عربي21:
2025-04-10@05:38:48 GMT

قوافل الشهداء وعودة الوعي

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

لعب الحظ لعبته فصادفت وحدةٌ إسرائيلية ثلاثة مقاومين أو نحواً من ذلك، تبين في ما بعد (وفيما يزعمون إذ أن حركة حماس لم تؤكد ولم تنفِ حتى وقت كتابة المقال) أن أحدهم هو يحيى السنوار، وإثر اشتباكٍ جُرح فيه وبُترت يمينه في ما يبدو من الفيديو، الذي التقطته المسيرة التي أجهزت عليه في النهاية، أجرى العدو بعض التحاليل وأكد أن الشهيد هو بالفعل السنوار.

المهم، على الرغم من اعترافهم ومسار الحكاية في حد ذاته الذي يثبت الدور الحاسم والأول، بل الوحيد للصدفة المحضة، فإن إسرائيل ونتنياهو وبايدن احتفلوا بذلك واعتبروه نصراً مبيناً.

لم يزل الوقت مبكراً لتحليل الحدث، وما نعتقد أنها تبعاتٌ ستترتب عليه، إلا أن الأصوات المتريثة والأعقل، حتى من داخل المنظومة الإسرائيلية، سواءً منها من يضطلع بدورٍ رسمي، أو المستقلين من باحثين وصحافيين، أعربت عن شكوكها في جدوى هذا الاستشهاد مع إقرارها بثقل الضربة.

لكن لئن كان الحظ لعب لعبته، فإن القدر يبدو أنه كان يعمل بدوره، لكن في اتجاهٍ معاكسٍ تماماً، إذ أن تفاصيل الصمود والقتال حتى الرمق الأخير، سرعان ما شرعت تنشئ أسطورة نضالٍ متصلٍ وصمودٍ صلدٍ ومبهر، فاض أثرهما على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أحاديث الناس في عالمنا العربي والإسلامي، وأزعم أن أثرها سيتسرب للعالم أجمع ولمناصري القضية الفلسطينية. لقد أُريد لنهاية هذا الرجل أن تكون نهاية المقاومة، لكن ما يبدو حتى الآن أنه سيكون بداية أسطورةٍ ملهمة تغذي وترفد النضال والمقاومة. هناك الكثير مما يمكن أن يقال، لكن أمرين ملحين يستوقفانني في هذا الوقت المبكر عقب الاستشهاد:

أولهما مكر التاريخ، ذكرني عرض جثة الشهيد السنوار بما حدث من قبل حين أُعدم جيفارا وقاموا بعرض جثته أمام الصحافيين والإعلاميين فلم يؤدِ ذلك إلا لتخليده وتكريس أسطورته، فكذلك الحال مع السنوار، فأنا على يقين من أن استشهاده، مقاتلاً صامداً سيؤدي إلى نتيجة عكسية تماماً، لما كان يأمل فيه الصهاينة وأعوانهم وحلفاؤهم. أما ثاني الأمور فيتعلق بما هو أهم وأعمق وأبعد أثراً في رأيي: الوعي الشعبي العربي والعالمي.

كتبت متناولاً أكثر من مرة عن ما أسفرت عنه الحرب من عرقلة عمليات التطبيع، والانفتاح على إسرائيل التي كانت ماضيةً بشكل متواصل، بل كانت قد أوشكت أن تصل غايتها، وما كانت ترمي وستؤدي إليه من حلفٍ عربي إسرائيلي في مواجهة إيران؛ بالطبع فإن شيئاً من هذا لم يتغير، ولم أزل عند هذا الرأي، إلا أن الأهم هو، كيف أعادت هذه الحرب القضية الفلسطينية إلى الصدارة وجعلت الشعوب العربية تفيق من تلك الغيبوبة المُخدرة الغبية التي فرضت نفسها وهبطت على شعوبنا طيلة عقودٍ، بدأت بجدية منذ سلام السادات المنفرد مع إسرائيل، ومن ثم تم تعميمها وتكريسها على أنظمةٍ كان بعضها على علاقةٍ فعلية مع إسرائيل أو ينتظر بخجلٍ أن يعلن عن عدم رغبته المضي في طريق الممانعة.

لقد علَّمَت هذه الحرب ونورت وثقفت أجيالاً وُلدت ونمت وتشكل وعيها، المزيف، في ظل ثقافة «حرب أكتوبر» آخر الحروب و»بطل الحرب والسلام» بطبيعة القضية والصراع، وبددت تلالاً من الزيف والأكاذيب والافتراءات عنها وعن القيادات.

قيل إن السنوار وهنية بعيدان محصنان، وأنهما (أو أحدهما) يسكنان قصوراً هنا أو هناك في هذه العاصمة العربية أو تلك، وأنهما يتحصنان وراء الأسرى ويضحيان بجنود حماس، فكيف الحال الآن، وقبل ذلك في أي قصرٍ أو برجٍ عاجي كان يقبع الشيخ الشهيد أحمد ياسين حين استهدفته طائرة؟
شهيدٌ يسلم شهيداً الراية، واقفون صامدون يضحون بكل شيء، بأنفسهم وأولادهم، هذا هو الواقع المحض
شهيدٌ يسلم شهيداً الراية، واقفون صامدون يضحون بكل شيء، بأنفسهم وأولادهم، هذا هو الواقع المحض، بغض النظر عن الانحيازات السياسية من المنطلق نفسه، فإذا أردنا أن نُعرف قمة البذاءة فلن نجد أفضل من الإعلام العربي الرسمي، الذي تُصرف عليه مليارات الدولارات من جيب وقوت الشعوب ليزيف وعيهم ويحشو رؤوسهم بالأكاذيب ليحتضنوا العدو الصهيوني ويتماهوا مع قضيته ويعادوا إخوة الدم والعصب والدين والتاريخ، ولا أفضل من الحكام العرب وجلهم طغاة أيديهم مضمخة بدماء شعوبهم، ويسكنون بالفعل في قصورٍ لا حد لها، بل يفاخرون بأنهم عاقدو العزم على بناء المزيد، «لا ده أنا حابني وابني» كما طمأننا السيسي، فنجد هؤلاء يدّعون أن قادة حماس والمقاومة يقطنون فنادق الخمسة نجوم. ها هو الرجل استشهد في الميدان مقاوماً حتى آخر نفس، فما رأيكم؟

بالفعل، رمتني بدائها وانسلت، يدرك المراقبون والمحللون الأكثر حنكة، بقراءة التاريخ الذي عايشه أكثرنا، أنك لا تستطيع أن تقضي على حركة مقاومة بمجرد اغتيال قادتها، خاصةً تلك التي تصدر عن عقيدة استشهادية كالتي لحماس وحزب الله، حيث وطنوا وتابِعوهم النفس على التضحية والتحرير عبر بذل ذواتهم، مادتهم الجسدية. يدركون أنه دون حلٍ سياسي فليس من نهايةٍ في الأفق.

ومع الدمار والشهداء بعشرات الآلاف، فلم يعد هناك ما يُبكى عليه، وتضاعفت بواعث السخط والرغبة في الانتقام والمقاومة. ستستمر قوافل الشهداء، لكنني، رغم كل بواعث الإحباط، لا أرى مستقبلاً لا تكون فيه الشرارة التي ستوقظ الشعوب المهانة المغلوبة على أمرها وتهز هذه الأنظمة منتهية الصلاحية منذ أمدٍ بعيد.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس حماس الاحتلال طوفان الاقصي استشهاد السنوار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

صندوق الوطن يطلق قوافل الهوية الوطنية بمنطقة مصفوت الجمعة

 

يطلق صندوق الوطن يوم الجمعة المقبل، النسخة الأولى من قوافل الهوية الوطنية بمنطقة مصفوت في إمارة عجمان، برعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، والتي تستهدف أكثر من 25 ألف مواطن من منطقة مصفوت والمناطق المجاورة لها، بمشاركة حوالي 49 وزارة وهيئة ومؤسسة حكومية وخاصة وأكثر من 10 جامعات إماراتية.
وتركز القافلة على تعزيز الهوية الوطنية لدى قطاعات المُجتمع كافة، وعلى رأسها طلاب المدارس والكليات والجامعات، والأسرة (بما في ذلك المرأة والطفل)، والشباب وأصحاب الهمم، وكبار المواطنين، وأفراد النخبة، إضافة إلى ومؤسسات الإعلام، ومنتسبي الوزارات والهيئات الحكومية، وكذلك مؤسسات المجتمع المختلفة، وخاصة الأهالي في المناطق البعيدة.
وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، إن إطلاق قوافل الهوية في منطقة مصفوت تمثل أحدى المبادرات المهمة لصندوق الوطن الذي يركز خلال عام 2025 على تعزيز مفهوم الهوية الوطنية لدى الجميع، من خلال أنشطته وبرامجه، وفق شعار “هوية وطنية قوية ومستدامة”، مؤكدا أن تعزيز الهوية الوطنية يمثل إحدى الركائز الأساسية لنمو المجتمع وازدهاره، ويشكل عاملاً جوهريًا في تحقيق أهداف القيادة الرشيدة التي تضع الإنسان في صميم إستراتيجياتها التنموية، مؤكدا أن صندوق الوطن يعمل جاهدا على تعزيز الهوية الوطنية الإمارتية لدى فئات المجتمع كافة.
وأضاف أن صندوق الوطن يعتمد في عمله على تعريف واسع وشامل للهوية الوطنية، يتضمن الجانب المجتمعي والثقافي، الذي يقوم على القيم الإنسانية والخصائص الثقافية والحضارية الإماراتية كأسس للبرامج والأنشطة، بما في ذلك الدين الحنيف، واللغة العربية، والتراث، والولاء والانتماء للوطن وقيادته الرشيدة.
من جانبه أكد سعاد ياسر القرقاوي، مدير عام صندوق الوطن، حرص الصندوق على التعاون مع الجهات الرسمية والخاصة في المُجتمع، من خلال نموذجٍ خلاقٍ للشراكة المجتمعية لتعزيز الهوية الوطنية، لافتا إلى أن مشاركة 49 جهة في الأنشطة تعبر عن ثقة هذه المؤسسات في أسلوب عمل الصندوق وقدرته على الإنجاز، إضافة على نبل الأهداف التي تركز على القيم الوطنية المشتركة.وام


مقالات مشابهة

  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • «الفارس الشهم» تُسيّر قوافل للنازحين في غزة
  • «الفارس الشهم 3» تُسيِّر قوافل وخزانات مياه لمخيمات النازحين في غزة
  • صندوق الوطن يطلق قوافل الهوية الوطنية بمنطقة مصفوت الجمعة
  • في عيد الشهداء.. مظاهرة حاشدة في تونس تنديدا بحرب الإبادة في غزة
  • عقاب زيزو وعودة السعيد.. قناة مجانية تنقل مباراة الزمالك وستيلينبوش الجنوب أفريقي بالكونفدرالية
  • القوات الأمريكية تخلي قواعدها في سوريا وتنقل قوافل عسكرية الى العراق
  • دراسة تناقش فشل مجلس الرئاسة.. هناك تيار شعبي متزايد يدعو لسحب التفويض من المجلس وعودة نائب الرئيس السابق الفريق علي محسن لقيادة المرحلة
  • الذهب يسجل ارتفاعاً مع زيادة الإقبال عليه وسط توترات الحرب
  • الذهب يتعافى مع زيادة الإقبال عليه وسط توترات الحرب التجارية