كتب محمد شقير في" الشرق الاوسط": تنشط الاتصالات الدولية لإخراج وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل من المراوحة القاتلة، لئلا يدخل في «إجازة» مديدة يمكن أن تمتد إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، مع تراجع منسوب الاهتمام الأميركي بالضغط على تل أبيب لملاقاة الحكومة اللبنانية في منتصف الطريق، بعد أن أجمعت في جلستها الأخيرة على تأييد وقف إطلاق النار، ونشر الجيش في جنوب الليطاني، تمهيداً لخلق الأجواء السياسية المواتية لتطبيق القرار 1701، وسارعت إلى إيداع مجلس الأمن الدولي رسالة في هذا الخصوص.


ويأتي إجماع الحكومة على وقف إطلاق النار استجابة للنصائح الدولية التي أُسديت لها، ويُفترض بأنه حظي بموافقة «حزب الله» من خلال وزيريه علي حمية ومصطفى بيرم، اللذين وافقا بلا تردد على الإجماع الذي توصلت إليه جلسة مجلس الوزراء.
لكن الجديد في الاتصالات الدولية يكمن في أن هناك مَن نصح لبنان بأن يبادر إلى إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، ويطالب بوقف إطلاق النار من جانب واحد، وبذلك يكون قد أبطل ذريعتها بأن البادئ بإشعال جبهة الجنوب هو مَن يطلب وقف إطلاق النار، في إشارة إلى «حزب الله»، بتفرّده في إسناد غزة في الثامن من تشرين الأول) 2023.
وتردد أن مجموعة من الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، هي من نصحت لبنان بطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد، مع أن رد إسرائيل لم يكن واضحاً ويكتنفه الغموض. ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين أن لديهم ملء الحرية في الاستجابة لطلب لبنان أو في مواصلة تل أبيب التصدي للحزب لتدمير بنيته التحتية العسكرية ومخزونه من الصواريخ الدقيقة.
وكان جواب الذين ينصحون لبنان بطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد، أن موافقة الحكومة اللبنانية تسمح لهم بالتأسيس لموقف دولي ضاغط لإقناع إسرائيل بالتجاوب من جهة، وحث واشنطن للانخراط في الاتصالات لتليين الموقف الإسرائيلي على نحو يؤدي لوقف إطلاق النار بقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، من جهة ثانية.
إلا أن لبنان لم يعطِ جواباً قاطعاً، وهو لا يزال يدرس الموقف ويزين ردود الفعل عليه، بدءاً بـ«حزب الله» الذي يبدو أنه ليس في وارد الموافقة، لأن مجرد حصر طلب وقف إطلاق النار بالجانب اللبناني سيرتد سلباً عليه ويعرّضه، أي الحزب، إلى مساءلة، ليس من قِبَل خصومه فحسب، وإنما من حاضنته بتحميله مسؤولية ما يترتب على إسناده لغزة من أكلاف بشرية ومادية تفوق قدرة لبنان في ظروفه الراهنة على استيعابها، وبالتالي كان من الأفضل له عدم الدخول في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل، طالما أنه سيوافق على طلب وقف إطلاق النار من جانب واحد.
فالحزب يفضّل أن يصدر قرار وقف إطلاق النار عن مجلس الأمن الدولي، ويدعو فيه الجانبين، أي إسرائيل ولبنان بالإنابة عن الحزب، للالتزام به، لئلا يسجل عليه تراجعه أمام العدو الإسرائيلي في ظل الحرب المشتعلة، وانكفائه عن المواجهة.
لذلك لا مجال لطلب وقف إطلاق النار من جانب لبنان، رغم أن ردود الفعل، أكانت عربية أو دولية، لا تبدي تأييداً للحزب، ويكاد دعمه يقتصر على إيران وبعض أذرعها في المنطقة التي أخلّت بإسنادها لغزة، فيما يلقى لبنان الرسمي أوسع تأييد عربي ودولي في مطالبته بوقف إطلاق النار.
فالحزب بتفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، في ملف الجنوب، مطلوب منه، اليوم قبل الغد، الإجابة بوضوح، منعاً للالتباس، على مجموعة من الأسئلة أبرزها: هل يوافق على وقف إطلاق النار؟ وأين يقف من إصرار إيران على ربط غزة بالجنوب؟ علماً بأن اللقاء الثلاثي الذي عقد بين بري وميقاتي والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لم يأتِ على ذكر التلازم بين الجبهتين، كما أن وحدة الساحات لم تعد قائمة، وباتت تقتصر على الحزب الذي يواجه إسرائيل وحيداً في ظل ظروف دولية وعربية محيطة بلبنان ليست لمصلحته، وتأخذ عليه تفرده بقرار السلم والحرب من دون العودة إلى الدولة صاحبة القرار فيه.
 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

تداعيات قانونية وأخلاقية.. غزو إسرائيل للبنان على محك القانون الدولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

منذ غزو إسرائيل للبنان الشهر الماضي، ناقش الخبراء التداعيات القانونية والأخلاقية للحملة العسكرية، وخاصة مبرراتها بموجب القانون الدولي. ومع استمرار الصراع فى إزهاق الأرواح ونزوح مئات الآلاف، يظل السؤال الأساسى مطروحًا: هل غزو إسرائيل للبنان قانوني؟ تبرر إسرائيل أفعالها بالاستشهاد بحقها فى الدفاع عن النفس ضد حزب الله، وهى جماعة مسلحة مقرها لبنان شنت هجمات على الأراضى الإسرائيلية. ومع ذلك، يتعارض هذا الأساس مع سيادة لبنان ويثير تساؤلات بالغة الأهمية حول التناسب والضمانات الإنسانية.

الحق فى الدفاع عن النفس والسيادة

تلعب ميثاق الأمم المتحدة دورًا حاسمًا فى تأطير هذا النقاش. بموجب المادة ٢(٤)، يحظر الميثاق استخدام القوة ضد سلامة أراضى الدولة أو استقلالها السياسي. ومع ذلك، تنص المادة ٥١ على استثناء يسمح بالدفاع عن النفس إذا وقع هجوم مسلح.

وتزعم إسرائيل حقها فى الدفاع عن النفس بعد عام من هجمات حزب الله الصاروخية من لبنان. وقال هيو لوفات، خبير القانون الدولى فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية: "الشرعية تعتمد إلى حد كبير على وجهة نظر الناظر". ويدور جوهر الحجة حول ما إذا كان حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس يمكن أن يتجاوز سيادة لبنان.

وفى الدفاع عن موقف إسرائيل، يزعم الباحثان القانونيان أميشاى كوهين ويوفال شانى أن الإجراءات العسكرية لحزب الله، بدعم من حكومة لبنان، توفر أسبابًا كافية لأفعال إسرائيل. وفى مقال نشره معهد ليبر للقانون والحرب، أشارا إلى أن "إسرائيل لديها الحق القانونى فى اتخاذ تدابير الدفاع عن النفس ضد حزب الله، وربما أيضًا ضد الدولة اللبنانية". وتردد هذه الحجج سوابق مماثلة حيث استخدمت دول، بما فى ذلك الولايات المتحدة، القوة العسكرية لتحييد التهديدات فى البلدان التى تؤوى الجماعات المسلحة، مثل العمليات ضد داعش فى سوريا.

التناسب وحدود الدفاع عن النفس

فى حين أن الدفاع عن النفس معترف به بموجب القانون الدولي، فإنه يجب أن يلتزم بقيود محددة، وخاصة التناسب وحماية المدنيين. وقال القاضى كاى أمبوس، أستاذ القانون وقاضى محكمة جرائم الحرب فى لاهاي: "لديك الحق فى الدفاع عن النفس، ولكن عليك أن تمارس هذا الدفاع عن النفس بطريقة معينة". ووفقًا لأمبوس، يجب أن يكون استخدام القوة متناسبًا مع التهديد الذي يشكله، ويجب أن يعطى أى عمل عسكرى الأولوية لسلامة المدنيين.

أثارت التقارير الواردة من منطقة الصراع مخاوف كبيرة بشأن نطاق الضربات الإسرائيلية. تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من ١٥٠٠ مدنى قتلوا فى لبنان منذ بدء الغزو. ووفقًا لجانينا ديل، المديرة المشاركة لمعهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح، فإن استخدام إسرائيل للمتفجرات الثقيلة فى المناطق المكتظة بالسكان يثير "مخاوف خطيرة للغاية بشأن الامتثال للقانون الدولي". وحتى لو كان مسلحو حزب الله مختبئين داخل المبانى المدنية، فإن ديل يؤكد على أن إسرائيل لابد وأن تزن الضرر المحتمل الذى قد يلحق بغير المقاتلين قبل شن الغارات الجوية.

الضمانات الإنسانية

ينص القانون الإنساني، كما هو موضح فى اتفاقيات جنيف، على حماية المدنيين أثناء الصراع المسلح. وبموجب هذه القوانين، تلتزم القوات العسكرية بإصدار تحذيرات قبل الهجمات وتوفير ممرات آمنة للمدنيين. وقد أصدرت إسرائيل تنبيهات إخلاء للسكان فى جنوب لبنان، على الرغم من أن البعض انتقد الوقت المحدود الممنوح للفرار. وقد أدى النزوح الجماعى للمدنيين اللبنانيين ــ ما يقرب من مليون شخص حتى الآن ــ إلى اندلاع أزمة إنسانية. وقد فر العديد منهم إلى سوريا المجاورة، التى لا تزال تعاني من آثار حربها الأهلية. وقال ديل: "فى حين أنه من الصعب إجراء تقييمات قانونية قاطعة للهجمات الفردية من بعيد، فإن نزوح المدنيين والإصابات المدنية تشكل علامات حاسمة فى تقييم شرعية تصرفات إسرائيل".

إنفاذ القانون الدولي

إن أحد أكثر جوانب هذا النقاش القانوني تعقيدًا هو مسألة الإنفاذ. ففى حين يوفر القانون الدولى إرشادات للسلوك العسكري، فإن ضمان الامتثال يظل يشكل تحديًا. وقد ترفض دول مثل إسرائيل الالتزام بأحكام المحاكم الدولية، تاركة التنفيذ لهيئات مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الديناميكيات السياسية غالبًا ما تعيق المجلس عن التصرف بشكل حاسم. وأكد القاضى أمبوس أنه فى حين أن آليات التنفيذ ضعيفة، فإن القانون الدولى لا يزال يعمل كمعيار أخلاقي وقانوني. وقال: "بدون هذه القوانين، كنا سنكون فى وضع أسوأ"، مضيفًا أن مجرد وجود هذه القوانين يجبر الدول على تبرير أفعالها على الساحة العالمية.
 

مقالات مشابهة

  • ميلوني في بيروت: رسالة دعم للبنان واليونيفيل
  • رئيس حكومة لبنان يطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار: مستعدون لنشر الجيش بالجنوب
  • عدوان اسرائيلي مدمّر بلا رادع.. ميقاتي:هل ينفع بعد اللجوء الى مجلس الامن؟
  • تداعيات قانونية وأخلاقية.. غزو إسرائيل للبنان على محك القانون الدولي
  • القمة الخليجية الأوروبية تدعو في بيانها الختامي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان
  • بيان القمة الروحية الإستثنائية في بكركي: ندعو مجلس الامن فوراً الى الانعقاد واتّخاذ قرار بوقف إطلاق النار
  • لبنان يطالب بإدانة دولية لعدوان إسرائيل وإلزامها بتطبيق القرار 1701
  • إسرائيل تقصف بيروت بعد رفض نتنياهو وقف إطلاق النار
  • نتنياهو يرفض وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد مع «حزب الله»