لجريدة عمان:
2025-11-07@21:06:53 GMT

نضال الليبيين ضد الاستعمار في روايتين

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

تحدثتُ فـي مقال الأسبوع الماضي عن وجوب الإشارة إلى الرواية التخييلية عند توظيف فكرتها الفريدة أو الاستفادة منها، وضربتُ مثالًا بإشارة ماركيز فـي مقدمة روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» إلى رواية «الجميلات النائمات» للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا، وفـي المقابل رأيتُ عدم وجوب ذلك تجاه الرواية المقتبِسة أحداثَها من التاريخ، ووعدتُ أن أتحدث فـي مقال اليوم عن روايتَيْن عربيّتيْن صدرتا فـي السنوات الأخيرة وتناولتا موضوعًا تاريخيًّا واحدًا، لكن إحداهما اتُّهِمتْ بتدوير فكرة الرواية الأخرى، متجاهِلًا -مَن اتهمها بذلك- أن الروايتَيْن اعتمدتا المصادر التاريخية نفسها.

وفـي تفاصيل الحكاية، فإن الروائي الليبي صالح السنوسي كتب على صفحته فـي فـيسبوك قبل نحو عام ونصف أن قراءً تواصلوا معه يخبرونه أن فـي رواية «صندوق الرمل» للروائية (الليبية أيضا) عائشة إبراهيم تقليدا وتدويرا لفكرة رواية السنوسي «الهروب من جزيرة أوستيكا». كلتا الروايتين تستلهم التاريخ الليبي الحديث، فـ«الهروب من جزيرة أوستيكا» تسلط الضوء على فترة نضال الليبيين ضد الاستعمار الإيطالي وترحيل المجاهدين الليبيين إلى جزيرة أوستيكا، من خلال قصة سالم البراني، مدرس ليبي من مدينة درنة، يقع فـي حب فتاة إيطالية تُدعى لورينزا، تعمل فـي سجن الجزيرة. رغم قسوة السجن وصرامة الحراس، تنشأ علاقة حب سرية بينهما، ما يخلق توازنًا بين قسوة الحياة فـي السجن وأمل الحب والحرية. تتوازى هذه القصة مع تعاطف السجناء الليبيين مع السجناء السياسيين الإيطاليين المعارِضين للفاشية، ما يكسر القالب النمطي للمحتلّ، ويُظهِر أن الفاشية ليست عدوّة الليبيين فقط، بل هي أيضًا عدوّة الشعب الإيطالي. تنتهي الرواية بمحاولة فاشلة لهروب سالم ولورينزا، حيث يُقتل سالم برصاص قناص، إلا أن أمل الحرية يستمر مع نجاة لورينزا وحملها بطفلِ سالم، ما يعكس استمرارية النضال ضد الظلم والحلم بمستقبل أفضل.

أما رواية «صندوق الرمل» للكاتبة عائشة إبراهيم فتدور حول ساندرو كومباريتي، صحفـي إيطالي شاب يُجَنَّد فـي الحملة الإيطالية على ليبيا عام 1911. وبالرغم من قناعاته بالسلام وحبه للموسيقى والحرية، يجد ساندرو نفسه جزءًا من آلة الحرب التي سحقت أحلامه. خلال وجوده فـي طرابلس، يقع فـي حب بائعة حليب ليبية اسمها حليمة، ولكن سرعان ما تنقلب الأمور عندما يتسبب، من خلال مشاركته فـي الحرب، بمقتل عائلتها. الرواية تستعرض بشاعة الحرب من منظور الجنود المستعمِرين، وهذه أيضًا زاوية تناول غير نمطية، وتُبرِز التناقضات التي يعيشها هؤلاء الجنود بين الشعارات الحماسية والحقيقة المريرة فـي الميدان. يحاول ساندرو التكفـير عن خطاياه عبر البحث عن محبوبته وإيصال صوتها ومعاناتها للعالم. إنها رواية تسلط الضوء على معاناة النساء الليبيات فـي السجون الإيطالية بأسلوب سردي مميز يمزج بين الحقائق التاريخية والأبعاد الإنسانية.

أعود إلى منشور صالح السنوسي الذي يبدو منه أنه لم يقرأ رواية عائشة إبراهيم، إذْ يكتب: «إذا كانت الروائية قد أشارت فـي مقدمة روايتها إلى هذا التأثير فهذا أمر مقبول مهما كان حجم التدوير لأنه سبق للروائي الأوروجوياني كارلوس ليسكانو أن كتب فـي مقدمة روايته «ذكريات الحرب الأخيرة» أنه قرأ رواية الروائي الإيطاليّ دينو بوتزاتي «صحراء التتار» عندما كان فـي السجن، وأنه مدين له بذلك، أما إذا صح ما تقولونه ولم تُشِر الروائية إلى ذلك فإننا نكون أمام تدوير للفكرة وإنكار ذلك فـي الوقت نفسه»، منهِيًا منشوره بالإشارة إلى أن روايته صدرت عام 2018، فـي حين صدرت «صندوق الرمل» عام 2022، داعيًا النقاد -خصوصا الليبيين منهم- أن يقرأوا «صندوق الرمل» ويصدروا حُكْما موضوعيًّا.

استجابت الناقدة الليبية أحلام العيدودي لدعوة السنوسي ونشرت مقالًا بعنوان «صندوق الرمل.. والهروب من جزيرة أوستيكا.. بين المحاكاة وإعادة تدوير الفكرة» ناقشت فـيه التشابه بين الروايتين مستعرِضةً أمثلة مقارِنة بين الروايتين لتوضيح أوجه التشابه، مثل تصوير نفـي الشخصيات إلى المنفى فـي جزيرة أوستيكا وأساليب السجن والظروف القاسية التي تعرضوا لها، ويبدو أنها خَلُصتْ فـي نهاية مقالها إلا أن الرواية المتأخرة أعادت تدوير المتقدمة، ورغم أنها ترى أن إعادة تدوير الأفكار ظاهرة أدبية مشروعة، لكنها أكدت فـي الوقتِ نفسه أهمية أن يُشارَ إلى التأثر بشكل صريح، متخذة من روايتَيْ ليسكانو وبوتزاتي اللتين استشهد بهما السنوسي مثالًا!

وفـي تصوُّري أن اشتراط كلٍّ من السنوسي والعيدودي إشارةَ «صندوق الرمل» إلى الرواية التي سبقتْها هو اشتراط فـي غير محلّه، فنحن هنا إزاء عمَلَين يمتحان من التاريخ نفسه، وما رصدته أحلام من نقاط تشابه بين الروايتين، وهي باختصار: اقتياد المعتقلين إلى مركب فـي البحر، والسير بهم إلى مكان مظلم يُفضي إلى قاع مجهول، ونزع ملابسهم وتركهم عرايا رجالًا ونساءً، ووجود مترجِم لهم إلى العربية، ومحاولات بعضهم الهروب من سجن الجزيرة، كل هذه التفاصيل التي اشتركت الروايتان فـي إيرادها ضمن نسيج الحكاية، وردتْ أيضًا فـي وثائق ليبية وثقت مأساة هؤلاء المساجين، أذكر منها كتاب «المنفـيون الليبيون إلى سجون الجزر الإيطالية: وثائق أرقام، أسماء صور» الصادر عن مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية عام 1991، و«موسوعة روايات الجهاد: جزء خاص بالمنفـيين» الصادرة عام 1988م. إن الاعتماد على المصدر التاريخي نفسه هنا لا يُعدّ انتحالًا أو تدويرًا للفكرة، حتى لو تشابهت التفاصيل. ما يحدد الانتحال هو أخذ الأسلوب الأدبي أو الإضافات الخيالية أو المعالجة المتميزة التي أضافها الكاتب الأول. لذلك، المهم هو كيفـية استخدام المصدر التاريخي وليس التشابه فـي المعلومات المستنِدة إلى هذا المصدر.

أما استشهاد كلّ من السنوسي والعيدودي بأن الأوروجوياني كارلوس ليسكانو أشار فـي مقدمة روايته «ذكريات الحرب الأخيرة» إلى تأثره برواية الإيطالي دينو بوتزاتي فهو أيضًا فـي غير محله، فـ«صحراء التتار» رواية تخييلية، ولا علاقة لها بالتاريخ، لذا فإن المتأثر بها -وهو هنا ليسكانو- كان عليه أن يُشير إليها بالفعل، لأنها ألهمته فـي سرد تجربة الانتظار والعبث، التي عايشها خلال سنوات اعتقاله فـي سجون المجلس العسكري فـي أوروجواي. وجد ليسكانو فـي «صحراء التتار» انعكاسًا لحالته، فكما انتظر الجندي دروغو غزوًا من التتار لم يحدث، عاش هو فـي انتظار حربٍ لم تبدأ. بوتزاتي، الذي كان كتابه موجودًا فـي مكتبة السجن، أصبح رفـيقًا روحيًّا لليسكانو، ما دفعه لكتابة روايته تكريمًا لهذا التأثير الأدبي والمعنوي الكبير، تماما مثلما ألقى ماركيز تحيته على كاواباتا.

خلاصة القول إن روايتَيْ «الهروب من جزيرة أوستيكا» و«صندوق الرمل» روايتان جميلتان تحدثتا عن النضال الليبي ضد الاستعمار الإيطالي، من زاويتَي تناول غير تقليديَّتَيْن، استحقتا عليه الإعجاب والتقدير، وليس من الحصافة القول إن إحداهما انتحلتْ أو تأثرتْ بالأخرى.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تدویر ا

إقرأ أيضاً:

الأحد تكريم رياض الخولي في مؤتمر الرواية والدراما المرئية

ينطلق الأحد القادم في رحاب المجلس الأعلى للثقافة، المؤتمر الثاني تحت عنوان «مقومات الشخصية المصرية بين الرواية والدراما المرئية»، في فعالية تُعد تجلياً لمفارقة الكلمة والمشهد للفكر والإبداع، وينظم هذه الفعالية نادي القصة برئاسة الكاتب السيناريست محمد السيد عيد، وجمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية برئاسة عصام عزت، وتُدار تحت رئاسة المخرج الكبير عمر عبد العزيز، وأمانة الدكتورة زينب فرغلي.

زينة تتزوج محمد فراج ليلة زفافها على عمرو المهدي في مسلسل ورد وشوكولاته عزاء والد محمد رمضان الأحد المقبل بمسجد الشرطة بالشيخ زايد موعد ومكان جنازة والد محمد رمضان الموت يفجع محمد رمضان ماندو العدل يعلن موعد عرض الحلقة الثالثة من "ورد وشوكولاتة" بكلمات مؤثرة.. بيومي فؤاد ينعي الراحل أحمد عبدالله بحضور إسعاد يونس.. أبطال فيلم "قصر الباشا" يحتفلون بالعرض الخاص عبدالرحيم كمال يودع أحمد عبدالله برسالة مؤثرة إسعاد يونس عن وفاة أحمد عبدالله: خبر صادم جدًا وحزين صلاح عبدالله ناعيًا أحمد عبدالله: خبر نزل على قلبي كالصاعقة

إن تساؤل كيف تُصاغ الحقيقة في الخيال؟ وكيف تتحول الحكاية إلى وعي جمعي يرى ذاته في المرآة المرئية؟، ليس مجرد شعار بل هو نواة هذا المؤتمر، إذ يجمع بين النص الروائي حيث الحروف تشكل الوجدان والدراما المرئية، حيث الضوء والصوت يجسدان الرؤية.

عبر هذا المؤتمر يتم إعادة السؤال الأزلي إلى واجهة التفكير: العلاقة الجدلية بين السرد والمرئي، بين الحكاية المكتوبة وتجسيدها على الشاشة، وهنا تكمن الفلسفة، النص لا يفنى حين يُرسم، بل يتحول، ويمنح المشاهدين والمثقفين نافذة لرؤية الذات من الداخل.

من ثم فإن تكريم من أسهموا في تشكيل هذا المشهد (رواية ودراما) ليس مجرد تكريم فردي، بل احتفاء بجسر الثقافة بين العقل والإحساس، بين التاريخ والعيش المعاصر.

سيكون حفل الافتتاح الذي يشارك فيه الأمين العام للمجلس الدكتور أشرف العزازي، مناسبة لتكريم عدد من الرموز، ومن بين هؤلاء الفنان رياض الخولي، وخلال هذا التكريم يُحتفى بما يمثله من حضور درامي مصري متماسك، قادر على تجسيد البعد الشعبي والرسالي معاً.

سيرة موجزة لِرياض الخولي

شارك رياض الخولي في أكثر من مئة عمل فني بين السينما والتلفزيون والمسرح، من أبرزها فيلم «طيور الظلام»، ومسلسل «سلسال الدم»، ويتميز بتجسيد أدوار ذات حضور قوي، كثيراً ما يعكس شخصية السلطة أو السلطة الشعبية أو البُعد الاجتماعي، ما يجعل منه مرآة للشخصية المصرية في تجلياتها الدرامية.

إن اختيار تكريم رياض الخولي هو اعتراف بفنان استطاع أن ينقل الواقع الاجتماعي المصري، من صعيده إلى حاضره على شاشة الدراما بحيث يصبح جزءاً من الذاكرة الجمعية، ليؤكد هذا المؤتمر أن الإبداع ليس ترفاً بل شكل من أشكال الوعي، وأن الرواية والدراما ليسا تقابلين بل وجهان لوعي إنساني واحد.

مقالات مشابهة

  • الخارجية تواصل جهودها للإفراج عن «السجناء الليبيين في الخارج»
  • الأحد تكريم رياض الخولي في مؤتمر الرواية والدراما المرئية
  • أحمد ترك: جماعة الإخوان كانت تقلل من المقاومة المصرية ضد الاستعمار البريطاني
  • "الآلية الثلاثية" تدعم "ملكية" الليبيين للعملية السياسية في بلادهم
  • بن زير: نعول على الليبيين الشرفاء الذين همهم الوطن وليس البطن
  • «الصناعة» تطرح مجمعات تعدينية للمنافسة في الرياض ومكة المكرمة
  • وزير الخارجية: مصر ستواصل التنسيق مع الجزائر وتونس لدعم الليبيين
  • وزارة الصناعة تطرح مجمعات تعدينية للمنافسة في الرياض ومكة المكرمة
  • ضحية التعذيب في “تيمان” مدني من غزة وليس مقاتلا كما زعمت رواية الاحتلال
  • الرفَّيقة مريم يوحنا.. نضال امرأة نوبويَّة