كم من مرة جلست لأتابع مسلسلاً درامياً أزجى به وقت الفراغ، فوجَّهتنى «بوصلة البحث» نحو الدراما الأجنبية بعد أن لم أعثر على مبتغاى فى «العربية» منها، إذ تفتقد فى أغلبها إلى جدة الفكرة، بل قد تثير الملل بالمط والتطويل، إلا ما رحم ربي، وبالفعل وجدت ما أريد فى أحد المسلسلات اسمه «from»؛ فالبرومو الدعائى شائق، والفكرة تبدو جذابة جديدة تثير ذلك الشغف العقلى المثير.
وحقيقة، فإن الأمر لا يقتصر على هذا المسلسل فقط، بل إنه سادر فى أعمال درامية هوليوودية كثيرة فيما يشبه «المنهج المكرر» الذى يصر على تغذيتها بمثل هذه العلاقات الشائهة، حيث ثمة هامش منها لا بد منه فى تلك المسلسلات التي تدخل بيوتنا جميعًا بما يشبه دس «السم فى العسل».
نعم، قد تجد فكرة المسلسل جاذبة وأداء الممثلين قد يكون فائقاً ولكن دس الشذوذ ومشاهد الجنس فى الأعمال الدرامية بهذا الشكل وتقبلها كأمر طبيعي بما يتناقض بالتأكيد مع العقائد والأعراف لدينا هو أمر غير مقبول على الإطلاق، بل إنه شديد الخطورة كذلك، حيث إن الدراما -كانت ولا تزال- ذات تأثير مهم فى تشكيل الوعى لدى أفراد الأسرة جميعاً، فيما يعد أبرز عناصر «القوى الناعمة» التى تعتمد عليها الدول فى غرس قيم وأفكار معينة فيما يشبه «الغزو العقلى».
هى إذن حرب جديدة تفوق فى شراستها الحروب التقليدية فى عصرنا هذا ذي الفضاءات المفتوحة، وقد يرى أحدهم بأن الحل يتمثل في مقاطعة الدراما الغربية، ولكن قطعاً «الممنوع مرغوب»، فما تمنع أولادك من مشاهدته أمام ناظريك قد يثير الفضول لديهم، فيشاهدونه من وراء ظهرك فى هذا العصر الفضائى المرعب الذى يتسع لكل ما هو غريب ومختلف عن ثقافاتنا، والذى يرتع بمنأى عن «مقص الرقيب»، الذى رغم اختلافنا معه فى جوانب كثيرة، فإنه كان يمثل درع الأمان فى مواجهة كل ما يخالف عاداتنا وتقاليدنا الأخلاقية.
بالطبع نحن نتوق جميعاً إلى دراما جديدة تتفق مع قيمنا، دراما نلتف حولها جميعاً ولا نخجل من مشاهدتها مع وجود مشهد ساخن هنا أو آخر شاذ هناك، دراما جاذبة غير مملة، تحترم عقل المشاهد العربى وتمنحه البديل الذى يليق به إزاء دراما الغرب التى رغم ما تحمله من تشويق وإثارة وروعة التصوير فإنها تحمل بذور الفساد وترسخ أخلاقيات فاسدة لم نعهدها من قبل.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
محمد مغربي يكتب: ما الفرق بين ChatGPT وDeepseek V3 الصيني؟
صحيح أننا لن نطلق رصاصاً ولن نسيطر على العالم عسكرياً، لن يكون لنا قواعد فى أى دولة ولن ندخل فى عداء مع أحد، حتى الوساطات ستكون على استحياء وفيما يخص أمننا القومى فقط، كانت تلك هى القاعدة التى وضعها ماو تسى تونغ، رئيس الصين السابق، والقائد التاريخى للحزب الشيوعى الحاكم، ومؤسس نهضة التنين الأصفر، لكن تلك القاعدة كانت تُكملها قاعدة أخرى وهى السيطرة على العالم اقتصادياً، وببساطة لن نترك دولة تهيمن على هذه السوق بالتحديد.
وبما أن قطاعات التكنولوجيا صارت هى الأكثر ربحية بحسب بيانات البنك الدولى، ومعياراً أساسياً لمدى تقدم أى دولة، تلك القاعدة أدركها الرئيس دونالد ترامب الذى تخلى عن الميادين وأوهام القوة العسكرية مقابل الدخول فى عداء علنى مع الصين، لأنها المهدد الأول لواشنطن فى هذا المجال الذى يعد الأشرس والأخطر فى السنين الماضية والمقبلة فى آن واحد.
لكن يبدو أن هذا لم يقلق الصين فى شىء، فحين ظهر من أمريكا أشهر منصات التواصل الاجتماعى مثل «فيس بوك» و«إنستجرام»، كانت بكين جاهزة بـ«تيك توك» الذى أضحى فى سنين قليلة من أقوى المنافسين، ويستخدمه مليار و800 مليون مستخدم بحسب بيانات 2024، ونتيجة هذا النجاح الساحق باتت الحرب علنية ورأينا قضايا ودعوات لحظر التطبيق فى عدة دول على رأسها أمريكا نفسها، تحت دعاوى أن التطبيق منصة لتسريب المعلومات واستخدامها بأشكال غير قانونية.
لكن مرة أخرى لم تكترث بكين بكل ذلك، وضربت بكل التهديدات عرض الحائط، لتضع موطئ قدم لها فى مستقبل العالم الجديد، وهو موطئ قدم يكون لها فيه السيادة، واستمراراً لتلك الحالة وما إن ظهر الذكاء الاصطناعى كأحدث صيحات الثورة التكنولوجية فى الألفية الثانية.
وبات الصراع لم يعد على المنصات بل على الروبوتات حتى استعدت الصين جيداً لهذا، وكعادة حلقات الحرب، بدأتها أمريكا بـ«شات جى بى تى» الذى صار الأشهر فى هذا المجال، فخلال عامين فقط صار مستخدمو هذا الروبوت خلال عامين نحو 100 مليون مستخدم أسبوعياً.
أمام هذا التحدى، ومع أول ثوانى 2025، حيث يحتفل الناس بالعام الجديد، أعلنت شركة «Deepseek» الصينية إطلاقها نموذجاً يحمل اسم «Deepseek V3» بعد أن عمل فريق من الباحثين والمهندسين الصينيين على ابتكاره وزودوه بملايين البيانات النصية، ليصبح فى النهاية نموذجاً جاهزاً للمنافسة مع شات جى بى تى، وهو ما أحدث زلزالاً فى قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى إذ إن نموذج الشركة الصينية بات مهدداً قوياً لهيمنة عرش «open AI».
زاد من هذا الزلزال أن نموذج «Deepseek V3» الذى أصبح جاهزاً للإجابة عن الأسئلة فى ثوانٍ قليلة، بجانب قدرته على ابتكار الأكواد الرياضية، تم تصميمه أساساً لمعالجة القصور فى شات جى بى تى، وما ظهر من قدراته حتى الآن هو تمكنه القوى من تحليل المدخلات النصية مثل الترميز وكتابة المقالات وغيرها، بجانب القدرة على التنبؤ بالكلمات التى يبحث عنها المستخدم قبل كتابتها.
لكن هذا ليس الفرق الوحيد بين النموذجين لأن «Deepseek V3» انفرد بشىء آخر أكثر أهمية وغير متوفر فى شات جى بى تى، وهو أنه نموذج مزوج بلغة «المندرينية» وغيرها من اللغات التى تدعم اللهجات الآسيوية، وبالتالى هو يحرم من ناحية شات جى بى تى من هذه السوق الآسيوية البالغة مليارات البشر، إذ أصبحوا غير مضطرين أن يتعاملوا بلغة غير لغتهم، كما أنه يكسب نفس السوق ليكون طريقه إلى الهيمنة على آسيا بتعدادها الهائل.
لكن المميزات كلها لا تصب فى مصلحة «Deepseek V3»، إذ إنه نموذج خضع للرقابة، بمعنى أن هناك أجزاء من التاريخ تم عدم تزويده بها عمداً، مثل أنه يرفض الإجابة عن الأسئلة السياسية الشائكة، خاصة المتعلقة بتايوان أو مظاهرات ميدان «تيانانمين» التى وقعت فى الصين 1989، وهذا عكس شات جى بى تى الذى لا يخضع لأى مراقبة وبالتالى يتيح لمستخدميه المعلومات أكثر.
وبعيداً عن المنافسات والمميزات والمقارنات تبقى الحقيقة أن الصين أحدثت زلزالها بنموذجها الجديد الذى لن تقف «open AI» أمامه عاجزة، لنصبح على عتبة فصل جديد من الصراع الطويل الذى عنوانه من يسيطر على هذا العالم.