جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-23@00:37:01 GMT

مجابهة الفساد وترسيخ النزاهة

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

مجابهة الفساد وترسيخ النزاهة

حاتم الطائي

 

◄ "جهاز الرقابة" يقود جهود مكافحة الفساد وترسيخ قيم النزاهة

◄ الفساد آفة خبيثة.. والقضاء عليه يتطلب تضافر جميع الجهود

◄ عُمان تتقدم في مؤشرات مكافحة الفساد بفضل الجهود الوطنية

 

جُهدٌ هائلٌ يبذله جهاز الرقابة المالية والإدارية، في مُكافحة الفساد والقضاء على المُمارسات غير العادلة ومُجابهة الاختلالات التي تعترض مسيرة العمل الإدارية في بلادنا الحبيبة، ولقد استنَّ الجهاز قبل سنوات سنة حسنة، بإصدار "ملخص المجتمع" الذي يرصد فيه الأداء السنوي للجهاز وجهوده في تطبيق القانون على المؤسسات والجهات الخاضعة لسلطته الرقابية، في خطوة تؤكد الحرص على ترسيخ قيم النزاهة والمساءلة وتطبيق أفضل ممارسات الحوكمة، علاوة على أهمية الحفاظ على المال العام.

وهذا المُلخص الذي يولي الجهاز حرصًا كبيرًا على إصداره وتوزيعه على شتى وسائل الإعلام، ونشره عبر منصاته الرقمية في الفضاء الإلكتروني، ليؤكد أنّ جهود الرقابة على المال العام في عُمان تترسخ بقوة يومًا تلو الآخر، وتؤكد أنَّ هناك رجالًا أمناء على هذا الوطن ومقدراته، من أجل الحفاظ على ما تحقق من منجزات. وهنا يمكننا أن نستقرئ ميزة كبيرة تؤكد دور الإعلام في تسليط الضوء على جهود مؤسسات الدولة، وأنَّ وسائل الإعلام شريك أصيل في محاربة الفساد والكشف عن المخالفات المالية والإدارية في أي مؤسسة عامة إن وُجِدت.

والحقيقة أنَّ رؤية "عُمان 2040" قد وضعت ضمن أولياتها النزاهة والمساءلة وكذلك تفعيل دور الإعلام في التنمية، وأداء دوره الرقابي في المجتمع، تمامًا كما يحدث في المجتمعات المتقدمة، والتي تنشد الرؤية المستقبلية أن تكون سلطنة عُمان من بينها في العديد من المؤشرات. والنزاهة والإعلام مرتبطان ببعضهما البعض؛ حيث تسهم وسائل الإعلام- بمختلف أنواعها- في ترسيخ قيم النزاهة، عبر توعية المجتمع بأفضل الممارسات الدولية في هذا الجانب، وفضح المخالفين والكشف عن أولئك الذين يتربصون بالوطن ويسعون لتحقيق مآرب خاصة على حساب موارد الدولة.

والفساد آفة خبيثة لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، ويجب أن نشعر بالفخر دائمًا أن هناك جهات رقابية تتولى أمانة الكشف عن المخالفين والفاسدين، ومعاقبتهم من خلال الجهات المختصة الأخرى، على ما ارتكبوه من مخالفات وجرائم أضرت بالوطن. وكما أن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة هو المؤسسة الرسمية المعنية بمكافحة الفساد، فإنَّ كل مواطن؛ بل كل من يعيش على تراب هذا الوطن وينعم بخيره، يجب أن يكون شريكًا في مواجهة أي أعمال غير قانونية، أو تسعى للاستفادة من خيرات الوطن دون وجه حق.

والفساد أنواع، منها الإداري والمالي، لكن الأخطر على الإطلاق هو فساد الذمم والنفوس، وهذا النوع شديد التأثير على المجتمع، ويضر بتماسكه وينهش في نخاعه العظمي، لأنه يُصوِّر للبعض أن الفساد والتكسُّب غير القانوني ليسا سوى ذكاء ومهارة خاصة، وأنَّ الأموال التي يجنيها الفاسدون ما هي إلّا أرباح من أعمالهم التي اجتهدوا فيها، ويدافعون عن فسادهم بالزعم أنَّ الاستفادة من المنصب أمر شائع في كل دول العالم. وهنا مكمن الخطر؛ حيث لا يتوارى أمثال هؤلاء عن تصوير الفساد بصورة غير حقيقية، ليبرروا فعلتهم المُنكرة، ويُحلُّون لأنفسهم ما يُعاقب عليه القانون، وقبل كل ذلك يُخالف الأوامر الربانية في كل زمان ومكان.

إنَّ أي جهود تصب في صالح اجتثاث بذرة الفساد في أي بيئة عمل، هي محل تقدير وإشادة، لأنَّ العمل المُضني الذي يؤديه موظفو ومنتسبو جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، يتطلب الكثير من الجهد والتعب؛ سواء فيما يتعلق بعمليات مراجعة العقود والمناقصات، أو إعادة حساب التكاليف والنفقات. ولا ريب أنَّ مثل هذه الأعمال تتطلب من موظفي الجهاز مهارات خاصة في تنفيذ أعمال الرقابة والتدقيق على الحسابات، واضعين نصب أعينهم مصلحة الوطن والمواطن.

والحقيقة أنَّ الجهاز يضع في مقدمة أولوياته الحفاظ على المال العام وصون مُقدّرات الوطن، دون افتراض شبه جنائية في أي موظف عام في الدولة، لكن في حالة تيقُّن الرقيب المالي والإداري من تعمد ارتكاب أي جريمة مرتبطة بالمال العام، هنا تبدأ الإجراءات. وهذه النقطة أشير إليها بوضوح، لأنَّ بعض الموظفين في عدد من مؤسسات الدولة، لا سيما تلك المعنية بقطاعات الاستثمار وغيرها، قد يلجأ إلى تكريس إجراءات بيروقراطية صعبة للغاية، خشية أن يتعرض لتدقيق مالي وإداري؛ ليتسبب بذلك في تعطيل العمل وتعميق ممارسات بيروقراطية تهدد الكثير من المشروعات. وهنا نقول لكل موظف إن الالتزام بالقانون أولى، وتطبيق القواعد المعمول بها في مختلف الإجراءات هو الحَكَم والفيصل.

لقد شهدت السنوات الماضية إجراءات حكومية حكيمة سعت إلى تقليص النفقات غير الضرورية من أجل توجيهها إلى المُستحقين من الفئات الأكثر احتياجًا، من خلال ما يتم تقديمه من دعم في الكثير من الأمور، ولذلك على الجميع أن يسعى لدعم الحكومة في توجهها المبارك لحماية المال العام، وأن يكون كل فرد في المجتمع حريصًا على المال العام كحرصه على أمواله الشخصية، وأن نواجه أي مخالفات بكل حزم وصرامة، وألا نتهاون مع كل من تسول له نفسه الاعتداء على حرمة المال العام، أو استغلال المنصب لتحقيق أرباح شخصية، أو غير ذلك من أوجه الفساد التي يعلمها القاصي والداني.

وبناءً على كل هذه الجهود، تتقدم عُمان سنة تلو الأخرى في مؤشرات مكافحة الفساد الدولية، وهو هدف استراتيجي تسعى إليه رؤية "عُمان 2040"؛ الأمر الذي يحقق العديد من المنافع الوطنية في قطاعات عدة، وخاصة جهود جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحويل السلطنة إلى مركز إقليمي للعديد من الخدمات، اعتمادًا على ما تزخر به من مقومات واعدة.

ويبقى القول.. إنَّ الجهود المُباركة التي يُنفذها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بقيادة رجال الوطن المخلصين، المشهود لهم بالكفاءة والحِنكة والتمكُّن من أعمالهم، لهي محل إشادة وتقدير من مختلف فئات المجتمع، ولتمضِ سفينة الوطن رافعة أشرعة العطاء والمجد، مُبحرة نحو مرافئ الاستقرار والرخاء، لتظل عُمان شامخة بين الأمم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: جهاز الرقابة المالیة والإداریة على المال العام على الم

إقرأ أيضاً:

"معًا نتقدم".. برلمان عُمان المفتوح

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

العالم من حولنا اليوم في سباق مع الزمن لتحقيق طموحات الشعوب والأوطان، والارتقاء بالإنسان، وتحسين وضعه المعيشي، ورفع مستواه الفكري، ونقله بكل ثقة إلى رحاب القرن الحادي والعشرين؛ بما يحمله من إنجازات اقتصادية واجتماعية وعلمية، وذلك لتحقيق التنمية المستدامة، التي تمثل واحدة من أهم الركائز والغايات التي تحقق رفاهية المجتمعات المعاصرة.

ويتأتى ذلك من خلال توفير فرص العمل للشباب وإيجاد مظلة شاملة للحماية الاجتماعية لجميع الافراد من الجنسين دون تميز، بعيدًا عن المعوقات التي تستهدف الحلقات الضعيفة من الفقراء بزعم توفير الموارد؛ وقبل ذلك كله تحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين؛ فالوطن للجميع وليس فقط للطبقة المُخملية التي استحوذت على نصيب الأسد من الخيرات في دولنا الخليجية النفطية.

ومن حسن الطالع هنا في هذا البلد العزيز؛ عُمان، أن تشمل مظلة الوطن الجميع، بفضل منجزات النهضة العُمانية المُتجدِّدة التي يقودها بحكمةٍ واقتدارٍ رُبان سفينة الوطن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عبر وضع وتنفيذ استراتيجيات وطنية واضحة المعالم، بدايةً من الخطط الخمسية، والتي يشهد هذا العام 2025 آخر سنوات خطة التنمية الخمسية العاشرة؛ مرورًا بوضع الخطوط العريضة للاستراتيجيات الوطنية في التنمية، وعلى وجه الخصوص خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة، والتي تبدأ العام المقبل 2026، وما تتضمنه هذه الخطط من مشاريع واعدة، تهدف بالدرجة الأولى إلى تنويع مصادر الدخل والتركيز على القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية، وعلى وجه الخصوص اقتصاد المعرفة والطاقة النظيفة، كبديل عن الوقود الاحفوري. والأهم من ذلك كله نقل سلطنة عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة.

من هنا تتضافر الجهود في مختلف الأجهزة الحكومية لتذليل العقبات وتجاوز التحديات التي تواجه "رؤية عُمان 2040"، والتي هي بمثابة الخطة الرئيسة التي ينظر إليها الجميع على أنها صمَّام الأمان لمستقبل عُمان الواعد؛ وذلك إذا أحسنَّا تنفيذ بنودها بمنهجيةٍ علميةٍ مُعتمدين في ذلك على خبراء من خارج المنظومة الحكومية؛ للعمل على تحقيق ما يعرف بالشروط المرجعية للرؤية "Terms of Reference".

ووسط هذا الزخم والحراك المجتمعي لفتح قنوات التواصل بين المسؤولين والمجتمع المدني بكل أطيافه، تظهر في الأفق قصص النجاح التي سَطَّرها المبدعون من أبناء الغبيراء، جديرة بأن تُكتب بماءٍ من ذهب؛ لأنها بحقٍ إبداعٌ من نوع خاص، لا يُجيده إلّا المتميزون من المخلصين للوطن والأوفياء للسلطان، وتلك الأفكار الرصينة أقل ما يمكن القول عنها إنها من خارج الصندوق التقليدي، وذلك فصل جديد من المجد، يُضاف إلى ما تحقق من مُنجزات وأهداف وطنية للمشاركة في صنع القرار على نطاق واسع، ومن خلال ما يُعرف بمنهجية الأبواب المفتوحة. وقد عشنا تجربة فريدة العام المنصرم 2024، أطلقتُ عليها "برلمان عُمان المفتوح". وفي هذا العام، تفصلنا أيام قليلة عن هذا الحدث السنوي الجديد في نسخته الثالثة والموسوم "معًا نتقدم"، والذي نجح فيه المنظمون بالأمانة العامة لمجلس الوزراء في تحويله إلى منتدى حواري جاد وغير مسبوق؛ إذ يتحاور المشاركون الذين يمثلون مختلف محافظات السلطنة، تحت سقف واحد وعلى أرضية صلبة؛ للحوار مباشرةً مع صُنَّاع القرار من أعضاء الحكومة. وهي جلسات من العصف الذهني، تتميز بالصراحة والشفافية؛ انطلاقًا من قاعدة أساسية اسمها "مصلحة الوطن بالدرجة الأولى فوق الجميع"؛ إذ إنَّ عُمان تستحق الأفضل دائمًا، فلا مجال بعد اليوم لمن قَصَّر في أداء واجبه تجاه المواطن. ولقد كنتُ شاهد عيان على النسخة الثانية من الملتقى، خاصةً أسئلة المواطنين الذين هبُّوا من أرجاء سلطنتنا الحبيبة للمشاركة بوجهات نظرهم في المنتدى الحواري.

إن الكل يتطلع لإنجاح هذه المظلة الوطنية الطموحة واستمرارها، خاصة وأنها تستهدف هذا العام أبرز الأولويات المُستقبلية للسلطنة، والمتمثلة في الملف الاقتصادي بفروعه المختلفة، والذي هو عنوان لهذه المرحلة بامتياز، وعلى وجه الخصوص ملامح الخطط الخمسية، ومستقبل الطاقة والاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية، والاستثمارات الأجنبية، وتنمية المحافظات، ومستقبل سوق العمل، ونظام التقاعد.. كل ذلك يضع الأداء الحكومي في الميزان، لكن هذه المرة من منظور المواطن الذي اختار معظم تلك هذه العناوين. وبالفعل دخلنا مرحلة غير مسبوقة من النقد البنَّاء؛ بل ومن جَلْدِ الذات والمراقبة والتقييم العلمي الدقيق والحوكمة، فلا مكان اليوم لمن يفشل في المهام والاختصاصات التي أُوكِلَتْ إليه عند تكليفه بالأمانة الوطنية، خدمةً لهذا الوطن الغالي، الذي يجب أن تكون رايته مرفوعةً على الدوام من أبنائه المخلصين.

لا ريب أن الوطن أغلى وأثمن من أن يُترك للذين يفتقدون للرؤية المستقبلية وللحنكة والإخلاص والتفاني في العمل؛ خاصة الذين وصلوا إلى طريق مسدود في معالجة التحديات التي تواجه وزارتهم أو الهيئات التي يُشرفون عليها. لقد حان الوقت لهؤلاء الذين يعانون من نظرة ضبابية لطموحات الوطن واحتياجات المواطن، أن يُدركوا أن هذه المرحلة لا تحتمل إلّا من يعرف: أين الاتجاه الصحيح لبوصلة المجتمع العُماني الذي تواجهه تحديات في إيجاد فرص عمل لأبنائه ومعالجة جذرية لمختلف القضايا ومحاربة الفقر بلا هوادة؛ وذلك باستخدام أساليب متطورة وأفكار مبتكرة من خارج الصندوق.

وفي الختام.. إنَّ ما يُميِّز ملتقى "معًا نتقدم" هو النجاح الذي أبهر الجميع، فقد تجاوز أعداد الذين شاركوا في التصويت عبر منصة الملتقى أكثر من 19 ألف مواطن، بينما بلغ عدد المُصوِّتين 4600 شخص فقط، وهذا يعكس تعاظم الاهتمام بهذا الحدث الوطني الذي أصبح حديث الساعة، وتطوره التدريجي على الرغم من عمره القصير، ومن هنا نُسجِّل شكرنا لكل من له بصمة في هذا العمل الذي يهدف إلى الارتقاء بالمجتمع العُماني ورفع شأنه بين شعوب المنطقة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • "معًا نتقدم".. برلمان عُمان المفتوح
  • وزير العدل: دور محوري لهيئة قضايا الدولة في حماية المال العام
  • النزاهة النيابية: رئيس هيئة الاستثمار الوطنية فاسد والسوداني “ساكت” على فساده
  • بيان غاضب من النزاهة النيابية بالضد من رئيس هيئة الاستثمار: تصريحاتك لن تمر مرور الكرام
  • الرقابة المالية تتخذ أكثر من 20 إجراء خلال عام 2024 لتطوير سوق المال
  • تفاصيل الإطاحة بمذيعة شهيرة بحكم نهائى.. سرقة واستيلاء على المال العام
  • الرقابة المالية: اتخاذ أكثر من 20 إجراء خلال عام 2024 لتطوير وتنمية نشاط سوق المال
  • العراق يتذيل قائمة الشفافية.. الفساد يراوغ الرقابة ويقوض أسس التنمية والاستقرار
  • بحضور عضو لجنة النزاهة النيابية النائب ( أحمد الربيعي ) تعبئة وخدمات الغاز تعقد ندوة للتوعية بمتطلبات الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد
  • تعزيز التعاون بين هيئات النزاهة في العراق وكردستان لمكافحة الفساد