جمال قعوار.. سخر غزارة إنتاجه وجودة شعره لترسيخ هوية فلسطين
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
على ثَراها الطّيّبِ .. درجتُ طفلاً وصَبِي
نسيمُها مِن عَنبرٍ .. وتُربُها من ذَهَبِ
والخيرُ في جَلِيلِها .. مُلَوَّحٌ لِلنّقبِ
يا مَوطِناً على ثراهُ .. عاشَ جَدّي وأَبِي
تاريخُهُ أغنيّةٌ .. أَهدَت خِيارَ الكُتبِ
نَسيمُهُ من عَنبرٍ، وتُربُه من ذَهَبِ
والخيرُ في جَلِيلِهِ، مُلَوَّحٌ للنقبِ
أبيات تتحدث عن الوطن، بوصفِهِ جغرافيا الحب، وليس بوصفه السياسي كدولة.
هذا هو حال شعراء الأرض المحتلة، ومنهم شاعرنا، صاحب هذه الأبيات د. جمال قعوار.
ترجمته
هو جمال إسكندر قعوار، ولد في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1930 لعائلة مسيحية من الروم الأرثوذكس في الناصرة، التي تلقى فيها دروسه الابتدائية والإعدادية، وكذلك الثانوية التي خوّلته أن يصبح معلماً للغة العربية في حيفا. وهناك درس في جامعة حيفا، وحصل على شهادته الجامعية في اللغة العربية وآدابها والتربية، وارتقى في التعليم كمدرّسٍ للغة العربية فيها. وما لبث أن تسجّل في الجامعة العبرية في القدس وحصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية. ولم يتوقف هنا، بل التحق بجامعة تل أبيب وحصل على شهادة الدكتوراه وكانت أطروحته عن "إعراب القرآن وعلاقته بعلمي التفسير والنحو".
هو مثال الشاعر المثقف والمتعلم المعلم المحترف، من أغزر الشعراء إنتاجاً وأجودهم شعراً. عزّز الموهبة بالعلم (دكتوراه في الأدب العربي)، وجاء إلى الشعر من عالم النقد، فجعل من نفسه رقيباً على جودة شعره. فكان مُكثراً مُجيداً في الشعر، فامتاز بمتانة الأسلوب، وميل لالتزام العمود الشعري، وإن كان قد تحرر قليلاً في شعره في إطار شعر التفعيلة، واستخدم السرد القصصي في بعض قصائده، مما حافظ على وحدتها الموضوعية مهما طالت القصيدة.
لم يكن ينقصه إلا أن يكون من "شلّة" شعراء اليسار، الذين واكب حركتهم الشعرية منذ صدور أول ديوان له عام 1956 بعنوان "سلمى". وعدم وجوده في هذه المجموعة جعله بعيداً عن قوّة الإعلام وسخونة الأحداث (النضال). فلم يحظَ ببريقهم وحراكهم وثوريتهم. رغم ذلك كان رئيس رابطة الكتاب الفلسطينيين في "إسرائيل"، وعضو جمعية الصوت لتعميق الوعي الفلسطيني، وجمعية تطوير الثقافة والتعليم، وجمعية أنصار السجين.
عمل في الصحافة وشغل منصب رئيس تحرير مجلة المواكب الثقافية، وكتب الكثير من المقالات في اللغة والأدب والنقد، كما كتب الأناشيد وقصص الأطفال.
توفي جمال قعوار في مسقط رأسه الناصرة 24 حزيران/ يونيو 2013 عن عمر 82 عاماً، وشُيع جثمانه فيها من كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس ودفن في مقبرة الروم.
من دواوينه الشعرية:
ـ سلمى، 1956.
ـ أغنيات من الجليل، 1958.
ـ الريح والشراع، 1973.
ـ غبار السفر، 1973.
ـ أقمار في دروب الليل، 1979.
ـ الريح والجدار، 1979.
ـ الجدار، 1981.
ـ ليلى المريضة، 1981.
ـ بيروت، 1982.
ـ أيلول، 1985.
ـ زينب، 1989.
ـ الترياق، 1990.
ـ بريق السواد، 1992.
ـ لا تحزني، 1994.
ـ لوحات غنائية، 1995.
ـ مواسم الذكرى، 1996.
ـ شجون الوجيب، 1998.
ـ قصائد من مسيرة العشق، 2000.
ـ عبير الدماء، 2001.
ـ في مواسم الضياع، 2002.
من كتبه:
ـ إعراب القرآن الكريم، 1987.
ـ عبير الياسمين، رواية، 1990.
ـ نحو فهم النحو، 1994.
نماذج من شعره
ما أجملك !
أكلّ هذا الحسن لك؟
وكل أحلام الهوى..
ترنو إلى هذا الفلك!
يا حلوُ هَبْ وجه القمر
أتعبه الليل وأضناه السهر
هَبِ الزهور اختنقت
وأسقم الخريف أوراق الشجر
فما الضرر
وحسنك السنا الذي يضيء
أطباق الحلَكْ
أمضي فلا أتبعُ إلا مشعلَكْ
وما طويتُ أملي
إلا لأرعى أملَكْ
إن غرَّد الطير فلا
أسمع إلا بلبُلَكْ
ومن بيوت الحيّ
لا أعرف إلا منزلك
أشتاق أن أراك
أن ألقاك
أن أقبّلكْ
يا حلو
هب عاد الربيع والقمرْ
وعادت الطيور..
تشدو فوق أغصان الشّجرْ
وعاد يحلو في الربوع
موسم السهر
فما الخطر
وأنت فتنتي فلا
أبغي حبيباً بدَّلَك
أسرتَ قلبي وسوى
دربِ هواك ما سلك
ظمآن لا يقصد إلا منهلك
فكل هذا الحسن لك
وكل أحلام الهوى
ترنو إلى هذا الفلك
ما أجملك !
قصيدة: الحب والحجارة
الحب مدفون بقلبي لا أوزعه
ما في بساط الجدب
سوسنةٌ
تصون عهود حبي
لا، وتمنعني الكرامة من مغازلة
الصبايا العارضات جسومهنَّ
لكل صيادٍ تسلّح بالحرابْ
وبالسراب..
لكي يسدَّ عليّ ما مهدتُهُ
من خطوِ دربي
أعشى (مسيلمة) العيون
وليس في داري أبو بكر
وسيف الله لم يزحف إلى
أرض اليمامة كي يرد السادريّ
فيرعَوي أهل اليمامة.
الحمد لك
ما أعدلك
ماذا لدى الأقصى
لدى مسرى الرسول
لدى القيامة؟
أخـتـاه
صِدْق القول يغضب
فلنقل هجراً
ونبكي ميِّتَ الأحياء
في كل العواصم
ونعود نضحك في زمان القهر
في كل المواسم
بيروت لم تُطِقِ اللظى
والنسر لم يفتأ يُحلِّقُ..
ليس تخذلُهُ الخوافي والقوادم
يا نسر!
فاستجلِ الذُّرى
ودعِ الأباطحَ للحمائمْ
فبِقدرِ أهلِ العزمِ
يا نسر الذرى
تأتي العزائم
قلبي على طفل
تعاوره الجنودُ..
بكل أحذية الجنود
قلبي على شيخ
أحاطوا بيته بالغاز
فاختنق الضحى
وذوت على الأعواد
أنفاس الورود
قلبي على حبلى على الطرقات
أجهضها الغزاة
وما يمارسه الغزاة من الجرائم
والفظائع
تلك الطبائع
لا يعود الوحش عن تلك الطبائع
وشريعة الغاب
التي تختال ما بين الشرائع
سجدوا لها
فتجبّرت وتجاوزَتْ كل الحدود
وبنودها تعلو على كل البنود
هذا زمان الإفكِ..
أو زمن الدعارة
دارت بنا الأيام..
تمنعنا الطفولة والبطولة
حتى بلغنا عصر خصيانٍ
لدى أهوائهم
فقدوا الرجولة
*شاعر وناقد فلسطيني
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير شاعر الفلسطينيين مسيرة فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إنقاذ لغتنا العربية.. لمسايرة طرق التدريس العالمي
نحن في مرحلة تستدعي استنفار كل طاقتنا الإبداعية لمسايرة طرق التدريس العالمي
لا شكّ بأنّ اللّغة العربيّة تمثّل الكرامة الوطنيّة ورمز شرفها لكلّ بلداننا العربيّة، وهي المعبّرة عن قيمنا وثقافتنا وتميّزنا التاريخي، والحفاظ على اللّغة العربية قيمة إسلاميّة وفريضة وطنيّة وترسيخ لهويتنا وجذورنا الحضاريّة. ومن الصفات المذهلة للغتنا العربية أنّها ترفع من القيم المثلى والمروءة والنخوة والنجدة والفروسية. قلّما لغة تهب تلك الأخلاق النادرة، ولا بد من غرس المفاهيم الصحيحة عن اللغة العربية في نفوس أبناء عصرنا. قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- "تعلّموا العربية فإنها تُثبتُ العقل وتزيد في المروءة".مفهوم البرّ باللّغة العربية هو الانتصار لقيم الحضارة والإبداع والمواطنة الحقّة، فالوطن له مفردات قيّمة من ضمنها: الأصالة العراقة التاريخ الجذور، وكل هذه المآثر في لغتنا العربيّة، هذه اللّغة بكل هذه الإمكانيّات قادرة على خلق حسّ وطنيّ ناضج للأمّة، فمثلًا طريقة تناولنا للدين وفهمنا للتديّن ومدى تعاطينا مع التراث ورموزه.. الخ، وما تخاذل قوم عن تمكين لغتهم إلا حلّت عليهم الذلة والمهانة والمسكنة.
إنّ ادّعاء التمسّك بالكرامة الوطنية والابتعاد عن إحياء اللغة العربية كلغة للعلم والمعرفة، يعدّ ازدواجيّة عميقة في المعايير، ومازال الفكر العربي تتراكم عليه كلّ القضايا الشائكة والملتبسة والدخيلة، التي تتطلّب رؤى آنيّة ومستقبليّة لفهمها وتفكيكها وطرح حلول ناجعة بما يتناسب والتطلعات الفكريّة والثقافية لأمّتنا؛ ولأنّ اللغة ظاهرة عقليّة وذهنيّة وحضارية بحتة، فلا بدّ من علاج الذائقة العربية من الخلل الذي طرأ عليها، وإنقاذ الهويّة الوطنيّة، وحفظ ماء الوجه الذى يراق من قبل بعض -المستعربين- إن صحّت التسمية الذين يحاولون طمس هذه اللّغة التعبديّة الربّانيّة التي بها نقترّب إلى الله، فقد بتنا لا نعلم هل نحافظ على لغتنا ممّا يتهددها من سيطرة العولمة، والتغريب الفكري، أم من ظلم أبنائها وعقوقهم ؟!! وهو حال يدفع إلى أن نقيم على هؤلاء الرافضين للغتهم مأتمًا وعويلًا.
فمن المؤلم أن يستخدم كثير من أبناء الوطن العربي للغات أخرى-الإنغليزية- للتعبير عن أنفسهم، أو كتابة التقارير والبحوث، وعزو ذلك لوضوح اللغة الأجنبية وسهولة التعبير والاتصال بها، والمرونة في التلقي والتعاطي معها، لأنها حيويّة وعمليّة.
إنّ الكارثة عندما تشعر بأنّ الأجيال لا تستطيع أن تعبّر بلغتها العربيّة عمّا يعتلج في صدرها من أتراح وأفراح، وعدم قدرتها على انتقاء الألفاظ المناسبة والمعبّرة عن هذه الأفكار، وهو ما يشكل واقعاً فرض نفسه، يجب العمل على تغييره من خلال مشروع تربوي فعّال يردم هذه الفجوة التي ما فتئت تتسع، الله وعد بحفظ هذه اللغة، ودورنا محصور بأن نجعلها تتمدّد وتتوسع، بل أن نجعل لغتنا الأصيلة حيّة نابضة تتناسب مع كلّ الحقب والأجيال، وإلا كيف تصبح لغة المستقبل؟
نحن في مرحلة تستدعي استنفار كل طاقتنا الإبداعية لمسايرة طرق التدريس العالمي، والمطلب الملحّ هو الحاجة إلى الأدوات والوسائل، والاستفادة القصوى من كلّ الطاقات الخارجيّة وخبراء اللغة في حلّ مشكلة شكاوى الطلاب والآباء من صعوبة منهج النحو والإعراب وتعجيز قواعده وقوانينه، ولا بدّ من المواجهة والاعتراف بالفشل الذريع الذي هو نصف الحل، ولن نستطيع أن نحبّب المادّة للطلاب لأنّ المتزمّتين من مشرفي اللغة العربية يضيفون عبئاً إلى آليات التدريس من خلال صعوبة طرح المادة اللغوية، وأتمنى عرض هذه الإشكالية على الكوادر والخبراء المتخصصين الأكاديميين، والتعاطي الصحيح مع منهج اللغة العربية، لأنهم أقدر منّا على حلّ هذه الإشكالية، ولا مجال للتأخير أكثر من ذلك، لأنّ هناك داءً بدأ يتسلّل إلينا ألا وهو اختلال الذائقة العربية، وعدم استشفاف المعاني الملهمة، ومن ثمّ نهج غير سوي في التفكير، واعوجاج في الممارسة والسلوك!!