ليس من السهل صنع التاريخ حين يكون قدر الجغرافيا ضاغطاً كما في حال قطاع غزة. لكن عملية "طوفان الأقصى" على يد "حماس" يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 دخلت التاريخ، بصرف النظر عن لعبة الجغرافيا والصراع الجيوسياسي والاستراتيجي. وليس مصرع يحيى السنوار، وقبله محمد الضيف، وعدد كبير من قادة حماس العسكريين سوى فصل في تراجيديا فلسطينية طويلة كانت ولا تزال محل توظيف من قوى إقليمية ودولية عدة.
أما الرؤى، فإنها كانت بطبائع الأمور متناقضة منذ البدء. وأما الاحتكام إلى الوقائع، وهو البرهان الحاسم في الخلاف بين المواقف، فإنه لم يبدل شيئاً في اليقين الأيديولوجي لدى المختلفين. فضلاً عن أن الوقائع لم تكتمل بعد في المتاريس، ولا قادت إلى صورة كاملة في الكواليس للمتغيرات، فالتطورات في سيولة شديدة، والرهانات لدى أطراف الصراع بقيت كبيرة على رغم ما حدث في الميدان.
ذلك أن "محور المقاومة" بقيادة إيران استخدم الدهاء في لعبة مزدوجة، أوحى، من جهة، أنه فوجئ بالعملية، وفتح، من جهة أخرى، عبر حزب الله يوم الثامن من أكتوبر حرب "إسناد" لحركة حماس في حرب غزة. ثم جاء التدرج في "الإسناد" ضمن "وحدة الساحات" حيث حزب الله هو القائد والوكيل الإقليمي للجمهورية الإسلامية.
وأقل ما سجّله "محور المقاومة" على الفور من مكاسب "طوفان الأقصى" هو أربعة أمور. أولها قطع المسار "الإبراهيمي" نحو التطبيع مع إسرائيل. وثانيها إعادة الاعتبار إلى تحرير فلسطين بالمقاومة من البحر إلى النهر بعد عقود من التسويات السياسية بدأها الرئيس أنور السادات في زيارة القدس، ثم التوصل إلى معاهدة السلام في كامب ديفيد. وثالثها تقدم الدور الإيراني في الصراع مع إسرائيل كما في النفوذ الإقليمي والتفاوض مع "الشيطان الأكبر" إلى كونه الدور الوحيد المقابل إلى طاولة المفاوضات بعد الحرب. ورابعها هز سمعة الجيش الإسرائيلي وكشف نقاط الضعف وإنهاء أسطورة الجيش "الذي لا يقهر".
كذلك وجدت حكومة بنيامين نتانياهو، فرصة سانحة أمامها، وسط خطر كبير، لتصفية الحسابات مع حماس، وحزب الله، وحشر إيران في موقف صعب لدفعها إلى الانخراط المباشر في المواجهة مع إسرائيل بما يجبر أمريكا على الدخول المباشر في المواجهة لحماية الدولة العبرية. وهذا أكثر ما تريد طهران تجنبه خوفاً على نظامها أو على برنامجها النووي. وهي دمرت قطاع غزة وقتلت قادة في حماس، من دون أن تحقق هدف "القضاء على حماس" وترتيب حكم غزة في اليوم التالي.
وهذا ما أرادته أمريكا بصرف النظر عن الخلاف أحياناً في الأداء العسكري مع إسرائيل وسط تكرار التزامها بالدفاع عن حليفتها الصعبة والمزعجة والتي تؤذي المصالح الأمريكية أحياناً. وخلف أمريكا مشت أوروبا، وإن رفعت الصوت في انتقاد بعض المواقف والرفض لإيذاء المدنيين و"الإبادة الجماعية".
لكن السؤال الذي طرحه كثير من المحللين والمفكرين وحتى من المتعاطفين مع قضية فلسطين هو: هل كانت قيادة حماس بارعة في الحسابات السياسية والعسكرية، أم أنها ذهبت في مغامرة مغرية بسبب سوء التقدير؟ هل أرادت هذه القيادة، وهي تكسر باب "غلاف غزة" وتصدم الإسرائيليين وتزلزل سمعة الجيش الإسرائيلي، أن تحرج إيران والعرب بالدعوات إلى "فتح كل الجبهات" لخوض معركة لا بد منها على الطريق إلى تحرير فلسطين أم أنها كانت ضحية توريط في حرب تخدم المركز القيادي لـ"محور المقاومة"؟ وهل كانت حرب "الإسناد" قرار حزب الله، وإصراره على الاستمرار فيها على مدى عام أم قرار إيران في الإفادة من حرب تحت سقف مخفوض وأزمات وفوضى تخدم دورها؟
الأجوبة متعددة بالطبع. لكن الجواب الواقعي ملموس. حكومة تتانياهو ذهبت في التصعيد إلى النهاية في غزة ثم في لبنان، حيث تحولت حرب "الإسناد" إلى حرب كاملة الأوصاف بلا ضوابط ولا خطوط حمر. وما كان في حسابات حماس، وحزب الله، فصلاً في حرب لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر صار "حرب إلغاء" إسرائيلية لـ"حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله"، بصرف النظر عن استحالة إلغاء فكرة ولو جرى قتل القادة وتدمير جزء مهم من القدرة العسكرية. وليس أمراً قليل الدلالات أن يكون المطلب الملح في غزة ولبنان، هو وقف النار من دون تعديل في المواقف والمواقع، وهو عكس ما تطلبه أمريكا وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، تحدثت مجلة "إيكونوميست" البريطانية عن "غلطة كبيرة "لقيادة حماس"، إذ "أرادت حرباً زلزالية تعيد تشكيل الشرق الأوسط، لكن الأمور سارت عكس الخطة. غزة مدمرة، حماس مسحوقة، حزب الله فقد قائده وقادته العسكريين وسمعته في الجدارة، إيران تشعر أنها قابلة للعطب. لا حكومة عربية سقطت ولا حكومة مطبعة مع إسرائيل قطعت العلاقات معها". لكن الواقع هو أن "التاريخ للحروب وليس السلام تاريخاً"، كما قال هيغل.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة إيران وإسرائيل مع إسرائیل حزب الله
إقرأ أيضاً:
معاريف: هل تقدم إسرائيل على منع جنازة نصر الله ببيروت؟
طرح كاتب إسرائيلي، تساؤلات بشأن طريقة تعامل الاحتلال، مع جنازة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وما إذا كان سيعطلها كما يفعل في الضفة الغربية حتى لا يمنح استعراض القوة.
وقال آفي أشكنازي، بمقال في صحيفة معاريف العبرية، "لمدة نصف عام، تجنب حزب الله تنظيم مراسم جنازة زعيمه السابق حسن نصرالله، الذي قتل في غارة جوية دقيقة نفذها الجيش الإسرائيلي على المخبأ الذي كان فيه في بيروت".
ولفت إلى أن حزب الله على الأرجح، يخشى من أن الجيش "قد يحاول استهداف بعض المشاركين في الجنازات، ومن بين ما يتذكره حزب الله هو أن بعض من مقاره تعرضت لهجمات بعد يوم واحد من هجوم البيجرات، عندما شاركت أجهزة الاتصال الخاصة بمسلحي حزب الله في جنازات أعضاء المنظمة الذين ُتلوا في اليوم السابق أيضا في عملية البيجرات".
وأضاف: "الأسئلة التي تشغل اللبنانيين حاليا هي ما إذا كانت جنازة حسن نصرالله ستعامل مثل الجنازات في الضفة الغربية، وإذا كان حزب الله سيحاول تحويل جنازته إلى عرض قوة بعد الحرب".
وكان حزب الله أعلن عن تنظيمه جنازة حاشدة لأمينه العام الراحل حسن نصر الله، في الضاحية الجنوبية من بيروت، والتي قام بتأجيلها لحين انتهاء العدوان على لبنان.
وستجري الجنازة، في 23 شباط/فبراير في تمام الواحدة ظهرا بتوقيت بيروت، بالضاحية الجنوبية، وأعلنت هيئة الطيران المدني اللبنانية أن مطار رفيق حريري الدولي في بيروت سيغلق لمدة أربع ساعات يوم الأحد خلال الجنازة.
وقالت السلطة في بيان بثته وسائل الإعلام الرسمية يوم الثلاثاء "سيتم إغلاق المطار، وإقلاع الهبوط والهبوط سيتم إيقافه في 23 فبراير 2025، من الساعة 12:00 ظهرا إلى الساعة 4:00 مساء".
وستشمل سلسلة الجنازات خطابا للأمين العام الحالي نعيم قاسم، قبل أن يستمر في موكب إلى مقبرة نصر الله.
وفي طهران أكدت إيران أنها سترسل وفدا رفيع المستوى إلى جنازة نصر الله في نهاية هذا الأسبوع رغم الأجواء التي طغى عليها حظر على طائرات الركاب الإيرانية التي تطير إلى لبنان.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل باغاي في مؤتمر صحفي يوم الاثنين إن جنازة نصر الله ستكون مهمة.