اعتنق الفكر الماركسي الذي كان البناء الأيديولوجي للجبهة الساندينية، وكان يوصف بأنه براغماتي ورجل وفاق.
لكنه بدأ في السنوات الأخيرة من حياته السياسية في التركيز على الشعارات المسيحية الإنجيلية، بعد أن رسخ سيطرته الشخصية المباشرة على كل مفاصل السلطات، ومن ثم يفوز في الانتخابات المتتالية التي خاضها حتى اليوم.
ونتيجة لإرثه التاريخي الثوري كان الرجل أحد الداعمين والمساندين للقضية الفلسطينية، ووقف بقوة ضد الاجتياح الإسرائيلي للبنان ومحاصرة العاصمة بيروت.
ولد دانييل أورتيغا في لا ليبيرتاد، وتعني "الحرية" بنيكاراغوا، في عام 1945، لأبوين من الطبقة المتوسطة وهما معارضين لدكتاتور نيكاراغوا، أناستاسيو سوموزا.
انتقل دانييل مع عائلته إلى العاصمة ماناغوا منتصف خمسينيات القرن الماضي بحثا عن عمل مستقر، وسكنوا في حي للطبقة المتوسطة.
اعتقل بسبب نشاطاته السياسية وهو في مرحلة المراهقة ولم يتجاوز من العمر 15 عاما، وكان ذلك في بداية الستينات.
درس في مدارس خاصة وكاثوليكية، وأرسله والداه إلى عدة معاهد مختلفة سعيا لإبعاده عن الحركة الطلابية المناهضة للسلطة، التي كانت تتصاعد أواخر خمسينيات القرن العشرين.
درس القانون لمدة عام واحد في جامعة أميركا الوسطى في ماناغوا، لكن سرعان ما غادرها عام 1963 ليتفرغ للنشاط السياسي وانضم إلى الجبهة الساندينية للتحرير الوطني، فوجد نفسه في السجن للمرة الثانية، وأفرج عنه أواخر عام 1974 في إطار صفقة تبادل للأسرى بين الحكومة والجبهة الساندينية.
وبعد ذلك، غادر مع عدد من المفرج عنهم من أعضاء الجبهة إلى كوبا، حيث تلقى تدريبا على حرب العصابات لبضعة أشهر، وعاد على إثر ذلك سرا إلى نيكاراغوا ليشارك في الثورة ضد الحكم الدكتاتوري.
وانتهت الثورة التي قادتها الجبهة الساندينية في عام 1984، بعد أن فازت في الانتخابات الوطنية، وأصبح أورتيغا رئيسا للبلاد.
بالطبع الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان دعمت بشكل كبير تحالف المعارضة، وكانت النتيجة حربا أهلية قاسية، وطعنت واشنطن في شرعية حكومة ماناغوا ومولت وسلحت حركة "الكونترا" اليمينية، التي كانت الذراع العسكرية لثورة مضادة، وتسبب هذا التمرد في مقتل عشرات الآلاف شخص.
لاحقا خسر أورتيغا انتخابات عام 1990 والانتخابات الثلاثة اللاحقة، ليعود مجددا إلى السلطة عام 2007. وفي عام 2021، فاز بولاية رئاسية هي الرابعة على التوالي، إثر تعديلات دستورية أتاحت له الاستمرار في الحكم ليصبح أطول حكام المنطقة بقاء في السلطة.
بعد انتخابه عام 2007 بدعم من الطبقات الفقيرة، اتخذ أورتيغا خطوات متدرجة لتوطيد حكمه، إذ ألغى بين عامي 2011 و2014 القيود الدستورية على المدد الرئاسية، وبالتوازي مع ذلك، تعاظم نفوذ زوجته روزاريو موريللو التي تعرف عليها في السجن والتي أصبحت نائبة له عام 2017، وهيمنت الجبهة الساندينية على البرلمان وعلى المشهد السياسي عموما.
وشكلت احتجاجات عام 2018 أكبر تحد لسلطة أورتيغا، لكن قوات الأمن ومجموعات شبه عسكرية قمعتها بعنف، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
يتهمه معارضوه بإرساء نظام حكم استبدادي مطلق على نمط النظام الذي أقامته عائلة سوموزا، وهي تهمة ينفيها أورتيغا، في حين يعتبره أنصاره وطنيا حقيقيا ويطلقون عليه "القائد دانييل".
بدا أن أورتيغا ينأى بنفسه عن الأفكار الشيوعية، إذ أعلن أن المسيح هو قدوته، وتخلى عن شعارات الجبهة الساندينية خلال الحملة الانتخابية، كما أعلن أنه سيسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية من أجل تخفيف حدة الفقر في البلاد.
ويفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ عام 2018 عقوبات على نيكاراغوا وعدد من رموز النظام فيها.
وعلى وقع العدوان الوحشي على قطاع غزة هاجم أورتيغا، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، واصفا إياه بـ"ابن الشيطان" و"هتلر العصر الحالي" نتيجة سياساته "الإرهابية" بحسب قوله.
داعيا لاتخاذ إجراءات حازمة ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
وأكد رفض بلاده استمرار الإبادة الجماعية في فلسطين وتوسعها نحو لبنان، متهما الولايات المتحدة بدعم "إسرائيل وتسليحها مع بعض الأنظمة الغربية، لمواصلة هيمنتها على شعوب المنطقة".
وأعلنت حكومة نيكاراغوا، قطع العلاقات الدبلوماسية كافة مع دولة الاحتلال ردا على الإبادة الجماعية الوحشية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين.
وسبق هذا الإعلان قرار من البرلمان في نيكاراغوا يطالب الحكومة باتخاذ إجراءات ضد دولة الاحتلال ووصفت نائبة الرئيس روزاريو موريللو، دولة الاحتلال بأنها "حكومة فاشية ومجرمة".
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يشن الاحتلال حربا مدمرة على قطاع غزة بدعم أميركي واسع، أسفرت عن أكثر من 141 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وسبق أن قطعت نيكاراغوا علاقاتها مع الاحتلال عام 1982 بعد اجتياح لبنان، قبل أن تعيد العلاقات عام 2017.
لكن عودة العلاقات بقيت رمزية، إذ إن التبادل الدبلوماسي بين البلدين كان محدودا للغاية، وليس لدولة الاحتلال سفير في ماناغوا.
وكانت نيكاراغوا قد طلبت رسميا الانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية.
كما رفعت نيكاراغوا قضية أمام محكمة العدل الدولية ضد ألمانيا بتهمة "تسهيل الإبادة الجماعية" وتقديم مساعدات مالية وعسكرية إلى دولة الاحتلال ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ورغم التحولات الفكرية الكبيرة لدى أورتيغا إلا أن الرجل لم يتخلى عن ثوريته ودعمه للشعوب المضطهدة ووقوفه في وجه الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية، وموقف حكومته الصلب من حرب الإبادة في قطاع غزة يظهر شخصيته الثورية والنضالية العريقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه نيكاراغوا كوبا كوبا نيكاراغوا بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة دولة الاحتلال قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
زلزال ديموغرافي جراء حرب الإبادة في غزة.. هذا أحدث توزيع سكاني
سعت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ اليوم الأول لحرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة، إلى إحداث تصدعات في التوزيع السكاني للفلسطينيين، وقلب موازين الثقل السكاني في كافة المحافظات، وذلك عبر عمليات التهجير المتكررة.
وتركزت أكبر عمليات التهجير مع بداية حرب الإبادة في تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023، حينما طالبت قوات الاحتلال الفلسطينيين بإخلاء مدينة غزة ومحافظة الشمال بشكل كامل، واعتبار هذه المناطق خطيرة بسبب العمليات العسكرية فيها، ما أسفر عن موجات نزوح واسعة باتجاه وسط القطاع وجنوبه.
التوزيع السكاني قبل الحرب
وكان تعداد الفلسطينيين في قطاع غزة قبل حرب الإبادة، مليونين و375 ألفا و259 نسمة، وبلغ عدد الذكور مليونا و204 آلاف و986 نسمة، بنسبة 50.7 بالمئة، فيما بلغ عدد الإناث مليونا و170 ألفا و273 نسبة، بنسبة 49.3 بالمئة، بحسب الإدارة العامة للأحوال المدنية بوزارة الداخلية بغزة.
وكانت محافظة غزة تضم العدد الأكبر من السكان، بمجموع 893 ألفا و932 نسمة، تليها محافظة خانيونس بمجموع 463 ألفا و744 نسمة، وتليها محافظة شمال غزة بمجموع 388 ألفا و977 نسمة، وتليها المحافظة الوسطة بمجموع 331 ألفا و945 نسمة، وأخيرا محافظة رفح ومجموع سكانها 296 ألفا و661 نسمة.
لكن هذه الأرقام انقلبت رأسا على عقب، نتيجة عمليات التهجير التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال حرب الإبادة المستمرة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023.
وتتعمد قوات الاحتلال تهجير أهالي قطاع غزة داخليا بشكل متكرر، وهو ما ظهر جليا بعد ستة أشهر من مرور حرب الإبادة، حينما دفعت أكثر من مليون نازح في محافظة رفح، للخروج منها باتجاه المناطق الغربية لمحافظتي خانيونس والوسطى، قبيل بدء العملية العسكرية البرية فيها بتاريخ 06 أيار/ مايو لعام 2024.
وطالت جرائم القتل والإبادة النازحين في الأماكن التي ادعى الاحتلال أنها مناطق "آمنة"، فقد بات بشكل يومي يستهدف خيام النازحين في خانيونس ودير البلح، ما يسفر عن مجازر دموية وارتفاع في حصيلة ضحايا الإبادة.
قتل غير مسبوق
وبحسب التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم الـ409 على التوالي، فقد ارتفعت الحصيلة إلى 43 ألفا و922 شهيدا، و103 آلاف و898 إصابة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023، إلى جانب 10 آلاف مفقود.
وبلغ عدد الشهداء الأطفال 17 ألفا و385 شهيدا، إضافة إلى 209 أطفال رضع ولدوا واستشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية، و825 طفلا استشهدوا خلال الحرب وعمرهم أقل من عام.
ومسحت قوات الاحتلال 1367 عائلة فلسطينية من السجل المدني، بعد قتل جميع أفرادها في قطاع غزة، فيما بلغ عدد النساء 11 ألف و891 شهيدة.
ووفق الإحصائيات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن هناك نحو مليوني نازح في القطاع، أي ما نسبته 84 بالمئة من إجمالي السكان.
أحدث توزيع سكاني
وقبل حرب الإبادة، كان من بين التعداد السكاني لقطاع غزة مليون و600 طفل دون سن الثامنة عشر، ويشكلون ما نسبته 47 بالمئة، وبعد أكثر من عام على الحرب هناك ما نسبته 42 بالمئة من الشهداء هم من الأطفال، وحوالي 27 بالمئة من النساء.
وبات التركيز السكاني بعد 11 شهرا من العدوان، في مناطق "المواصي" غرب مدينتي خانيونس ودير البلح، وقلّت أعداد السكان كثيرا في شمال غزة، بسبب عمليات التهجير التي لم تتوقف للحظة، تزامنا مع المجازر الدموية التي يرتكبها جيش الاحتلال.
وبحسب تقديرات الإحصاء الفلسطيني ومؤسسة "أوتشا"، فإن توزيع السكان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بات 65 ألف نسمة في محافظة شمال غزة من أصل 458 ألف نسمة قبل العدوان، فيما بات في محافظة غزة 375 ألف نسمة من أصل 767 ألف نسمة.
وارتفعت الكثافة السكانية في محافظة خانيونس وبلغت 915 ألف نسمة، بزيادة كبيرة مقارنة بما قبل حرب الإبادة، والتي كانت 451 ألف نسمة، نتيجة عمليات النزوح الواسعة، فيما بلغت في المحافظة الوسطى 750 ألف نسمة، مقارنة بـ327 ألف نسمة قبل العدوان.
ووفق التقديرات ذاتها، فإن عدد السكان في محافظة رفح بلغ 44 ألف نسمة من أصل 283 ألف نسمة، رغم استمرار الاجتياح الإسرائيلي البري للمحافظة منذ أكثر من ستة أشهر.