في 27 من أكتوبر العام الماضي، تزامنًا مع بداية الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة، وعلى وقع أعنف الغارات الجوية كثافة منذ الحرب العالمية الثانية، لم يجد الجنرالات الإسرائيليون في أنفسهم الجرأة، أو في قواتهم القدرة على اجتياح القطاع من منطقة الشرق كما جرت العادة، خوفًا من الارتطام بكتائب جباليا والشجاعية.
وبحثًا عن زهوة انتصار سريعة، بدأت قواتهم التوغل من الشمال الغربي ومن جنوبي مدينة غزة. وبعد شهر ونصف تقريبًا منذ بداية الاجتياح، ركز الجيش الإسرائيلي ألوية نُخبته وقواته المدرعة وطيرانه المقاتل نحو هدف واحد، (جباليا)، البلدة والمخيم/ المعسكر.
في المخيال، يأتي اسم جباليا عادة محاطًا بهالة تغلِّفها الكثير من الأساطير. أساطير كافية لأن يغير ساكنوه اسمه المتعارف عليه من لفظة (مخيم)، مع ما يوحيه ذلك بوجود لاجئين مؤقتين، إلى لفظة (معسكر)، مع ما يشير إليه ذلك الاسم من وجود مقاتلين في طور الاستعداد للعودة “بالقوة” إلى ديارهم التي نزحوا منها.
هذا المعسكر، الذي تبلغ مساحته أقل من 1500 متر مربع، كان على موعد دائم مع التاريخ. خرجت منه شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ودُفع من دماء أبنائه الكثير في الحروب الإسرائيلية، لوقوعه على حافة شرقي قطاع غزة. كما أنه يُعتبر خزّانًا رئيسيًا وحاضنة شعبية كبرى للفصائل الفلسطينية، خرج منه عماد عقل، أول من قال بالمسافة صفر، ونزار ريان صاحب مقولة “لن يدخلوا معسكرنا”.
كتائب جباليا
لنعد مرة أخرى إلى هذه الحرب. طبقًا لمعهد دراسة الحرب الأمريكي فإن كتائب القسام في جباليا تتكون من 4 كتائب، كل كتيبة مسؤولة عن حيز جغرافي معين:
كتيبة الخلفاء الراشدين / مسؤولة عن مخيم جباليا.
كتيبة الشهيد سهيل زيادة / مسؤولة عن شرق جباليا.
كتيبة الشهيد عبد الرؤوف نبهان / مسؤولة عن جباليا البلد.
كتيبة عماد عقل / مسؤولة عن غربي جباليا، بالإضافة لمنطقة التوام.
آيزنكوت يُهزم مجددًا
في ديسمبر الماضي، واجهت هذه الكتائب الأربع، فرقتين كاملتين من الجيش الإسرائيلي، معززتين بلوائي جفعاتي وناحال، بالإضافة إلى الطيران والمدفعية التي لم تتوقف عن صب حممها على البلدة والمخيم.
وبعد أكثر من شهرين قضاهم جيش الاحتلال يناور ويقصف بلا هوادة، لم يصل لعمق المخيم، وخسر أكثر من 50 آلية، ما بين دبابة ومدرعة، طبقًا لبيانات القسام، كما قُتل في المعارك نجل عضو مجلس الحرب المصغر حينها غادي آيزنكوت (قائد أركان الجيش الإسرائيلي في حرب 2008).
ولمحاولة إضفاء أجواء سعيدة على المعركة، برر الجيش الإسرائيلي انسحابه بتحقيقه السيطرة العملياتية على شمالي غزة، “بما فيها جباليا”، وزعم أنه قضى على كتائب جباليا الأربع، وقتل قادتها، وانسحب دون الدخول لعمق المخيم.
لكن تحقيق معهد دراسة الحرب الأمريكي قال آنذاك إن ثلاثًا من كتائب القسام الأربع في جباليا تعرضت لضربات مميتة، لكنها ما زالت تعمل، بينما لم تنج كتيبة عماد عقل المسؤولة عن غربي جباليا، نظرًا لكثافة النيران وضراوة المعارك في تلك المنطقة.
الكتائب تعود للحياة من جديد
في مايو الماضي، وبعد 5 أشهر من ادعائه الانتصار وتحطيم كتائب جباليا، حاول جيش الاحتلال التوغل مجددًا في المعسكر، ليُلاقي مقاومة عنيفة. لم يستطع مرة أخرى الوصول لعمق المخيم، وانسحب لاحقًا على وقع الضربات التي طاردته في المحاور التي كان يتقدم منها، وخرج البيان المعهود عن تدمير كتائب جباليا، والسيطرة مجددًا بشكل عمليّاتي على الشمال.
وبعد 12 شهرًا من العملية الأولى، تحاول قوات الاحتلال حاليًا التوغل في جباليا، وتحديدا من (المنطقة الغربية – التوام)، التي ذكر تقرير دراسة الحرب أن كتيبة عماد عقل، المسؤولة عن هذه المنطقة، أُبيدت العام الماضي. لكن المفاجأة أن هذه الكتيبة تخوض معارك شرسة اليوم.
أما كتيبة سهيل زيادة (شرقي جباليا) التي يزعم التحليل الأمريكي أنها تدمرت وتعمل بالحد الأدنى، فقد رممت نفسها ونفذت أكبر كمين تعرض له جيش الاحتلال في غزة خلال هذه الحرب، بعد إعلان القسام، الأربعاء الماضي، عن الإيقاع بسرية مشاة ميكانيكة مؤللة مكونة من 12 مركبة محملة بالجنود، واستخدم فيها المقاتلون أسلحة مضادة للمدرعات، وعبوات متنوعة بين مضادة للآليات وللأفراد، إضافة إلى اشتباكات بالأسلحة الخفيفة من المسافة صفر، طبقًا للبيان.
خطة الجنرالات
الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد مرة وتتوقع نتائج مختلفة. ما الذي يجعل الجيش الإسرائيلي الآن، في خضم معركته مع حزب الله في لبنان، ومعركته المحتملة مع إيران، يهاجم جباليا مجددًا؟ ما الذي يستطيع أن ينجزه رغم أنه، على حد قوله، دمر حماس هناك مرتين، وقضى على كتائبها مرتين؟
في أغسطس الماضي، ظهرت لأول مرة بشكل علني ما أُطلق عليه “خطة الجنرالات”، وهي خطة أعدها رئيس شُعبة العمليات الأسبق في هيئة رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال “غيورا آيلاند”، الذي يُعرف أنه “مُنظّر الحرب على غزة”.
الخطة تتضمن مرحلتين؛ المرحلة الأولى هي تهجير السكان المتبقين في شمال القطاع، الذين يبلغ عددهم 300 ألف شخص تقريبًا، إلى الجنوب. والمرحلة الثانية تقضي بفرض حصار خانق، ومنع كامل لدخول الوقود والطعام والشراب إلى من تبقى، ومن تعتقد إسرائيل أنهم “مقاتلو القسام”. ليجد هؤلاء المقاتلين أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت جوعًا، أو الاستسلام.
الخطة لاقت تأييدًا واسعًا من ضباط الاحتياط الإسرائيليين، وهي تمثل بطبيعة الحال صدى للتصريحات القديمة والمتكررة التي يطلقها وزراء في الحكومة الإسرائيلية حول تهجير سكان غزة، وإعادة السيطرة العسكرية والمدنية الإسرائيلية على القطاع من جديد.
جباليا، بوصفها (عاصمة الشمال) وانطلاقًا من (انتصارها)، لجأ إليها الآلاف من سكان البلدات التي دمرها الاحتلال في الشمال، وكذلك من سكان مدينة غزة الذين لم ينزحوا للجنوب. ومع وجود نشاط تجاري “محدود” هناك، تحولت عاصمة الشمال إلى العاصمة الحقيقية لنصف القطاع، ما جعلها هدفًا أوليًا لخطة الجنرالات، مع الوضع في الاعتبار خصوصيتها التاريخية وخصوصيتها في الحرب الحالية.
لذلك سيعني سقوط جباليا تكرار ذات السيناريو في مدينة غزة، وربما في خان يونس لاحقًا. وصمودها يعني انهيار الخطة، وهزيمة الجنرالات، وتكرار التاريخ مجددًا.
*كاتب صحفي مصري
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومُسيّرة أطلقا من اليمن
أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم السبت 26 أبريل 2025، عن اعتراض سلاح الجو، طائرة مُسيّرة كانت بطريقها لإسرائيل من جهة الشرق, وكانت بطريقها من اليمن.
وفي وقت لاحق، فجر السبت، أعلن الجيش اعتراضه صاروخا أطلق من اليمن قبل دخوله المجال الإسرائيلي.
وقال الجيش في بيان "إثر انطلاق صافرات الإنذار قبل قليل في مناطق عدة في إسرائيل، اعترض صاورخ أطلق من اليمن قبل دخوله الأراضي الإسرائيلية".
وكان قد أعلن الحوثيون، عن استشهاد شخص وإصابة آخر في غارات أميركية استهدفت عدة مناطق في عدد من محافظات البلاد، في سلسلة بيانات صدرت عنهم.
وقالت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين في بيان مقتضب على قناتها في تلغرام: "شهيد وجريح نتيجة قصف طيران العدو الأميركي لمنزل مواطن في مناطق البدو الرحل شرق مديرية سحار، بمحافظة صعدة (شمال)".
ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ، شنّ الحوثيون عشرات الهجمات الصاروخية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وضدّ سفن في البحر الأحمر على ارتباط بالاحتلال.
وتتعرّض مناطق الحوثيين في اليمن لغارات شبه يومية يحمّلون الولايات المتحدة مسؤوليتها، منذ أعلنت واشنطن في 15 آذار/ مارس إطلاق عملية عسكرية ضد الحثويين لوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الصاروخ الذي تم اعتراضه خلال الليل هو الصاروخ الثاني والعشرون الذي يطلقه الحوثيون منذ استئناف الاحتلال حربه على غزة في 18 آذار/مارس.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين تصعيد الاحتلال مستمر في مدينة طولكرم ومخيميها - 90 يوما من العدوان مصرع شاب إثر حادث سير ذاتي بمركبة غير قانونية شمال غرب رام الله واشنطن: الأونروا ليست محصنة ضد الدعاوى القضائية الأكثر قراءة السيسي وملك الأردن يبحثان جهود إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة قوات الاحتلال تحوّل القدس إلى "ثكنة عسكرية" الخارجية تُحذّر من مخططات المنظمات الاستيطانية ضد الأقصى الرئيس الكولومبي: يجب التفكير في الشعب الفلسطيني عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025