المعادلة العراقيّة الحاليّة متشابكة في الصلاحيّات والواجبات، ولهذا لا يمكن قراءتها بسهولة إلا من المتمرّسين والمتابعين بدقّة وعناية وجهد!
ومنذ معركة "طوفان الأقصى" في العام 2023، والحرب اللبنانيّة- "الإسرائيليّة" منتصف أيلول/ سبتمبر 2024، وحكومة محمد شياع السوداني العراقيّة تعيش في مأزق قانونيّ وعمليّ وأخلاقيّ!
وتلقّى السوداني العديد من الرسائل الأمريكيّة المليئة بالتحذيرات الشديدة، وبالذات بعد العمليّات "الناجحة" التي نفّذتها بعض فصائل "المقاومة الإسلاميّة في العراق" ضد "إسرائيل" منذ نهاية أيلول/ سبتمبر 2024 والمستمرّة حتّى اليوم!
والرسائل "الإسرائيليّة" التي وصلت عبر الوسيط الأمريكيّ قُصِد بها أيضا العمليّات التي طالت القوّات الأمريكيّة "العاملة" في العراق! وتضمّنت الرسائل، وفقا لمستشار الأمن القوميّ العراقيّ قاسم الأعرجي، "تهديدات باستهداف الفصائل المسلّحة وقياداتها إذا استمرّت الهجمات على المصالح الأمريكيّة أو تصاعدت العمليات ضدّ إسرائيل".
وطلبت حكومة السوداني من الفصائل "تخفيف حدّة العمليّات العسكريّة ضدّ إسرائيل"، وأكّدت لقياداتها بأنّ ما حدث مؤخّرا لن يَمرّ دون ردّ عسكريّ قريب على الفصائل المتورّطة في تلك العمليّات! وهذا يظهر تخوّف السوداني من تحوّل العراق في المراحل القادمة لساحة تصفيات دمويّة، قد يذهب فيها الكثير من الضحايا الأبرياء!
ضربات "الفصائل" تتمّ خلافا لرغبة الحكومة، وعليه فإنّ استمرار فلتان الأمور من قبضة السوداني قد يجرّ العراق ليكون ساحة للصراعات بين أذرع إيران (العراقيّة) مع "إسرائيل" وأمريكا!
ولاحقا استقبل السوداني، الخميس الماضي، أحد أعضاء مجلس النوّاب الأمريكيّ برفقة السفيرة الأمريكيّة في بغداد، وقد كانت حالة التّشنّج واضحة في وجوه الجميع، ممّا يعني أنّ هنالك رسائل غير مريحة جديدة وصلت لبغداد!
وقبلها بأقل من (24) ساعة أعلن فادي الشمري، مستشار السوداني، رفض بغداد "عمليّات القصف على إسرائيل"، نافيا أن تكون حكومة السوداني "حكومة مقاومة"!
وهذا يثبت بأنّ ضربات "الفصائل" تتمّ خلافا لرغبة الحكومة، وعليه فإنّ استمرار فلتان الأمور من قبضة السوداني قد يجرّ العراق ليكون ساحة للصراعات بين أذرع إيران (العراقيّة) مع "إسرائيل" وأمريكا!
ومع هذه التخوّفات فإنّ إجراءات حكومة بغداد غير كافية لوقف العمليّات العسكريّة ضدّ "إسرائيل" والقواّت الأمريكيّة في العراق، وذلك لأنّه لو كان للسوداني سطوة لما تجرّأت تلك الفصائل على ضرب القوّات الأمريكيّة خلافا لرغبة الحكومة واتفاقيّاتها مع الجانب الأمريكيّ، وهذا جزء من المعادلات، السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، المتناقضة في الميادين العراقيّة!
العراق الرسميّ، فضلا عن "العراق الفصائليّ"، لا يملك القدرات العسكريّة والجّوّيّة لمواجهة سلاح الجّوّ الأمريكيّ، المتحكّم أصلا بالأجواء العراقيّة، فضلا عن سلاح الجّوّ "الإسرائيليّ"!
والسؤال الذي قد يطرح هنا: هل العراق جزء من المعركة الإقليميّة الكبرى المتوقعة، أو "الصغرى" القائمة، أم أنّه يمكن أن يلعب دورا سياسيّا فاعلا لوقف الحرب في لبنان والوصول لتهدئة جديدة بين حزب الله اللبنانيّ والكيان الصهيونيّ؟
واقعيّا، فإنّ هذا الدور من الأدوار المحرجة للحكومة، التي لا يمكنها أن تقف ضدّ إرادة الفصائل المسلّحة المدعومة أصلا من القوّة الأكبر، المرجعيّة الدينيّة في النجف، والتي دعت للوقوف مع لبنان في "مقاومته"!
وبالمقابل، إن حاولت الحكومة أن تلعب دور الوسيط لوقف الحرب فحينها ربّما ستُتهم بالتطبيع مع "إسرائيل"، وهي في كلتا الحالتين بين فكّيّ تمساح، وهذه من المواقف التي قد تعجّل بسقوط الحكومة، وبالذات مع فضيحة التنصّت التي اتهمّ بها مكتب السوداني قبل عدّة أشهر، والتي طالت العديد من كبار القيادات العراقيّة، السياسيّة والأمنيّة!
ومن بين الشخصيّات المستهدفة، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وزعيم "منظّمة بدر" هادي العامري، ورئيس مجلس النوّاب السابق محمد الحلبوسي، وغيرهم!
حكومة السوداني تملك قرار السلم والحرب فهذا الكلام صحيح من الناحية الدستوريّة، ولكنّه من الناحية الواقعيّة لا يمكن التسليم به لأنّ الفصائل لا تنتظر موافقة بغداد لتنفيذ هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وكذلك الطرف الأمريكيّ وحتّى "الإسرائيليّ" لا تعنيهما تلك الموافقة، وهذا ما أثبتته الضربات الجوّية المجهولة التي تضرب العراق وتغادر
ومن تبعات هذه القضية الحسّاسة تقديم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، توصية للإدارة الأمريكيّة عبر تقرير له حول فضيحة التنصّت، وطالبها باستخدام "نفوذها كشريك رئيسيّ للعراق في مكافحة الإرهاب" لضمان عدم قيام الحكومة العراقيّة بمجرّد استبدال "السيّئين" بأشخاص "هم بنفس القدر من السوء أو أسوأ" عند معالجة الفضيحة وتعيين مسؤولين جدد في الكيانات الأمنية الكبرى في البلاد! وهذا تصريح واضح بالتدخّل الأمريكيّ في إدارة مؤسّسات الدولة العراقيّة، وبالذات الحسّاسة منها!
أما القول بأنّ حكومة السوداني تملك قرار السلم والحرب فهذا الكلام صحيح من الناحية الدستوريّة، ولكنّه من الناحية الواقعيّة لا يمكن التسليم به لأنّ الفصائل لا تنتظر موافقة بغداد لتنفيذ هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وكذلك الطرف الأمريكيّ وحتّى "الإسرائيليّ" لا تعنيهما تلك الموافقة، وهذا ما أثبتته الضربات الجوّية المجهولة التي تضرب العراق وتغادر دون معرفة المكان الذي انطلقت منه، أو الذي عادت إليه!
ومع ذلك تسعى حكومة السوداني لتجنيب العراق تداعيات الحرب، وتركّز جهودها الدبلوماسيّة للحديث مع حلفاء العراق الغربيّين المؤثّرين، وفي مقدّمتهم واشنطن ولندن؛ بهدف إقناعهم بموقف العراق البعيد عن الحرب، وللضغط على "إسرائيل" لعدم استهدافه!
وبعيدا عن جميع التداعيات فإنّ موقفنا الإنسانيّ والأخلاقيّ داعم لفلسطين ولبنان وللأحرار في العالم، ولكن بشرط أن تكون فعّاليّات الدعم لخدمة فلسطين ولبنان حقيقية وبرغبات وطنيّة، وليس تنفيذا لأجندات أجنبيّة على أرض العراق المرهق!
حافظوا على العراق من الاحتراق، ولا تجعلوه كمّاشة النار لتحقيق مخطّطات الغرباء التدميريّة!
x.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فصائل العراق إسرائيل فلسطين العراق إسرائيل فلسطين فصائل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حکومة السودانی الأمریکی ة من الناحیة العراقی ة العملی ات لا یمکن
إقرأ أيضاً:
المالية النيابية: حكومة السوداني لم تنجح في رسم سياسة نقدية واضحة
آخر تحديث: 20 فبراير 2025 - 10:34 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- حذر عضو اللجنة المالية النيابية مصطفى الكرعاوي، الحميس، من أن أي عقوبات تفرضها الخزانة الأمريكية على المصارف العراقية ستؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق المحلية، منتقداً غياب خطة حكومية واضحة للسياسة النقدية في البلاد.وقال الكرعاوي،في حديث صحفي، إن “أي عقوبات أمريكية على المصارف العراقية ستؤدي إلى تقليل عدد المصارف المشاركة في نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية، مما يفاقم الطلب على الدولار ويؤثر على استقرار السوق”.وأضاف أن “البنك المركزي العراقي بحاجة إلى وضع نظام فعّال وحقيقي لضبط السوق، وإلا فإن أزمة الدولار وتقلبات سعر الصرف ستستمر إلى أجل غير معلوم”.ورأى الكرعاوي أن “الحكومة لم تنجح حتى الآن في رسم سياسة نقدية واضحة، كما لم تتمكن من السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق المحلية”.وقبل أيام، سربت معلومات عن فرض الخزانة الأمريكية عقوبات على 5 مصارف عراقية، ومنعت استخدام البطاقات الإلكترونية خارج العراق، قبل أن يصدر البنك المركزي العراقي، بيانا عن مفاوضاته مع واشنطن، ونفى صدور عقوبات على المصارف.وخلال العام الماضي، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على مصارف عدة، وأمتثل لها البنك المركزي، وعاقبها عبر منعها من المشاركة بمزاد العملة، وذلك للحد من تهريب الدولار للخارج.وما يزال هناك فارق سعري كبير، بين السعر الرسمي للدينار العراقي أمام الدولار، وسعره في السوق، حيث يباع رسميا بـ 132 ألف دينار لكل مائة دولار، فيما سعره بالسوق المحلية 151 ألف دينار لكل مائة دولار.