عُمان تعلن الحرب على الفساد (1)
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
معركة الحرب على الفساد المالي والإداري في هذا البلد العزيز لم تعد من الأماني والطموحات الوطنية صعبة المنال أو من المستحيلات في رؤية "عُمان 2040" التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق العديد من المعايير مثل: الحوكمة والنزاهة والعدالة الاجتماعية.
وبالفعل قد تحقق إلى حد كبير بعض من هذه المعايير، بفضل من الله وإخلاص أبناء هذا الوطن، للحفاظ على المال العام وحقوق المواطن في الحصول ثروات وطنه بطرق سليمة، تقوم على المساواة في توزيع الثروة والمناصب، من خلال ما يُعرف بمبدأ الشفافية الذي لم يعد ترفًا؛ بل مطلب وطني من جميع أفراد المجتمع العُماني بكل أطيافه وألوانه المختلفة.
لقد تشرُّفت يوم الأحد الماضي بالحصول نسخة من تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية عند صدوره مباشرة من الزملاء في هذا الجهاز الوطني الرائع؛ والذي هو عبارة عن إيجاز مختصر بعنوان "ملخص المجتمع 2023". وكان أبرز ما لفت انتباهي في ذلك الملخص هو تحصيل واسترداد مبالغ مالية لصالح الخزانة العامة بلغت نحو 177.7 مليون ريال عُماني منها 95 مليون ريال عُماني عن عام 2023.
كما إن هناك إسناد مشاريع واتفاقيات تقدر بمئات الملايين وعلى مرور عقود دون تدخل الجهات الرقابية في السنوات الماضية، في هدر الأموال وذهابها بطرق غير قانونية لبعض الشركات. ولعل كشف "الملخص" عن تكلفة الأموال في شراء الأنابيب لشركة تنمية نفط عُمان ولمدة ربع قرن دون إعادة طرحها للتنافس يشكل منعطفًا خطيرًا؛ إذ بلغ المبالغ المالية أكثر من 4 مليارات دولار أمريكي. ورغم أن العقد مستمر حتى نهاية المدة في أكتوبر 2024، إلا أنه سيتم وقف التمديد الذي كان يُفترض أن تكون مدته سبع سنوات أخرى.
وعلى الرغم من اختصاص جهاز الرقابة في الرقابة الإدارية المتعلقة بالمناصب والتوظيف، إلّا أن جُل تركيز هذا الجهاز على المحافظة على المال العام، وذلك باعتقادي لأهمية هذه المرحلة التي تشهدها السلطنة في تنفيذ المشاريع التنموية، وكذلك التقليل من المديونية العامة للدولة باعتبار ذلك من أهم أهداف الحكومة.
صحيح أن التقرير كشف عن أبرز التجاوزات في هذا المجال الإداري، وكانت الواقعة الأولى: تتعلق بقيام وزارة العمل بمنح صلاحيات لبعض الموظفين لأعمال غير مرتبطة بالدوائر التي يعملون فيها كأنظمة التوظيف الحكومي ونظام "إجادة" ونظام "مورد بلس"؛ الأمر الذي أدى إلى استغلال تلك الصلاحيات والقيام باعتماد المعاملات من قِبل موظفين غير معنيين بإجراءات تلك المعاملات. كما تبيّن وجود العديد من التجاوزات والأخطاء أثناء فحص وتجربة نظام التوظيف المركزي أدت بعضها إلى: التنافس للوظائف بالمخالفة لإعلان الشواغر، والسماح بإدخال متنافسين غير مؤهلين للدخول للاختبار، وتكرار رفض قبول المُتقدِّم للوظيفة على الرغم أنه مُتوافق وتنطبق عليه شروط الوظيفة.
أما الواقعة الثانية؛ فتتمثل في غياب "آلية موحدة تنظم إجراءات تعيين الرؤساء التنفيذين ومديرو العموم للشركات التابعة لجهاز الاستثمار العُماني بما يحقق أهداف برنامج روابط".
لا شك أنه يجب نشر ثقافة المحاسبة الذي يعتبر مبدأ "من أين لك هذا؟" واحدًا من أركانه الأساسية؛ فاختيار المسؤولين الذين يتمتعون بسمعة رفيعة وأخلاق حميدة وضمير حي لتقلُّد المناصب الكبيرة التي تشرف على الموازانات وتعتمد المناقصات والمشاريع والخطط التنموية في البلاد، ومن خلالها تقرر مصالح المواطنين ومصير المجتمع بشكل عام، خاصة قطاعات التعليم والاقتصاد والعمل. فالوظيفة العامة يجب أن تكون تكليفًا قبل أن تكون تشريفًا للمسؤول الذي أتى ليخدم الناس ويسهّل مصالحهم؛ وليس لكسب النفوذ وجمع المال بكل الطرق لتحقيق الثراء السريع قبل الرحيل من المنصب.
وفي الختام.. لا يمكن النجاح ومحاصرة الفساد في أي بلد دون الكشف عن المفسدين والإعلان عن تجاوزاتهم المالية والإدارية عبر وسائل الإعلام، ليكون ذلك رادعًا لهم ولغيرهم، مهما كبرت مناصبهم في الدولة؛ فسياسة المجاملات لبعض صُنَّاع القرار الذين يتولون التوقيع على الصفقات المليونية وحتى المليارية من الأموال العامة، يجب أن تتوقف فورًا إن وُجِدَتْ، وذلك من أجل أن تطالهم المحاسبة أيضًا، وليس فقط المدراء والموظفين الصغار الذين لا تتجاوز مسؤليتهم بضعة آلاف من الريالات، ذلك أن أفضل التجارب في محاربة الفساد أن تكون من أعلى القمة أو ما يعرف بكنس الدرج من الأعلى إلى الأدنى.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الرقابة المالية تمد مدة تقديم القوائم المالية المنتهية حتى نهاية أبريل
أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية برئاسة الدكتور محمد فريد القرار رقم 38 لسنة 2025 بشأن مد مدة تقديم القوائم المالية السنوية للشركات المقيد لها أوراق أو أدوات مالية بالبورصة المصرية والجهات الخاضعة لإشراف ورقابة الهيئة.
بموجب المادة الأولى من القرار يسمح للشركات المقيد لها أوراق أو أدوات مالية بجداول البورصة المصرية والجهات الخاضعة لإشراف ورقابة الهيئة بتقديم القوائم المالية الدورية عن الفترة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2024 وذلك لتصبح في 30 أبريل 2025 بدلاً من 31 مارس 2025.
وذلك بعد الاطلاع على القانون رقم (10) لسنة 2009 بتنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم (192) لسنة 2009 بإصدار النظام الأساسي للهيئة العامة للرقابة المالية، وعلى قرار مجلس إدارة الهيئة رقم (11) لسنة 2014 بشأن قواعد قيد وشطب الأوراق المالية بالبورصة المصرية.
كما تضمنت المادة الثانية من القرار على أنه يُنشر في الوقائع المصرية وعلى الموقع الإلكتروني لكل من الهيئة والبورصة المصرية، ويُعمل به من اليوم التالي لتاريخ صدوره.
جدير بالذكر أن الهيئة العامة للرقابة المالية تمضي قدماً نحو اصدار ما يلزم من ضوابط ولوائح وتشريعات تمكن المؤسسات المالية غير المصرفية من النمو والتطور وتحقيق مستهدفاتها المالية والتشغيلية، مع التركيز الكامل على ضمان تحقيق الاستقرار المالي للأسواق وسلامة التعاملات وتنظيمها وتنميتها وتوازن حقوق كافة الاطراف المتعاملة مع توفير الوسائل والنظم واصدار القواعد التي تضمن كفاءة هذه الاسواق وشفافية الانشطة التي تمارس فيها، وذلك لتعزيز دور الأنشطة المالية غير المصرفية في الاقتصاد القومي.