غزة – مراسل «عُمان» - بهاء طباسي:

فُجع أهالي قطاع غزة بنبأ استشهاد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إثر استهداف مدفعية جيش الاحتلال منزلًا كان يتحصن فيه القائد العسكري المقاوم رفقه مجموعة من المقاتلين في مخيم تل السلطان بمدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.

ورغم أن الغزيين لم يتوقعوا اغتيال يحيى السنوار، مهندس عملية طوفان الأقصى، الذي فشل جيش الاحتلال في تعقبه على مدار عام كامل، إلا أنهم ما زالوا مؤمنين باستمرار المقاومة في اتباع نهج القادة الشهداء؛ أحمد ياسين، وإسماعيل هنية، وأخيرًا السنوار، مقدمة التضحيات في سبيل تحقيق الحلم نحو تحرير الأراضي الفلسطينية.

فاجعة الغزيين

وترى فايزة أبو سعد، 29 عامًا، في اغتيال «السنوار» فاجعة لأهل غزة، الذين يستمدون أمل التحرر من الاحتلال من أبناء المقاومة الصامدين في أرض الميدان.

وتقول الشابة النازحة من مدينة غزة إلى منطقة المواصي الجنوبية، إنها لم تتوقع أن يُقتل «السنوار» في يوم من الأيام، واصفة إياه بـ«المقاوم شديد الذكاء».

وتوضح خلال حديثها لـ«عُمان» أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، يريد أن يقول من خلال اغتيال قادة المقاومة؛ إسماعيل هنية ويحيى السنوار، أن «حماس» في طريقها إلى النهاية، لكنه «واهم»، فالمقاومة فكرة والأفكار لا تموت بموت أصحابها.

وتشير المواطنة الفلسطينية إلى أن أبا إبراهيم استُشهد مقداما حاملًا سلاحه يقاوم آليات جيش الاحتلال حتى الرمق الأخير، لتصدّق لحظاته الأخيرة على كذب ادعاءات الاحتلال بأن السنوار كان يتحصن في الأنفاق، متخذًا من الأسرى دروعًا بشرية.

والتقطت طائرة مسيرة إسرائيلية، مقطع فيديو، يكشف اللحظات الأخيرة في حياة المقاوم الشجاع يحيى السنوار داخل مبنى مدمر في مدينة رفح، حيث ظهر جالسًا على كرسي، ملثمًا ثخين الجراح، يلقي «منهكًا» بلوح خشبي على الدرون، وهي تقوم بتصويره.

ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية صورًا لجثة السنوار، وبجوارها متعلقات الشهيد الشخصية والعسكرية؛ «نسخة من الأذكار النبوية، كُتيب (أذكار نافعة)، سبحة، ساعة يد، سلاح كلاشينكوف، مخازن رصاص، جعبة عسكرية، وقنابل يدوية»، وهي كلها أدوات تدل على إيمانه القوي واستمراره في القتال حتى اللحظات الأخيرة.

المقاومة مستمرة

ويؤكد عز الدين أبو بريكة، 48 عامًا، أن المقاومة ستستمر حتى آخر طفل من أبناء قطاع غزة، «ولن يثنيها موت قادتها عن مواصلة حمل السلاح ضد العدو الصهيوني».

وأشار خلال حديثه لـ«عُمان» إلى استمرار المقاومة في التصدي للعدوان على قطاع غزة رغم اغتيال قائدها إسماعيل هنية في يوليو الماضي.

وفي 31 يوليو الماضي، تعرض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية بواسطة صاروخ موجه إسرائيلي استهدفه داخل مقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران، بعد مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

وفي 9 أغسطس الماضي، جرى تعيين يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس، قبل استشهاده يوم الأربعاء 16 أكتوبر، في مخيم تل السلطان بمدينة رفح، خلال الاشتباك مع جنود الاحتلال، التي يئست من صموده، فاستدعت سلاح المدفعية، لقصف المبنى الذي يتحصن فيه القائد المقاتل.

أم علي الحلو، وهي نازحة من شمال قطاع غزة إلى مستشفى شهداء الأقصى، جنوبي قطاع غزة، تقول: «رأيت حريق الخيام وموت الناس محروقين، هذا وجع قلبي، والآن يتجدد الوجع بخبر استشهاد يحيى السنوار. نحن نعيش في مآسي يومية».

مستقبل الحرب

وتتباين آراء أهالي قطاع غزة بشأن مستقبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي دخلت في عامها الثاني، بعد استشهاد يحيى السنوار، فالبعض يعتقد أن الحرب قد تنتهي باستشهاد قائد عمليات طوفان الأقصى، والبعض الآخر يؤكد أن الاحتلال سيستمر في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، والرأي الأخير تدعمه نوايا قادة الاحتلال.

يعتبر مؤمن العاصي، 39 عامًا، مقتل السنوار «خسارة للشعب الفلسطيني، الذي كان يعوّل كثيرًا على حنكته العسكرية في تحقيق مكاسب عسكرية»، لكنه في الوقت نفسه يرى أن «حرب السابع من أكتوبر ستنتهي بوفاة مهندس طوفان الأقصى، كما بدأت بتخطيط منه».

ويقول النازح من حي الصبرة في مدينة غزة لـ«عُمان» خلال حديثه: «لم يعد هناك عذر لنتنياهو، ليستمر في إبادة الفلسطينيين. لابد أن تنتهي الحرب. يكفي!»،

وعبر عن أمله في عودة العائلات الفلسطينية، التي شُردت من منازلها، ومن ثم البدء في خطة إعادة الإعمار.

ويتساءل لؤي عبد السلام، 22 عامًا من خان يونس، عن السر وراء استمرار حكومة الاحتلال في العدوان على الشعب الفلسطيني رغم استشهاد السنوار، مشعل فتيل حرب السابع من أكتوبر، والمطلوب الأمني الأول في إسرائيل: «ماذا يريد الإسرائيليون أكثر من هيك؟ نحن نريد العيش كباقي الشعوب، لا نريد حروبًا ولا مآسي».

وهو الرأي نفسه لـ سعيد الخواجة، 51 عامًا، من رفح، والذي «ينتظر لحظة انتهاء الحرب بفارغ الصبر، كي يعود إلى حياته الطبيعية»، لكن الواقع العسكري على الأرض يشير إلى غير ذلك.

يقول لـ«عُمان» خلال حديثه: «بعد مقتل السنوار قلت إن الحرب ستهدأ، ويتم الإعلان عن جلسة مفاوضات، لكن أحبطني استمرار الغارات الصهيونية في كل مكان».

ويضيف: «تعبنا كثيرًا، طفح الكيل من هذه الحرب، التي قضت على البشر والحجر والشجر»، معتبرًا أن ذلك هو الوقت المناسب لتدخل المجتمع الدولي، وإنهاء عام و10 أيام من معاناة الشعب الفلسطيني.

ويرفض قادة في حكومة الاحتلال دعوات وقف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، قبل الانخراط في صفقة دبلوماسية لتحرير الأسرى.

وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسئيل سموتريتش، إن الصفقة الوحيدة الآن هي الاستسلام الكامل لمن تبقى من حركة حماس في قطاع غزة، وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، واستكمل: «حتى ذلك الحين، يجب زيادة الضغط العسكري، والقضاء على المزيد والمزيد من الإرهابيين والقادة»، بحسب تعبيره.

وأكد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، أهمية استمرار الحرب بكل قوة حتى تحقيق ما سماه «النصر المطلق».

وانعكاسًا لرؤية اليمين المتطرف في حكومته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن مقتل السنوار يمثل «بداية النهاية للحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلي وحماس في قطاع غزة منذ عام».

وقال رئيس وزراء الاحتلال، في رسالة مصورة باللغة الإنجليزية إن «يحيى السنوار مات. لقد قُتل في رفح على أيدي الجيش الإسرائيلي، هذا لا يعني نهاية الحرب في غزة، بل بداية النهاية».

وتتمسك المقاومة الفلسطينية بانسحاب جيش الاحتلال من غزة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كشرطين أساسيين لتحرير الرهائن الإسرائيليين.

صمود المقاومة

ونعت حركة حماس رئيس مكتبها السياسي وقائد عملية طوفان الأقصى، يحيى السنوار، الذي «استُشهد في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال، مقبلًا غير مُدبرٍ، مُمْتَشقًا سلاحه، مشتبكًا ومواجهاً لجيش الاحتلال في مقدّمة الصفوف».

وقال خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة حماس: «إن المقاومة ماضية حتى إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس، ودماء السنوار وقادة حماس ستظل توقد لنا الطريق، وتشكل دافعا للصمود والثبات».

وأكد الحية، في كلمة متلفزة، شروط المقاومة، التي تصر عليها من أجل إتمام صفقة لتبادل الاسرى ووقف إطلاق النار، وقال للإسرائيليين: «أسرى الاحتلال لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة، والانسحاب الكامل منها وخروج أسرانا من المعتقلات».

تعنت الاحتلال وموقف «حماس» يراهما ماهر الصافي، المحلل السياسي الفلسطيني، سببًا كافيًا لاستمرار الحرب، وقال إن حرب السابع من أكتوبر لن تنتهي في القريب العاجل، مشيرًا إلى «غباء الاحتلال، الذي لم يستغل مقتل يحيى السنوار كفرصة للخروج الآمن من قطاع غزة، وحفظ ماء وجهه أمام الرأي العام الصهيوني».

وأضاف أن المقاومة ستستمر في التصدي للعدوان الصهيوني على قطاع غزة حتى آخر قطرة دم لدى الشعب الفلسطيني، ما دام الكيان الصهيوني مصرًا على استكمال حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وتفجير الأوضاع في المنطقة بالاشتباك مع حزب الله في لبنان، والمضي قدمًا في الاغتيالات السياسية.

وأوضح أن «أي مقاومة شعبية عرفها التاريخ الإنساني لا تستسلم بموت قادتها، فهي لديها عقيدة راسخة أنه إذا مات قائد سيأتي خلفه ألف قائد، وأن الاحتلال إلى زوال مهما طال الزمان»، ناصحًا القادة في دولة الكيان بأن «يتعلموا من دروس التاريخ، وإلا فإنهم يعجلون بنهايتهم».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسی لحرکة حماس الشعب الفلسطینی یحیى السنوار جیش الاحتلال طوفان الأقصى قطاع غزة لـ ع مان رئیس ا

إقرأ أيضاً:

الدويري: مقاومة غزة تكيفت مع تغيرات المعركة

قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة استطاعت أن تتكيف مع تغيرات المعركة التي تخوضها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد الدويري -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- أن المعركة الجارية في مدينة بيت لاهيا شمالي القطاع تختلف كليا عن المعارك السابقة، مشيرا إلى أن قتال الفصائل الفلسطينية يتم بمجموعات صغيرة.

وكانت فصائل المقاومة تقوم في المراحل الأولى من العملية البرية الإسرائيلية في المنطقة بعمليات صد القوات الإسرائيلية على أطراف أحياء وبلدات الشجاعية والتفاح والزيتون وبيت حانون.

أما من حيث الأسلحة المستخدمة من قبل مقاتلي المقاومة خلال الفترة الحالية فيرى اللواء الدويري أنها بقيت نفسها، فهناك قذائف "الياسين" و"تاندوم" والـ"تي بي جي"، بالإضافة إلى الحشوات وعمليات القنص.

لكن الدويري لاحظ أنه في الفترة الأخيرة باتوا يستخدمون الحشوات أكثر في استهداف قوات الاحتلال.

وقال إن طبيعة المنطقة تفرض على المقاتلين أن يستخدموا أسلحة معنية دون غيرها، ففي مخيم جباليا شمالي قطاع غزة -الذي دمر تقريبا بالكامل- لا يمكن لهم استخدام القذائف ورميها إلا في حال ظهور وانكشاف المقاتل، وهذا يعرضه للخطر.

وفي سياق عملياتها المتواصلة ضد قوات الاحتلال، قالت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن مقاتليها قنصوا 5 جنود إسرائيليين في منطقة الجواني وسط مدينة بيت لاهيا شمالي القطاع.

ومن جهة أخرى، أشار الخبير العسكري والإستراتيجي إلى مسألة التنسيق بين الفصائل الفلسطينية، وقال إن التنسيق كان موجودا حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن بعد هذا التاريخ تم تفعيل الغرفة المشتركة، خاصة بعد بدء الهجوم الإسرائيلي على خان يونس جنوبي قطاع غزة، لأن هذه الفصائل أدركت أن أمد المعركة سيكون طويلا.

ويهدف التنسيق بين الفصائل -يتابع اللواء الدويري- إلى توحيد الجهد والاقتصاد بالقوة والذخيرة، وقال إن بعض الفيديوهات التي بثتها المقاومة أظهرت أن عملية إطلاق قذائف الهاون على قوات الاحتلال كان يتناوب عليها شخصان.

وعن أسباب تشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قطاع غزة مقارنة بلبنان، أوضح اللواء الدويري أن المعطيات مختلفة، فلبنان دولة عضوة في الأمم المتحدة ولا يمكن احتلالها أو إنشاء منطقة عازلة فيها، وقال إن طموحات إسرائيل حاليا هي ضمان حرية العمل لجيشها في لبنان كي يدافع عن نفسه كما تزعم.

أما قطاع غزة فهو تحت الاحتلال والاستيطان، وهناك مطالب إسرائيلية بتهجير الغزيين، بالإضافة إلى أن إسرائيل تلقت ضربة موجعة جدا من القطاع، ولذلك تعاملها معه يختلف عن تعاملها مع لبنان.

مقالات مشابهة

  • حماس: شعبنا بالضفة لن يرضخ لمشاريع التهجير وسيواجه العدوان
  • من هو القسام الذي بدأ المقاومة.. وماذا ورثت عنه الكتائب في غزة؟
  • الدويري: مقاومة غزة تكيفت مع تغيرات المعركة
  • حماس تدين استهداف عفيف: لن يسكت صوت المقاومة
  • المجاهدين: جريمة اغتيال محمد عفيف تعكس فشل وعجز الاحتلال أمام المقاومة
  • السنوار.. أُسطورةُ الزمان والمكان
  • حماس تنعى محمد عفيف وتؤكد أن اغتياله لن يسكت صوت المقاومة
  • حماس: اغتيال محمد عفيف لن يسكت صوت المقاومة
  • الشعبية: جريمة اغتيال محمد عفيف لن تسكت صوت المقاومة
  • الديمقراطية: جريمة اغتيال محمد عفيف محاولة يائسة من العدو لإسكات صوت المقاومة