سواليف:
2025-01-23@18:22:41 GMT

ضمير الأمة

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

#ضمير_الأمة

د. هاشم غرايبه

في وداع رجل من أشاوس الأمة، صدق ما عاهد الله عليه، لا تُذرف الدموع، بل ترتفع التكبيرات، فالمجاهد حينما يسقط في ساحة الوغي وهو يذود عن حياض الأمة وعقيدتها، لا يكون قد خسر إلا حياة فانية حافلة بالمعاناة والضنك، لكن ربحه أعظم بكثير، وهو كسبه لحياة راضية باقية، فهو قتل في سبيل الله، لذا فهو حي في كنف خالقه الذي أطاعه فأرضاه، ومن أكد لنا ذلك هو رب العالمين العليم الخبير: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” [آل عمران:169]، فكان بيان الله تعالى أنهم يرزقون، لتأكيد أنهم أحياء، لأن الأرزاق لا تقدر إلا للأحياء.


الخسارة فقط هي للأمة، فهي فقدت فارسا مغوارا، لم يترجل أو يغمد سيفا، بل ظل حتى الرمق الأخير كرارا، دوخ العدا وأقض مضاجع أعداء منهج الله، فحشدوا لقتاله ورفاقه أعظم حشود عرفها التاريخ، وزجوا في معركة القضاء عليه وعلى تنظيمه أعتى قوة عسكرية توصل اليها البشر وأكثرها تدميرا، ولما قالوا له إن الناس قد جمعوا لكم، لم يرعبه ذلك، بل زاده إيمانا وعزيمة.
أبو ابراهيم لم يكن قائدا عاديا كغيره من القادة، عيون تتوقد عزيمة ومضاء كعيون الصقر، وجبهة عاليه أكرمها بالسجود لخالقه، لم تنحنِ يوما لظالم متجبر، بل أزعم أنه ليس من أهل هذا الزمان، وإنما هو قادم من زمن الصادقين – زمن الصحابة، جاءنا به الله في هذا الوقت بالذات، وألهمه ورفيقه محمد الضيف خطة طوفان الأقصى، وهو يعلم أنها لن تحرر الأقصى الآن، لكن الله أرادها في هذا التوقيت حماية لبيته الحرام، بعد أن بات المشركون على وشك السيطرة عليه سياسيا من غير حاجة لاحتلاله عسكريا، وذلك تحت مسمى التطبيع، فعطل ذلك الطوفان الذي عمّ العالم كله خطط المنافقين، وتأجل الإعلان الرسمي بتوقيع معاهدة التطبيع التي كانت ستتيح عودة المشركين الى البيت الحرام بذريعة السياحة، بعد أن مُنعوا من ذلك الأربعة عشر قرنا الماضية بأمر من الله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا” [التوبة:28]، ولكي يقطع الطريق على المتذرعين بالسماح للمشركين بدخول الديار المقدسة أنه لتحقيق منافع تجارية أوسياحية، فقد وعد المؤمنين بأن يغنيهم عن الحاجة لذلك: “وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ”، وقد وفى الله بوعده فعلا في كل العصور: “أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا” [القصص:57]، فطيلة كل القرون المنصرمة، خضعت ديار العرب والمسلمين لاحتلالات مختلفة، لكن لم يدخل الحجاز أي محتل، كما وأن الله عوض قاطنيها بدل جدب أرضها، تأتيهم ثمرات كل أراضي الدنيا، ومعيشة رغدا يوفرها قدوم الحجاج والمعتمرين الذين لا ينقطعون عن التوافد إليها يوما.
لأجل ذلك رأينا كيف صوب الله رمي المجاهدين وأعمى عيون عدوهم، لينصرهم فيها، وقدّر تعالى عودتهم الى القطاع سالمين بعد أن قتلوا أكثر من ألف من جند العدو، وغانمين أكثر من مائتي أسير، فكان ذلك ضربة قاصمة لغطرسة المحتل وعنجهية داعميه من أعداء الأمة وعملائهم منافقيها، وإحياء للنفوس المقهورة من كثرة خذلان الأنظمة العربية لشعوبها، مثلما أثبت أن اتباع منهج الله هو الوسيلة الوحيد المتاحة أمام الأمة للانتصار على من ظلمها.
ولأن الأمة ولادة، فخسارة الرجال تعوض، فما انتصرت أمتنا يوما بالعدد والعدة، بل بتمسكها بعقيدتها، لذا فالخسارة لا تكون إلا بالتخلي عن اتباع منهج الله.
ولما أن الله قد أكرم شهيدنا البطل بنيل ما تمناه وهو إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، فقد أتاه اليقين وهو مقاتل غير قاعد، ومقبل غير مدبر، ليكون نبراسا لمن خلفه، فنكمل طريقه من بعده، الى أن ننال الحسنى الثانية: النصر بإذن الله.

مقالات ذات صلة ليست حرب ثنائيات 2024/10/18

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

شهيد القران رضوان الله عليه

في ظلال الكلمات التي تفيض بالتضرع والتقديس، نجد أن المعاني تتشابك لتحتشد حول إرادة الله، الواحد الأحد، الخالق العظيم. في قلب هذا الكون الواسع، كل ذرة تسبح بحمده، وكل كائن ينعكس فيه معنى وجوده.

الحسين، ابن البدر، قد جسد قيم النبوة والكرامة، فكان رمزاً للحب والشجاعة، يكافح من أجل دينه وأمته. وقف في وجه الظلم، متحدياً الجيوش، متمسكاً برؤية القرآن، الذي كان حلمه ورسالته. في كلماته كانت البوصلة، وفي أفعاله كانت الحكمة.

شجاعته تعكس عظمة جده، النبي، مما أضفى على شخصيته نوراً، وهدى يشع في الماضي والحاضر. كان يدرك أن معركته ليست مجرد صراع عسكري، بل هي معركة وجودية تحتم على الإنسانية أن تعي قيمها الحقّة.

لما سمع ما قيل عن الدول والأنظمة أنها غاضبة ، أجاب بكل صبر وثقة: “فلتغضب الدنيا ويرضى الله” قيل له أيضاً عن الجيوش المحيطة به وببلاده أجاب ﴿والله من ورائهم محيط ﴾ كان إيمانه راسخاً بأن النصر سيكون لمن يضع ثقته في الله، وأن الطريق إلى المجد لا يخلو من العقبات.

رحيل الشهيد القائد لم يكن نهاية، بل كان انطلاقة لرسالة تتردد أصداؤها في كل زمان ومكان. بقيت صورته حية في قلوب محبيه، تتعالى أصواتهم في النضال ضد الظلم، مُلهمين بالثبات الذي مثلّه.

والآن، بعد أعوام من ذهابه، لا يزال صدى صرخته يتردد في أرجاء الأرض. كيف يمكن للمرء أن يغفو في هدوء وقد عُلم بأن الحق لا يموت؟ إن معركته لا تزال مستمرة، والحق الذي رفعه سيكون دوماً في قلب الثورة.

إخلاصه وحنانه، شجاعته وثباته، تملأ الأرواح بالإلهام. إنه دعوة لكل إنسان ليتذكر أن لا حَيَّ لا قَيُّومَ إلا الله، وأننا جميعاً جنود في معركة الحق.

مقالات مشابهة

  • حزب الله: مهلة الـ60 يوما لانسحاب الاحتلال من لبنان شارفت على الانتهاء
  • بيان لـحزب الله يتعلّق بهدنة الـ60 يوماً... هذا ما أعلنه
  • بيان معنى الأمّية في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • سبب تسمية سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس في القرآن الكريم
  • الله يعوض عليه
  • بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب
  • حكم الحلف بغير الله والترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • كبار العلماء يحاضرون عن منهج الشيخين ابن باز وابن عثيمين بالرياض
  • شهيد القران رضوان الله عليه
  • تحذير من حزب الله مع قرب انتهاء مهلة الـ60 يوما