الحقوق التاريخية لا تضيع بالتقادم
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
أخذتنا الحرب المستعرة على فلسطين طوال عام كامل، ورحنا نتابعها بألم ومرارة، والخوف من المستقبل الذي ينتظر منطقتنا العربية، وكل يوم يتضاعف خوفنا على مستقبل أمتنا العربية البائسة التي أسلمت مقاليد أمورها لغيرها، وفي نهاية كل يوم عبر عام كامل رحت أحصي عدد الشهداء سواء في غزة أو الضفة الغربية، ثم بعد ذلك لبنان، وغداً سوف تكون العراق وسوريا ولا أعتقد أن ما أسماه عدونا (الشرق الأوسط الجديد) سوف يكون بعيداً عن المشهد الذي ينتظرنا مهما حاولنا أن نوهم أنفسنا بأن أوطاننا سوف تنجو مما يُخطط لها في المستقبل القريب أو البعيد، شاء قدرنا أن نشهد هذه المآسي كلها وقلوبنا تنفطر من هول الدماء والدمار لإخوة لنا يستشهدون كل يوم، بل كل ساعة، ولا يملك ذويهم حتى مجرد دفنهم بطريقة إنسانية.
في أقل من أربعمائة عام اجتاحت الدول الأوروبية العالم، لدرجة أن بريطانيا وحدها حتى الحرب العالمية الثانية كانت تسيطر على مساحة تزيد عن مساحتها ب١٤٢ مرة، وفرنسا ٢٢ مرة، وهولندا ٢٢ مرة، وبلچيكا ٥٢ مرة، وإيطاليا ١٩ مرة، والمفارقة العجيبة أن ما سيطر عليه الاستعمار في أربعة أو خمسة قرون أجهزت عليه حركات التحرير في عشرين عاماً ١٩٤٥-١٩٦٥، ورغم أن استعمار الأوروبيين للعالم حدث في عدة قرون لكن جاء التحرير في موجة واحدة كاسحة، وإذا كانت قمة الاستعمار خلال القرن التاسع عشر فقد جاء القرن العشرين ليحرر الأوطان من هيمنة المستعمر، وعلى ضوء التجارب التاريخية فإن الاستعمار الذي ظهر بطريقة غير شرعية إلا أن قواه قد تبددت خلال سنوات قليلة، وتهاوت قواه في عقود، حدث ذلك في آسيا خلال الأربعينيات، وفي العالم العربي خلال الخمسينيات، وفي أفريقيا خلال الستينيات، ولعل ما يعنينا هو العالم العربي الذي حصلت معظم دوله على استقلالها خلال الخمسينيات من القرن الماضي، ولو أن طلائع التحرير ظهرت مبكرا في لبنان وسوريا في الأربعينيات، وتأخرت في دول الخليج العربي والجزائر إلى بداية الستينيات، واليمن الجنوبي إلى نهاية الستينيات، وحصلت ليبيا على استقلالها ١٩٥١، كما تحررت مصر نهائيا بعد حرب عصابات ضارية في قناة السويس ١٩٥٢.
كانت جذور الاستعمار عميقة ومتغلغلة في عالمنا العربي، وخصوصاً في بلد كالجزائر واليمن الجنوبي، وزادت أطماعه عقب ظهور البترول، لذا إستمات الاستعمار بشراسة لكنه قوبل بحركات وطنية ضارية، من قبيل الجزائر الذي أخذ فيه الاستعمار طابعاً استيطانيا سكنياً، وهو ما ضاعف من شراسة الوطنيين الجزائريين الذين خاضوا حروباً ليس ضد المستعمر فقط وإنما ضد المستوطنين الذين زودتهم فرنسا بكل الأسلحة الحديثة، وحاول الاستعمار الفرنسي تقسيم الجزائر إلى دولتين، واحدة أوروبية على الساحل، وأخرى صحراوية في الداخل، لكن الشعب الجزائري خاض حربا ضارية لم يتحملها المستعمر إلى أن انتهى الأمر بتحرير الجزائر، وكان استقلال جنوب اليمن نموذجاً رائدا، فقد تشبث الإنجليز بالبقاء بغضل الموقع الجغرافي، وبعد أن فقدوا وجودهم على قناة السويس، لذا تشبث الإنجليز باحتلال جنوب اليمن، وجعلوه أكبر قاعدة بحرية في شرق السويس، لكن الأرض كما هي القاعدة قد حاربت مع أصحابها وتكررت تجربة الجزائر على نطاق ضيق، فلعبت جبال ردفان الدور الأهم في حرب العصابات، بينما لعبت الأحياء الشعبية في عدن نفس الدور الذي لعبته مدن الساحل الجزائري، وكما قاوم الجزائريون فكرة التقسيم، قاوم اليمنيون محاولة سيطرة بريطانيا على الجزر الساحلية من اليمن بهدف أن يتخذها المستعمر قواعد عسكرية لخدمة مصالحه في آسيا والمحيط الهندى.
خلال هذا العرض التاريخي لا يمكن أن تغيب فلسطين عن المشهد، وخصوصاً في مقاومة أهلها ودفاعهم عن وطنهم، وإذا كان العالم العربي قد تحرر من الاستعمار خلال عقدين من الزمن فان فلسطين بقيت منذ عام ١٩٤٨، يخوض أهلها حروبا متقطعة إلا أنها قد ازدادت خلال العام المنصرم، ولا ينبغي أن يخدعنا عامل الزمن ويُدخل القضية إلى عالم النسيان، فالزمن مجرد لحظة في التاريخ الإنساني، صحيح أن الاستعمار في فلسطين استعمار استيطاني يشبه كثيرا حالة الجزائر، إلا أن الدروس المستفادة من حالة الجزائر وعدن تُقدم لنا تجربة قابلة للتحقق على أرض الواقع ما بقي الشعب الفلسطيني يناضل بإمكاناته المتواضعة، فالشعور بالحق والإصرار على التمسك بالأرض يعد الوسيلة العملية لعودة الحقوق إلى أهلها، ولعل ما يراه المستعمر عامل قوة قد يتحول إلى عامل هدم، فالاحتكاك الحضاري الذي يصاحب المستعمر لا يلبث أن يُضيق الهوة الحضارية التي هي أساس تفوقه، وخصوصا في الجانب العسكري، وهكذا يؤدي منطق الاستعمار واستعلائه بقوته إلى استهلاك نفسه، ومهما حاولت إسرائيل أن تستخدم أسلحة جديدة فتاكة، لكن يبقى الإنسان صاحب الأرض بأسلحته التقليدية وبقائه على أرضه هو العامل الحاسم في كل الصراعات التي حدثت في العالم، الذي تحرر من ربقة الاستعمار.
صحيح أن موجة التحرر في العالم خلال القرن الماضي كان في مقدمة نجاحاتها هو ذاك الصراع المحتدم بين الاتحاد السوفييتي والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أما في قضيتنا العربية (فلسطين) فإن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يشكلان معا قوة واحدة ذات أهداف واضحة، لكن ما نلاحظه على أرض الواقع أن أمريكا في طريقها إلى أن تفقد قدرتها وسط محيط متلاطم من الكراهية وظهور تيار شعبي يعم العالم، مناصر للحق الفلسطيني، ومهما كانت تعقيدات المشهد إلا أن الفلسطينيين طالما بقوا على أرضهم متمسكين بحقهم يُستشهد المئات منهم كل يوم - فلن تتمكن إسرائيل من البقاء في حياة طبيعية إلا بعودة الحقوق إلى أصحابها والزمن لا يمثل عائقا، فسيذهب المتشددون في إسرائيل إلى مزبلة التاريخ، وسيظهر جيل جديد يتطلع إلى الحياة الآمنة، حتى ولو كان الثمن ن هو إقامة دولة فلسطينية حرك مستقلة على حدود ١٩٦٧.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إيران تفتح باب التفاوض لبيع طائرات شاهد بعد عرض أمريكي.. ما الذي نعرفه؟
قالت وكالة "مهر" الإيرانية، إنّ البعثة الدبلوماسية الإيرانية لدى الأمم المتحدة قد ردّت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" على عرض المسيرة الإيرانية الصنع التي يُطلق عليها: "شاهد"، وذلك خلال اجتماع للحزب الجمهوري الأمريكي.
وأوضحت "مهر" بأن البعثة الدبلوماسية الإيرانية أكدت في منشورها، أن طائرة "شاهد" بدون طيار، هي واحدة من أفضل أنواع الطائرات بدون طيار في العالم. فيما أشارت البعثة الدبلوماسية، في الوقت نفسه، إلى أن: طائرة "شاهد" تتمتع بقدرات ممتازة في الكشف والمراقبة والتشغيل، كما أنها ذات سعر معقول للغاية.
وأضافت البعثة الدبلوماسية الإيرانية، أنه لا يوجد أي موانع قانونية من أجل بيعها، موضّحة أنّ: "أي دولة تتعهد بعدم استخدامها في العدوان على دولة أخرى، بإمكانها أن تتقدم بطلب لشرائها".
تجدر الإشارة إلى أنه خلال اجتماع للحزب الجمهوري الأمريكي، قد تم الكشف عن طائرة "شاهد 236" المسيرة الإيرانية، باعتبارها "طائرة بدون طيار قاتلة".
ما الذي نعرفه عن "شاهد"؟
كان الحرس الثوري الإيراني، قد كشف عن هذا النوع من الطائرات بدون طيار لأول مرة خلال عام 2020، جرّاء مناورة عسكرية. ليظهر اسم هذه الطائرات لأول مرة أثناء هجوم جماعة الحوثي على منشآت النفط التابعة لشركة "أرامكو" السعودية قبل أكثر من عام.
كذلك، تردّد اسم الطائرة بدون طيار "شاهد 136" خلال مرّات كثيرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك، في الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي في اليمن على السفن التجارية.
وفي عام 2011، من قبل مركز جهاد الاكتفاء الذاتي وأبحاث الصناعة التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع مراكز مثل شركة القدس لصناعات الفضاء، قد تم تصميم النسخة الأولى من هذه الطائرة التي توصف أيضا بكونها: "الانتحارية المسيرة"، فيما تم بناؤها في منشأة شهيد لصناعات الفضاء، المستقلة عن شركة تصنيع الطائرات الإيرانية.
إلى ذلك، اجتازت هذه الطائرات مرحلة الاختبارات بقلب قاعدة نصر الجوية في كاشان. كما يقال إنّ: مهمة الإنتاج الضخم لهذه الطائرات بدون طيار تقع على عاتق شركة صناعة الطائرات الإيرانية التابعة لوزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة في شاهين شهر، أصفهان.
وتستخدم طائرات الاستطلاع الخفيفة والانتحارية بدون طيار، محركات وانكل، بالإضافة إلى مكابس ذات اسطوانتين وأربعة أسطوانات من صنع شركات مثل ليمباخ الألمانية.
ومنذ عام 2011، ضغطت الحكومة الأمريكية على الدول الأوروبية بغرض منع بيع المحركات المستخدمة في الطائرات الإيرانية بدون طيار. وفي هذا الصدد، تم أيضًا اعتقال رجلي أعمال إيرانيين ومحاكمتهما في ألمانيا خلال عام 2014.
وفي عام 2021، وضعت الولايات المتحدة كلاً من شركة "أوج برواز ما دو نفر" وشركة "كيميا بارت سوان"، على قائمة العقوبات؛ وهما على التوالي أهم موردي المحركات وأنظمة الملاحة للقوى الثلاث للحرس الثوري الإيراني.
وأُضيفت كذلك شركة "قدس لصناعات الطيران" إلى نفس قائمة العقوبات، في كانون الثاني/ يناير 2023؛ وعندما تم الكشف عن استخدام روسيا لطائرة شاهد 136 بدون طيار في حرب أوكرانيا، بات من الواضح أن هذه الشركة قد لعبت دورا كبيرا في توفير هذا النوع من الطائرات بدون طيار لروسيا.
جرّاء ذلك، أعلنت أوكرانيا، أن الحكومة الإيرانية قامت بتسليم 1700 طائرة بدون طيار إلى روسيا، واستخدمت المئات منها لاستهداف البنية التحتية المدنية، بما في ذلك نظام الكهرباء والمناطق السكنية في البلاد.
وما أثار النقاش آنذاك، هو ما كشفت عنه شبكة "سي إن إن" بناء على تقييم المخابرات الأوكرانية أنه من بين 52 قطعة أجنبية استخدمت في الطائرة الانتحارية شاهد 136، 40 قطعة صنعتها 13 شركة أمريكية مختلفة و12 قطعة صنعتها شركات من سويسرا وكندا واليابان وتايوان والصين.
وفي صيف عام 2023، نُشرت صور لطائرة بدون طيار تم إسقاطها في أوكرانيا، وأظهرت أن بعض أجزائها أيرلندية. وفيما يتعلق بهذه القضية، أبرزت صحيفة The Times of Ireland أن الطائرة الإيرانية بدون طيار التي أسقطت في أوكرانيا كانت تحتوي على جزء مكتوب عليه "صنع في أيرلندا" ومن المحتمل أن تكون من إنتاج أحد فروع شركة تيلوتسون للشركة الأمريكية في أيرلندا.