عين ليبيا:
2024-10-19@19:54:04 GMT

أمم في خطر

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

الأمة كلمة تعبر عن مفهوم متحرك. تكوين بشري، يتخلق في مسيرة الزمن الطويل المتغير. تبدع عوامل قوتها، بما لها من إمكانات بشرية، ومصادر طبيعية فوق وتحت أرضها. لكن قدرات العقل هي القوة الفاعلة، التي تبدع وتصنع وتبني، وتحقق التقدم. منذ انطلاق عصر النهضة في أوروبا، إلى الثورة الصناعية الكبرى، كان العلم هو القاطرة التي صنعت قوة أمم، في حين تخلفت أمم أخرى، وصارت طرائد هزيلة، يلاحقها ويستولي عليها ويستعمرها ويحكمها من حاز قوة العلم.

الولايات المتحدة الأميركية، التي قامت في القرن التاسع عشر، بقيادة نخبة من أصول أوروبية، وتدفق إليها ملايين الباحثين عن حياة جديدة في مجتمع جديد، من جميع أنحاء العالم، كان العلم قوتها الضاربة، التي تفوقت بها على غيرها من الأمم. في الحربين العالميتين الأولى والثانية، صنعت الولايات المتحدة الأميركية سلم رقيها إلى سدة سيادة العالم، بعد غروب شمس الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. القنبلة الذرية، التي أنهت بها الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، كانت السلاح الرهيب الذي صُنع في معمل العلم، انتهى خطر الفاشية والنازية، وولد عالم جديد تقوده قوتان، شيوعية ديكتاتورية ورأسمالية ديمقراطية. العلم هو السلاح الذي يصنع القوة في دنيا جديدة، تغيرت فيها أدوات الإنتاج، وحجم ونوعية الاستهلاك.

ناقوس ضخم هزّ صوته الحاد أرجاء الولايات المتحدة، في نهاية العقد الخامس من القرن الماضي. نبّه البلاد القارة القوية إلى خطر حقيقي يحدق بها، اكتشفت أميركا بكل ما تملكه من مال وسلاح أنها «أمة في خطر»، كانت الصدمة واسعة، ليس للنخبة فحسب، بل لكل الأميركيين، قامت المؤسسات المتخصصة بإجراء امتحانات للطلاب في مواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية. كان متوسط النتائج أقل من 40 في المائة في المواد العلمية والرياضيات، و50 في المائة في اللغة الإنجليزية، أجري امتحان لتلاميذ في سن السابعة عشرة في مادة الرياضيات، وكانت النتيجة أن عدداً قليلاً جداً منهم له القدرة على حل مسائل الامتحان، أما الامتحان في اللغة الإنجليزية فقد تبين أن 5 في المائة فقط من الممتحنين لهم قدرة على الكتابة بلغة صحيحة، كانت هذه النتائج صادمة بلا حدود، أصدر الخبراء الذين قاموا بالاختبار بياناً بعنوان «أمة في خطر»، صار هذا البيان شبه العسكري قضية الساعة في كل أنحاء البلاد، صدر قرار بتشكيل لجنة من 18 خبيراً في مجال التعليم، ومن بينهم شباب يمثلون الجيل الجديد، قد تكون المفاجأة أن اثنين من ممثلي الجيل الجديد ترأسا البلاد في ما بعد، وهما جون إف كيندي وجورج بوش الابن، قامت اللجنة، ومعها فريق كبير من المساعدين المتخصصين، بدراسة واسعة وعميقة لأسباب الخطر الذي يواجه الدولة الأقوى في العالم. ضربة عنيفة مثّلت تحدياً علمياً للولايات المتحدة، عندما انطلق صاروخ سبوتنك السوفياتي إلى الفضاء عام 1957 ودار حول الأرض لمدة 3 أسابيع. أُعلن شبه حالة طوارئ علمية في أميركا، كانت وسائل الإعلام الأميركية تصف الاتحاد السوفياتي بدولة الجهل والتخلف، لكن هذه الدولة غزت الفضاء بعلمها، ولم تجد وسائل الإعلام الأميركية بداً من متابعة ذلك الحدث غير المسبوق في التاريخ البشري، وشد انتباه عقل أهل الأرض كافة، وأعلن تفوق الاتحاد السوفياتي علمياً، على غيره من دول العالم.

بدأت تعبئة واسعة في الولايات المتحدة لتنفيذ المخرجات التي أوصت بها لجنة الثمانية عشر خبيراً، وهي وضع منهج جديد للغة الإنجليزية، وأن تدرّس على مدى 4 سنوات في المدارس، لأن اللغة هي الوعاء الذي يحمل كل العلوم إلى عقول الناشئة. التركيز على تدريس مادتي العلوم والرياضيات، مدة 4 سنوات لكل منهما، وشدّدت التوصيات على جعل وظيفة التدريس مهنة تندفع نحوها نخبة المجتمع، وأن يكون راتب المدرس من أعلى الرواتب في البلاد، وأن يجري إعداد المدرسين وفقاً لبرامج مكثفة بشكل مستمر، وإجراء اختبارات مستمرة لهم، للتأكد من قدرتهم على تحقيق الأهداف المحددة للعملية التعليمية، ورفع قدرات المدرّس الثقافية، وشخصيته من حيث الهندام والسلوك والمعاملة، بحيث يكون النموذج والمثل الأعلى لتلاميذه، والاستغناء عمن يثبت تدني كفاءته، ولا تتوفر فيه المواصفات المحددة.

مثلت قضية التعليم، أو لنقل الخطر الذي يواجه الأمة الأميركية، تحدياً قومياً حقيقياً، سيطر على اهتمام رؤساء البلاد المتعاقبين، الرئيسان رونالد ريغان وباراك أوباما هما أبرز الذين كانت القضية حاضرة في مدة حكمهم، النتيجة كانت تحقيق قفزة كبيرة في مجال العلم والبحث العلمي، حافظت على مكان أميركا ومكانتها. اليابان أبدعت برنامجاً تربوياً وتعليمياً فريداً، من الروضة إلى الجامعة، جعلها في مقدمة الأمم، اقتصادياً وثقافياً. سنغافورة البلد الصغير الفقير، حوّله العلم إلى حلم بشري.

كم من أمة تسبح في دياجير الجهل، وتلوك لذائذ تخلفها، تحتفي بالسحر والرقية، وتهمش علماءها، وتدمر مؤسساتها العلمية، ويعاني الأساتذة والمدرسون الفقر والتهميش، وتباع الدرجات العلمية العليا في أسواق الفساد. تلك أمم قد هوت، من دون أن تعلم أنها تعيش في جوف الخطر.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

زاخاروفا: تغاضي اليابان عن دور الولايات المتحدة في مأساة هيروشيما وناجازاكي أمر "مخز"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأن السلطات اليابانية تتمسك بالمسار المؤيد للولايات المتحدة وتتغاضى بشكل مخز عن دور واشنطن في قصف هيروشيما وناجازاكي.

وأشارت زاخاروفا في إحاطة إعلامية، الأربعاء، إلى سيطرة واشنطن على سياسة طوكيو قائلة: "في هذه المرحلة لا نرى أدنى بادرة لخروج الإدارة الجديدة في اليابان عن المسار الموالي لأمريكا والصمت المخزي عن دور حليفتها الحالية في مأساة هيروشيما وناجازاكي".

وأضافت: "من دون معرفة التاريخ ونشره كعنصر إلزامي في التعليم، من المستحيل التوصل إلى أي استنتاجات طبيعية ومنطقية أو إجراء أي تحليلات للمستقبل".

كما أوضحت زاخاروفا أن النشر المحتمل للأسلحة النووية الأمريكية في اليابان سيكون بمثابة "حافز وحشي" للتصعيد في المنطقة، مشددة على أن طوكيو "يجب أن تدرك ذلك".

ففي أغسطس 1945، أسقط الطيارون الأمريكيون قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، بهدف معلن رسميًا هو تسريع استسلام اليابان، ما أسفر عن مقتل 140 ألف شخص من أصل عدد سكان هيروشيما البالغ 350 ألف نسمة، و74 ألف في ناجازاكي، حيث كانت الغالبية العظمى من ضحايا القنبلة الذرية من المدنيين.

وكان قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين المثالين الوحيدين في تاريخ البشرية للاستخدام العسكري للأسلحة النووية، ولا تزال الولايات المتحدة لا تعترف بمسؤوليتها الأخلاقية عن التفجيرات، وتبرر ذلك بحجة "الضرورة العسكرية".

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء الأردني: التعبير عن الدعم للفلسطينيين موقف كل الأردنيين لكن التحريض الذي يعرّض أمن البلاد للخطر أمر لن نقبل به
  • بالفيديو... هذه حقيقة البالونات التي تمّ رميها في سماء بيروت
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: العلم الذي دعا إليه الإسلام لم يقف عند العلوم الشرعية أو العربية
  • شلقم: أمريكا تسيدت العالم بفضل العلم
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: العلم الذي دعا إليه الإسلام شمل كل مناحي الخير
  • إن بي سي: مطاردة السنوار كانت بمساعدة الاستخبارات الأميركية
  • مستقبل الصين مع الولايات المتحدة بعد الانتخابات
  • انخفاض طلبات إعانات البطالة في الولايات المتحدة
  • زاخاروفا: تغاضي اليابان عن دور الولايات المتحدة في مأساة هيروشيما وناجازاكي أمر "مخز"