على ثَراها الطّيّبِ ..  درجتُ طفلاً وصَبِي
نسيمُها مِن عَنبرٍ .. وتُربُها من ذَهَبِ
والخيرُ في جَلِيلِها .. مُلَوَّحٌ لِلنّقبِ
يا مَوطِناً على ثراهُ .. عاشَ جَدّي وأَبِي
تاريخُهُ أغنيّةٌ .. أَهدَت خِيارَ الكُتبِ
نَسيمُهُ من عَنبرٍ، وتُربُه من ذَهَبِ
والخيرُ في جَلِيلِهِ، مُلَوَّحٌ للنقبِ


أبيات تتحدث عن الوطن، بوصفِهِ جغرافيا الحب، وليس بوصفه السياسي كدولة.

. هذه هي حدود الشعراء من فلسطينيي 48، معادلة صعبة: أرضٌ جميلة ودافئة، لكنها سليبة.. وسالبُها سجانُها.. فكيف يمكن أن يتحدث شاعرٌ عن وطن سياسي أجبرتكَ عليه جغرافيا الحب، إلى درجة أن يُكتبَ عنك أنه شاعر "عربي إسرائيلي".. يا لبشاعة التناقض في التعبير!

هذا هو حال شعراء الأرض المحتلة، ومنهم شاعرنا، صاحب هذه الأبيات د. جمال قعوار.

ترجمته

هو جمال إسكندر قعوار، ولد في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1930 لعائلة مسيحية من الروم الأرثوذكس في الناصرة، التي تلقى فيها دروسه الابتدائية والإعدادية، وكذلك الثانوية التي خوّلته أن يصبح معلماً للغة العربية في حيفا. وهناك درس في جامعة حيفا، وحصل على شهادته الجامعية في اللغة العربية وآدابها والتربية، وارتقى في التعليم كمدرّسٍ للغة العربية فيها. وما لبث أن تسجّل في الجامعة العبرية في القدس وحصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية. ولم يتوقف هنا، بل التحق بجامعة تل أبيب وحصل على شهادة الدكتوراه وكانت أطروحته عن "إعراب القرآن وعلاقته بعلمي التفسير والنحو".

هو مثال الشاعر المثقف والمتعلم المعلم المحترف، من أغزر الشعراء إنتاجاً وأجودهم شعراً. عزّز الموهبة بالعلم (دكتوراه في الأدب العربي)، وجاء إلى الشعر من عالم النقد، فجعل من نفسه رقيباً على جودة شعره. فكان مُكثراً مُجيداً في الشعر، فامتاز بمتانة الأسلوب، وميل لالتزام العمود الشعري، وإن كان قد تحرر قليلاً في شعره في إطار شعر التفعيلة، واستخدم السرد القصصي في بعض قصائده، مما حافظ على وحدتها الموضوعية مهما طالت القصيدة.

لم يكن ينقصه إلا أن يكون من "شلّة" شعراء اليسار، الذين واكب حركتهم الشعرية منذ صدور أول ديوان له عام 1956 بعنوان "سلمى". وعدم وجوده في هذه المجموعة جعله بعيداً عن قوّة الإعلام وسخونة الأحداث (النضال). فلم يحظَ ببريقهم وحراكهم وثوريتهم. رغم ذلك كان رئيس رابطة الكتاب الفلسطينيين في "إسرائيل"، وعضو جمعية الصوت لتعميق الوعي الفلسطيني، وجمعية تطوير الثقافة والتعليم، وجمعية أنصار السجين.



عمل في الصحافة وشغل منصب رئيس تحرير مجلة المواكب الثقافية، وكتب الكثير من المقالات في اللغة والأدب والنقد، كما كتب الأناشيد وقصص الأطفال.

توفي جمال قعوار في مسقط رأسه الناصرة 24 حزيران/ يونيو 2013 عن عمر 82 عاماً،  وشُيع جثمانه فيها من كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس ودفن في مقبرة الروم.

من دواوينه الشعرية:

ـ سلمى، 1956.
ـ أغنيات من الجليل، 1958.
ـ الريح والشراع، 1973.
ـ غبار السفر، 1973.
ـ أقمار في دروب الليل، 1979.
ـ الريح والجدار، 1979.
ـ الجدار، 1981.
ـ ليلى المريضة، 1981.
ـ بيروت، 1982.
ـ أيلول، 1985.
ـ زينب، 1989.
ـ الترياق، 1990.
ـ بريق السواد، 1992.
ـ لا تحزني، 1994.
ـ لوحات غنائية، 1995.
ـ مواسم الذكرى، 1996.
ـ شجون الوجيب، 1998.
ـ قصائد من مسيرة العشق، 2000.
ـ عبير الدماء، 2001.
ـ في مواسم الضياع، 2002.

من كتبه:

ـ إعراب القرآن الكريم، 1987.
ـ عبير الياسمين، رواية، 1990.
ـ نحو فهم النحو، 1994.

نماذج من شعره

ما أجملك !
أكلّ هذا الحسن لك؟
وكل أحلام الهوى..
ترنو إلى هذا الفلك!
يا حلوُ هَبْ وجه القمر
أتعبه الليل وأضناه السهر
هَبِ الزهور اختنقت
وأسقم الخريف أوراق الشجر
فما الضرر
وحسنك السنا الذي يضيء
أطباق الحلَكْ
أمضي فلا أتبعُ إلا مشعلَكْ
وما طويتُ أملي
إلا لأرعى أملَكْ
إن غرَّد الطير فلا
أسمع إلا بلبُلَكْ
ومن بيوت الحيّ
لا أعرف إلا منزلك
أشتاق أن أراك
أن ألقاك
أن أقبّلكْ
يا حلو

هب عاد الربيع والقمرْ
وعادت الطيور..
تشدو فوق أغصان الشّجرْ
وعاد يحلو في الربوع
موسم السهر
فما الخطر
وأنت فتنتي فلا
أبغي حبيباً بدَّلَك
أسرتَ قلبي وسوى
دربِ هواك ما سلك
ظمآن لا يقصد إلا منهلك
فكل هذا الحسن لك
وكل أحلام الهوى
ترنو إلى هذا الفلك
ما أجملك !

قصيدة: الحب والحجارة

الحب مدفون بقلبي لا أوزعه
ما في بساط الجدب
سوسنةٌ
تصون عهود حبي
لا، وتمنعني الكرامة من مغازلة
الصبايا العارضات جسومهنَّ
لكل صيادٍ تسلّح بالحرابْ
وبالسراب..
لكي يسدَّ عليّ ما مهدتُهُ
من خطوِ دربي
أعشى (مسيلمة) العيون
وليس في داري أبو بكر
وسيف الله لم يزحف إلى
أرض اليمامة كي يرد السادريّ
فيرعَوي أهل اليمامة.
الحمد لك
ما أعدلك
ماذا لدى الأقصى
لدى مسرى الرسول
لدى القيامة؟
أخـتـاه
صِدْق القول يغضب
فلنقل هجراً
ونبكي ميِّتَ الأحياء
في كل العواصم
ونعود نضحك في زمان القهر
في كل المواسم
بيروت لم تُطِقِ اللظى
والنسر لم يفتأ يُحلِّقُ..
ليس تخذلُهُ الخوافي والقوادم
يا نسر!
فاستجلِ الذُّرى
ودعِ الأباطحَ للحمائمْ
فبِقدرِ أهلِ العزمِ
يا نسر الذرى
تأتي العزائم
قلبي على طفل
تعاوره الجنودُ..
بكل أحذية الجنود
قلبي على شيخ
أحاطوا بيته بالغاز
فاختنق الضحى
وذوت على الأعواد
أنفاس الورود
قلبي على حبلى على الطرقات
أجهضها الغزاة
وما يمارسه الغزاة من الجرائم
والفظائع
تلك الطبائع
لا يعود الوحش عن تلك الطبائع
وشريعة الغاب
التي تختال ما بين الشرائع
سجدوا لها
فتجبّرت وتجاوزَتْ كل الحدود
وبنودها تعلو على كل البنود
هذا زمان الإفكِ..
أو زمن الدعارة
دارت بنا الأيام..
تمنعنا الطفولة والبطولة
حتى بلغنا عصر خصيانٍ
لدى أهوائهم
فقدوا الرجولة

*شاعر وناقد فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير شاعر الفلسطينيين مسيرة فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

عبدالحميد مدكور: العربية ظلت بفضل القرآن لغةً حيةً قادرةً على استيعاب كل جديد مع الحفاظ على رصانتها

نظم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة بعنوان "البلاغة القرآنية.. الإعجاز ورد الشبهات"، شارك فيها كل من فضيلة الأستاذ الدكتور محمود توفيق سعد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، والدكتور عبدالحميد مدكور، أمين عام مجمع اللغة العربية، وأدارها الإعلامي عاصم بكري، وسط حضور لافت من رواد المعرض.


أكد الدكتور محمود توفيق سعد، أن معجزة القرآن الكريم تختلف جوهريًّا عن معجزات الرسل السابقين، التي اقتصرت على أحداث حسية مؤقتة، بينما جاء القرآن معجزةً علميةً معنويةً خالدةً، تُدرك بالبصيرة لا البصر، قائلاً: "من تشريف الله لهذه الأمة أن جعل معجزة نبيها كتابًا باقيًا إلى قيام الساعة، يُؤخذ علمه بالتفكر والتدبر، لا بمجرد المشاهدة".  

وأوضح أن العرب – وهم أهل الفصاحة – كانوا الأقدر على إدراك بلاغة القرآن، الذي نزل بلغتهم في عصر ذروة بيانهم، مشيرًا إلى أن دراسة بلاغة القرآن تنقسم إلى نوعين: دراسة للاقتناع بأنه كلام الله، ودراسة بعد الإيمان به لاستشراف معانيه والترقي في مدارج الإيمان، التي تبدأ بــ"الذين آمنوا" وتصل إلى "المؤمنين" عبر الجهاد الروحي والعلمي.

 
من جانبه، سلّط الدكتور عبدالحميد مدكور الضوء على العلاقة الفريدة بين القرآن واللغة العربية، مؤكدًا أن الله أعدَّ العربية عبر عدة قرون لتكون قادرةً على حمل أعظم النصوص بلاغةً وعمقًا، قائلاً: "تهيأت اللغة بثرائها ومرونتها عبر العصور لتعبِّر بدقة عن مكنونات النفس الإنسانية وجمال الكون، وتحمل أنوار القرآن التي لا تُسعها لغة أخرى".  

دعاء للميت مكتوب في آخر رجب.. أفضل هدية للمتوفى يُنير قبره ويدخله الجنةدعاء النبي آخر يوم في شهر رجب.. ردده حتى الغروب يُفرج الكروب ويرزقك من حيث لا تحتسب
وأشار أمين مجمع اللغة العربية إلى أن العربية ظلت – بفضل القرآن – لغةً حيةً قادرةً على استيعاب كل جديد، مع الحفاظ على رصانتها، ما يجعلها جسرًا بين الأصالة والمعاصرة، ووعاءً لحضارة إسلامية امتدت لأكثر من ألف عام.


ويشارك الأزهر الشريف – للعام التاسع على التوالي – بجناح خاص في الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ضمن قاعة التراث رقم (4)، على مساحة ألف متر، تشمل أقسامًا متنوعة: قاعة ندوات، ركن للفتوى، ركن الخط العربي، وآخر للمخطوطات النادرة وورش عمل للأطفال، في إطار استراتيجيته لنشر الفكر الوسطي وتعزيز الحوار الحضاري.

مقالات مشابهة

  • غربة اللغة العربية
  • وهب روميًة.. رحيل هادئ لأديب أثرى اللغة العربية
  • "أبوظبي للغة العربية" يكرّم الفائزين بـ "أصدقاء اللغة"
  • زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
  • “تبسيط اللغة العربية” دورة تدريبية لأبناء الصحفيين
  • التدريب والبحوث بـ الصحفيين: تبسيط اللغة العربية لأبناء المهنة
  • عبدالحميد مدكور: العربية ظلت بفضل القرآن لغةً حيةً قادرةً على استيعاب كل جديد مع الحفاظ على رصانتها
  • مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»
  • عضو «كبار العلماء»: اللغة العربية تهيأت على مدى قرون لتحمل أنوار القرآن
  • الدكتور جمال شقرة: الصهاينة وراء تغيير الوضع الديموغرافي في فلسطين|فيديو