات ويُطيل من أمدها.
إقرأ أيضاً : فضيحة تسريب الوثائق السرية تُطيح بمسؤول كبير في مكتب نتنياهو .. استجواب المتحدث باسمه للتحقيق معهإقرأ أيضاً : غارة إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذارات إخلاءإقرأ أيضاً : مسلمون انتخبوا ترمب: نشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب اختيارات المناصب الوزارية
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 826
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 16-11-2024 11:33 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...