بينما الحرب على غزة مستعرة للعام الثاني على التوالي، اجتمعت نخبة من المثقفين والسياسيين العرب في العاصمة البوسنية سراييفو لصياغة رؤية جديدة للديمقراطية التي يرون أن غيابها عامل رئيسي وراء اجتراء الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب الإبادة بحق الفلسطينيين.

وتحت عنوان "العهد الديمقراطي العربي.. خارطة طريق للديمقراطية العربية"، يسعى هذا المؤتمر إلى اقتراح حلول عملية لأزمات الاستبداد والقمع وغياب العدالة الاجتماعية، وبحث "التحديات الفكرية والسياسية غير المسبوقة" التي طرحتها الحرب على غزة، كما يقول أبرز الداعين للمؤتمر، منصف المرزوقي، أول رئيس للجمهورية التونسية بعد ثورة 2011.

ويترأس المرزوقي المجلس العربي الذي يتولى تنظيم المؤتمر، والذي كان قد عقد أول منتدياته في قصر قرطاج عام 2014، لكنه الآن مضطر للالتئام في الخارج بعدما أغلقت العواصم العربية أبوابها، كما يقول المنظمون.

وتحدث المنظمون أيضا عن "خوف الأنظمة من لقاء الديمقراطيين وتوحدهم" بعدما مُنع أحد المدعوين من السفر إلى سراييفو لحضور المؤتمر.

الرئيس التونسي الأسبق يهدي قلادة مُنحت له إلى روح إسماعيل هنية ويحيى السنوار (الجزيرة)

وافتتح الرئيس التونسي الأسبق جلسات المؤتمر اليوم السبت بدعوة الحاضرين للوقوف دقيقة صمت حدادا على شهداء غزة وجميع شهداء العالم العربي.

وقال في كلمته إن الركام الذي يعيش فيه أهل غزة ولبنان الآن يقابله ركام آخر من الأفكار والقيم داخل المجتمعات العربية، وبين الركامين علاقة وثيقة، حسب تعبيره.

ويرى المرزوقي أن الركام الفكري والسياسي هو أوهام التجارب السابقة التي تصورت مثلا أن الأنظمة المستبدة يمكنها أن تنشئ اتحادا عربيا حقيقيا أو تقاوم العدوان الخارجي.

والحل في رأيه هو الابتعاد عن أوهام الماضي، ومواصلة التفكير في حلول واقعية تلبي تطلعات الشعوب إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.

هدية لهنية والسنوار

وقدّم المجلس العربي لرئيسه المرزوقي قلادة "رجل العام للديمقراطية والعيش المشترك"، فما كان منه إلا أن أهداها إلى "روح أبو العبد وأبو إبراهيم وأرواح شهدائنا في غزة"، في إشارة إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية وخليفته يحيى السنوار.

وقال المرزوقي "عرفت أبو العبد شخصيا واستقبلته في قصر قرطاج… نقسم أن دماء شهدائنا لن تذهب هدرا".

وينظم المؤتمر ضمن أعماله التي تستمر يومين جلسة خاصة بشأن غزة تبحث في دور الديمقراطيين العرب في دعم القضية الفلسطينية.

المشاركون يناقشون تعريفات جديدة للديمقراطية تجعلها قرينة التحرر من الاحتلال والتبعية (الجزيرة)

وتستمر الحرب على غزة للعام الثاني على التوالي بدعم أميركي مطلق، ويصف خبراء دوليون ما ترتكبه إسرائيل بالإبادة الجماعية، حيث استشهد وأصيب أكثر من 140 ألف فلسطيني، ودُمر القطاع بشكل ممنهج لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

بيد أن القوى الغربية ترفض وصف ما يجري بالإبادة، رغم ما وثقته تقارير عديدة من بينها تقرير المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي الصادر في مارس/آذار الماضي، وتواصل دول غربية عدة إمداد إسرائيل بالأسلحة والقنابل الفتاكة.

ويرى المرزوقي أن تواطؤ الأنظمة الغربية في هذه الإبادة أسهم في مزيد من فقدان الثقة لدى الشعوب العربية تجاه الديمقراطية التي باتوا يرونها أيديولوجيا غربية فقدت كل مصداقية.

إخفاق غربي

من جانبها، قالت نائبة رئيس المجلس العربي والناشطة اليمنية الحائزة جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان إن الأنظمة الغربية التي تدعي الديمقراطية خانت مبادئها وتحالفت مع الثورات المضادة والمستبدين ودعمت المليشيات في العالم العربي.

ورأت كرمان أن هشاشة تلك الأنظمة الغربية قد انكشفت مع صعود موجات الكراهية والعنصرية ومعاداة اللاجئين كما أنها أخفقت إزاء اختبار الحريات حين قمعت وسجنت الطلاب المناصرين لغزة وفلسطين.

في الوقت نفسه، أكدت الناشطة اليمنية الانحياز الكامل للقضية الفلسطينية لكنها قالت إن هذا "يجب ألا يعمينا عن جرائم المليشيات المسلحة الطائفية ضد بلدانها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا"، ورأت أن مشروعهم ليس تحرير فلسطين بل هم جزء من مشروع إيراني توسعي، وفق قولها.

الناشطة اليمنية توكل كرمان نائبة رئيس المجلس العربي (الجزيرة)

من ناحية أخرى، قال السياسي المصري أيمن نور نائب رئيس المجلس العربي إنه لا ينبغي الفصل بين تحرير الأرض وتحرير إرادة الشعوب. ورأى أن الربيع العربي لم ينهزم ولم ينتصر، بل هو ما زال يقاوم.

وذكر نور أنه لا يفهم "لماذا الانزعاج من هذا المؤتمر"، مشيرا إلى منع السياسي هشام قاسم من السفر من القاهرة إلى سراييفو.

تم منعي من السفر منذ قليل من مطار القاهرة وكنت في طريقي لمدينة سراييفو لحضور مؤتمر "العهد الديموقراطي العربي: خارطة طريق للديموقراطية العربية" الذي ينظمه المجلس العربي وكان من المقرر أن اتحدث في الجلسة الأولى صباح الغد. كنت قد سافرت ثلاثة مرات منذ الإفراج عني في فبراير الماضي ١/٥ pic.twitter.com/W6gi6ppcuf

— Hisham Kassem (@hishamkassem) October 18, 2024

وفي سياق نقاشات المؤتمر، قال رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني إن ما يجري اليوم من أحداث يشكل "تحديا للعقل والوجدان العربي والإسلامي، وهزة كبيرة".

لكنه رأى أن السؤال المهم هو ما إذا كان "لدينا في تركيبتنا الاجتماعية وفي وعينا من العوامل ما يحقق النهوض السليم بعد الأزمة". وقال إن العالم العربي يحتاج إلى ثلاثية الاستقرار والمقاومة والتنمية.

بدوره، قال نائب الرئيس العراقي سابقا طارق الهاشمي إن طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان ملهما للشعوب العربية، وإن التخاذل عن نصرة غزة ما كان ليحصل لولا وجود المستبدين.

ورأى أن الأمة العربية لا تحتاج مشروعا للديمقراطية فقط، بل للاستئناف الحضاري.

ويسعى المشاركون في المؤتمر إلى التوافق على وثيقة "العهد الديمقراطي العربي" لتقديم خريطة طريق واضحة لإرساء الديمقراطية في العالم العربي، كما يطمحون لتقديم تعريف جديد للديمقراطية بعيدا عن تصورها كأيديولوجيا غربية، وربطها بمطالب التحرر الوطني والخروج من التبعية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المجلس العربی العالم العربی على غزة

إقرأ أيضاً:

المجلس الأوروبي يؤكد "القيمة الكبيرة التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب"

خلال اجتماع هام انعقد  العاصمة البلجيكية بروكسل، تبنى رؤساء دول وحكومات دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون، ما خلصوا اليه من مواقف، عبروا فيها بالإجماع عن دعمهم وتشبثهم بـ "الشراكة الاستراتيجية" مع المغرب، والتي يوليها الاتحاد الأوروبي "قيمة كبيرة".

وفي ختام اجتماعه الرسمي، أكد المجلس الأوروبي، وهو أعلى سلطة في الاتحاد الأوروبي، التزامه بـ "تعزيز الشراكة و"الحفاظ" عليها في كافة المجالات، وهو الموقف الجماعي الذي يتماشى مع الموقف الذي اعتمده وزراء الخارجية الأوروبيون السبعة والعشرون في 14 أكتوبر الماضي.

كما جدد رؤساء الدول والحكومات التأكيد على أن المجلس الأوروبي والمجلس "سيواصلان تحديد السياسة الخارجية وفقا للمعاهدات"، باعتبارها من الصلاحيات السيادية للدول الأعضاء.

ويشكل هذا الإعلان السياسي، ذو الغاية المهمة، الذي اعتمده كافة القادة الأوروبيين ضربة أخرى للضغوط التي حاولت بعض الجهات ممارستها من خلال استدعاء سفراء الدول الاثني عشر الذين أعربوا باسم حكوماتهم عن دعمهم للمغرب في أعقاب صدور قرار محكمة الاتحاد الأوروبي مباشرة.

هذا الموقف الأوروبي المشترك الداعم للمغرب يأتي كرد فعل لاذع من الاتحاد الأوروبي على خصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية. ومع هذا الموقف الجماعي المتخذ على أعلى مستوى في الاتحاد الأوروبي، يمكن القول أن توالي التأييدات، والذي لم يحدث إلا نادرا، من العديد من الدول والمؤسسات الفاعلة في النظام الدولي، ومن ضمنها المؤسسات السياسية وهيئات صنع القرار في الاتحاد الأوروبي مثل المجلس الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي وهيئة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي وكذا المفوضية الأوروبية، ينضاف إلى التصريحات التي أدلى بها عدد كبير من الدول الأعضاء فرادى في دعم واضح وكامل للوحدة الترابية للمغرب وأهمية المملكة المغربية وقيمة الشراكة معها.

من جهة ثانية، يلاحظ أنه نادرًا ما أثارت قرارات محكمة العدل هذا القدر من الاستياء داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. وبالتالي فالاستنتاجات التي اعتمدها القادة الأوروبيون يوم الخميس تؤكد الاتجاه الإيجابي والطبيعة الاستراتيجية للإعلان المشترك الذي أدلت به رئيسة المفوضية، السيدة فون دير لاين، والممثل السامي في الرابع من أكتوبر.

في سياق متصل، تشكل الخلاصات التي تمت الموافقة عليها بالإجماع من قبل الدول الـ27، تعزيزا ليس فقط للزخم الإيجابي والجماعي الذي تولد لدى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعد قرار محكمة العدل الأوروبية بتاريخ 04 أكتوبر، بل ترسم أيضا مسارا للمستقبل، في مواصلة تعزيز العلاقة الاستراتيجية والتاريخية بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي في جميع المجالات.

وأخيرا، فإن هذه التصريحات الصادرة عن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته تبعث برسالة سياسية واضحة وترد بصوت واحد على محاولات خصوم الوحدة الترابية للمغرب غير المقبولة لممارسة الضغط والتدخل في شؤون الدول الأعضاء ومؤسساتها السيادية في قضية داخلية تخص الاتحاد الأوروبي وشراكته مع المملكة.

ويرى مراقبون أن استياء بعض الأطراف من دعم 12 دولة أوروبية للمغرب، يؤكد شعورهم بالرفض والعزلة التامة، بعد الاستنتاجات التي عبر عنها قادة الدول الأوروبية الـ27 بالإجماع، وقوة تشبث الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بالشراكة مع المغرب.

مقالات مشابهة

  • من سراييفو.. انطلاق فعاليات مؤتمر العهد الديمقراطي العربي بمشاركة نخبة من المفكرين والسياسيين العرب
  • انطلاق فعاليات مؤتمر “العهد الديمقراطي العربي: خارطة طريق للديمقراطية العربية” في سراييفو
  • المجلس الوطني الفلسطيني يدين استهداف الاحتلال المدارس التي تؤوي نازحين في غزة
  • نقيب التمريض تشارك في فعاليات المؤتمر العربي الأول حول هجرة الكفاءات الصحية
  • مؤتمر دولي بسراييفو يناقش فيه المجلس العربي وضع ميثاق ديمقراطي عربيّ شامل
  • اتحاد الغرف العربية: نتطلع نحو مستقبل تتحد فيه تركيا والعالم العربي كقادة في الاقتصاد العالمي
  • منتدى أصيلة: ندوة تناقش التحديات التي تواجه النخب العربية في المهجر
  • المجلس الأوروبي يؤكد "القيمة الكبيرة التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب"
  • الجامعة العربية تنظم اجتماعا للاحتفال بمدينة الكويت عاصمة للإعلام العربي