تظهر المواطنة باعتبارها قيمة إنسانية في تلك المجتمعات التي تتميَّز بتجانس اجتماعي بين أفرادها على تنوعهم وتنوُّع ثقافاتهم، إلاَّ أنهم يحرصون على انتمائهم الوطني، وتلاحمهم وقدرتهم على المشاركة فيما يخص أوطانهم من خلال التعاون والتكامل من أجل تحقيق الأهداف الوطنية التي ينشدها مجتمعهم. إنها تلك المواطنة التي تجعل الأفراد مدركين لحقوقهم وملتزمين بواجباتهم تجاه وطنهم.
وعلى الرغم من أن المواطنة في عمومها تدُّل على مفاهيم الحقوق والواجبات والوعي بها من قِبل المواطن، وضمان منح تلك الحقوق للمواطن من قِبل الحكومات، إلاَّ أن هذا لا يعبِّر سوى عن الأساس الذي تنطلق منه المواطنة؛ ذلك لأنها تبرز على المستوى الأعمق في ذلك السلوك الذي يُظهره المواطن الحق تجاه وطنه أو مجتمعه على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى العالمي. إن قدرة المواطن على تطوير أنماط علاقته بمجتمعه تندرج ضمن المستويات العليا من المواطنة التي تظهر فيما يقدمه من مبادرات في عمله أو في مشاركته في البرامج المجتمعية المدنية.
لقد اعتمد مفهوم المواطنة على (المشاركة) في المشروعات التنموية في الوطن، وهو مفهوم يرتبط بأنماط المشاركة المختلفة سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك؛ حيث تبدأ بالمشاركة في التخطيط والتنفيذ والمتابعة، ولهذا فإن المواطنة الحقة هي تلك التي تقود الأفراد إلى فعل التشاركية، وتعزِّز أهميتها وجودتها واستدامتها خاصة في المبادرات والبرامج التنموية التي تستهدف التطوير المجتمعي أو تلك التي تمس أنماط الحياة.
إن فعل (المشاركة) هنا يقتضي إشراك أفراد المجتمع في صنع القرارات، باعتبارها وسيلة تجعلهم متحملين لجزء من نتائج تلك القرارات، وبالتالي فإنه فعل يقوم على المشاركة المباشرة لأصحاب المصلحة من أفراد المجتمع ليقدموا ما يستطيعون من خبراتهم ومعارفهم من أجل صناعة قرار وطني يقود إلى المصلحة العامة، فهذه المشاركة تعبِّر عن قدرة المواطنين على اتخاذ نهج وطني واضح في صنع القرارات من ناحية، واتباع أفضل السبل التي تضمن شفافيتها من ناحية أخرى.
الأمر الذي يعكس الوعي المتزايد في الدول بأهمية إشراك المواطنين في صنع القرارات، وأنماط الشفافية التي تمارسها، والتي تُسهم في توسيع آفاق المشاركة، والفهم المتجدِّد والمرن لأهمية ربط التنمية بقدرة أفراد المجتمع على المشاركة في الفعل التنموي، والذي لا يقوم على التنفيذ وحسب بل يبدأ بالتخطيط ولا ينتهي عند صنع القرار، بل يستمر بالمتابعة والوعي بتطويره وتغييره وفقا لتطورات المجتمع وأهدافه وتطلعاته المستقبلية.
لقد تطوَّرت المواطنة وفقا لتطلعات المجتمع، حتى أصبحت أكثر مرونة وحيوية وقابلة للتشكُّل، وهذا ما يظهر دوما في أوقات الأزمات؛ فإشراك المواطنين في التنمية وصناعة القرارات خاصة تلك التي تؤثر على أنماط حياتهم ومستقبلهم، يجعلهم أكثر دافعية نحو المشاركة والتعاون بل والدفاع عن أوطانهم خاصة في أوقات الأزمات والتحديات التي قد تطرأ على المجتمع، وهي أوقات يكون فيها فعل المواطنة البطل الحقيقي الذي يتجلى وفق متطلبات المرحلة.
ولهذا فإن ما نشهده دوما في عُمان من حِراك مدني تطوعي خلال الأعوام، وما تقدمه مؤسساته من مبادرات داعمة للمجتمع واحتياجاته وأولوياته، نجدها بارزة جليَّة أيضا في تلك الاستعدادات التي تسبق الأزمات خاصة التأثيرات المناخية المحتملة جرَّاء الأنواء المناخية، الأمر الذي يُظهر مشاركة المواطنين في حماية مجتمعهم وقدرتهم على تمثيله وفق متطلبات الموقف، فمن خلال هؤلاء المواطنين ينكشف جوهر المواطنة الحقة الإيجابية التي تسعى على الدوام إلى المشاركة والتعاون والدعم المستمر.
إن المواطنة عملية بناء مستمر تعتمد على الإعمار والتفاهم والمشاركة والتعاون، ولهذا فإنها لا تعبِّر عن نفسها في أوقات الرخاء وحسب، بل تتجلى في أوقات الصعاب والأزمات، ولعل فاعلية المواطنة الإيجابية تتخذ مجموعة من الأنماط التي تتكامل مع دول الحكومة وتقدِّم عمليات ديناميكية تعزِّز التواصل المفتوح بين أفراد المجتمع وترسِّخ مبادئ الفكر الوطني القائمة على التعاون والتكامل، وهذا ما نشهده من تفاعل مجتمعنا وتكامله فيما يقدِّمه من دعم وطني يشهد له العالم.
لقد قدَّم أفراد المجتمع سواء من خلال المبادرات الفردية أو برامج الجمعيات المدنية مجموعة من أنماط التشارك والتعاون أثناء الأنواء المناخية الأخيرة (منخفض السيَّال)؛ بدءا من برامج التوعية لأفراد المجتمع وليس انتهاءً بتلك المشاهد التي جسَّدت التعاون بين المواطنين والمؤسسات الحكومية التي قدَّمت أسمى صور التضحية من أجل الحفاظ على سلامة أفراد المجتمع وحماية ممتلكاتهم، ومكتسبات الدولة، وهي مشاهد نجدها حاضرة في كافة ربوع الوطن ومحافظاته، الأمر الذي يقدِّم المواطنة بتجليها وإمكاناتها التي تربى عليها أفراد المجتمع، ودعمتها الدولة من خلال الإشراك وفعل الشفافية الحرة.
فمشاهد ذلك التلاحم والتشارك بين الحكومة والمواطنين لا يعبِّر عن الوعي وحسب، بل عن تلك المواطنة التي تُعد روح المجتمع ونبضه الدائم؛ فالمواطنة سلوك وقيم تتجلى في صور الدعم والمساندة والتعاون المشترك بين أفراد المجتمع ومؤسساته الحكومية والخاصة والمدنية، والتي تكشف أنماط الانتماء الوطني والإيثار الذي يجعل المجتمع منتظما في وحدات فاعلة، تولِّد آليات مشاركة تقوم على ما يسمى بـ (التنظيم الذاتي) الهادف إلى حماية المجتمع بوصفه قوة.
إن إيمان الدولة بأهمية إشراك المواطنين في الفعل التنموي بمراحله المختلفة، ينمي لديهم الانتماء إلى وطنهم باعتبارهم جزءا أساسيا وفاعلا فيه، الأمر الذي يدفعهم دوما إلى المشاركة الإيجابية والمساهمة الجادة في العمل المجتمعي في كافة القطاعات، فهم يعملون بدافع ذلك الانتماء، ويشاركون عن قناعة بأهمية المشاركة والتعاون لأنهم يتحملون نتائج التخطيط والتنفيذ واتخاذ القرارات، وبالتالي فإنهم أيضا يقبلون على تبني العديد من المبادرات التطوعية، ويضحوُّن من أجل مجتمعهم، انطلاقا من ذلك الفكر نفسه.
فالمواطن الحق يتميَّز بالإيجابية والمرونة والقدرة على تمثيل فكر مجتمعه، ولهذا فإن إشراكه الفاعل في حالات الرخاء والأزمات، يجعله متكامل مع فكر مجتمعه ويسعى دوما إلى إيجاد فرص الربط والتعزيز للأدوار التي تقوم بها الحكومة، ويقدِّم بذلك تصورات مرنة لما يُسمى بـ (التعبئة المعرفية)، التي تعتمد على الوعي التام بدوره التنموي والمعرفي في وطنه، و دوره الفاعل في حماية أفراد مجتمعه وحماية مكتسبات وطنه، فهو مواطن يتصف بالمرونة التي تأهِّله ليكون قادرا على مواءمة التحولات المعرفية الطارئة مع ثوابته الثقافية والحضارية التي يتميَّز بها المجتمع.
إن تلك التعبئة المعرفية لا تتوقف عند الوعي والفهم وحسب بل تظهر سلوكا فاعلا إيجابيا في المشاركة والتعاون والعمل الجاد الهادف إلى تطوير المجتمع وتنميته بالمعارف والتجديد والبناء، وهي بذلك ليست طارئة بل مستمرة ومرنة، تتشكَّل وفقا لمتطلبات المرحلة التي يمر بها المجتمع. إنها المواطنة التي يُظهرها المواطن في تعاونه وتشاركه ودعمه لوطنه، وتتجلى بشكل واضح في كل الأزمات الطارئة التي مرَّ بها المجتمع، وهي تكشف على الدوام ذلك الوعي الذي يتنامى ويتطوَّر مع الإدارة الحكيمة من لدن الحكومة لتلك الأزمات.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المشارکة والتعاون أفراد المجتمع المواطنة التی المواطنین فی الأمر الذی ی فی أوقات من خلال التی ی من أجل
إقرأ أيضاً:
بعد إحالة الفتاة الأوكرانية للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية حادث دار مصر| فيديو وصور
أمرت جهات التحقيق بالقاهرة الجديدة، بإحالة فتاة أوكرانية تعدت على سيدة قاطنة بالتجمع الخامس في القضية المعروفة بـ حادث دار مصر بعد اصطدام سيارة السيدة الأوكرانية بسيارة متوقفة، وانقلاب السيارة المتحركة، الي محكمة الجنح.
أماكن استخراج جواز السفر 2024 في القاهرة.. بالعناويناعترفت له بعلاقاتها مع الرجال.. ماذا فعل مسجل بزوجته في القاهرة؟اعترفت له بعلاقاتها المتعددة.. مسجل ينهي حياة زوجته في القاهرةتحريات أمن القاهرة عن شقة المنيل: ماس كهربائي وصل لـ ماسورة الغازحادث دار مصرباشرت نيابة القاهرة الجديدة التحقيقات في واقعة حادث الكمبوند الشهير في القاهرة الجديدة المتهمة فيه سيدة أجنبية، بالاصطدام بسيارة سيدة أخرى والتعدي عليها وشقيقتها بالسب والقذف حيث استمعت النيابة لأقوال مالكة السيارة التي تعرضت لتلفيات جراء الحادث وكذا أقوال المواطنة الأجنبية المتهمة في الواقعة وقررت التحفظ على السيارة المتسببة في الحادث.
أقوال مالكة سيارة حادث كمبوند القاهرة الجديدةوقالت هالة عبد الفتاح، خلال تحقيقات النيابة في حادث المواطنة الأجنبية بكمبوند شهير، إنها كانت نائمة هي وشقيقتها في شقتهما داخل الكمبوند في القاهرة الجديدة، وسمعت صوت ارتطام قوي في الخارج، وحينما نظرت من الشرفة شاهدت سيارة على جانبها بجوار سيارة شقيقتها، وأن السيدة قامت بالوقوف في منتصف الشارع وقالت إنها مخمورة وحاول صديقها تهدئتها إلا أنه فشل في ذلك.
المجني عليها في حادث التجمعوأضافت: بعدما خرجت من الشقة شاهدت السيارة وذهبت لسيارة شقيقتي وجدتها مهشمة من مقدمتها، ووجدت فتاة داخل السيارة الأخرى، وبعدما خرجت الفتاة ظهرت عليها ملامح عدم الاتزان وتبين أنها مخمورة، وقمت بالاتصال بالشرطة، وحينما سمعت المواطنة الأجنبية لفظ البوليس بدأت في سيل من السب والقذف موجه لي ولـ شقيقتي وأيضا سيدات مصر، وظلت في وصلة السب حتى حضر صديقها.
أقوال شقيقة ضحية حادث المواطنة الأجنبيةفيما قالت هادية عبد الفتاح، طالبة قانون دولي في إحدى الجامعات بالخارج: أنا نازلة زيارة لأختي في أجازة، وإحنا نايمين حصل صوت جامد خرجنا البلكونة بسرعة لقينا عربية مقلوبة على عربية أختي جوا الكمبوند ونزلنا نجري وكان كل همنا إننا نخرج البنت دي، ولقيتها بتتكلم إنجليزي حاولت اهديها وأتكلم معاها، وفجأة لقيت عربية تانية جت ونزل منها شاب وعربية تانية نزل منها شابين، واحد منها معاه آلة حادة وحاولوا يسحبوها في عربية وياخدوها وأنا قلت له مش هتمشي إلا لما النجدة تيجي.
الفتاة المتهمة في حادث التجمعوأكملت: المواطنة الأجنبية كانت بتتكلم بألفاظ بالإنجليزي، وقلت عندها خوف من اللي حصل وقلت لها متقدريش تمشي عشان نعمل إثبات الواقعة في الشرطة، وجه واحد يهددنا ويشتمنا ويحاول يعتدي على أختي، وفي الوقت ده كانوا بيحاولوا يمشوها من قدامنا والجيران بيمنعوها إنها تمشي، والعربية البيضاء اللي ظهرت في الفيديو كانت ماشية قدام والبنت ماشية وراه بالعربية التانية وشكلهم كانوا في سباق، وساعتها عملت الحادثة وهو رجعلها جري بعد ما عربية أختي اتدمرت، والبنت شتمت السيدات المصرية وشتمتنا.
واستكملت سيدة حادث المواطنة الأجنبية، البنت دي كانت بتحاول تجري علينا وتهجم وسحلت أختي من شعرها في الشارع وكنا بنتهدد، وبعدها جت الشرطة وقالت لي مش هتقدري تعمليلي حاجة ومحدش يقدر يعملي حاجة وبتشتم بشكل بشع، واكتشفت أن إقامتها منتهية من 6 شهور في مصر، والست دي معهاش رخصة قيادة ولا إقامة في البلد ولا توكيل بقيادة السيارة وكمان مخمورة أثناء القيادة، وصاحب العربية واقف يطبطب عليها ويقولي إنتوا آخركم لو روحتوا القسم هتاخدوا 50 ألف جنيه وخلاص.
المتهمة في حادث كمبوند التجمعواستطردت: أنا حزينة وكنت بحاول اتعامل معاها بطريقة كويسة، ولما روحنا النيابة شتمتني أنا وستات مصر بلفظ خارج جدا وخادش جدا، لدرجة أن الفيسبوك قفل الصوت على الفيديوهات اللي أنا نزلتها، والمحامي هددني وقالي هي هتمشي كده كده وهو مش هيسيب أختك وهو ساكن جنبك وهنعرف نوصلك برا مصر، وهنتعرض لكم في مصر وبرا مصر، وبيتم الضغط علينا بكل الصور.
أقوال المواطنة الأجنبية في تحقيقات حادث القاهرة الجديدةوقالت المواطنة الأجنبية «دي لفانوفا»، المنتهية إقامتها في مصر والمتهمة في حادث الكمبوند الشهير، إنها تعيش في مصر بدون إقامة حيث انتهت إقامتها منذ 6 أشهر، وأنها تسكن مع صديقها في كمبوند، وأنها كانت تقود سيارة صديقها تحت تأثير المواد الكحولية، واصطدمت بالسيارة المتواجدة في الفيديوهات.