استشهاد "جيفارا العرب"
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
جمال بن ماجد الكندي
ربما تختلف الشخصيات النضالية التحررية من حيث ما تحمله من عقيدة وفكر ديني يتعبد به، ولكنها لا تختلف فيما تحمله من أيديولوجية تحررية تقاتل العدو بها، فهي تتقاطع مع من يحمل هذا اللواء، ولو اختلفت التوجهات الدينية فيما بينهم، فهم يلتقون في بوصلة مؤشرها حركة النضال من أجل التحرر.
من هنا ذكرت في عنوان المقال "استشهاد جيفارا العرب"، وأقصد به استشهاد القائد المجاهد الكبير يحيى السنوار، الذي استشهد وهو يُقاتل الصهاينة مقبلًا غير مدبر، فنال الشهادة التي يتمناها، كما نالها إخوته من قبل في المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
الشهيد المجاهد يحيى السنوار من القادة السياسيين البارزين في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وقد انخرط منذ شبابه في مقاومة العدو الصهيوني. في عام 1989م، تم اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم تتعلق بمقاومة الاحتلال، وقضى في سجون الاحتلال 22 سنة حتى تم الإفراج عنه في صفقة تبادل الأسرى عام 2011م (صفقة شاليط). في عام 2017م، تم انتخابه قائدًا لحركة حماس في قطاع غزة، وأصبح مسؤولًا عن إدارة العمليات العسكرية والتفاوضية. وبعد اغتيال إسماعيل هنية تم انتخابه ليكون رئيسًا لحركة حماس.
يُعرف السنوار بشخصيته القوية وقدرته على اتخاذ القرارات في الأوقات الحرجة، ما أكسبه سمعة القائد الحازم. السنوار هو مهندس ومخطط معركة طوفان الأقصى، إلى جانب القائد العسكري "محمد الضيف" وآخرين. هذه المعركة كسرت أنف المحتل الصهيوني، وفعلت ما لم تفعله الجيوش العربية في كل حروبها مع إسرائيل، فقد كانت خسائر العدو الصهيوني في هذه المعركة أكثر من 1500 قتيل، وغيرت هذه المعركة معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، خاصة بعد أسر إسرائيليين في معركة طوفان الأقصى.
أوجه الشبه بين الشهيد السنوار وجيفارا، أن كليهما قاتل إلى الرمق الأخير ممتشقين أسلحتهم في وجه أعدائهم. وجيفارا هو إرنستو تشي جيفارا، من مواليد الأرجنتين، وكان ثوريًا ماركسيًا وأحد القادة البارزين في الثورة الكوبية. تميز جيفارا بتفكيره الثوري المناهض للاستعمار والإمبريالية، وكان من الداعمين لثورات التحرير في أمريكا اللاتينية والعالم الثالث. لذلك أصبح بعد إعدامه رمزًا عالميًا للنضال ضد الإمبريالية والظلم الاجتماعي، ورمزًا للحركات الثورية حول العالم، حيث يستمر تأثيره حتى اليوم.
الشهيد الكبير يحيى السنوار هو قائد من طراز جيفارا، فقد كان يحمل فكر التحرر الوطني من أجل القدس والقضية الفلسطينية، ونقاط التقاطع بينه وبين جيفارا هي أنهما يحاربان نفس العدو الذي يدعم الدكتاتوريات في المنطقة، مع مراعاة اختلاف الزمان والمكان. فأمريكا هي الداعم الأول للعدو الصهيوني، وكانت كذلك الداعم الأول للدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، حديقتها الخلفية. وهي لا تريد أن ترى قائدًا نضاليًا شعبويًا من طراز "جيفارا" في شخص السنوار أو السيد حسن نصر الله في المنطقة، وتعتقد أن بزوالهم تزول القضية. لذلك تم اغتيالهم.
هنا نحن أمام سؤال كبير: ماذا بعد استشهاد السنوار؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال، نقول: ماذا حصل بعد اغتيال السيد حسن نصر الله؟ العدو الصهيوني ومن ورائه أمريكا وصهاينة المنطقة هللوا فرحًا باغتيال السيد حسن نصر الله. فهل تراجعت المقاومة في لبنان؟ العكس يُثبته الميدان، بصواريخ المقاومة اللبنانية التي تضرب عمق فلسطين المحتلة بكثافة أكبر وباستراتيجية جديدة لا تُميِّز بين المواقع العسكرية والمدنية، فكلها بعد استشهاد السيد نصر الله في مرمى صواريخ المقاومة، والعملية البرية في جنوب لبنان لم تحقق هدفها الاستراتيجي في إبعاد المقاومة اللبنانية إلى ما وراء نهر الليطاني؛ فالقوات الإسرائيلية ما زالت تراوح مكانها بعد 14 يومًا من بدء العملية البرية التي أعلن عنها العدو الصهيوني.
أما بعد استشهاد القائد يحيى السنوار، فكانت ردود الأفعال من حلفاء إسرائيل، أمريكا وبريطانيا، واضحة عبر تصريحات نائبة الرئيس الأمريكي، ووزير الخارجية البريطاني؛ حيث قالا إن الوقت قد حان لوقف إطلاق النَّار لضمان حماية إسرائيل، وبعدها يأتي فك الحصار النسبي عن غزة، والتحدث عن اليوم التالي دون وجود حماس في السُلطة.
يُخيل لمن يسمع هذا الكلام بأنَّ القائد الشهيد السنوار كان هو العائق الأكبر في إتمام أي صفقة تُعيد الأسرى الإسرائيليين وتُوقِف الحرب. والحقيقة التي يعلمها الجميع، بمن فيهم الأمريكي، أن من كان يقف ضد كل الصفقات السابقة لوقف الحرب وإعادة الأسرى هو نتنياهو، بتدخله المباشر لعرقلة أي اتفاق لوقف إطلاق النَّار، حتى إنه عارض مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن لوقف إطلاق النار والتي أُيِّدَت بقرار أممي.
رحيل السنوار عن الساحة النضالية في فلسطين لن يُغيِّر من الأمر شيئًا، وذلك لسبب واضح، وهو أنَّ الأسرى الإسرائيليين ما زالوا في خانة المجهول، ولا يعرف مكانهم إلّا قيادات المقاومة، والاتصالات الهستيرية التي تقوم بها إسرائيل وأمريكا لمعرفة مكانهم لن تنفعهم، فهم في قبضة رجال السنوار في غزة، والشروط للإفراج عنهم هي ذاتها لم تتغير، وقد ذكر القيادي في حركة حماس خليل الحية بعد استشهاد السنوار أن شروط الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لن تتغير بعد استشهاد السنوار.
الشهيد البطل يحيى السنوار ومن قبله السيد حسن نصر الله أصبحا أيقونة للنضال من أجل التحرر الوطني في فلسطين ولبنان، ضد العدو الصهيوني؛ فدماؤهم وقود ومدد لمن يأتي بعدهم من قادة سياسيين وعسكريين، والمجاهدون على الأرض يستمدون طاقتهم من خطبهم النضالية؛ فهي مشاعل توقد لهم درب النضال المقدس. والعدو الصهيوني ارتكب خطأ فادحًا سيندم عليه بتسريبه المقطع المصور للشهيد السنوار وهو يقاتل ويرمي الطائرة التي تصوره؛ فهذا المشهد يدحض كل مزاعم الصهاينة بأنَّ الرجل يتحصن في الأنفاق ويجعل من الأسرى الصهاينة دروعًا بشرية، فسوف تبقى هذه الصورة للسنوار وهو يُقاتل حتى الرمق الأخير، لتكون الصورة الحقيقية لهذا القائد الفذ الذي استُشهد من أجل القُدس وفلسطين، وهي التي ستكون وقودًا للمقاتلين، ولمن يأتي بعده لتكملة مسيرة النضال في قيادة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استشهاد واصابة العشرات بقصف العدو الصهيوني المتواصل على قطاع غزة في اليوم الـ 443 من العدوان
الثورة نت/وكالات استشهد وأصيب عشرات المواطنين الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء، منذ فجر اليوم الأحد، في عدوان العدو الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، والذي يدخل يومه الـ 443. وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، باستشهاد ثمانية مواطنين، وإصابة آخرين، جراء قصف طائرات العدو مدرسة موسى بن نصير التي تؤوي نازحين بحي الدرج في مدينة غزة. واستشهد ثلاثة مواطنين فلسطينيين في قصف العدو الصهيوني مدينة رفح جنوب قطاع غزة. كما استشهد مواطن فلسطيني وزوجته جراء قصف العدو شقتهما السكينة بجوار مسجد بلال غرب محافظة خان يونس. وارتفعت حصيلة شهداء مجزرة الليلة الماضية بحق عائلة أبو سمرة شرق دير البلح إلى 11 شهيدا فلسطينيا، وعدد من الإصابات. وفي هذه الأثناء، تواصل قوات العدو الصهيوني نسف بنايات سكنية شمال مخيم النصيرات، وسط القطاع، بالتزامن مع قصف مدفعي متواصل على المنطقة. وتواصل قوات العدو الصهيوني عدوانها على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، منذ السابع من أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 45,227 مواطنا فلسطينيا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 107,573 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.