لجريدة عمان:
2025-03-01@07:24:53 GMT

حتى يستطيع العالم العربي أن ينتصر

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

أتصور أن فرحة إسرائيل بما أحدثته من شرخ خطير فـي الوعي العربي (وعي فئة ليست قليلة) أكبر بكثير من فرحتها بالقضاء على زعيم حركة حماس الشهيد يحيى السنوار، فهي تعلم أن السنوار سيلقى ذات يوم مصير كل المقاومين فـي تاريخ نضال الشعوب ضد الاستعمار والطغيان ما دامت المعركة مستمرة، لكنها لم تكن تتصور أن يفرح مسلمون عرب بموته ويصفونه بـ «الإرهابي» علنا وعلى الملأ.

.! كان الأمر لإسرائيل، فـي تصوري، أكبر نجاح جوهري فـي السنوات الماضية؛ لأنه أحدث تغييرا فـي الوعي وليس فـي السلوك العابر أو الانفعالي، والوعي فـي هذه القضية بالذات مرتبط بالوعي الديني/ العقيدة أكثر من ارتباطه بالوعي السياسي. بالنسبة للسنوار وعشرات الآلاف من الشهداء منذ بداية هذه الحرب وبالنسبة للوعي الإسلامي فإن فكرة الشهادة لا ترمز إلى النهاية لا على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي، إنها البداية. وهي فـي الوعي الديني مطلب غالٍ يستحق أن يناله كل مناضل أو مقاوم يدافع عن أرضه وماله وعرضه ودينه، وهذا الوعي يُربى عليه المسلمون منذ نعومة أظفارهم. ولا أعرف إذا كانت هذه الفكرة الدينية واضحة لدى العشرات من كتاب المقالات الغرب الذين كتبوا عن «موت» السنوار، معتبرين أن موته «نهاية» لحركة حماس وللمقاومة فـي غزة وبداية «للسلام» فـي المنطقة! وكأن فكرة مقاومة الاستعمار الإسرائيلي فـي فلسطين مرتبطة بفكر السنوار، فقط، وليس حقا إنسانيا يؤمن به جميع الفلسطينيين حتى أولئك الذين لا يستطيعون المشاركة فـيه لأسباب سياسية وتنظيمية والذين لم يعودوا يؤمنون بأن إسرائيل يمكن أن تكون طرفا فـي أي سلام فـي المنطقة، رغم أن الكثير منهم تفاءلوا ولو قليلا بسلام أوسلو فـي تسعينيات القرن الماضي.

لا شك أن حماس قبل مقتل السنوار بشهور أو بعده ليست هي حماس فـي السابع من أكتوبر 2023، وهذا طبيعي جدا ومفهوم فـي السياق العسكري؛ فصمود حماس وصمود سكان غزة لمدة عام كامل من الحصار والتجويع وآلاف المجازر والمذابح التي قضت على الصغار والكبار واستخدام سياسة «الأرض المحروقة» هو «معجزة» فـي حد ذاته وليس مفهوما إلا ضمن فهم أعمق لنزعة السعي «للشهادة» فـي سياق الوعي الإسلامي خلال الدفاع عن الأرض والعرض.

قرأت خلال اليومين الماضيين مجموعة من المقالات التي نشرتها صحف غربية كانت تحتفـي «بقتل» السنوار، ورغم أنها تتجاهل تماما حق الفلسطينيين، ومن بينهم السنوار نفسه، فـي النضال من أجل التحرر الوطني وأن تكون لهم دولة ووطن كما فـي المواثيق الدولية، ويتجاهل الكثير منها الإبادة الجماعية الوحشية التي ارتكبها نتنياهو وجيشه، لكن فرحتها تبقى مفهومة فـي ظل الصدمة التي أحدثها طوفان الأقصى للغرب.. لأوروبا ولأمريكا قبل إسرائيل نفسها. وسمعت سياسيا أمريكيا يقول إن طوفان الأقصى أعاد إلى الوعي الغربي ذكرى حصار المسلمين لفـيينا فـي القرن السابع عشر، فـي إشارة إلى أن المشهد بالنسبة لهم أقرب إلى صراع حضاري، الحضارة الإسلامية فـي مواجهة الحضارة الغربية المسيحية وليس مجرد القضاء على «إسرائيل». وكان نتنياهو يكرر هذه العبارة طوال شهور الحرب: «إننا نخوض حربا حضارية ضد قوى الظلام» وأتصور أن كلامه كان موجها للغرب المسيحي أكثر من غيره فـي محاولة لإيقاظ الماضي. لكن الحقيقة التي نراها من الضفة الأخرى أن نتنياهو والغرب كانوا يخوضون حرب الظلم والظلام ضد شعب لا يريد إلا أبسط حقوقه الإنسانية: حفظ كرامته على أرضه ووطنه.. ولم يتجاوز نضاله حدود أرضه التاريخية التي تعترف باحتلالها كل المنظمات الأممية.

إن فريق المتفائلين فـي العالم العربي يرى أن الفلسطينيين على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلمهم، معتدين بالدماء الطاهرة الزكية التي سالت على أرض غزة من أجل لحظة النصر، وبالمأزق الوجودي الذي تعيشه إسرائيل، وبتشظي وتهشم السردية الإسرائيلية فـي وجدان الجماهير العالمية التي تنبئ أن أجيالا كبيرة قادمة لن تقف فـي صف إسرائيل وسيكون من بينها صناع قرار ومؤثرون فـي توجيه المشهد العالمي.

وهذا التفاؤل مهم جدا ولكن لا ينبغي أن تبنى عليه، وحده، مصائر أمم وشعوب. فإذا كانت الجماهير العالمية تدعم، الآن، القضية الفلسطينية كما لم تدعمها من قبل فإن بعض الجماهير العربية، مع الأسف الشديد، تعمل ضد القضية فـي السر والعلن، وتكشف عن تناقضات كبيرة فـي الوعي العربي هي أحق بدراسة التحول الذي حدث لها، وأسباب تناقضاتها مع فكرة النضال الفلسطيني من أجل القضية.

لكن هذا ليس كل شيء يجعل فرص نجاح النضال العربي من أجل تحرير فلسطين صعبا فـي ظل هذه التحولات العالمية إذا ما أردنا أن نكون أقرب إلى الواقع، مع أن الأحلام مهمة وضرورية ولكن دون الاستغراق فـيها الركون إليها.

فإضافة إلى التناقضات فـي الوعي الديني والسياسي تجاه القضية، هناك حاجة ماسة إلى بناء الوعي العام فـي العالم العربي وتحريره من الكثير من الأوهام والعوالق التي ما زال غارقا فـيها وبناء وعي جديد يبنى على أرضية العلم والمعرفة وإعطاء المكانة الحقيقية للعقل النقدي.. وهذا يتعلق فـي الأساس ببناء منظومة تعليمية متطورة فـي العالم العربي، أعني منظومة تعليمية قادرة على بناء وإنتاج علماء فـي مختلف المجالات: علماء تكنولوجيا وعلماء فـيزياء وكيمياء وأطباء وعلماء نفس واجتماع ومفكرين حضاريين قادرين فـي إحداث تغيير جوهري فـي المجتمعات العربية، وقادرين على بناء نهضة اقتصادية وصناعية وليس مجرد حسابات بنكية فـي بنوك غربية تحوي أرقاما مليارية. ويتعلق الأمر أيضا، ببناء مجتمعات تؤمن بقيمها ومبادئها ومستعدة للعمل من أجلها والدفاع عنها إنْ لزم الأمر.

إن العالم العربي، رغم حقه الأصيل فـي القضايا التي يناضل من أجلها، إلا أنه يفتقد إلى لحظة الصدق مع نفسه، وليس فـي هذا جلد للذات؛ فالمواقف تكشف حجم الانحياز ضد القضية العربية المركزية لصالح العدو، وحجم الخلاف العربي العربي الذي خرج من السر للعلن إلى حد لا يستقيم معه الحديث فـي لحظة ما عن «مشروع عربي» أو «قضية عربية واحدة». والتغيير المطلوب فـي المشهد العربي يبدأ من لحظة الصدق والأمانة لدى الفرد العربي قبل أن تتبلور إلى وعي جماعي وحركة تغيير حضارية.

قد يبدو الأمر، فـي نظر البعض، فـي غاية الصعوبة ولكن هناك أمم كثيرة استطاعت أن تنتشل نفسها وتحدث التغيير فـي سنوات قليلة وهي فـي حالة أسوأ من الحال العربي، ونستطيع أن نتذكر هنا اليابان، والصين ودولا أخرى فـي شرق آسيا، وألمانيا فـي أوروبا فـي العصر الحديث. وهذا الأمر من شأنه أن يصنع قوة الأمة ومنعتها وينتشلها من الاستضعاف الذي تعيشه منذ سنوات طويلة على هامش التاريخ.

لا يمكن تصور تحقق الحلم العربي فـي ظل التناقضات العميقة التي تعيشها الأمة والخذلان الذي تشعر به وهذا التسطيح للوعي إلى درجة مشاركة العدو فرحته فـي «تصفـية» مناضل عربي مسلم يناضل من أجل أن يستعيد أرضه ويدافع عن عرضه.. كما لا يمكن تصور تحققه فـي ظل الهشاشة العامة وعلى كل المستويات فـي أغلب أقطار العالم العربي.. لكن وإلى أن يحين ذلك الوقت لا يعني أن يترك الفلسطينيون، خاصة، النضال من أجل قضيتهم، مع أهمية أن يكونوا هم فـي قلب التغيير المطلوب وجوهره فـي العالم العربي.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة «عمان»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فـی العالم العربی فـی الوعی من أجل فـی ظل

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: تحقيق إسرائيلي يتحدث عن الفشل في فهم شخصية السنوار

نقلت صحيفة واشنطن بوست عن تحقيق إسرائيلي أن إسرائيل قللت من تقدير قدرات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل هجوم طوفان الأقصى.

وقالت الصحيفة نقلا عن التحقيق الإسرائيلي إن ضباطا إسرائيليين اجتمعوا قبل ساعات من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2003 بعد رصد "إشارات مقلقة".

وبحسب الصحيفة، خلص الضباط الإسرائيليون إلى عدم وجود خطر وشيك وفشلوا في توقع هجوم المقاومة الفلسطينية.

وقال مسؤولون بالجيش الإسرائيلي إن الإخفاقات سببها نقص المعلومات الاستخبارية وسوء التخطيط، مضيفين أن من بين الأسباب أيضا "الفشل في فهم القائد السابق لحماس يحيى السنوار".

وبحسب المصادر نفسها، فإن الجيش الإسرائيلي اعتقد أن السنوار يسعى لتنازل إسرائيلي مالي لإدارة غزة بدل الحرب، في حين أنه "لم يكن هناك مسؤول حكومي إسرائيلي واحد قادر حتى على تخيل ما حدث".

"سوء تقدير"

من جهته، قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن التقييم كان يرتكز على أن حماس لا تريد حربا ولم تكن قادرة على تنفيذ هجوم بهذا الحجم.

وأضاف "لم يتم توجيه لوم إلى قادة ميدانيين أو مسؤولين استخباريين"، لكن التحقيق تضمن توصيات للجيش الإسرائيلي، من ذلك ضرورة تعزيز قدرات تحليل قسم الاستخبارات وتغيير ثقافة القسم المتعلقة بالافتراضات.

إعلان

وكان الجيش الإسرائيلي نشر نتائج تحقيقاته في إخفاقاته التي قادت إلى فشله في توقع هجوم طوفان الأقصى والاستعداد له.

وأظهرت التحقيقات إقرارا عسكريا بالفشل الذريع على كل المستويات، واعترافا بأن الفشل كان أعمق من أن يلخص بإهمال في يوم الهجوم، وأن الجيش يتحمل مسؤوليته بالكامل رغم أن المسؤولية في ما حدث أوسع من حصرها في الجيش فقط.

مقالات مشابهة

  • سامي الجابر: بهذا الدفاع الهلال لا يستطيع الإكمال في الدوري
  • واشنطن بوست: تحقيق إسرائيلي يتحدث عن الفشل في فهم شخصية السنوار
  • شوقي بزيع لـ 24: واهمٌ من يعتقد أنه يستطيع القبض على الشعر
  • مسؤول إسرائيلي: السنوار خطط لهجوم 7 أكتوبر منذ 2017
  • أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!
  • ماجد عبدالفتاح: قمة القاهرة محورية لإبراز وحدة الصف العربي تجاه القضية الفلسطينية
  • تنس العراق ينتصر على مكاو ويتأهل لأول مرة إلى دور الثمانية
  • أبو العينين يشارك في الجلسة الطارئة للبرلمان العربي.. ويؤكد: حل القضية الفلسطينية مفتاح السلام في المنطقة
  • الأمير تركي الفيصل: مستقبل العالم العربي لا يدعو للتفاؤل.. فيديو
  • بحضور ليبيا.. البرلمان العربي يبحث التطورات السياسية والأمنية بالعالم العربي