في الحرب العالمية الصهيونية على أبطال المقاومة، لا يوجد فقط، كما عهدنا سابقا أو كما يبدو في الصورة الخارجية، عدوٌّ بأذنابه يبيد ما يدبّ في الأرض، ومقاومة فريدة وحيدة، تفتّت الصخر، وإنما هناك شعب صامت، وخاصة جيش كبير من الشامتين، الذين يترصدون الأخبار مثل “نساء صقلية”، ينتظرون أخبارا، تثلج صدورهم، خاصة إذا تعلّق الأمر، باستشهاد أحد أبطال المقاومة.
وإذا كان التعريف اللغوي العريق للشماتة، قد ربط هذه الخصلة المنبوذة بالجُبن، فقد قيل دائما إن الفارس المغوار لا يشمت في ضحيته عندما يجهز عليها، بل إن أكبر الجبابرة والظالمين في العالم ما كانوا يشمتون في ضحاياهم من الأبرياء، كما يفعل حاليا الكثيرون من المحسوبين علينا، فيستكثرون على هؤلاء الأبطال أن نترحم عليهم، وبقدرة قادر يتحوّلون إلى علماء فقه، يعلكون فتاوى عُجنت في مخابر بني صهيون.
لم يطلب يحيى السنوار في حياته المساعدة من أحد ولم يقل أبدا إنه وحده على حق
لم يطلب يحيى السنوار في حياته المساعدة من أحد، ولم يقل أبدا إنه وحده على حق، فقد عاش سنوات طويلة في السجون الصهيونية، ولم يقل فيه أيّ عالم كلمة حق، وعندما خرج من السجن راح يجتهد بمفرده بعيدا عن مغريات الحياة، ليحارب وحده من يريدون هدم بيت المقدس، واستعمار بلاد العرب والمسلمين، وحتى عندما استُشهد لا أحد تركه يهنأ في مثواه.
كانت الأمة مصابة بوباء ابتعاد الناس عن الجهاد المفروض على كل مسلم ومسلمة دفاعا عن الأرض والعرض، ولكن مصابها الآن جلل، بعد أن ظهر أناس من شيوخ وقادة وعامة الشعب، يُكفّرون المجاهدين، وإذا استُشهدوا يشمتون فيهم ويلعنونهم ويحرّمون الصلاة على أرواحهم، والترحُّم عليهم، حتى صار في الأمة دينان، لا يلتقيان، أو أمتان على خطين متوازيين.
أيّ بؤس هذا الذي وصلنا إليه، فقد عاشت الأمة الإسلامية الفتن، منذ ما بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، إلى سقوط بلدان الإسلام بين أنياب الاستعمار، ولكن الأمور لم تصل قطّ إلى هذا الحد الذي صرنا نجد فيه مشاعر محسوبين على الإسلام ومنهم دعاة وأئمة، مختلطة بمشاعر الصهاينة، يلتقيان على فرح واحد وفي قرح واحد، ويضيفون على فرحته، شماتة، وعلى قرحهم، نحيبا.
أي بؤس هذا الذي تحوّل فيه إتيان الشر، من السر إلى الجهر، ولبس ثوب الدين بعد السياسة، فقد كان بعض الشيوخ يخوضون في أحكام الطلاق وحرمة لبس الذهب للرجال، كلما اندلعت حرب بين المقاومة والصهاينة، ولكنهم هذه المرة صاروا يُخرجون كل كتب الدين، ويجتهدون بتكفير أبطال المقاومة، وكان الدور هذه المرة على رجل لا يعرفهم، عاش لأجل الأقصى، ومات في ساح المعركة، كما استُشهد مصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب وعمر المختار والعربي بن مهيدي والشيخ ياسين…
للأسف، صدق بايدن هذه المرة، عندما قال: “إن تصفية يحيى السنوار، تمثّل يوما جيدا لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم”، فهو يعني “أناسا” بأعينهم، بكلمة العالم.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة حماس غزة الاحتلال المقاومة استشهاد السنوار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
المأزق الإسرائيلي / سوسن كعوش
#المأزق_الإسرائيلي
#سوسن_كعوش
صحفية فلسطينية مقيمة في لينان
أجبر طوفان السابع من أكتوبر/تشرين الأول العديد من الإسرائيليين على مغادرة منازلهم في الجنوب بالقرب من حدود غزة. كما أدى إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بشكل شبه مستمر في شمال الكيان المغتصب من قِبَل حزب الله إلى نزوح عشرات الآلاف. ويعيش الآن ما مجموعه أكثر 250 ألف إسرائيلي بعيداً عن منازلهم، إما في فنادق تدفع الحكومة تكاليفها أو مع عائلاتهم. ويشكل منح هؤلاء الناس الثقة بالعودة إلى منازلهم أولوية للحكومة الإسرائيلية، وتحدياً لقدرة رئيس وزراء الكيان الوفاء بوعوده المتكررة لإعادة هؤلاء إلى منازلهم.
مقالات ذات صلة إلقاء قنبلتين ضوئيتين باتجاه منزل نتنياهو / شاهد 2024/11/17ولكن الإخفاقات الصهيونية جعلت من قضية استعادة الثقة أمراً صعباً للغاية، سواء من الناحية العسكرية أو النفسية. حيث يتعين إسرائيل أن تكون قادرة على هزيمة حماس وحزب الله أو ردعهما. ولكن “الهزيمة” و”الردع” لا زالا مفهومان بعيدان المنال، ويتعين على إسرائيل أن تقنع شعبها بأنهم آمنون. وهذا أمر صعب في ضوء عملية طوفان الأقصى عندما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في الكشف عن الهجوم والتحذير منه، وفشلت قوات الاحتلال الإسرائيلية في الدفاع عن المجتمعات القريبة من غزة.
في الجنوب القريب من غزة، سوف تتطلب استعادة الثقة هزيمة شاملة وواضحة لحماس؛ وفي الشمال، سوف يتطلب الأمر من حزب الله نقل المزيد من وحداته النخبوية “الرضوان” بعيداً عن حدود إسرائيل لضمان عدم وقوع هجوم مفاجئ. وقد تحتاج إسرائيل أيضاً إلى نشر أعداد كبيرة من القوات على كل جبهة وتزويد كل منطقة مأهولة بقدرات أكبر للدفاع عن النفس. ومثل هذه التدابير مكلفة وصعبة بشكل خاص بالنسبة لإسرائيل لأن قوتها العسكرية تعتمد على جنود الاحتياط، مما يجعل من الصعب الحفاظ على جيش كبير في حرب طويلة.
ما يزيد الأمر سوءاً هو أزمة الثقة في النظام السياسي. فقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل مجتمعاً منقسماً إلى حد كبير، مع انقسامات حادة بين المجتمعات الدينية والعلمانية، والعرب الإسرائيليين واليهود الإسرائيليين، واليهود من الدول الأوروبية مقابل اليهود من الدول العربية. لقد عملت حكومة نتنياهو على زيادة انقسام البلاد من خلال جلب شخصيات من أقصى اليمين إلى الحكومة وتقويض استقلال القضاء. وبالفعل، يزعم بعض اليمينيين أن حماس هاجمت لأنها رأت أن إسرائيل ضعيفة بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وفي ظني أنه قد تحدث كارثة محتملة لإسرائيل إذا ما حاولت توسيع رقعة الحرب مع حزب الله لأن من شأن ذلك دفع قوى أخرى للانخراط في صفوف المقاومة بشكل مباشر دفاعاً عن لبنان.
في مرحلة ما، سوف تنهي إسرائيل العمليات العسكرية عالية الكثافة في غزة وفي لبنان، إما لأنها دمرت المنازل وقتلت الأرواح البريئة، لكنها فشلت في تحقيق أهداف عدوانها على غزة ولبنان، أو لأن التكلفة في الأرواح والعملات ــ ومكانتها الدولية ــ أثبتت أنها باهظة للغاية. وعند هذه النقطة، ولتجنب التحول إلى قوة احتلال لسكان معاديين، ومنع الفوضى على حدودها مع غزة ولبنان، سوف تكون مجبرة على الجلوس في غرف المفاوضات السياسية مع حماس وحزب الله وإن كان بصورة غير مباشرة.
وعلى إسرائيل في مرحلة ما قادمة إجراء عدد من الترتيبات الأمنية والسياسية، ولكن خياراتها ضعيفة لمعالجة الوضع في غزة في اليوم التالي لإنهاء عدوانها. فهي لا تستطيع البقاء في غزة، والسلطة الفلسطينية – كخيار بديل عن حماس في غزة – فاسدة وليس لها شعبية، وأدت سياسات إسرائيل في الضفة الغربية إلى تقويض مصداقية السلطة الفلسطينية، كما أدى طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي إلى تآكل شعبيتها بشكل أكبر. ختلا أنها لا تستطيع إدارة الأمن في الضفة الغربية دون مساعدة إسرائيلية كبيرة.
لا يمكن التغلب على بعض هذه التحديات من دون خلق مشاكل وضغوط إضافية للكيان الصهيوني داخلياً وخارجياً. وأعتقد أن إسرائيل المتأزمة سوف تضطر إلى تقليص أهدافها في نهاية المطاف، والرضوخ لمنطق المقاومة التي لا يمكن لإسرائيل أو غيرها أن تقضي على عقيدة المقاومة لأن المقاومة فكرة والأفكار لا تموت.
وما الهجمات التي شنها الجيش الصهيوني باستخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا في المناطق المدنية مؤخراً، والمحظورة دولياً مثل الفوسفور الأبيض، إلا دليلاً على مأزق هذا الكيان المصطنع الذي أربكه صمود واستمرار المقاومة.