لجريدة عمان:
2024-10-19@21:37:48 GMT

حتى يستطيع العالم العربي أن ينتصر

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

أتصور أن فرحة إسرائيل بما أحدثته من شرخ خطير فـي الوعي العربي (وعي فئة ليست قليلة) أكبر بكثير من فرحتها بالقضاء على زعيم حركة حماس الشهيد يحيى السنوار، فهي تعلم أن السنوار سيلقى ذات يوم مصير كل المقاومين فـي تاريخ نضال الشعوب ضد الاستعمار والطغيان ما دامت المعركة مستمرة، لكنها لم تكن تتصور أن يفرح مسلمون عرب بموته ويصفونه بـ «الإرهابي» علنا وعلى الملأ.

.! كان الأمر لإسرائيل، فـي تصوري، أكبر نجاح جوهري فـي السنوات الماضية؛ لأنه أحدث تغييرا فـي الوعي وليس فـي السلوك العابر أو الانفعالي، والوعي فـي هذه القضية بالذات مرتبط بالوعي الديني/ العقيدة أكثر من ارتباطه بالوعي السياسي. بالنسبة للسنوار وعشرات الآلاف من الشهداء منذ بداية هذه الحرب وبالنسبة للوعي الإسلامي فإن فكرة الشهادة لا ترمز إلى النهاية لا على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي، إنها البداية. وهي فـي الوعي الديني مطلب غالٍ يستحق أن يناله كل مناضل أو مقاوم يدافع عن أرضه وماله وعرضه ودينه، وهذا الوعي يُربى عليه المسلمون منذ نعومة أظفارهم. ولا أعرف إذا كانت هذه الفكرة الدينية واضحة لدى العشرات من كتاب المقالات الغرب الذين كتبوا عن «موت» السنوار، معتبرين أن موته «نهاية» لحركة حماس وللمقاومة فـي غزة وبداية «للسلام» فـي المنطقة! وكأن فكرة مقاومة الاستعمار الإسرائيلي فـي فلسطين مرتبطة بفكر السنوار، فقط، وليس حقا إنسانيا يؤمن به جميع الفلسطينيين حتى أولئك الذين لا يستطيعون المشاركة فـيه لأسباب سياسية وتنظيمية والذين لم يعودوا يؤمنون بأن إسرائيل يمكن أن تكون طرفا فـي أي سلام فـي المنطقة، رغم أن الكثير منهم تفاءلوا ولو قليلا بسلام أوسلو فـي تسعينيات القرن الماضي.

لا شك أن حماس قبل مقتل السنوار بشهور أو بعده ليست هي حماس فـي السابع من أكتوبر 2023، وهذا طبيعي جدا ومفهوم فـي السياق العسكري؛ فصمود حماس وصمود سكان غزة لمدة عام كامل من الحصار والتجويع وآلاف المجازر والمذابح التي قضت على الصغار والكبار واستخدام سياسة «الأرض المحروقة» هو «معجزة» فـي حد ذاته وليس مفهوما إلا ضمن فهم أعمق لنزعة السعي «للشهادة» فـي سياق الوعي الإسلامي خلال الدفاع عن الأرض والعرض.

قرأت خلال اليومين الماضيين مجموعة من المقالات التي نشرتها صحف غربية كانت تحتفـي «بقتل» السنوار، ورغم أنها تتجاهل تماما حق الفلسطينيين، ومن بينهم السنوار نفسه، فـي النضال من أجل التحرر الوطني وأن تكون لهم دولة ووطن كما فـي المواثيق الدولية، ويتجاهل الكثير منها الإبادة الجماعية الوحشية التي ارتكبها نتنياهو وجيشه، لكن فرحتها تبقى مفهومة فـي ظل الصدمة التي أحدثها طوفان الأقصى للغرب.. لأوروبا ولأمريكا قبل إسرائيل نفسها. وسمعت سياسيا أمريكيا يقول إن طوفان الأقصى أعاد إلى الوعي الغربي ذكرى حصار المسلمين لفـيينا فـي القرن السابع عشر، فـي إشارة إلى أن المشهد بالنسبة لهم أقرب إلى صراع حضاري، الحضارة الإسلامية فـي مواجهة الحضارة الغربية المسيحية وليس مجرد القضاء على «إسرائيل». وكان نتنياهو يكرر هذه العبارة طوال شهور الحرب: «إننا نخوض حربا حضارية ضد قوى الظلام» وأتصور أن كلامه كان موجها للغرب المسيحي أكثر من غيره فـي محاولة لإيقاظ الماضي. لكن الحقيقة التي نراها من الضفة الأخرى أن نتنياهو والغرب كانوا يخوضون حرب الظلم والظلام ضد شعب لا يريد إلا أبسط حقوقه الإنسانية: حفظ كرامته على أرضه ووطنه.. ولم يتجاوز نضاله حدود أرضه التاريخية التي تعترف باحتلالها كل المنظمات الأممية.

إن فريق المتفائلين فـي العالم العربي يرى أن الفلسطينيين على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلمهم، معتدين بالدماء الطاهرة الزكية التي سالت على أرض غزة من أجل لحظة النصر، وبالمأزق الوجودي الذي تعيشه إسرائيل، وبتشظي وتهشم السردية الإسرائيلية فـي وجدان الجماهير العالمية التي تنبئ أن أجيالا كبيرة قادمة لن تقف فـي صف إسرائيل وسيكون من بينها صناع قرار ومؤثرون فـي توجيه المشهد العالمي.

وهذا التفاؤل مهم جدا ولكن لا ينبغي أن تبنى عليه، وحده، مصائر أمم وشعوب. فإذا كانت الجماهير العالمية تدعم، الآن، القضية الفلسطينية كما لم تدعمها من قبل فإن بعض الجماهير العربية، مع الأسف الشديد، تعمل ضد القضية فـي السر والعلن، وتكشف عن تناقضات كبيرة فـي الوعي العربي هي أحق بدراسة التحول الذي حدث لها، وأسباب تناقضاتها مع فكرة النضال الفلسطيني من أجل القضية.

لكن هذا ليس كل شيء يجعل فرص نجاح النضال العربي من أجل تحرير فلسطين صعبا فـي ظل هذه التحولات العالمية إذا ما أردنا أن نكون أقرب إلى الواقع، مع أن الأحلام مهمة وضرورية ولكن دون الاستغراق فـيها الركون إليها.

فإضافة إلى التناقضات فـي الوعي الديني والسياسي تجاه القضية، هناك حاجة ماسة إلى بناء الوعي العام فـي العالم العربي وتحريره من الكثير من الأوهام والعوالق التي ما زال غارقا فـيها وبناء وعي جديد يبنى على أرضية العلم والمعرفة وإعطاء المكانة الحقيقية للعقل النقدي.. وهذا يتعلق فـي الأساس ببناء منظومة تعليمية متطورة فـي العالم العربي، أعني منظومة تعليمية قادرة على بناء وإنتاج علماء فـي مختلف المجالات: علماء تكنولوجيا وعلماء فـيزياء وكيمياء وأطباء وعلماء نفس واجتماع ومفكرين حضاريين قادرين فـي إحداث تغيير جوهري فـي المجتمعات العربية، وقادرين على بناء نهضة اقتصادية وصناعية وليس مجرد حسابات بنكية فـي بنوك غربية تحوي أرقاما مليارية. ويتعلق الأمر أيضا، ببناء مجتمعات تؤمن بقيمها ومبادئها ومستعدة للعمل من أجلها والدفاع عنها إنْ لزم الأمر.

إن العالم العربي، رغم حقه الأصيل فـي القضايا التي يناضل من أجلها، إلا أنه يفتقد إلى لحظة الصدق مع نفسه، وليس فـي هذا جلد للذات؛ فالمواقف تكشف حجم الانحياز ضد القضية العربية المركزية لصالح العدو، وحجم الخلاف العربي العربي الذي خرج من السر للعلن إلى حد لا يستقيم معه الحديث فـي لحظة ما عن «مشروع عربي» أو «قضية عربية واحدة». والتغيير المطلوب فـي المشهد العربي يبدأ من لحظة الصدق والأمانة لدى الفرد العربي قبل أن تتبلور إلى وعي جماعي وحركة تغيير حضارية.

قد يبدو الأمر، فـي نظر البعض، فـي غاية الصعوبة ولكن هناك أمم كثيرة استطاعت أن تنتشل نفسها وتحدث التغيير فـي سنوات قليلة وهي فـي حالة أسوأ من الحال العربي، ونستطيع أن نتذكر هنا اليابان، والصين ودولا أخرى فـي شرق آسيا، وألمانيا فـي أوروبا فـي العصر الحديث. وهذا الأمر من شأنه أن يصنع قوة الأمة ومنعتها وينتشلها من الاستضعاف الذي تعيشه منذ سنوات طويلة على هامش التاريخ.

لا يمكن تصور تحقق الحلم العربي فـي ظل التناقضات العميقة التي تعيشها الأمة والخذلان الذي تشعر به وهذا التسطيح للوعي إلى درجة مشاركة العدو فرحته فـي «تصفـية» مناضل عربي مسلم يناضل من أجل أن يستعيد أرضه ويدافع عن عرضه.. كما لا يمكن تصور تحققه فـي ظل الهشاشة العامة وعلى كل المستويات فـي أغلب أقطار العالم العربي.. لكن وإلى أن يحين ذلك الوقت لا يعني أن يترك الفلسطينيون، خاصة، النضال من أجل قضيتهم، مع أهمية أن يكونوا هم فـي قلب التغيير المطلوب وجوهره فـي العالم العربي.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة «عمان»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فـی العالم العربی فـی الوعی من أجل فـی ظل

إقرأ أيضاً:

هل بالاستهداف تنتهي القضية؟.. مقدمة قوية من كمال ماضي بعد اغتيال السنوار

علّق الإعلامي كمال ماضي على اغتيال يحيى السنوار، مشددًا على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تظن وتتمنى أن بالاغتيال والاستهداف تنتهي القضية الفلسطينية ويغلق ملفها «بالضبة والمفتاح».

وأضاف «ماضي»، في «تغطية خاصة» عبر قناة «القاهرة الإخبارية»: «لكن حقيقة الأمر قد تحبطه مهما ظن أنه امتلك زمام الأمور بصلف وكبر وخيلاء، مهما اعتقد أن فرط القوة والتقنية التي يحوزها تكتب له الغلبة، ومهما أغدق عليه بمدد أمريكي سخي لا ينقطع، سواء بالمال والسلاح أو بدعم استخباري أو بغطاء حماية أممية».

قضية فلسطين هي شعب وأرض

وتابع: «فحقيقة قضية فلسطين، هي أرض وشعب، أرض تاريخها ينبؤنا، أنها تصبر ولا تيأس، قد تحتل سنين وسنين، وقد تلتهم عن بكرة أبيها حتى يظنكل الظن ألا سبيل للعودة لكنها تعود وتحرر تلفظ المحتل في نهاية المطاف».

وأكد: «أما شعب القضية، الذي لا يقنط من رحمة ربه مهما استفحل الظلم وتجبر؛ فلسان حاله يقول استهدفوا كيفما شئتم، فإن مات الولد، رغم الكمد، ستلد الأرض، ألف ولد وولد، وغزة جزء أصيل من القضية».

وأكد، أن غزة لا تتقن الخطابة، وليس لها حنجرة، مسام جلدها هي التي تتکلم عرقا ودما وحرائق، من هنا يکرهها العدو حتى القتل، ويخافها حتى الجريمة، ويسعى لإغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم.

مقالات مشابهة

  • شاهد الصورة التي “أذهلت” العالم.. القائد “يحيى السنوار” قبل لحظات من استشهاده
  • سمير فرج: اغتيال السنوار كان ضربة حظ وليس عملية مدبرة من إسرائيل
  • عسكريون إسرائيليون: حزب الله يستطيع تعبئة قواته بسرعة ومقتل السنوار لا يضعف حماس
  • القصة الكاملة لصاحب جواز السفر الذي وجد مع السنوار: يعمل مدرس وليس الحارس الشخصي
  • قوافل الشهداء وعودة الوعي
  • خبير: اغتيال السنوار انتصار سياسي معنوي وليس انتصارًا عسكريًا لإسرائيل
  • هل بالاستهداف تنتهي القضية؟.. مقدمة قوية من كمال ماضي بعد اغتيال السنوار
  • كمال ماضي: هل بالاغتيالِ والاستهداف تنتهي القضية الفلسطينية؟
  • اليوم.. العالم العربي يشهد أقرب بدر عملاق لسنة 2024