ولد "ميشيل فوكو" عام 1926م يمدينة بواتييه في فرنسا، ومن اهم أعماله "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" الذي نشر عام1961م وقد استهل مسيرته الفلسفية بدراسات نقدية متميزة عن هيوم ونيتشة ولاكان واسبينوزا وبرجسون، كما قام بدراسات أدبية أهما "بروست والعلامات" في عام 1970م، وقد رفض الاتجاه القائل بتجاوز الميتافيزيقا أو موت الفلسفة، لأن الفلسفة مازالت معنية بخلق المفاهيم، كما فصل المعرفة عن السلطة، واكتسبت الفلسفة معه معنًا جديدًا، وقد مات فوكو عام 1984م.
ومهما تكن اهمية دريدا وفوكو في الفكر المعاصر، فإن كلًا منهما قد اتخذ وجهة مختلفة في قراءة ديكارت، والأهم من ذلك أنهما في تبادل هذه القراءة في المناظرة التي دارت بينهما. يرجع اهتمام فوكو بالبحث عن الأصل أو اللوغوس باعتباره الموطن الأصلي لنشأة العقل الأوروبي، وذلك بإعطاء الكلمة للذات في التعبير عن نفسها، وفك شفرة هذه اللغة في تاريخ الفلسفة، إلا أنه يبقي أن تكن الديكارتية هي المصدر الأساسي في تكوين مشروعه.
عزيزي القارئ كان الظن أن يهتم فوكو بالكشف عن الحلقات المتوسطة بين المراحل الانتقالية من عصر النهضة إلى العصر الكلاسيكي حتى القرن التاسع عشر، دون إقامة حواجز فاصلة بين هذه العصور، صحيح انه يرفض التواصل التاريخي بين العصور، ولكن من المؤكد أن استبعاد التاريخية يعني القضاء بالفشل على مجهوده العلمي باعتباره تدوينًا للتاريخ. كما يشير فوكو إلى أن الشك عند ديكارت يقضي على شهادة الحواس، كما يتجاوز صور الأحلام، معتمدًا على سرد الأشياء الحقيقة، إلا أنه يقصي (يُبعد) الجنون باسم الذات التي تشك، لذلك ترفض العودة إلى الجنون، إلا إذا توقفت عن التفكير.
لذلك نجد صديقي القارئ بعض النقاد يروا أن فوكو لا يقدم لنا سوي مجموعة من اللقطات أو المشاهد الفلسفية المنفصلة، دون أن يبين ما بينهما من روابط أو علاقات، حيث يرفض كل ماضي الفلسفة، وقطع كل صلة بتاريخ الفكر، من خلال تلك المزاعم العرضية المتكررة عن وجود "قطيعة" لا يمكن عبورها بين العصور الثقافية المختلفة، والظاهر أن النسبية الثقافية التي أخذ بها فوكو، قد أفضت به إلى ضرب من "الخزي الفلسفي" وكأن من العار على المرء أن يكون فيلسوفًا.
وختامًا، إذ أمعنا النظر فيما يقول فوكو لوجدنا أن فكره يسير في اتجاه بلا فلسفة. كان من الضروري أن يضحي فوكو بالتاريخ لحساب البنية، وأن يقصي العقل من أجل بقاء النظام، ورفض كل ماضي للفلسفة، وقطع كل صلة بتاريخ الفكر، بسبب وجود "قطيعة" لا يمكن عبروها بين العصور الثقافية المختلفة... وللحديث بقية في الأسبوع المقبل لمناقشة اهم إشكالية قدمها فوكو على طاولة البحث الفلسفي إن قدر لنا الله البقاء واللقاء.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
المرأة التي زلزلت إسرائيل وأميركا
#سواليف
فرض #العقوبات من قبل إدارة #ترامب على #فرانشيسكا_ألبانيزي، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة، يُعدّ نذير شؤم لنهاية حكم القانون الدولي.
عندما يُكتب تاريخ الإبادة الجماعية في #غزة، ستكون فرانشيسكا ألبانيزي – المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة – واحدة من أكثر الأصوات شجاعة ووضوحًا في الدفاع عن العدالة والتمسّك بالقانون الدولي، وهي الآن تتعرض لعقوبات من إدارة #ترامب على خلفية قيامها بدورها في رئاسة المكتب الأممي المكلّف برصد وتوثيق #انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها #إسرائيل بحق #الفلسطينيين.
تتلقى ألبانيزي تهديدات بالقتل بشكل منتظم، وتتعرض لحملات تشويه مُحكمة تقودها إسرائيل وحلفاؤها، ومع ذلك فهي تسعى بشجاعة لمحاسبة كل من يدعم ويشارك في استمرار الإبادة الجماعية.
مقالات ذات صلة القسام تفجر ميركافا وسرايا القدس تقصف بالصواريخ مقرا عسكريا 2025/07/11وهي تنتقد ما تسميه “الفساد الأخلاقي والسياسي للعالم” الذي يسمح باستمرار هذه الإبادة. وقد أصدر مكتبها تقارير مفصّلة توثّق جرائم الحرب في غزة والضفة الغربية، من بينها تقرير بعنوان “الإبادة كوسيلة للإزالة الاستعمارية”، أُعيد نشره كمُلحق في كتابي الأخير إبادة متوقعة.
أبلغت ألبانيزي منظمات خاصة بأنها قد تكون “مسؤولة جنائيًا” لمساعدتها إسرائيل في تنفيذ الإبادة في غزة. وأعلنت أنه إذا صحّ ما نُقل عن رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية السابق ديفيد كاميرون بأنه هدّد بقطع التمويل وسحب بريطانيا من المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فإن ذلك قد يُعرّض كاميرون ورئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك للملاحقة الجنائية بموجب نظام روما الأساسي، الذي يجرّم محاولات منع محاكمة مرتكبي جرائم الحرب.
ودعت ألبانيزي كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة تهم التواطؤ في جرائم الحرب بسبب دعمهم للإبادة الجماعية، مؤكّدة أن أفعالهم لا يمكن أن تمرّ دون عقاب. وكانت من أبرز الداعمين لأسطول “مادلين” الذي سعى لكسر الحصار عن غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية، وكتبت أن القارب الذي اعترضته إسرائيل كان يحمل، إلى جانب الإمدادات، رسالة إنسانية للعالم.
في أحدث تقاريرها، أدرجت ألبانيزي أسماء 48 شركة ومؤسسة، منهاPalantir Technologies Inc.، Lockheed Martin، Alphabet Inc. (Google)، Amazon، IBM، Caterpillar Inc.، Microsoft، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، إضافةً إلى بنوك وشركات تأمين وعقارات وجمعيات خيرية، كلّها – بحسب التقرير – تنتهك القانون الدولي وتحقّق أرباحًا بمليارات الدولارات من الاحتلال والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
وزير الخارجية ماركو روبيو أدان دعم ألبانيزي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي فُرضت عليها وعلى أربعة من قضاتها عقوبات أميركية العام الماضي لإصدارهم مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وانتقد روبيو ألبانيزي لمحاولاتها محاكمة مواطنين أميركيين أو إسرائيليين يدعمون الإبادة الجماعية، واعتبر أنها غير صالحة لمنصبها كمقرّرة خاصة، متّهمًا إياها بأنها “تروّج لمعاداة السامية بلا خجل، وتدعم الإرهاب، وتُبدي احتقارًا صريحًا للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب”. ومن المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى منع ألبانيزي من دخول الولايات المتحدة، وتجميد أي أصول تمتلكها هناك.
الهجوم على ألبانيزي يُنذر بعالم بلا قواعد، عالم يُسمح فيه لدول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية دون أي مساءلة أو رادع.
هذا الهجوم يكشف عن الخدع التي نمارسها لخداع أنفسنا والآخرين. إنّه يعرّي نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا. ومن الآن فصاعدًا، لن يأخذ أحد على محمل الجد تعهّداتنا المعلنة بالديمقراطية وحرية التعبير وسيادة القانون وحقوق الإنسان. ومن يستطيع لومهم؟ فنحن لا نتحدث إلا بلغة القوة، بلغة الهمج، بلغة المذابح الجماعية، بلغة الإبادة.
قالت ألبانيزي في مقابلة أجريتها معها أثناء مناقشة تقريرها “الإبادة كإزالة استعمارية”:
“أعمال القتل، القتل الجماعي، التعذيب النفسي والجسدي، الدمار، خلق ظروف حياة لا تسمح لأهل غزة بالبقاء – من تدمير المستشفيات، والتهجير القسري الجماعي، والتشريد الجماعي، بينما يتعرّض الناس للقصف اليومي، ويُجَوّعون- كيف يمكننا أن نقرأ هذه الأفعال بمعزل عن بعضها؟”
الطائرات المُسيّرة المسلحة، الطائرات المروحية، الجدران والحواجز، نقاط التفتيش، الأسلاك الشائكة، أبراج المراقبة، مراكز الاحتجاز، الترحيل، الوحشية والتعذيب، رفض منح تأشيرات الدخول، الحياة الشبيهة بالفصل العنصري التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين، فقدان الحقوق الفردية، والمراقبة الإلكترونية – كلّ ذلك مألوف للمهاجرين اليائسين على الحدود المكسيكية أو الساعين لدخول أوروبا، بقدر ما هو مألوف للفلسطينيين.
هذا ما ينتظر من سمّاهم فرانز فانون بـ”معذّبي الأرض”.
أمّا من يدافعون عن المظلومين، كألبانيزي، فسيُعاملون كالمظلومين أنفسهم.