لجريدة عمان:
2024-11-19@05:35:57 GMT

فلسطين مفهوم القوة والوعي الشقي

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

لم يعد بالإمكان السكوت على فرضية "نهاية التاريخ" فهي مقولة يراد بها ممارسة الإيهام كونها تشير إلى يقينية غير علمية بل وتقف ضد أي معرفة، مقولة تستبطن تعميمية مطلقة، شعار يتغذى على القول بأن العالم غير قابل للتعدد، وأنه لا مجال لأي عقيدة سياسية في عالم اليوم، إلا عقيدة القوة، إنها النظرية التي تريد إقناعنا باستحالة بروز أي نظرية أخرى تؤمن بالأخلاق فوق القوة، وينبغي على العالم أن يرضخ أمام الليبرالية الجديدة.

ولذا فإن أي مجهود بحثي يتملى فهم التحولات الكبرى التي تجري في موازين القوى ينبغي عليه ألا يتجاوز محاولة فهم هذه العقيدة وأفقها المغلق على معنى وحيد في الاقتصاد والسياسة والعلوم الإنسانية كافة، بل ويتصدى لها ويكشف زيفها وتهافتها، فهي القائلة أنه وللحفاظ على العالم الحر فلتكن الكلفة أعلى من أي توقع طالما أنها ستوفر للغرب مصالحه، في بناء العالم وتدبيره.

إن مفهوم "القوة" مركزي في التفكير الغربي، وأنه يجب العمل على تحقيق أكبر قدر من الهيمنة، والطمع في إسقاط أي شكل مستقل للمعرفة والسلطة، ولأجل ذلك فالعمل دؤوب لدى مؤسسات التفكير والبحث في أوروبا وأمريكا لتعميم حضورها عبر صناعة ناطقين باسم ظاهرة القوة الغربية في أوساط المثقفين العرب، إنها المرحلة الثانية من إنجاح الغزوة الليبرالية والتي تتصدى أول ما تتصدى لخصوصية هذه المجتمعات، وتضرب فيها أفق التأمل الحر أو الإرادة المنبعثة من حقائق واقعها الاجتماعي والسياسي، ولذا فإن العقل الغربي شغوف بتغيير طبائع الوعي العربي، ويشغله جداً أن يصاب هذا العقل بالشلل الفكري، وأن يُرغَم على تصديق منظومة الغرب التي تعبد القوة وتستأنس لنفسها صيغ أخلاقية براغماتية، هي مشاغل الغرب تجاهنا وأول ما يتصدر هذه المشاغل هو تجذير صورة الغربي كونه القوة التي لا تقهر، القوة المدججة بالعلم، وأن العرب لا ينبغي لهم أن يملكوا هذه القوة إلا بكمية محدودة، فكلما زاد ما يملكه الآخر (=العرب) قل ما تملكه هي، هذا إن كان يملك السلطة المعرفية في مجتمعه من الأساس. ونظرية الغرب تقوم على أن إعطائك المزيد من القوة يعني فقدانه السلطة، وهي السلطة التي ترتكز لا على علاقات من توازن، يشترط أن تظل علاقات تبادلية داخل السياق، بل هي تبادلية الهيمنة/التبعية؛ إنها قوة تُمارس سلطتها على العقل العربي بتوجيهه من على البعد.

إننا نريد في هذا المقال أن نشير إلى أن الإطار الفكري الذي يعمل بموجبه العقل السياسي العربي يعيش حالات من العزلة عن وسطه الاجتماعي، ولذا فإن الملمات الكبرى في واقعنا يجري التصدي لها بشكل رغائبي يفتقد أدنى درجات المعقولية، دع عنك العقلانية النقدية، وفي علاقات القوة هذه (الغرب/العرب) فإن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها هي أن أنظمتنا الاجتماعية غير قادرة بعد على فهم كيف يدبر الآخر (الغربي) صورتنا عن مفاهيم مثل: القوة،العدالة،الحق...إلخ، إذ هي المسائل الأولى في أي سياق اجتماعي يريد أن يفهم العالم، فهذا الغرب يبني منظومته المعرفية على أساس مادي، وهذه المادية هي الحقيقة الوحيدة في تنظيره للسلطة والهيمنة، رغم أن المادة لا تحمل معنى في ذاتها، لكن هذا العقل الغربي وعبر مراحل تطوره المختلفة استطاع أن يصنع أسطورته التاريخية والتي تجعل من الخطر (=الفناء) القضية التي ينبغي الترويج لها باستمرار، بل والقضاء على كل من يتربص بقيمه وعقيدته الفلسفية.

إن بلاغة الليبرالية تتجلى في صناعة العدو ووضعه دائماً في إطار من المواجهة معها، ولذا فإن أي حديث عن أخلاق للقوة في المفهوم الغربي لا تعدو إلا محاولة تبسيطية لفهم هوية هذا العقل، وإطاره المفاهيمي، والذي يجب ترويجه أن الغرب في خطر داهم ويواجه أعداء افتراضيون يعملون على القضاء على جنته المصنوعة بعناية التدليس، وهذا يفسر لك لماذا يسكت العقل الغربي عن عنف الآلة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، يسكت لأنه استطاع أن يجعل من قضية (المجتمع الغربي في خطر) مصدر كل فاعليته السياسية، وهنا فالقوة سوف تتجرد من أي قيمة أخلاقية طالما أنها تدافع عن قيم الغرب التي باتت لها الكلمة العليا في راهن البشرية. فإذا مات الآلاف من أطفال فلسطين فهم ليسوا إلا آثاراً جانبية لدواء ينبغي أن يتجرعه العربي المتخلف، العربي الذي تراه يدس خنجره المسموم لينال من جسد الحضارة والتقدم، وهنا لتقتل إسرائيل من تشاء طالما أنها تحقق نظرية (القوة بالفعل)، ولا مجال لأية محاسبة أخلاقية، فالقوة أولاً وأخيراً.

إن أزماتنا على الصعيد العربي هي بنت مشكلات الوعي فينا، فلا يزال العقل العربي يعيش حالات من الرغائبية دون أن يتفهم طبيعة الصراع، وموازين القوى، إننا بالفعل نعيش إنكار للواقع، وهو واقع مليئ بالتفكير المقلوب، أو لنسميه "الوعي الشقي" فالذي يصيبنا من مآسي مرده في المقام الأول نظرتنا غير الواقعية للعالم والأشياء، نحن لا نزال نؤمن بفرضيات غير متحققة في الواقع، وأهم هذه الفرضيات، فرضية حقنا المهدور من قِبل ظلم العالَمْ، انه الاستثمار في المظلومية، وفي الوقت ذاته الظن بأننا على حق، ونحن في الحقيقة على حق، لكن أي حق غير محروس بالوعي هو حق محروق بذاته، حق غير قادر على أن يبصر السبيل إلى الإعلان عن نفسه، والحل يبدأ من تحرير العقل العربي من طرائق تفكيره الخرافية إلى بناء منظومته من الوعي القادر على توفير الشروط الموضوعية لنيل الحقوق المهدورة..

الحل في العقلانية والتخلص من التفكير بالرغبة.

• غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة

سرايا - دعا رئيس البرلمان العربي محمد أحمد اليماحي، المجتمع الدولي ومؤسساته وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي والدول الفاعلة إلى تحمل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية والسياسية والقانونية لوقف المجازر الإسرائيلية، والانتصار للإنسانية وقيم التسامح التي تُنتهك يوميًا على أيدي قوات الاحتلال في فلسطين ولبنان.

كما دعا دول العالم إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح هذا العام تحت شعار "كفى قتلا ودمارا"، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للتسامح الذي دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الاحتفال به في يوم 16 تشرين الثاني من كل عام من خلال تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب.


وقال اليماحي، إن الاحتفال باليوم الدولي للتسامح هذا العام، يأتي في ظل أوضاع مأساوية يعيشها الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض على مدار أكثر من عام لحرب إبادة جماعية ولمجازر وحشية لم يعرفها التاريخ، مشددًا على أن صمت المجتمع الدولي على تلك الجرائم، يغذي التعصب والكراهية على حساب قيم التسامح والتعايش السلمي.


وشدد على أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي على جميع المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، خاصة في هذه الأوقات التي تنتشر فيها الصراعات والنزاعات حول العالم، مؤكدا أن العالم بات في حاجة شديدة إلى ترسيخ ثقافة التسامح لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية الذي يؤجج هذه الصراعات ويُطيل من أمدها.

 

إقرأ أيضاً : فضيحة تسريب الوثائق السرية تُطيح بمسؤول كبير في مكتب نتنياهو .. استجواب المتحدث باسمه للتحقيق معهإقرأ أيضاً : غارة إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذارات إخلاءإقرأ أيضاً : مسلمون انتخبوا ترمب: نشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب اختيارات المناصب الوزارية

 





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 826  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 16-11-2024 11:33 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
في جريمة مروعة .. شاب يمني يقتل والديه وشقيقيه ويتصل بالثالث لإبلاغه كائنات فضائية خارج كوكب الأرض .. دراسة جديدة تؤكد طفل يموت بحكم قضائي .. سحبوا عنه أجهزة التنفس رغم معارضة أمه مقتل 10 أطفال حديثي الولادة بحريق في مستشفى بالهند بالفيديو .. الديوان الملكي يكشف عن تحضيرات خطاب... لائحة الأجور الطبية 2024 تدخل حيز التطبيق السبت الأرصاد : فرصة لسقوط الأمطار وهذه المناطق المتأثرة... "200 دينار سنويًا" .. توجه أردني لتحديد... رسالة من خامنئي شخصياً إلى بري .. ماذا تحتوي! فضيحة تسريب الوثائق السرية تُطيح بمسؤول كبير في...غارة إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت...مسلمون انتخبوا ترمب: نشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب...خيبة أمل بين مسلمي أمريكا من تعيينات ترمبمجلس الأمن يعقد جلسة لإنهاء الحرب في الشرق الأوسطبسبب هاتف .. حادث خطير بين طائرتي إف 16 إسرائيليتينترامب يعين كارولين ليفيت متحدثة باسم البيت الأبيض"بتكلفة سنوية تصل إلى أكثر من 4 مليون...بايدن: العالم يواجه "لحظة تغيير سياسي كبير" تعرف على الفنان الراحل أمين الهنيدي .. وقصة سرقتة... إلزام حسن شاكوش بدفع 950 ألف جنيه نفقة لطليقته جمهور كيفانش تاتليتوغ يغضب منه لهذا السبب توني تود صوّر مشهد النحل في "Candyman"... لماذا صمت داعمو هاريس في هوليود بعد فوز ترامب؟ بعد خسارة أسطورة الملاكمة .. وسم "تايسون" يعتلي منصات التواصل الاجتماعي ديشامب: مبابي ليس سعيداً في ريال مدريد .. ويريد العودة ليفربول يقرر استبدال صلاح بـ"مبابي الجزائر" بول يهزم تايسون بمباراة ملاكمة طال انتظارها في تكساس رونالدو يحمل البرتغال إلى ربع نهائي دوري الأمم لإصابتها برهاب الموز .. وزيرة سويدية تدفع مسؤولين لإخلاء الغرف من الفاكهة امرأة مجهولة تشتري قلادة تاريخية بـ4.8 مليون دولار إعلامية تغادر قناة لبنانية بسبب تهديدات بالقتل ضبط "أسلحة نازية" من حقبة أدولف هتلر .. ما القصة؟ حبس البلوغر المصرية المضبوطة بمواد مخدرة "استنسخ سراً" .. خروف عملاق يضع أميركا في حالة تأهب طفل يموت بحكم قضائي .. سحبوا عنه أجهزة التنفس رغم معارضة أمه "دمى الجوارب" .. 14 مليون حساب "فيسبوك" وهمي في مصر وفاة الأميرة يوريكو .. أكبر أفراد العائلة اليابانية سنًا أمريكيون يحتالون على السلطات للحصول على مبلغ مادي .. ماعلاقة الدببة؟

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • منتخب فلسطين يصدم الأهلي بإعلان إصابة وسام أبو علي
  • إصابة وسام أبو علي مع منتخب فلسطين
  • صدمة لجماهير الأهلي بعد إصابة وسام أبو علي مع منتخب فلسطين
  • ضربة موجعة للأهلي.. إصابة وسام أبو علي مع منتخب فلسطين
  • منتخب فلسطين يستهدف الملحق الآسيوي
  • لتحقيق أول انتصار.. موعد مباراة فلسطين وكوريا الجنوبية والقنوات الناقلة لها في تصفيات آسيا لكأس العالم
  • الإرثُ الاستعماري الغربي.. من مجد الأسطول إلى لعنة الزوال
  • ” عندما يكون الفن القوة التي تتحكم في التعايش السلمي ونبذ الاعراف البالية “فصلية “
  • البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة
  • اللغة التي يفهمها ترامب