فجوة المأوى كابوس يؤرق الإسرائيليين بشأن ملاجئهم في الحرب
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
القدس المحتلة– أعادت معركة "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مستوطنات "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية بالجنوب، وكذلك الحرب على الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، إلى الواجهة مجددا التساؤلات حول جهوزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية للهجمات الصاروخية.
ومع توسيع الحرب على جبهات متعددة وتكثيف الرشقات الصاروخية على العمق الإسرائيلي، اتضح أن الغرف المحصنة في المنازل والشقق السكنية لم توفر الحماية التامة لقاطنيها من الضربات المباشرة ومن هجمات المقاتلين والمسلحين، وبالكاد توفر الحماية من شظايا الصواريخ والمسيّرات المتفجرة وصواريخ المنظومات الدفاعية.
وكشفت معطيات محلية عن عدم جهوزية نسبة كبيرة من الملاجئ العامة بالمدن الإسرائيلية لحالات الطوارئ، كما أن نحو 28% من السكان يفتقرون إلى أي نوع من الملاجئ، ويعانون مما تعرف بـ"فجوة المأوى".
تبلورت فكرت بناء الملاجئ في إسرائيل مباشرة بعد النكبة عام 1948، وذلك بغرض توفير الحماية لليهود من الهجمات المسلحة للثوار الفلسطينيين، وتمت شرعنة ذلك بالكنيست من خلال قانون الدفاع المدني لعام 1951، الذي اشترط وجود ملجأ في كل مبنى خاص أو عام.
وتقع مسؤولية بناء الملاجئ الخاصة في المباني السكنية على مقاول البناء، بينما بناء وصيانة الملاجئ العامة تكون من مسؤولية السلطة المحلية وقيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي.
وعلى مدار عقود، تطورت في إسرائيل عدة أنواع من المناطق المحمية، وهي: المساحة المحمية للبنايات المتعددة الطوابق، والمساحة المحمية لبيوت مكونة من طابقين، والغرفة المحصنة، والمأوى الخاص، والملجأ العام، وفي الحرب الحالية المتعددة الجبهات تمت الاستعانة أيضا بمواقف السيارات تحت الأرض في المجمعات التجارية والمستشفيات.
كيف ظهرت فكرة المحميات السكنية والغرف المحصنة لكل شقة جديدة؟تعود فكرة ضرورة تحصين الجبهة الداخلية بالمحميات والغرف المحصنة إلى حرب الخليج الثانية عام 1991، حينما أطلق نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين صواريخ على العمق الإسرائيلي.
مع نهاية الحرب تم تحديث أنظمة الدفاع المدني، وبموجب التعديل اشتُرط أن ترتبط كل شقة جديدة يتم بناؤها بمحمية سكنية وغرفة محصنة. وحسب اللائحة، فإن المساحة المحمية بالمنزل الخاص لا تقل عن 5 أمتار مربعة صافية، ولا تزيد على 12.5 مترا مربعا.
وشمل التعديل خصخصة خدمات الدفاع المدني، ونُقلت مسؤولية بناء الملاجئ العامة إلى السلطات المحلية ولجان التنظيم والبناء، ومنذ ذلك الحين أصبح مطلوبا إضافة غرفة محصنة إلى كل منزل وشقة سكنية جديدة يتم تشييدها، إذ اشترط توفير الغرفة المحصنة للحصول على رخصة البناء للمنزل.
ما عدد الملاجئ العامة وما مدى جهوزيتها لتوفير الحماية للإسرائيليين بالحرب؟يوجد في إسرائيل نحو 12 ألف ملجأ عام، وتقوم قيادة الجبهة الداخلية بإجراء تدقيق وفحوصات لجهوزيتها للحرب مرة كل 3 سنوات. يتم تشغيل الملاجئ ذات الغرض المزدوج من قبل السلطة المحلية المختصة وقيادة الجبهة الداخلية. ويتم اتخاذ القرار بشأن النشاط الذي سيتم مزاولته فيها من قبل البلدية.
وحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، فإن الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أظهرت أن أكثر من 50% من الملاجئ العامة غير جاهزة لحماية الإسرائيليين في حالة الطوارئ، إذ لم يتم استخلاص العبر من تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي عن حرب لبنان الثانية عام 2006.
واستذكرت الصحيفة هذا التقرير وما جاء فيه عن وضع الجبهة الداخلية حينها، إذ أكد عدم جهوزية الجبهة الداخلية لهجمات صاروخية، وأن الملاجئ العامة كما هي لا يمكن أن توفر الحماية، كما أن هناك مئات آلاف الشقق السكنية القديمة بدون غرف محصنة خاصة.
ولفت التقرير إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تعمل بما فيه الكفاية على رصد الميزانيات لتحصين وصيانة الملاجئ العامة، فلقد كان من المفروض رصد ميزانية فورية بقيمة 65 مليون شيكل للترميم والصيانة، كما أنه لم يتم تطبيق التعديلات على قوانين التنظيم والبناء من عام 1991 بشكل كامل، إذ تشترط هذه التعديلات بناء غرفة محصنة للحصول على رخصة للمنزل.
ما الوضع العام للجبهة الداخلية والملاجئ في ظل الحرب الحالية؟إضافة إلى الملاجئ العامة في إسرائيل، هناك نحو 700 ألف غرفة محصنة، وهذا الرقم يعكس في الواقع عدد الوحدات السكنية الخاصة التي بنيت في البلاد منذ عام 1992، وهناك نحو 20 ألف ملجأ خاص بالعمارات المتعددة الطوابق يخدم 481 ألف وحدة سكنية، حسب رصد قسم الأبحاث في الكنيست الإسرائيلي.
رغم مرور 34 عاما على تعديلات قوانين التنظيم والبناء التي تلزم ببناء الغرف المحصنة، فإن أكثر من 700 ألف شقة سكنية ومنزل بإسرائيل تفتقر إليها، وغالبيتها منازل قديمة بينت قبل عام 1990، حيث امتنعت الحكومات المتعاقبة عن تقديم الحوافز المالية والتسهيلات لأصحابها لبناء الغرف المحصنة.
أبرز تقرير لصحيفة "هآرتس" أن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول أظهرت أن الغرف المحصنة مصممة لمواجهة تهديد محدد فقط، مثل شظايا الصواريخ بعيدة المدى وشظايا الصواريخ الاعتراضية، بينما اتضح أنها غير مصممة لمواجهة ضربة صاروخية مباشرة، أو أي تهديد غير معروف، كما أنها لم تثبت قدرتها على الحماية ضد تسلل مقاتلين مسلحين.
وكشفت المراجعة التي أجراها المراقب الإسرائيلي في أبريل/نيسان العام الماضي أن ما يقرب من نصف الملاجئ العامة في إسرائيل ليست ذات نوعية جيدة وبلا جهوزية لحالات الطوارئ، مما يعني أنها لا توفر الحماية للإسرائيليين من الصواريخ.
وتبين أن 28% من الإسرائيليين ليست لديهم حماية مناسبة ضد أي هجوم صاروخي، بينما 38% يستخدمون غرفا محصنة منزلية خاصة، و27% يستخدمون الملاجئ الخاصة المشتركة الموجودة في المباني الشاهقة المتعددة الطوابق.
ويستخدم 6% منهم، أي نحو 700 ألف شخص، الملاجئ العامة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، لكن ليس من المؤكد أن الملجأ سيحميهم بشكل صحيح.
ما أسباب الفجوة في المناطق المحمية بإسرائيل رغم سريان قوانين التنظيم والبناء؟خلقت السياسات الحكومية والتراخي في إنشاء الملاجئ ما تسمى "فجوة المأوى" أو النقص في التحصينات، وهو الفرق بين المساحة الإجمالية للملاجئ ومساحة الملاجئ اللازمة للسكان، وقُدر حجم الفجوة بـ28% من إجمالي السكان.
وتعود أسباب النقص في المناطق المحمية إلى أنه في الأحياء القديمة للمدن الكبرى تم بناء مبان سكنية بدون ملاجئ، ولم يتم بناء ملاجئ عامة كافية، وفي البلدات العربية كذلك لا يوجد تطبيق كافٍ للتدابير الوقائية، وامتنعت حكومات إسرائيل عن رصد الميزانيات وبناء الملاجئ العامة للعرب، حسب ما أفاد به تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت.
يعيش داخل الخط الأخضر أو ما تُعرف بإسرائيل، نحو 2 مليون فلسطيني، وأظهرت معطيات محلية عدم جاهزية المجتمع العربي لسيناريو هجمات صاروخية مكثفة، حيث اتضح أنه لا يوجد ملاجئ عامة في أي بلدة عربية.
وحسب مركز الطوارئ للمجتمع العربي التابع للجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، أظهرت دراسة استقصائية شاركت فيها 58 سلطة محلية، أن 72% من السلطات المحلية العربية تعتقد أن هناك نقصا في معدات الإسعافات الأولية والإنقاذ، وأن 65% من منازل العائلات العربية بدون ملاجئ أو غرف محصنة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجبهة الداخلیة الملاجئ العامة توفر الحمایة فی إسرائیل کما أن
إقرأ أيضاً:
مع تكرار قصفها.. كيف يعيد نازحو غزة بناء خيامهم؟
غزة- يعزو عزات سلطان نجاته وأبناءه وأحفاده، بأعجوبة من موت محقق إلى العناية الإلهية، بخروجهم سالمين من لهيب النيران التي التهمت خيامهم داخل مخيم يؤوي نازحين غربي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
في إحدى ليالي شهر رمضان الماضي، استيقظ سلطان (75 عاما) والنازحون على دوي انفجار ضخم جراء غارة جوية إسرائيلية، استهدفت إحدى الخيام فأدت إلى اشتعال النيران في عدد كبير من الخيام المتهالكة المصنوعة من الأخشاب والبلاستيك.
مرّت به وأسرته كثيرٌ من الأحداث المؤلمة منذ اندلاع الحرب على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "لكن هذه المرة كان الموت أقرب لنا من أي وقت مضى، كان المشهد مرعبا، انتفضنا فزعين من النوم وقد انهارت الخيام فوق رؤوسنا واشتعلت بها النيران"، كما يقول للجزيرة نت.
قضى سلطان وعائلته (19 فردا) تلك الليلة في العراء، على أنقاض خيامهم، وشغله تفكيره وقلقه، ماذا سيفعل وقد خسر كل شيء، ولسعات البرد تتسلل بقسوة إلى جسده النحيل الذي لا يوحي أنه كان يوما مدرسا للتربية الرياضية، وبات اليوم يخطو متثاقلا متكئا على عكاز، يقول إنه اضطر إليه خلال الحرب، وكان قبلها يتمتع بصحة جيدة.
عمل سلطان لـ27 عاما مدرسا في السعودية، وعاد في العام 1999 ليستقر في مسقط رأسه بمدينة رفح والتحق بالعمل في مدرسة حكومية وتقاضى راتبا تقاعديا، يقول، إنه كان بالكاد يكفيه في تدبير شؤون أسرته قبل اندلاع الحرب.
"كنت طوال الليل أفكر من أين نوفر خياما بديلة من المدمرة والمحترقة، وأسعارها خيالية في الأسواق وارتفعت أضعافا بعد إغلاق المعابر". ويشير سلطان بذلك إلى أثر إغلاق الاحتلال المعابر منذ 2 مارس/آذار الماضي، ومنعه إدخال المساعدات الإنسانية بما فيها الخيام.
إعلانوشهدت أسعار الخيام القليلة في الأسواق ارتفاعا هائلا في ظل زيادة الطلب عليها، إثر أوامر وإنذارات النزوح الإسرائيلية التي شهدت كثافة كبيرة، منذ استئناف الاحتلال الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي.
انتصف نهار ذلك اليوم وسلطان وعائلته يجلسون صياما بلا مأوى ولا خيارات، حتى تبرعت لهم هيئة خيرية بخيام أصر على إقامتها في المخيم ذاته، بدافع عدم بث الخوف في قلوب النازحين إن غادره وعائلته، ولأنه "لا مكان آمن في قطاع غزة، والعثور على مساحة لإقامة 3 خيام متجاورة ليس أمرا سهلا".
ترسم قسمات سلطان رحلة طويلة قادته إلى كثير من دول العالم، قبل أن يقرر العودة ليقضي بقية حياته في مدينة رفح، التي تتعرض لإبادة شاملة تطال الشجر والحجر، وقد أجبر الاحتلال نحو 300 ألف من سكانها على النزوح وإخلائها كليا، وخسر فيها منزله المكون من 4 طوابق، ويدلل على عظيم خسارته بالقول "وضعت في هذا المنزل تحويشة العمر وشقاء السنين".
نال تدمير المنزل من صحته النفسية والجسدية، وهو يتحدر من عائلة لاجئة من قرية بربرة إبان نكبة 1948، غير أن قناعاته ظلت ثابتة ولم تهتز، وبإصرار يؤكد هذا الأب الذي فقد ابنه ياسر شهيدا في العام 2004 "لن يفلحوا في تهجيرنا وتكرار نكبتنا مهما قتلوا ودمروا".
في مايو/أيار الماضي، كانت تجربة النزوح الأولى لسلطان على وقع اجتياح رفح، ومنذ ذلك الحين تنقل وعائلته بخيامهم 5 مرات، بعد إنذارات إسرائيلية وخشية مخاطر التوغل. ويقول "تمزقت خيامنا من كثرة النزوح ولم تتمزق إرادتنا وقدرتنا على الحياة، وعودتنا قريبة إلى رفح وليست بعيدة إلى بربرة".
أمام خيمة مهترئة تعبث بها الريح، جلس النازح رائد أبو دان وإلى جانبه طفله المصاب بإعاقة ذهنية، واضعا يده على وجهه، وقد أثقلته الهموم من النزوح المتكرر وضيق الحالة الاقتصادية.
إعلانللمرة السادسة منذ اندلاع الحرب اضطر أبو دان (46 عاما) إلى النزوح بأسرته (7 أفراد) من منطقة "قيزان النجار"، على وقع تهديدات إسرائيلية وتوغل عسكري كبير في هذه المنطقة ومناطق أخرى على خط التماس بين مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين، ويفصلهما منذ نحو 3 أسابيع "محور موراغ" (ممر صوفا).
لا يمتلك هذا الرجل العاطل عن عمله في مطعم اضطر صاحبه إلى إغلاقه بعد اندلاع الحرب، مبلغ ألف شيكل (الدولار يعادل 3.7 شواكل) أجرة سيارة نقل تقله وأسرته وأمتعته، وقد اضطروا إلى الخروج خفافا بالملابس التي يرتدونها والقليل من الأغطية حملوها على الأكتاف.
ويقول للجزيرة نت، "لم نعلم أين سنذهب وليس معنا خيمة، ووجدت هذا المكان لصناعة خيمة من لا شيء، باستخدام القليل من الأخشاب وشادر قديم حصلت عليه من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".
لو أتيحت لك فرصة السفر والهجرة، هل تقبل؟ لم يطل تفكيره وكانت إجابته حاضرة وكأنه يتوقع السؤال، ولم يكتف بقول لا، واستخدم تعبيرا شعبيا "والله لو يقطعوا راسي ما بهاجر"، وهو تعبير يستخدمه الغزي ليؤكد تمسكه بموقف يعتبره أثمن من حياته نفسها.
ويرجح أبو دان أن يكون منزله مدمرا، ولا يمتلك دخلا ثابتا يعتاش منه وأسرته، ويضيف "أعيش في خيمة أو كوخ، وبكرى نعمر البلد من جديد، وما بتركها لأغراب يستوطنونها".
حصار ونزوح
يُعتبر عدم توفر الخيام للنازحين واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا، وقد بات الاحتلال يستخدم التشريد وإجبار الغزيين على النزوح وهجر منازلهم ومناطق سكنهم، وهي سياسة ممنهجة لزيادة الضغط عليهم.
وكان يُفترض أن تدخل 200 ألف خيمة و60 ألف بيت متنقل خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي امتد من 19 مارس/آذار الماضي وحتى انهياره بخرق إسرائيل له وتشديد الحصار واستئناف الحرب.
إعلانوتشير بيانات رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إلى أن الاحتلال لم يُدخل أي بيت متنقل في تلك المرحلة، وأدخل فقط زهاء 10% فقط من مجموع الخيام المطلوبة.
وفي بيان نشرته على منصاتها، تقول أونروا، إن الحصار الحالي "يُعد أطول بثلاث مرات من الحصار الذي فُرض في أكتوبر/تشرين الأول 2023 عند اندلاع الحرب".
وتقدر الوكالة الأممية أن نحو 69% من مساحة القطاع الإجمالية (360 كيلومترا مربعا) باتت خاضعة لأوامر نزوح نشطة أو ضمن "المنطقة المحظورة" أو كليهما، مع إصدار ما لا يقل عن 20 أمرَ نزوح من الجيش الإسرائيلي في الفترة بين 18 مارس/آذار الماضي و14 أبريل/نيسان الجاري.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 420 ألف شخص نزحوا مرة أخرى منذ انهيار وقف إطلاق النار. وتقول أونروا إن "استئناف القصف واستمرار منع دخول المساعدات الإنسانية يؤثران كثيرا على قدرة الجهات الإنسانية على تلبية احتياجات السكان من الغذاء والمياه والصرف الصحي والمأوى وغيرها من الضروريات".