اقتربت الحرب التي أشعلها تمرد الدعم السريع على الانتهاء، وظهرت في الأفق القريب ملامح انتصار الجيش السوداني، بعد مرور أربعة أشهر من حرب ضروس، دمرت عاصمة البلاد بأضلاع مثلثها الثلاثة: الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان.

كانت هذه هي الحرب الأولى التي هددت بفناء السودان، وشكله من الخريطة الكونية، لولا يقظة الجيش، والتحام شعبه بوقف أكبر مؤامرة دولية وإقليمية، وبمشاركة أطراف داخلية أحاطت بالبلاد خلال السنوات الأربع الماضية، التي اختتمت بتمرد جزء من الجيش السوداني على البلاد.

وكنا نظن أن انتصار الجيش السوداني على تمرد الدعم السريع سينهي هذه المؤامرة، ويطبق على أطرافها، ولكن اتضح أن أطراف المؤامرة لا زالوا يخططون ويكيدون بكل قوة، لتدمير انتصار السودان، ودهس ثماره، والعودة من جديد لمحاولة ابتلاع البلاد عبر تقسيمها إثنيًا، وجغرافيًا، وسياسيًا، وهو ما ظهر جليًا في تلك التحركات المريبة والمنتظمة التي اشتدت هذه الأيام، وتسارعت مع تسارع انتصارات الجيش السوداني.. تحرك السفير الأمريكي لدى السودان جون جودفري ما بين القاهرة وأديس أبابا، وهو يصرح أنه يسعى لاتفاق سياسي جديد يضم شرائح متعددة من المجتمع السوداني، إذًا، هذا التدخل الدولي بقيادة الإمبراطورية العظمى إلى البلاد من جديد واختطاف انتصار الجيش هو محاولة صناعة مستقبل البلاد وفق رؤية أمريكية أوروبية، وكأن الشعب السوداني غير موجود، أو غير مؤهل لصناعة مستقبله بنفسه، إنهم يتحدثون عن صناعة الاتفاقات في السودان، وقدرتهم عليها أكثر من صناعة سياساتهم في بلادهم، وقدرتهم على تنفيذها.

وفي خط موازٍ ومشبوه، تحركت نفس القوى السياسية، التي تطلق على نفسها قوى الحرية والتغيير، متنقلة بين العواصم، وبين صفحات الصحف، والمواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية، لتملأ الدنيا ضجيجًا مرة أخرى، حول قدراتها السياسية، وبغرور فائق النظير وتعالٍ يستند إلى الأجنبي، أنهم أيضًا يصنعون مستقبل السودان، ويعتقدون أن الشعب قد نسي أنهم هم من صنعوا الحرب، وخططوا لها، وساندوا قوات التمرد على ذبح شباب ورجال ونساء السودان، واختطاف واغتصاب الحرائر في البلاد، ونهب البيوت، وتدمير مؤسسات الدولة وخدماتها، هو جزء لا يتجزأ من التمرد، وهو تحالف ثلاثي بين قوى الحرية والتغيير والدعم السريع، والتحالف الأمريكي الغربي الذي خطط ودبر مؤامرة القرن على السودان.

لا يمكن أن تذهب الدماء التي أغرقت شوارع الخرطوم هباءً، ولا يمكن أن يبتلع أبناء الشعب مرارة القتل والتشريد والذل والمهانة تيهًا في الصحراء، ولجوءًا على حدود الدول المجاورة، من أجل سواد عيون هذا الثلاثي الذي جاء مرة أخرى ليحتل السودان تحت يافطات التسوية السياسية تارة، والإصلاح السياسي وخطط الخروج الآمن للدعم السريع، والاتفاق الشامل تارة أخرى، إنها الثغرات البراقة التي تدخل منها الثعابين إلى السودان مرة أخرى.

مستقبل السودان إذا، لا يمكن أن يصنع مع وجود تلك الثعابين السامة في البلاد، لا يمكن أن يصنع خارج الخرطوم في العواصم الغربية والإقليمية، لأن التحدي الحقيقي للشعب السوداني هو أن يصنع مستقبله وهو ممسك بانتصاره في قلب عاصمته التي أرادوا تدميرها، وأن يتحدى كل هؤلاء بكل قوة وحزم، وأن يتذكر طوال الوقت تلك الرؤوس التي تفجرت من شبابه وأطفاله ورجاله، ونسائه، والشرف الذي أهدر بحرائره على أيدي هذا التحالف السياسي المقيت، والحروب إما أن تدمر الدول وإما أن تدفعها لكي تنطلق أكثر قوة وحزمًا ووعيا دون أن تقع مرة أخرى في شراك هذه الثعابين القاتلة.

خالد محمد علي – صحيفة الأسبوع

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الجیش السودانی لا یمکن أن مرة أخرى

إقرأ أيضاً:

عبد العزيز عشر: عودة الظهور وأبعاد سياسية في مشهد الصراع السوداني

زهير عثمان

عبد العزيز عشر، كأحد القادة العسكريين البارزين في حركة العدل والمساواة ومن أبناء دارفور، يعود اسمه للظهور الإعلامي حاليًا لعدة أسباب قد ترتبط بالظروف السياسية الراهنة والأهداف الاستراتيجية لبعض الأطراف، والتي قد تسعى إما لتغيير أو إعادة ترتيب المواقف والتحالفات السياسية في السودان. إليك بعض العوامل التي قد تفسر هذا الظهور الإعلامي المتجدد:
الصراع الحالي والتوازنات السياسية السودان يمر بمرحلة معقدة من الصراع العسكري والسياسي، خاصة مع تفاقم النزاع بين الجيش والدعم السريع. في مثل هذه الأوضاع، تظهر الحاجة إلى استقطاب قادة مؤثرين من الأطراف المختلفة، سواء لدور الوساطة، أو لتكوين جبهات سياسية وعسكرية جديدة. وكون عبد العزيز عشر من القادة العسكريين المؤثرين في دارفور، فإن ظهوره قد يكون جزءًا من جهود إعادة ترتيب التوازنات في دارفور بشكل يخدم أجندات معينة.
التحشيد الشعبي والسيطرة على الرأي العام و من المحتمل أن هناك محاولات لاستمالة دعم أبناء دارفور الذين شهدوا معاناة من الحروب والصراعات، وعبد العزيز عشر كرمز يعرفه كثيرون في الإقليم، ربما يتم إبرازه للتأكيد على تمثيل أبناء دارفور أو لإبراز رسائل توحي بوجود دعم واسع النطاق لأي من الأطراف.
إعادة كتابة السرديات و بعد تهميش تاريخي واتهامات بارتكاب انتهاكات خلال النزاعات السابقة، قد يكون جزء من هذا الظهور محاولة لتقديم القادة السابقين بصورة جديدة تتناسب مع الوضع الحالي، أو ربما للتخفيف من انتقادات الجمهور عبر إبرازهم كأبطال لمظالم تاريخية يتعاطف معها الرأي العام.
إظهار المصالحة أو تقديم بدائل للقوى الحالية: ظهوره الآن يمكن أن يكون جزءًا من جهود تقديم عبد العزيز عشر كشخصية "واقعية" تبحث عن الحلول، وهذا قد يشير إلى تحركات من أطراف ترغب في تقديم بدائل للقوى الحالية، ربما لخلق جبهة جديدة أو تحالفات تسعى لإحلاله بديلاً عن بعض القيادات الموجودة على الأرض.
حملة إعلامية موجهة: قد تكون هناك حملة إعلامية مقصودة لإعادة إحياء رموز بعينها لتوجيه رسائل سياسية معينة، سواء كانت بهدف تخويف الأطراف المتصارعة أو لإيصال رسائل توحي بوجود قوة جاهزة لاستعادة السيطرة في حال عدم استقرار الأوضاع. في ظل غياب الإعلام المحايد، من المحتمل أن وسائل الإعلام تُستخدم كأداة للترويج والدعاية لكسب الدعم الشعبي أو لتحذير قوى معينة.
هذه هي بعض الأسباب التي قد تفسر لماذا يعود عبد العزيز عشر للواجهة في الإعلام الآن، فالأوضاع المعقدة في السودان تجذب باستمرار رموزاً سياسية وعسكرية قديمة وحديثة، مما يجعل هذا الظهور الإعلامي جزءاً من لعبة سياسية أكبر وأهداف قد تتجاوز الساحة السودانية المحلية.
هناك عدد من القبائل الدارفورية التي دفعت بتهم لجرائم حرب وإبادة جماعية ورفعت دعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة بعض الفصائل المسلحة، وعبد العزيز عشر قد يكون معنيًا بهذا الملف تحديدًا نظرًا لتورطه أو اتهامه في جرائم معينة أثناء النزاع في دارفور.
مع وجود هذه التهم، قد يسعى عبد العزيز عشر لاستغلال موارده المالية والسياسية للتأثير على مجريات هذه القضايا أو للتوصل إلى تسويات مع زعماء القبائل المعنية للحد من المطالبات القانونية أو لتخفيف الضغط عليه وعلى حركته السابقة. يُعتقد أن هذا الجهد قد يكون جزءًا من محاولاته للتأثير على الدعاوى عبر تقديم الدعم المالي للمتضررين أو عبر قنوات سياسية في إطار السعي لطي هذه الصفحة القانونية التي تهدد مكانته.
يظهر عبد العزيز عشر كجزء من تحولات سياسية عميقة في السودان، حيث يسعى لفرض نفسه كرمز يتمتع بنفوذ قديم وجديد، وهو ما قد يشير إلى إعادة تشكيل مشهد دارفور في مواجهة قوى سياسية وعسكرية متجددة
تزايد حضور عبد العزيز عشر في المشهد الإعلامي يبدو كاستراتيجية من بعض الأطراف لتعزيز شخصيات قديمة تحظى بقبول جزئي في مواجهة القيادات الحالية، التي تعاني من تراكمات عديدة تشمل سجل الفساد ومشكلات مستمرة مع المكونات القبلية في دارفور وشرق السودان. بالإضافة إلى انحيازها إلى الانقلاب العسكري ومشاركتها في السلطة، ما تسبب في اهتزاز الثقة الشعبية بقدرتها على القيادة الوطنية.
إن الظهور الإعلامي المتجدد له في هذا السياق قد يعكس جهوده لإعادة تشكيل صورته أمام المجتمع الدارفوري المحلي وكذلك في الأوساط الدولية، مما قد يسهم في تحسين موقفه ضمن أي مفاوضات تتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • من يريد أن يكون الأدنى؟ ملامح التهميش والتفكك في السودان
  • عبد العزيز عشر: عودة الظهور وأبعاد سياسية في مشهد الصراع السوداني
  • الجيش الاسرائيلي: استهدفنا بنى تحتية لحزب الله في الضاحية الجنوبية (فيديو)
  • ترامب يريد من إيلون ماسك إصلاح الحكومة.. إليك ما يمكن أن يوضع تحت المقصلة
  • مقتل 40 شخصاً في غارات إسرائيلية على لبنان
  • الخارجية الإثيوبية تستدعي السفير السوداني
  • مقتل 40 لبنانيا بغارات.. وحزب الله يقصف قاعدة قرب تل أبيب
  • السوداني يوجه وزارة النفط بالتواصل مع شركة شِل لتحقيق المشاريع التي تخدم العراق
  • السوداني يوجه بالتواصل بين وزارة النفط وشركة شِل لتحقيق المشاريع التي تخدم العراق
  • الحرب في السودان: كيف يمكن مواجهة أزمة البطالة؟