جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-19@17:26:05 GMT

المقاومة.. فكرة

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

المقاومة.. فكرة

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

رحل السنوار رحيلًا فريدًا، لم يكن نائمًا في فراشه ولا مقيمًا لاجتماع في الأنفاق أو في إحدى الدول لنُصرة المُقاومة؛ بل مات مقاتلًا مشتبكًا بلباس الحرب وعدته البسيطة، عاش فلسطينيًا بسيطًا يؤمن بفكرة استحقاقه لحقه المسلوب، وقد كلّفه إيمانه بذلك رحلة شاقّة في السجون الإسرائيلية، وانتهى به الأمر إلى قائد يسعى العدو لاغتياله ثم مقاتل عنيد، لا أعتقد أنَّ هناك قارئًا لقصائد محمود درويش مرَّ عليه مشهد اغتيال السنوار دون أن يتذكر هذا المقطع من قصيدة "مديح الظلّ العالي".

سقطتْ ذراعك فالتقطها

واضرب عدوك لا مفر

وسقطتُ قربك فالتقطني

واضرب عدوك بي .. فأنت الآن

حرّ

حرّ

وحرّ

لا يعلم الإعلام الإسرائيلي الغبي أنَّه من خلال بثِّه لمشهد استشهاد السنوار أنه يبث الفكرة ذاتها التي يُحارب من أجلها السنوار، فكرة الاستمرار في المقاومة، فكرة اختزلت في مشهد بسيط ضرورة استمرار الفكرة، فكرة "فسقطتُ قربك فالتقطني واضرب بي عدوي.. فأنت الآن حرّ".

لا أستطيع القول بأن أكتوبر الثائر على النظم الغربية الظالمة والمستبدة للدول والشعوب عاد مجددا ليعيد إلى ذاكرة العالم أحداث السابع من أكتوبر؛ فالعالم ما زال يشهد تلك الأحداث التي رسمت بوضوح تام وجه الغرب القبيح؛ بل وجردته من كامل ما يرتدي؛ ليقف عاريًا من الإنسانية والحقوق والديمقراطية، وبرزت عيناه في أعلى وجهه القذر لتظهر نظرته المُستصْغِرة للدول والشعوب، من خلال ارتفاع مؤشر الجشع والاستعماء والاستحمار الغربي للدول في الشرق الأوسط، من خلال التعامل مع الأحداث؛ لتسدل الستار عن الحامر والمستحمر؛ فالشواهد في غزة وجنوب لبنان قد اختبرت الموقف كاملًا وأظهرت نتيجة التجربة للقول والفعل تمامًا كما قال محمود درويش في القصيدة ذاتها.

سقط القناع

عربٌ أطاعوا رومهم

عربٌ وباعوا روحهم

عربٌ وضاعوا

سقط القناع

لا شك أن الطريق إلى القدس مليء بالعثرات، أولها عثرات المنطقة، عثرات يعلمها جيدًا أولئك الذين يؤمنون بأن الطريق إلى القدس ما هو إلاّ جسر من أرواح الشهداء يمتدّ النصر عبره للوصول بالزمن إلى ساعة التحرير؛ لهذا قاد السنوار معركته سنة كاملة متخذًا لنفسه فيها أول خطوط النار، لم يختبئ في الملاجئ ولم يدير المعركة من غرف التكييف كما يفعل خصمه، وهذا ما أوصله لركب قوافل الشهداء على جسر التحرير.

إنّ هدف المحتل في ملاحقة القادة واغتيالهم لم يكن وليد الأحداث الجديدة؛ بل هو منذ زمن بعيد، لأنهم يظنون أن قتلهم للقادة يكسر شوكة المقاومة ويُشتت صفوفها وتتخلى عن أهدافها؛ لكن تاريخ المقاومة بدأ بفكرة صدق فيها القول مع العمل، فكرة تُعلِّم النشء معنى الموت في سبيل الكرامة، فكرة خُلِقَت مع كلّ مولود ليكون قائدًا؛ ليجد نفسه في يومٍ ما الشيخ أحمد ياسين أو عبدالعزيز الرنتيسي أو إسماعيل هنية أو يحيى السنوار.

وأتذكر هنا مقطع من القصيدة ذاتها:

سقط السقوط وأنت تعلو

فكرةً

ويدًا

و..شامًا

يبدو أن المُحتَل لم يسأل نفسه يومًا عن عُمر المقاومة الذي هو بعمر دولتهم المزعومة، ولم يسأل نفسه لماذا لم تمُت المقاومة بموت القادة؟ هل عندما اُغتِيل الشيخ أحمد ياسين أو عبد العزيز الرنتيسي والقادة تباعًا وصولًا لإسماعيل هنية ماتت المقاومة؟ هل كُنا نحن أو المحتل نعلم أنّ السنوار سيأتي ويقود طوفان الأقصى حين اغتيل الشيخ أحمد ياسين؟!

إنّ هذا المحتل بالفعل غبيٌّ ولعين، والأغبى منه من يُعينه للمكوث طويلًا في المستنقع أمام المقاومة وفي الوحل بعد الطوفان.

لم يُحقق المجرم المهزوم نتنياهو إلى الآن أيَّ نصر يُذكر، سوى إمطار القوة- التي يمده بها الغرب- على رؤس الأبرياء، وهدم المساكن والبنى التحتية والمزيد من الدمار. وفشل حتى في استرداد الأسرى، ووصل به الأمر من الإجرام إلى قصف خيام النازحين في رفع ودير البلح وغيرها من المخيمات، ماضيًا في إبادته دون نهاية.

 

إنَّ ما يحدث الآن في شمال إسرائيل جراء الأحداث الأخيرة للتصعيد على لبنان والهزائم التي لحقت بالعمليات البرية في لبنان، وما حدث للصهاينة من قصف ونزوح يعود بالزمن إلى ساعة الاحتلال عام 1948 وإلى أحداث 2006 في لبنان، جميعها مؤشرات على أن المقاومة- سواء كانت في غزة أو لبنان- تعمل كمنظومة واحدة لا تخطئ الأهداف، لديها من الشجاعة وحبّ الفداء، ما يجعلها تقود المعركة للوصول لنهاية تستحق التضحيات؛ فما أجمل الدوائر حين تدور، وما أجمل الأحداث حين تُنصفنا، كل ما يحدث حاليًا في شمال إسرائيل خاصة في حيفا من قصف وتهجير للصهاينة يُخبر سعيد (س) -الشخصية السلبية والمتخاذلة والتي كانت بين أفواج النازحين عام 1948 في رواية غسّان كنفاني "عائد إلى حيفا"- بأن العودة باتت قريبة على يد ابنه خالد؛ بفضل استمرار الفكرة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فورين بوليسي: هل مقتل السنوار يقضي على المقاومة؟ تذكروا أحمد ياسين

أكد تقرير لمجلة فورين بوليسي أن قتل إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار لن يزيد الحركة إلا ضراوة، وبينما قد يبدو الأمر إنجازا كبيرا اليوم، إلا أنه مع مرور الوقت سينهض مكانه آخرون -كما هو الحال دائما- وستستمر المقاومة.

وقال المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ستيفين كوك، وهو كاتب عمود في المجلة، إن التاريخ يشهد على "استحالة القضاء على حركة مقاومة" بقتل أعضائها، ولن يردع "أصحاب القضية" قتل قادتهم، بل سيؤدي بهم إلى مضاعفة جهودهم نحو تحقيق أهدافهم.

وأشار الكاتب إلى أن المقاومة ليست مشروعا "عقيما"، بل "جزء أساسي من هوية من ينتسب إليها"، ولهذا السبب بالتحديد كان السنوار يرغب أن لا يموت ميتة طبيعية بل بقذيفة دبابة على أرض المعركة، معتقدا أن ذلك سيقوّي المقاومة.

وحذر الكاتب الإسرائيليين من أن ينشغلوا بالاحتفال وتوزيع الحلوى عن الواقع، وخاطبهم متسائلا: "أتذكرون أبرز مؤسسي حماس أحمد ياسين، أو القيادي الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد)؟ ماذا عن الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي أو مؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي؟ لقد كانوا بمنزلة وحوش لإسرائيل في السابق، واستطاعت اغتيالهم كلهم، ولكن المقاومة استمرت".

وأضاف "بقدر براعة الإسرائيليين في الثأر لدماء قتلاهم، إلا أنهم لم ينجحوا قط في وضع نهاية حقيقية للمقاومة طوال العقود الماضية، فما الذي يجعلهم يظنون أن قتلهم السنوار سيؤدي إلى نتيجة مختلفة هذه المرة؟".

وبرأي الكاتب، فإن قتل إسرائيل السنوار لن يكسر حماس بل سيشعل الغضب والرغبة في الانتقام في قلوب أعضائها، تماما كما لم يضعف حركة الإخوان المسلمين اغتيال مؤسسها حسن البنا في 1949.

ويرى كوك أن إستراتيجية إسرائيل الفاشلة في القضاء على الحركات باستهداف قادتها تماثل عقلية الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. فعلى الرغم من قتل القوات الأميركية مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وخلفه أيمن الظواهري، فإن التنظيم نجا كما نجا تنظيم الدولة الإسلامية بعد قتل مؤسسه أبو بكر البغدادي، ولا تزال هذه التنظيمات تشكل تهديدا للولايات المتحدة حتى اليوم.

مقالات مشابهة

  • الشهيد السنوار.. فكرة في ذهنية الأحرار
  • المجد للشهداء.. المقاومة فكرة لا تموت وأي احتلال مصيره الزوال
  • فورين بوليسي: هل مقتل السنوار يقضي على المقاومة؟ تذكروا أحمد ياسين
  • العقيل: الهلال لا يقوم على فكرة الرجل الواحد.. فيديو
  • خبرٌ إيجابي عن مصرف لبنان والدولار
  • لميس الحديدي تعليقًا على بيان الأزهر: المقاومة فكرة والفكرة لا تموت إلا بزوال الإحتلال
  • حنان ترك تعلّق على الأحداث في لبنان وغزة: “متى نصر الله؟”
  • أعلى حصيلة قتلى.. حزب الله يكشف خسائر الاحتلال منذ بداية أكتوبر وحتى الآن
  • وسائل إعلام إسرائيلية: الفحوصات التي أجريت حتى الآن ترجح اغتيـ ال السنوار