ألسن عين شمس تحتفل بأسبوع اللغة الإيطالية بحضور الملحق الثقافي بالقاهرة
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
استقبلت الدكتورة سلوى رشاد، عميد كلية الألسن بجامعة عين شمس، الدكتور رافّائيله پــينتانچـِلو، الملحق الثقافي والقائم بأعمال مدير المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة، ضمن فعاليات احتفالية انطلاق أسبوع اللغة الإيطالية في العالم في نسخته الرابعة والعشرين تحت عنوان: "الإيطالية والكتاب: العالم بين السطور"، بحضور الدكتورة.
وخلال كلمتها أكدت الدكتورة سلوى رشاد، عميد الكلية أن هذا الانطلاق من كلية الألسن بجامعة عين شمس التي بها أعرق أقسام اللغة الإيطالية في مصر والوطن العربي ، بتاريخه الذي يقترن بتاريخ كلية الألسن منذ نشأتها في خمسينيات القرن الماضي، يأتي ثمرة لتعاون فعال بين كلية الألسن والسفارة الإيطالية بالقاهرة، مؤكدة على ضرورة فتح أفاق أوسع مما يعكس عمق العلاقات المصرية الإيطالية ليس فقط في مجال اللغة والثقافة وإنما في شتى المجالات.
بينما أشار الدكتورة رفّاييله بنتانجيلو، الملحق الثقافي والقائم بأعمال مدير المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة في كلمته على ضرورة العودة إلى قراءة الكتب في ظل عالم طغت عليه الرقمية وحلت فيه الهواتف الذكية محل الكتب الورقية وأكد على أن مصر تعد مثالا يحتذى في تقدير الكتاب والحفاوة به عبر إنشاء مكتبة الأسكندرية وتوفير البيئة العلمية لتأليف الكتب في مختلف المجالات، وأيضًا إيطاليا كان دور الكتاب فيها مهمًا للغاية خاصة مع انتشار الأمية في أواخر القرن التاسع عشر، فساهم توحيد الكتاب المدرسي في محو تلك الأمية ونشر لغة إيطالية موحدة في كل أقاليم إيطاليا بعد أن كانت دويلات منقسمة تفتقد الوحدة اللغوية. وبعد أن انتهى من إلقاء كلمته، كرم أ.د. رفّاييله بنتانجلو الطالبة بالفرقة الرابعة بالقسم آية مصطفى لفوزها في مسابقة "ارسم غلافًا لكتابك المفضل" وقد أهدى للطالبة مجموعة من الكتب الثمينة المقدمة لها من المركز الثقافي الإيطالي بالقاهرة.
كما قدمت الدكتورة داليا جمال، رئيس قسم اللغة الإيطالية بالكلية، نبذة عن التاريخ العريق للقسم وجهد أساتذته عبر السبعين عاما الماضية بوصفه أول قسم للدراسات الإيطالية بمصر، كما شكرت أساتذة قسم اللغة العربية وأثنت على تعاونهم الدائم مع قسم اللغة الإيطالية.
أعقب ذلك أولى جلسات المؤتمر- وهو مكون من جلستين أدارهما أ.د. فوزي عيسى أستاذ الأدب بالقسم- وقد شملت عرض إسهامات بحثية، اثنين في الأدب الإيطالي قدمهما كلً من د. بسمة عزت، مدرس الأدب بالقسم التي تحدثت عن الهشاشة النفسية في رواية "المرحلة العمرية الهشة" للكاتبة "دوناتيلا دي بيترانطونيو"وأنها لا تقتصر على الطفولة بل تشمل كل مراحل حياة الإنسان، ود. مينا شحاتة، مدرس اللغة بكلية ألسن الفيوم الذي تحدث عن معاناة المرأة في زمن الحرب مقارنًا بين رواية للكاتب الإيطالي "ألبرتو مورافيا" ورواية للكاتب المصري محمد البساطي. أما المداخلة الثالثة كانت من نصيب الدكتور سيد محمد السيد قطب، أستاذ النقد المتفرغ بقسم اللغة العربية بالكلية، الذي شاركنا فيها رؤيته حول تعدد الأصوات في أحدث الترجمات التي قدمها ثلاثةٌ من شباب المترجمين ومن أعضاء الهيئة المعاونة بقسم اللغة الإيطالية وهم منة عصام وشيماء السيد وإسلام فوزي، بالإضافة إلى مداخلة الكاتب والمفكر الإيطالي المصري عمر فريد ريكاردو، الذي ولد لأب من سوهاج وأم من ميلانو وعاش في مصر لفترة، جعلته شاهدا على العصر وعلى لغة الطليان الذين عاشوا في القاهرة والأسكندرية فكان لبعدهم عن وطنهم أثره في لغتهم التي احتفظت بأصالتها ولم تواكب التطور اللغوي الذي حدث للغة الإيطاليين في عقر دارهم.
ولم تقل الجلسة الثانية عن الأولى في إمتاعها ونفعها، فزخرت أيضًا بالمداخلات الثرية، اثنين منهم في الأدب الإيطالي قدم أولاهما أ. محمد أشرف، المعيد بالقسم الذي تحدث عن الرواية البوليسية "البنت في الضباب" للكاتب الإيطالي "دوناتو كارّيزي" وكيفية استغلال المحقق للقضية من أجل تحقيق الشهرة والمصالح، وثانيهما قدمتها باحثة الماجستير أ. ريهام محمد التي تحدتث عن معاناة الشعب الإيطالي في ظل الحكم الفاشي من خلال رواية "خبز فطير" للكاتب الإيطالي "جوفاني ميريانا". كما عرضت أ. هالة هشام، المعيدة بالقسم، ورقتها البحثية في الترجمة متحدثة عن كيفية نقل العتبات النصية والسمات النحوية والثقافية في رواية (ذات) للكاتب المصري صنع الله إبراهيم إلى اللغة الإيطالية. وقد أفاد الطلاب كثيرا من مداخلة أ. سامح الشيخ، مهندس الدعم الفني بشركة مايكروسوفت وهو أحد خريجي قسم اللغة الإيطالية، حيث قدم نصائحه للطلاب لكي يقتحموا سوق العمل ويستثمروا اللغة الإيطالية وأي لغة أجنبية ثانية يدرسونها ليتمكنوا من رسم مستقبلهم المهني. والشكر موصول لقسم اللغة العربية الذي شرفنا بثاني مداخلاته في المؤتمر بحديث أ.د. ماجد مصطفى الصعيدي، أستاذ الأدب والنقد المتفرغ بالقسم، عن دراسات الأدب الإيطالي التي نشرت في مجلة الألسن للترجمة. وكان ختامها مسك مع العرض المسرحي الرائع الذي قدمه طلاب بالفرقة الثانية بالقسم بعنوان "الفخ الرقمي" تحت إشراف د.مارينا فهيم مدرس الأدب بالقسم التي كتبت سيناريو وحوار المسرحية فأبدعت وقدمت رسالة بليغة لجيل شباب اليوم الذي حاصرته وسائل التواصل الاجتماعي من كل جانب، فأفقدته قيمة الكتاب الذي يقدم العلم الحقيقي وجعلته ينفصل عن واقعه ويفقد الثقة في ذاته وينعمس في عالم افتراضي لا تنتهي فيه المقارنات.
وفي نهاية هذه الاحتفالية الثقافية المثمرة وزعت شهادات تقدير على المشاركين في المسرحية وعلى أعضاء اللجنة العلمية والتنظيمية، وكذلك إفادات حضور لأصحاب المداخلات في جلسات المؤتمر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جامعة عين شمس كلية الألسن بجامعة عين شمس المعهد الثقافي الإيطالي اللغة الإيطالية کلیة الألسن
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني