الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: السنة النبوية ضرورة
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
السنة النبوية ضرورة يقتضيها الدين والعقل، لا من حيث إنها بيان وتفصيل لما أجمل فى القرآن الكريم فقط، ولكن أيضاً من حيث إنها فى مجملها الصورة الحية الواقعية للدين، والتطبيق العملى له فى الحياة.
ومن حيث ضرورة وجود أسوة يتأسى بها الناس ويتمثلونها فى تطبيق هذا الدين، ولولا هذه الأسوة لاختلف الناس فى فهم الدين وتطبيقه اختلافاً شديداً قد يصل إلى القتال والتناحر، ولتوقف آخرون عن تطبيقه بدعوى تعذره أو جهلهم بطرائق تطبيقه!فبيان الرسول الكريم للكتاب الذى جاء به، وجعله واقعاً حياً بين الناس، وتقويمه لأفعال من حوله بناءً على تعاليمه، وأوصافه الخلقية وهيئته التى اتسمت بسمات هذا الوحى، كل هذا هو سنته التى لا بد منها حتى ينتفع الناس بالوحى.
وإذا كان هذا ضرورةً فى كل وحى سماوى، فإنه فى الإسلام أشد ضرورةً وأعظم تأكيداً، لأن الإسلام يتميز بأنه الدين الخاتم لكل العالمين، وهذا يقتضى وجود سنة تبين للناس كيف يطبقون هذا الدين العالمى الخاتم بحسب اختلاف الأحوال والأزمان، ولن يتوافر هذا إلا من خلال التطبيق النبوى الكريم الذى ضمن الله تعالى له العصمة والتطبيق الصحيح الذى يظهر مزية هذا التشريع الصالح للتطبيق مع اختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وهذا يقتضى أيضاً أن تظل هذه السنة باقية ما بقى مخاطبون بهذا الدين، فالسنة إذن ضرورة يقتضيها الدين كما يقتضى أيضاً أن تبقى حية محفوظة، وإلا ما أدرك البشر كيف يجعلون هذا الدين واقعاً معيشاً؟!
وقد يرفض البعض هذا الكلام، ويرى أن القرآن الكريم محفوظ من حيث إنه منقول بتواتر، أى من خلال جمع كبير من الناس عن جمع كبير آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب، فى حين أن أغلب السنة منقول عن طريق آحاد أى: أفراد لم يبلغوا حد التواتر، وبالتالى فهى لديهم محل شك وارتياب.
وأصحاب ذلك الرأى لم يدرسوا بدقة طرائق نقل السنة وشروط قبولها وردها، حتى يكون حكمهم بالرفض مبنياً على أساس من العلم صحيح.ثم إن التزامهم بمبدأ الشك بسبب النقل غير المتواتر يلزمهم أن يرفضوا -تبعاً لنفس المبدأ- كل معرفة أو ثقافة أو علم نقله إلينا أفراد من الناس! فيرفضون كل تاريخ نقله إلينا آحاد المؤرخين ولم نقف له على آثار ملموسة! بل عليهم أن يتوقفوا فى قبول الأخبار الحالية التى ينقلها إلينا أفراد قلائل من المراسلين الإخباريين!
وعليهم أن يرفضوا الأحكام القضائية التى يحكم فيها بناءً على شهادة أفراد! ويرفضوا كذلك كل درجة علمية تمنح لباحث؛ لأن مانحها فى الواقع أفراد لا يبلغون عدد أصابع يد واحدة! وأن يتشككوا فى أى تشخيص طبى يقوم به طبيب واحد أو عدد من الأطباء لم يبلغوا حد التواتر!بل على مذهب أولئك يلزم التشكك فى كل الرسالات السماوية والكتب المنزَّلة جميعها، لأنها فى أصلها نقل بشر واحد فقط هو الرسول الذى بلغها!والتفريق بين السنة وبين غيرها فى هذا الأمر تعنت سافر ليس من المنهج العلمى السديد، ولا من التفكير العقلى المتزن، ولا من الإنصاف الخلقى الذى يتمتع به كل ذى خلق كريم.وإذا قال أولئك: إن السنة دين فينبغى أن يتشدد فيها، نقول: نعم هذا صحيح، وقد قام العلماء بذلك فعلاً، ولكنكم لم تقفوا على شىء من جهودهم، فرفضتم السنة رغم اعتمادها على مناهج قويمة لم يدرك طرفاً منها شىء مما قبلتموه من المعارف التى بنيتم على أساسها أحكاماً ودراسات علمية تبلغ مبلغ اليقين أو تكاد، فأساس ذلك الرفض ليس مقبولاً.. لا بمعيار الدين، ولا بمعيار العلم، ولا بمعيار العقل، ولا بمعيار الواقع الإنسانى، ولا بمعيار الخلق الذى يقتضى الإنصاف.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القرآن الكريم السنة النبوية المطهرة فهم الدين تطبيق الأحكام هذا الدین من حیث
إقرأ أيضاً:
الترند.. و"حرمة البيوت"
كاميرا أى موبايل محدود الإمكانيات، تستطيع من خلالها الانتقال إلى عوالم من التفاعل مع أناس لا تعرفهم، وحصد الملايين من المشاركات والإعجاب بما تقدمه، وبالتالي حصد الملايين من الجنيهات بل والدولارات أيضا، وهو ما تابعناه خلال السنوات الأخيرة من "ربات بيوت" محدودات الإمكانيات، وقد تحولن إلى سيدات "ثريات" يسكنّ الفلل ويتنقلن بالسيارات الفارهة ويستقدمن الخادمات، كل ذلك بفضل فضاء السوشيال ميديا الذى أصبح الكثيرون يلهثون وراءه.
فوضى السوشيال ميديا التى أصابت الكثيرين بـ"الهوس" لم يقتصر تأثيرها على صانع المحتوى الذى استباح خصوصيات حياته وحرمة بيته ونشرها على الملأ، رغبة فى جني المزيد من الأموال، ولكنها أثرت أيضا على المتلقي الذى أدمن المشاهدة واعتاد عليها بعد أن تسللت كالمخدر إلى عقله وسيطرت عليه وعملت شيئا فشيئا على تفتيت الثوابت والقيم، منذ فترة تابعت صفحات بعض السيدات وكانت فى البداية عبارة عن استعراض مهارات الطبخ، ولكن مع تتابع الحلقات وزيادة عدد زوار الصفحات تطور الأمر بكثير منهن، وتطرقن إلى موضوعات ومسائل شخصية غاية فى الخصوصية، وهو ما دفعني إلى الغاء المتابعة لكل تلك الصفحات التى تمر أمامي على الفيسبوك من دون أن أبحث عنها.
للأسف الظاهرة يبدو أنها تحولت إلى النخبة من أصحاب المهن ومنهم الأطباء، ولعل ما أثارته طبيبة كفر الدوار من جدل بسبب طريقتها "الفاحشة" فى الحديث عن خصوصيات مرضاها، والتى أقسمت على الحفاظ عليها بحكم وظيفتها، جدد الحديث من جديد حول هذا "الجنون" الذى أصاب البعض جريا وراء الأرباح المادية، وهو هدفها ولا شيء غيره، ومن ثم فلا أتفق مع الرأى القائل إن الطبيبة لم تذكر أسماء ولكنها تحدثت عن واقع موجود بالفعل، وهو أمر مرفوض بالطبع، فإذا كانت تهتم بالتوعية فليست السوشيال ميديا مكانا مناسبا، وخاصة فى مثل هذه الأمور الدقيقة.
الأرباح الخيالية التى يحققها هؤلاء "اليوتيوبرز" يبدو أنها أصابتهم بالهوس، فاستباحوا خصوصياتهم لنشرها على الملأ، غير عابئين بتأثير ذلك على حياتهم الشخصية، ولا انعكاسات ذلك على الآخرين، فالمال هو المبتغى والمراد ومن أجله يهون كل شيء.
ظاهرة اليوتيوبرز بدأت فى مصر منذ عدة سنوات، لكنها أصبحت منتشرة على نطاق واسع خلال الآونة الأخيرة، ورأينا كيف حقق عدد كبير منهم وباختلاف المحتوى الذى يقومون بتقديمه، شهرة واسعة حتى تخطى المليون متابع على حساباتهم بالمنصات المختلفة، كما حققت القنوات الخاصة بهم عبر اليوتيوب ملايين الأرباح، ووفقا للأرقام المعلنة حقق زوجان أكثر من 92 مليون مشاهدة خلال شهر واحد فقط، بأرباح وصلت الى 4 ملايين و400 ألف دولار، وآخر وصلت أرباحه لما يزيد على 200 مليون مشاهدة خلال شهر واحد، وربحا سنويا بلغ 9 ملايين و600 ألف دولار.
بالتأكيد فإن خللا ما قد أحدث هذه الحالة الجديدة على مجتمعنا والتى أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي فى الوصول إليها.. وبالتأكيد أيضا أن هوس الميديا فى بعض الاحيان والترند فى أحيان أخرى، أفقد البعض "اتزانهم النفسي"، وغيب الحكمة والعقلانية من تصرفاتهم، فأصبحوا مادة للفضائح والنميمة وكشف "الستر، وهو ما يستوجب وقفة مع النفس أولا ثم بإجراءات تقنين مسئولة تحد من هذا "الغثاء القاتل".