عندما قال الرئيس عبدالناصر لهيكل: «يوديك أنت فى داهية»
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى سنة ١٩٥٧ حصل الأستاذ نجيب محفـوظ على «جائزة الدولة» على ما قدمه من أدب وفكر، وتكريما له أقام الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس حفلا فى منزله، ودعا إليه عددًا كبيرا من الكتاب والصحفيين، وفى هذا الحفل لعبت الصدفة أعظم دور فى حياة أديب نوبل إذ حضر الأستاذ علي حمدى الجمال، وكان يشغل وقتئذ مدير تحرير جريدة الأهرام وفوجئ أديب نوبل بأنه يريد منه رواية لتنشر فى جريدة الأهرام على حلقات مسلسلة، وبالفعل وعده بأن الرواية الجديدة التى سيكتبها وسيرسلها إلى جريدة الاهرام، وعندما انتهى من كتابة رواية «أولاد حارتنا» في شهر أبريل سنة ١٩٥٨، تذكر الوعد الذى قطعه على نفسه، فاتصل بالأستاذ على حمدى الجمال، واتفق على موعد، وذهب إليه بأوراق الرواية التى قرأها وأعجب بها وصرح بنشرها دون أى ملاحظات.
وهنا يعلق أديب نوبل على موافقة مدير تحرير جريدة الأهرام يومئذ بأنه يبدو أن قرأها على أنها رواية عادية عن حارة مصرية يقع بها صراع بين مجموعة من الفتوات.
وحكى أديب نوبل نجيب محفوظ عن لقاء الرئيس جمال عبدالناصر به فقال:
-أذكر أن المرة الوحيدة التى قابلت فيها عبدالناصر وكلمته وجهًا لوجه كانت أثناء زيارته لمبنى «الأهرام» الجديد، في ذلك اليوم مر عبد الناصر على حجرة يجلس فيها أدباء «الأهرام»، وكان يرافقه الأستاذ محمد حسنين هيكل في جولته وأذكر ممن كانوا موجودين معنا في الحجرة: حسين فوزى وصلاح جاهين وصلاح طاهر، وعندما جاء دورى في مصافحة الرئيس قال لى وهو يبتسم: «إيه يا نجيب. بقى لنا زمان ماقريناش لك حاجة؟»!
ورد عليه الأستاذ محمد حسنين هيكل: بأن جريدة الأهرام ستنشر له قصة غدًا ثم أردف عن القصة التى ستنشر وهى رواية أولاد حارتنا قائلا: «ولكنها من النوع الذى يودى في داهية»!
وعقب الرئيس جمال عبدالناصر على الجملة الأخيرة بقوله: «يوديك أنت فى داهية»!
وبدأت بالفعل جريدة «الأهرام» في نشر رواية أولاد حارتنا مسلسلة، وكانت افتتاحيتها:
«هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق.. لم أشهد من واقعها إلا طورها الأخير الذي عاصرته، ولكني سجلتها جميعًا كما يرويها الرواة وما أكثرهم.
جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات!.. يرويها كلٌّ كما يسمعها في قهوة حيِّه أو كما نُقلت إليه خلال الأجيال، ولا سند لي فيما كتبت إلا هذه المصادر.
وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات!.. كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة من ناحيتها المتصلة بالصحراء وقال في حسرة:
«هذا بيت جدّنا، جميعنا من صلبه، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع؟ وكيف نُضام؟»!
ثم يأخذ في قَصِّ القصص والاستشهاد بسِيَر أدهم وجبل ورفاعة وقاسم من أولاد حارتنا الأمجاد.
ومرت حلقاتها الأولى دون أن تظهر أى ملاحظات عليها، فالجزء الأول من الرواية لا يسبب أية مشاكل. ولكن الأزمة بدأت بعد أن نشرت الصفحة الأدبية بجريدة «الجمهورية» خبرًا يلفت فيه كاتبه النظر إلى أن الرواية المسلسلة التى تنشرها جريدة «الأهرام» فيها تعريض بالأنبياء. بعد هذا الخبر المثير، بدأ البعض، ومن بينهم أدباء للأسف- وهذا ما صرح به أدبب نوبل نجيب محفوظ للأستاذ رجاء النقاش فى حواره له- في إرسال عرائض وشكاوى إلى النيابة العامة ومشيخة الأزهر، بل وإلى رئاسة الجمهورية، يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديم نجيب محفوظ إلى المحاكمة.
الأسبوع المقبل بإذن الله أكمل ما تم بعد نشر رواية أولاد حارتنا في جريدة الأهرام.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: نجيب محفوظ أديب نوبل جريدة الأهرام أولاد حارتنا محمد حسنين هيكل جریدة الأهرام أولاد حارتنا أدیب نوبل
إقرأ أيضاً:
"اسمه الأسمر".. رواية جديدة تفتح أفقاً جديداً في الأدب العُماني
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
صدر مؤخرًا عن دار الآداب العمل الروائي الثالث للكاتب والروائي العماني محمد الشحري، بعنوان "اسمه الأسمر"، وتأتي هذه الرواية استكمالًا لمسيرة أدبية حافلة، سبق أن قدم خلالها الشحري رواية "موشكا" التي حققت انتشارًا واسعًا، وتحولت لاحقًا إلى عملٍ مسرحي عرض داخل سلطنة عُمان وخارجها، إلى جانب روايته الثانية "الأحقافي الأخير"، وعدد من الأعمال في أدب الرحلات.
الرواية الجديدة تمثل نقلة نوعية في تجربة الشحري، ليس على مستوى إنتاجه الأدبي فحسب، بل أيضًا على صعيد الرواية العمانية عمومًا. إذ تنفتح على عوالم وأماكن ومسارات متعددة، لا من الناحية الجغرافية فحسب؛ بل فكريًا وسياسيًا؛ حيث تسلط الضوء على رؤى أبطالها، وتقدم مقارباتهم الخاصة للواقع الاجتماعي في ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله.
وتبرز الرواية بشجاعتها في ملامسة الجوانب الخفية من التجربة الإنسانية، وتفكك تراكمات اجتماعية وثقافية غابت طويلًا عن الخطاب الأدبي المحلي. كما تكشف عن زيف اجتماعي سرعان ما يتبدد عند أول مواجهة حقيقية، لتطرح بذلك تساؤلات وجودية حول العلاقات، والهوية، وموقع الإنسان ودوره داخل مجتمعه.
وينتمي هذا العمل إلى ما يعرف بـ"الأدب المُلتزِم"، الذي يحمل همًّا وطنيًا وإنسانيًا، وهو ما يُميِّز الرواية عن كثير من الأعمال التي تفتقر إلى رسالة واضحة؛ فالأدب بكافة أجناسه لا يكتمل إلّا بتحديد موقف من المعضلات الإنسانية واشكالياتها، وليس هناك إنتاج أدبي محايد، بل إن كل عمل أدبي يحمل في طياته نظرة مكتملة أو جزئية تجاه الواقع، ومحاولة فنية لتمجيده أو لتفسيره أو نقده.
ومن أبرز ملامح الرواية تناولها العميق للهوة بين الأجيال، كما في العلاقة الملتبسة بين الابن وخاله، يغلفها أسلوب رمزي وإيحائي. والتي تطرح بشكلٍ غير مباشر تساؤلات جدية: لماذا هذا الانفصام الجذري بين الأجيال؟ ولماذا تشوه أدوار السابقين في نظر اللاحقين؟ تلك الأسئلة لا تبحث فقط عن إجابات؛ بل تفتح بابًا نحو تأمل اجتماعي أوسع. وفي جانب آخر، تنتقد الرواية فئة اجتماعية بعينها، اعتادت التفاخر بإنجازات منقوصة، كانت جزءًا صغيرًا من مرحلة أكبر، فتقدم نقدًا أخلاقيًا حادًا.
"اسمه الأسمر" ليست فقط رواية جديدة تضاف إلى مكتبة الأدب العُماني؛ بل عمل يستحق التوقف أمامه، لما يطرحه من رؤى، ويثيره من أسئلة، ويقدمه من تجربة إنسانية خصبة وعميقة.
رابط مختصر