منذر رياحنة: جدار الشيطان الإلكتروني "الوسوسة في عالم السينما وصناعة الخيال"
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
يقول الفنان منذر رياحنة إنه في عالم السينما، حيث تتلاقى الحقيقة والخيال، وتنساب الأحلام عبر الشاشات الفضية، ظهر ما يمكن تسميته بـ “جدار الشيطان الإلكتروني”؛ جدار خفي لكنه ملموس، يحكم قبضته على عقول الجماهير كما تحكم الظلال قبضتها على الضوء. إنه ذاك الجدار الذي يُبنى ليس من الطوب أو الإسمنت، بل من الحسابات المزيفة والشائعات الرقمية، لينسج حول الأفلام والنجوم وشركات الإنتاج قوالبَ مصطنعةً من الآراء والتقييمات، التي تتغلغل في النفوس دون أن يراها أحد.
هناك، في الظل الرقمي الذي لا يعرف أحدٌ من يتحكم به، تتكدس مزارع الذباب الإلكتروني، ليس في الحقول أو المزارع المعهودة، بل في فضاءات لا تحدها الأسلاك أو الشاشات. إنها جيوش رقمية، وُجدت لتهيم على وجوهها بين التغريدات والمراجعات، تقلب موازين السينما، وتعصف بما تبقى من النقاء في عالم الأحلام المرئية. هذه الجيوش لا تتوقف عن النقر على الأزرار، تنسج قصصًا، تضخم نجاحًا، أو تدفن فيلمًا تحت أكوام من النقد الكاذب.
في أعماق الظل: من يكتب قصة الفيلم حقًا؟عندما يولد فيلمٌ جديد، ويبدأ في شق طريقه نحو صالات العرض، يكون قد دخل، دون علمه، ساحة معركة خفية. ليست المعركة تلك التي نراها بين الأفلام في شباك التذاكر، بل معركة أشد غموضًا، تُخاض بين الحسابات الوهمية التي تغرق منصات التقييم والنقد. هل هو نقد صادق؟ أم وسوسة رقمية تقود المشاهدين إلى ما لا يريدون؟ هنا، لا يصبح الحكم على الفيلم بيد من يشاهدونه حقًا، بل بيد قوى خفية تدير دفّة السفينة نحو مصالحها.
إن هذا الذباب الإلكتروني لا يقف عند حد الأفلام وحدها، بل يتسلل إلى قلوب الجماهير التي تعشق نجومها وتتابع أخبارهم بشغف. بلمسة سريعة على لوحة المفاتيح، تتحول سمعة نجم إلى رماد، أو يُنفخ في نار الشهرة ليتوهج اسمه فوق الجميع. إنهم ليسوا سوى أدوات في يد هذه القوى التي تقلب الحقائق كما يقلب المخرج المشاهد.
أصوات مختنقة في بحر الضجيج: كيف يضيع الحق في تقييم السينما؟لقد أصبح جمهور السينما، الذي كان فيما مضى يتوجه إلى قاعات العرض وهو يحمل معه حاسة فنية دقيقة، حائرًا بين أمواج من الآراء المتضاربة والمراجعات المتناقضة. مواقع التقييم التي أُنشئت لتكون مرآةً صافية تعكس الحقيقة، تحولت إلى ساحة تعج بالذباب الإلكتروني، تغمر الأفلام بمدائح زائفة أو تشوهها بنقدٍ مغرض، حتى يصبح من المستحيل أن يعرف المشاهد ما إذا كان الفيلم يستحق وقته وماله.
إن تقييم الأفلام أصبح معركة أخرى تُخاض في الخفاء، حيث تندس قوى مجهولة بين الصفوف، تلقي بآرائها المصطنعة لتصيغ مصير الفيلم. وكم من فيلم خسر جمهوره قبل أن يرى النور، وكم من فيلم سطع نجمه بفضل تلك الحسابات التي تهمس في آذان الجماهير دون أن تترك أثراً حقيقيًا.
هل من ملاذ؟ كيف نعيد للسينما نقاءها؟إننا نقف اليوم على مفترق طرق في عالم السينما، بين الحقيقة والخيال، وبين النقاء والتزييف. لكن الملاذ لا يزال ممكنًا. قد يكون الحل في أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع منصات التقييم، أن نبحث عن الحقيقة بأنفسنا بدلًا من أن ننتظرها من ذباب إلكتروني لا نراه.
في النهاية، تبقى السينما فنًا يعيش في أرواح صانعيه، ويتنفس من خلال أعين المشاهدين الذين يؤمنون بقوة الصورة والكلمة. وما “جدار الشيطان الإلكتروني” إلا وهمٌ مؤقت، سينهار يومًا عندما تعود السينما لتكون ذلك الفن الحر الذي لا يخضع إلا لعين المشاهد وروحه الباحثة عن الحقيقة.
ختامًا: بين الظل والنورإن معركة السينما اليوم ليست فقط معركة الأفلام الجيدة مقابل الرديئة، بل هي معركة من أجل الحقيقة في وجه التزييف الرقمي. في هذا العالم الذي تحكمه الشاشات، يمكن لذرة من ذباب إلكتروني أن تغير مصير فيلم، أو ترفع نجمًا إلى السماء أو تسقطه. لكن في النهاية، يبقى الفن الحقيقي عصيًا على التزييف، لأن الحقيقة ستجد طريقها دومًا، مهما حاولت الأيدي الخفية أن تعرقلها.
السينما، مثلها مثل أي فن آخر، يجب أن تبقى حرة، قادرة على التأثير بأصالتها، لا بما يُكتب عنها
منذر رياحنة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: منذر رياحنة السينما فی عالم
إقرأ أيضاً:
أمريكا وصناعة الحروب
قبل دخول أمريكا على مسرح السياسة العالمية كانت الإمبراطوريات الأوروبية هي المسيطرة لكنها لا تتحرك الا بعد إذن من الخلافة الإسلامية العثمانية ولذلك أجمعت على إسقاطها والاستيلاء على نفوذها في القارات الثلاث؛ أمريكا نهضت في بدايات القرن التاسع عشر ولكن بعد سقوط تلك الإمبراطوريات معتمدة على الأساطيل والقوات البحرية لتوسيع نفوذها ومستفيدة من الخبرات الاستعمارية.
خاضت حروب التدخلات في البلدان القريبة والبعيدة وسلم لها الجميع بعدما صنعت القنابل النووية وألقتها على اليابان .
الدبلوماسية العسكرية والتهديد والوعيد ثم إرسال البوارج وشن الحروب أساس لنهب ثروات الأمم وتسخيرها وتنصيب الحكومات والأنظمة وإزالتها، وحسب إحصائيات تاريخية فان 93 %من تاريخها حروب مباشرة والباقي تهديد وإنذار بها.
صناعة الحروب والاستثمار فيها أساس في السياسية الأمريكية، لأن كبريات شركات تصنيع السلاح في العالم جنسيتها أمريكية مملوكة لبارونات اليهود الذين يسعون في الأرض فسادا ويوقدون الحروب، قال تعالى ((والقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين)) المائدة-64-.
تفتيت المجتمعات المستهدفة أولا ثم تدميرها ثانيا وذلك باستغلال كل الاختلافات والتباينات. فمثلا عندما احتل الصليبيون القدس بدأوا بنشر الخلافات الدينية واستجمعوا قوتهم تحت عناوين دينية (حروب صليبية) فاجتمعت جيوش (النورمانديين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا) والمتحالفين معهم من نصارى العرب واليهود استولوا على القدس؛ ولا يختلف الحال عليه اليوم الا من حيث ان أمريكا هي الواجهة والبقية يريدون ان يقنعوا العالم انهم لا يرضون ولا يريدون وهم كاذبون .
الأموال والثروات والاستيلاء عليها وإخضاع الآخرين واستعبادهم وتسخيرهم هو هدف كل السياسات الاستعمارية، ولأن بريطانيا تتشابه في قدراتها مع أمريكا فقد سرى تقليد متبع ان اول زيارة خارجية-لرؤساء أمريكا بعد انتخابهم تكون إلى بريطانيا لأنها تمثل الأرشيف الاستعماري لمعظم الإمبراطوريات، لكن مخالفة ترامب لهذا التقليد بسبب الإغراء السعودي الذي يصل إلى تريليون دولار-ترامب- حسب تصريحه (أعطوني هذا المبلغ بسبب الانتخابات ؛ما هذا بحق الجحيم؛ المال لا يعني لهم شيئا؛ لقد حصلوا على هذه الأموال من الذهب السائل ، لديهم الكثير؛ هؤلاء مجانين وهناك العديد من الشركات تتطلع للاستثمار) ، ولا يختلف الأمر كثيرا في وصف السياسي البريطاني جورج جلوي فهو يصفهم بالسُذج (من يرسلون أبناءهم ليتعلموا في أمريكا؛ ومن يودعون ثرواتهم الشخصية والسيادية في أمريكا أو أوروبا ويتوقعون ان تكون في مأمن –ابنوا جامعاتكم وبنوككم الخاصة وكفوا عن عبادة الغرب وتحلوا ببعض الكرامة) نصحيه جلوي لن تقنع الإمارات والسعودية الذين يثقون في الغرب واليهود والنصارى اكثر من غيرهم حتى وإن وصفهم –ترامب بالمجانين؛ أو وصفهم اليهود بانهم بهائم خلقت لخدمتهم، أو انهم يحبونهم كحب الكلاب.
صهاينة العرب اصبحوا اليوم ينفذون مخططات اليهود والنصارى علناً بدون خجل ولا حياء يريدون تدمير دول وأقطار الأمة الواحدة، ينشرون الخراب والدمار ويقتلون ويشردون الأبرياء ويشعلون الحروب سعيا لإقامة الشرق الأوسط الجديد -حسب زعمهم- بإسقاط الأنظمة التي مازالت تعارض الاستعمار الاستيطاني اليهودي على ارض فلسطين وكل أجزاء الأمة العربية والإسلامية وتنصيب حكومات وأنظمة تقبل بالاستعمار الاستيطاني، وهذا هو أساس السلام الذي يسعون اليه لا الذي يحترم كرامة الشعوب ويحفظ استقلالها ويحقق حريتها ووجودها خاصة بعد السيطرة على الدول المؤثرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مثل-مصر والسعودية والإمارات والأردن والمغرب والبحرين وغيرها .
الأنظمة المعارضة سيتم القضاء عليها بواسطة الحروب وتنصيب غيرها تدين بالولاء للمشروع الاستيطاني الاستعماري.
الخبير الاقتصادي الأمريكي –جيفري ساكس -صرح بأن أمريكا وضعت برنامج الحروب بواسطة المخابرات الأمريكية وبعض الدول في المنطقة تحت مسمى (خشب الجميز) عام 2011م اشعال سبع حروب في خمس سنوات في سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان- وذلك من اجل تمكين وإقامة إسرائيل الكبرى التي تشمل غزة والضفة والقدس وسيناء والأردن وأجزاء من السعودية والعراق.
اليمن تم الاستعانة بالتحالف السعودي الإماراتي ومثل ذلك في ليبيا والسودان والصومال، لان العوائد سيحصل عليها الجميع.
ما يقوله جيفري ساكس-إن هذه الحروب السبع رسم خططها-البنتاجون-وبقيت واحدة الحرب مع إيران لإثارة ذعر -نتن ياهو-يتناقض تماما مع كشفته الصحافة العالمية عن خطة الشرق الأوسط التي كشفها الصحفي اليهودي عود يدينون ونشرها 1982م وهي خطة اعدها جنرالات الجيش الإسرائيلي وأحباره نهاية الأربعينيات واهم بنودها الاتي:
1 -اضعاف الدول العربية باستغلال الاختلافات الدينية والعرقية والمذهبية والطائفية؛ وتقسيمها لاحقا إلى دول صغيرة تعتمد على إسرائيل في بقائها وشرعيتها .
2 -الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وطرد الفلسطينيين وضمهما لإسرائيل؛ وإقامة إسرائيل الكبرى التي تشمل أجزاء من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر والسعودية .
3 -استكمال خطط الاستعمار البريطاني وتطبيق نظرية فرق تسد وإنشاء دول وكيلة تنفذ السياسة الاستعمارية وفقا لاستراتيجية –حدود الدم –فكل دولة تحارب الأخرى وكانت أول ثمار الاستراتيجية اشعال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات.
4 -بلقنة الدول العربية بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية؛ ويقابله القمع الشديد لأي محاولة تمرد وإبادة مدن وقرى بأكملها وتطبيق فكرة الفوضى الخلاقة من أجل إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
هذا ابرز ما اشتملت عليه الخطة. أمريكا وحلفاؤها سيتكفلون بالدول التي لاتصل اليها إسرائيل مثل أفغانستان والعراق والصومال؛ والدول الوكيلة ستتكفل بالقريبة منها مع الاستعانة بالتحالف الأمريكي الصهيوني؛ وإسرائيل ستتكفل بالدول المجاورة لها.
كان أحد الخيارات الاستراتيجية لمواجهة التوسع السوفيتي والمد الشيوعي اتفاق الأجندات الغربية مع العربية على تشكيل جماعات جهادية لمواجهة الاحتلال السوفيتي في أفغانستان. الأنظمة البترودولارية تكفلت بالدعم المالي وغيرها تكفلت بالرجال وبعد التحرير بدأ التوجس الغربي من هؤلاء المدربين على القتال لانهم يشكلون خطرا على المشروع الاستيطاني الاستعماري اليهودي في فلسطين؛ وتحول الأمر إلى إعدام من لا يتوافقون معهم لأنهم إرهابيون يجب تصفيتهم أينما وجدوا؛ ومن تعاون معهم يمهدون لهم أسباب التدخل وشن الحروب ومصادرة قرارات البلدان تحت ذريعة التعاون في مكافحة الإرهاب وفعلا تم اغتيال كثير من الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالإرهاب لكنهم يعارضون الاستعمار والمشروع الصهيوني الاستيطاني.
العالم يعرف جيدا ان قوة كيان الاحتلال ليست ذاتية، لكنها خارجية بفعل دعم التحالف الصهيوني الصليبي (صهاينة العرب والغرب) ولذلك فقول –جيفري ساكس-واعترافه بأن إسرائيل لا تستطيع الصمود ليوم واحد في المواجهة والقتال مسألة معلومة، فقد كشف طوفان الأقصى كيف تقاطرت المساعدات العسكرية والمادية والمعنوية والاقتصادية والاستخباراتية لمواجهة مقاومة بسيطة تدافع عن نفسها وكرامتها ووجودها .
حروب التأسيس كانت بدعم وإسناد لامحدود من صهاينة العرب والغرب وحرب العاشر من رمضان، لم تتوقف الهزائم الا بعد وصول الجسور الجوية من أمريكا وغيرها ونكسة 1967م كانت كذلك أيضا والقضاء على الانتفاضات الأولى والثانية أيضا لأن الكفر والنفاق ملة واحدة لا فرق.
كيان الاحتلال والاستيطان لا يستطيع الصمود ليوم واحد، فالتحالف الصهيوني الصليبي يمده بكل (التمويلات والدعم العسكري والعمليات الاستخباراتية والدعم البحري وتوفير الذخائر) وحتى شركات التكنولوجيا تُسَخر لخدمة المشروع الإجرامي لأنها مملوكة لكبار المرابين من اليهود كما حدث في فضيحة- ميكروسوفت – وتزويدها الصهاينة بإحداثيات جرائم القتل والإبادة والتهجير القسري.
في عالم لا قيم فيه ولا مبادئ ولا أخلاق، القول الفصل فيه أولا وأخيراً للسلاح في تحديد كل الشؤون الداخلية والخارجية ومن العجيب أن يُطالب المعتدى عليه بنزع سلاحه ويتم تزويد القاتل والمجرم بكل أنواع الأسلحة، ولذلك سيظل الاستعمار يتحكم بكل خصوصيات الأمة العربية والإسلامية طالما انها لا تستطيع إنتاج بندقية أو رصاصة وكل ذلك بسبب سيطرته على الأنظمة، فهو من أوجدهم ومكنهم من رقاب شعوبهم .
باكستان كانت الاستثناء الوحيد في امتلاك سلاح الردع النووي ولم يُسمح لإيران وسُمح لكيان الاحتلال لأنهم لا يريدون قوة نووية على حدود مشروعهم الاستعماري الاستيطاني فقد دمروا كل القدرات العسكرية للوطن العربي وبتعاون وتمويل صهاينة العرب والغرب؛ واليوم يفاوضون من أجل نزع سلاح المقاومة ليكملوا جرائمهم في إبادة وتهجير الشعب الفلسطيني واستكمال إنشاء إسرائيل الكبرى.