يقول الفنان منذر رياحنة إنه في عالم السينما، حيث تتلاقى الحقيقة والخيال، وتنساب الأحلام عبر الشاشات الفضية، ظهر ما يمكن تسميته بـ “جدار الشيطان الإلكتروني”؛ جدار خفي لكنه ملموس، يحكم قبضته على عقول الجماهير كما تحكم الظلال قبضتها على الضوء. إنه ذاك الجدار الذي يُبنى ليس من الطوب أو الإسمنت، بل من الحسابات المزيفة والشائعات الرقمية، لينسج حول الأفلام والنجوم وشركات الإنتاج قوالبَ مصطنعةً من الآراء والتقييمات، التي تتغلغل في النفوس دون أن يراها أحد.

قش الأرز.. تحديا بيئيا تحول لكنز اقتصادي (فيديو) الذباب الإلكتروني: الجنود الخفية لصناعة الوهم

هناك، في الظل الرقمي الذي لا يعرف أحدٌ من يتحكم به، تتكدس مزارع الذباب الإلكتروني، ليس في الحقول أو المزارع المعهودة، بل في فضاءات لا تحدها الأسلاك أو الشاشات. إنها جيوش رقمية، وُجدت لتهيم على وجوهها بين التغريدات والمراجعات، تقلب موازين السينما، وتعصف بما تبقى من النقاء في عالم الأحلام المرئية. هذه الجيوش لا تتوقف عن النقر على الأزرار، تنسج قصصًا، تضخم نجاحًا، أو تدفن فيلمًا تحت أكوام من النقد الكاذب.

في أعماق الظل: من يكتب قصة الفيلم حقًا؟

عندما يولد فيلمٌ جديد، ويبدأ في شق طريقه نحو صالات العرض، يكون قد دخل، دون علمه، ساحة معركة خفية. ليست المعركة تلك التي نراها بين الأفلام في شباك التذاكر، بل معركة أشد غموضًا، تُخاض بين الحسابات الوهمية التي تغرق منصات التقييم والنقد. هل هو نقد صادق؟ أم وسوسة رقمية تقود المشاهدين إلى ما لا يريدون؟ هنا، لا يصبح الحكم على الفيلم بيد من يشاهدونه حقًا، بل بيد قوى خفية تدير دفّة السفينة نحو مصالحها.

إن هذا الذباب الإلكتروني لا يقف عند حد الأفلام وحدها، بل يتسلل إلى قلوب الجماهير التي تعشق نجومها وتتابع أخبارهم بشغف. بلمسة سريعة على لوحة المفاتيح، تتحول سمعة نجم إلى رماد، أو يُنفخ في نار الشهرة ليتوهج اسمه فوق الجميع. إنهم ليسوا سوى أدوات في يد هذه القوى التي تقلب الحقائق كما يقلب المخرج المشاهد.

أصوات مختنقة في بحر الضجيج: كيف يضيع الحق في تقييم السينما؟

لقد أصبح جمهور السينما، الذي كان فيما مضى يتوجه إلى قاعات العرض وهو يحمل معه حاسة فنية دقيقة، حائرًا بين أمواج من الآراء المتضاربة والمراجعات المتناقضة. مواقع التقييم التي أُنشئت لتكون مرآةً صافية تعكس الحقيقة، تحولت إلى ساحة تعج بالذباب الإلكتروني، تغمر الأفلام بمدائح زائفة أو تشوهها بنقدٍ مغرض، حتى يصبح من المستحيل أن يعرف المشاهد ما إذا كان الفيلم يستحق وقته وماله.

إن تقييم الأفلام أصبح معركة أخرى تُخاض في الخفاء، حيث تندس قوى مجهولة بين الصفوف، تلقي بآرائها المصطنعة لتصيغ مصير الفيلم. وكم من فيلم خسر جمهوره قبل أن يرى النور، وكم من فيلم سطع نجمه بفضل تلك الحسابات التي تهمس في آذان الجماهير دون أن تترك أثراً حقيقيًا.

هل من ملاذ؟ كيف نعيد للسينما نقاءها؟

إننا نقف اليوم على مفترق طرق في عالم السينما، بين الحقيقة والخيال، وبين النقاء والتزييف. لكن الملاذ لا يزال ممكنًا. قد يكون الحل في أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع منصات التقييم، أن نبحث عن الحقيقة بأنفسنا بدلًا من أن ننتظرها من ذباب إلكتروني لا نراه.

في النهاية، تبقى السينما فنًا يعيش في أرواح صانعيه، ويتنفس من خلال أعين المشاهدين الذين يؤمنون بقوة الصورة والكلمة. وما “جدار الشيطان الإلكتروني” إلا وهمٌ مؤقت، سينهار يومًا عندما تعود السينما لتكون ذلك الفن الحر الذي لا يخضع إلا لعين المشاهد وروحه الباحثة عن الحقيقة.

ختامًا: بين الظل والنور

إن معركة السينما اليوم ليست فقط معركة الأفلام الجيدة مقابل الرديئة، بل هي معركة من أجل الحقيقة في وجه التزييف الرقمي. في هذا العالم الذي تحكمه الشاشات، يمكن لذرة من ذباب إلكتروني أن تغير مصير فيلم، أو ترفع نجمًا إلى السماء أو تسقطه. لكن في النهاية، يبقى الفن الحقيقي عصيًا على التزييف، لأن الحقيقة ستجد طريقها دومًا، مهما حاولت الأيدي الخفية أن تعرقلها.

السينما، مثلها مثل أي فن آخر، يجب أن تبقى حرة، قادرة على التأثير بأصالتها، لا بما يُكتب عنها

منذر رياحنة

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: منذر رياحنة السينما فی عالم

إقرأ أيضاً:

غدا.. ندوة حول "التحديات والفرص في صناعة السينما السعودية" بمهرجان القاهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يقيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ45، في الخامسة عصر غد ، ندوة حول "التحديات والفرص في صناعة السينما السعودية"، ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما.

يتحدث خلال الندوة المخرجة هند الفهاد، والكاتب والمخرج السعودي عبد المحسن الضبعان، وأحد أبرز صناع الأفلام السعوديين أسامة الخريجي والكاتبة والمخرجة جواهر العامري، وتدير الندوة: الناقدة ماريانا هريستوفا

 

تستكشـف هـذه النـدوة التطـور سـريع الوتيـرة لصناعـة السـينما فـي المملكـة العربيـة السـعودية، وتحلـل التحديـات والفـرص المهمــة والمؤثــرة التــي تأتــي نتيجــة لنمــو وازدهــار الصناعــة فــي الســعودية.

 

فيمــا تتنــاول المناقشـة سـبل التعامـل مـع السـرديات الثقافيـة، وجهـات التمويـل، والرقابـة، وإمكانـات السـوق الدوليـة. 

تلقـي النـدوة، الضـوء علـى مبـادرات الدعـم التـي تتبناهـا الحكومـة السـعودية وكيـف تعمـل هـذه التغييـرات علـى تشـكيل مسـتقبل السـينما السـعودية، وخلـق مسـارات جديـدة لصنـاع الأفلام والسـرد السـينمائي للوصـول إلـى الجماهيـر العالميـة.

 

فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما (CID)، التي تقام في الفترة من 15 إلى 20 نوفمبر 2024، تمثل منصة حيوية تهدف إلى دعم وتعزيز مشروعات السينما، وتقديم فرص نادرة للتفاعل بين صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، وتشهد هذه الفعالية مشاركة متميزة من مخرجين، منتجين، وخبراء في مختلف جوانب الصناعة السينمائية، يجتمعون لاستكشاف أحدث الاتجاهات وتبادل الأفكار والتجارب.

 

تتضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما ورش عمل وجلسات حوارية ونقاشات تتناول تحديات واحتياجات السوق، مما يعزز من فرصة المساهمة في نمو وتطوير مشاريع سينمائية جديدة ويُعيد تأكيد مكانة مصر كمركز إقليمي للإبداع السينمائي.

مقالات مشابهة

  • ترميم 10 أفلام من كلاسيكيات السينما بمهرجان القاهرة لحماية التراث
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد زكي إمبراطور السينما المصرية الذي لا ينسى
  • قوات الاحتياط.. جدار الأمن الإسرائيلي الذي يريد أن ينقض
  • تكريم جاسبار نوي في مهرجان القاهرة السينمائي| إبداع وجرأة في عالم السينما
  • باسم سمرة: وقف الأفلام سبب تراجع السينما في مصر
  • عالم يكشف عن المخلوق الذي “سيحكم الأرض” في حال انقراض البشرية!
  • اليوم.. ندوة حول "أيام صناعة السينما للشباب" بمهرجان القاهرة السينمائي
  • مهرجان القاهرة السينمائي يُنظم ندوة «أيام صناعة السينما للشباب» غدا
  • غدا.. ندوة حول "التحديات والفرص في صناعة السينما السعودية" بمهرجان القاهرة
  • غدا.. ندوة حول "أيام صناعة السينما للشباب" بمهرجان القاهرة السينمائي