من لبنان واليمن.. كونوا مطمئنين
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
تعزز المستجدات والأخبار القادمة من المواجهات الدائرة على الحدود الشمالية لفلسطين من حقيقة مفادها ” أن حزب الله لا يتعافى فقط، بل يستعيد زمام المبادرة”، وبأن الكيان الصهيوني يتكبد الأثمان الباهظة والمؤلمة سواءً من خلال توسع مديات المُسيّرات والصواريخ ونوعياتها، والنتائج في الخسائر البشرية والمادية التي يحصيها الكيان، أو من خلال التكريس المتصاعد لمعادلة التهجير وفقدان قطعان المستوطنين ما تبقى من أمن أو حلم بالعودة في ظل هذه المعطيات.
الأهم في هذه المعارك أنها في بُعدها الميداني باتت مضبوطة من قبل حزب الله برتم حرب استنزاف متدرّجة مدروسة، كان آخر شواهدها الحية الضربة القاسية لمعسكر لواء جولاني في حيفا المحتلة، وفي بعدها التحليلي تهشيم للصورة النمطية التي أراد مراكمتها جيش الاحتلال كثقافة لاستقطاب المزيد من القطعان خلال عقود طويلة من الاحتلال، بكون الأرض الفلسطينية لا تزال ملاذاً آمناً للمشروع الاستيطاني ونزلائه، وبكون الدولة اليهودية المنشودة لا تزال مفتوحة حدودها على التهام المزيد من الأرض العربية.
ووفق الآية الكريمة ” وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا “، فإن النزوح وويلات الحرب لم تعد حصراً على الفلسطيني واللبناني – مع فارق الرجاء الإلهي والأحقية في البقاء – إلا أن الألم بات تشاركيا إلى حد كبير، يرافقه مسار النزف في عديد وعتاد الاحتلال في المواجهة البرية، ومعها يزداد نجاح المقاومة الإسلامية في لبنان في تجريع الإسرائيلي من الكأس المُرّة ذاتها، وبإمكانها توسيع دائرة المستوطنات المخلاة، طالما استمرت الحرب، وأبعد من ذلك ستشكل تهديدا كبيرا على “إسرائيل” كوجود طارئ يعجل باجتثاثه من المنطقة.
والشاهد أننا نواجه كياناً وظيفياً وليس دولة، ومجرد فرع أو جزء لا يتجزأ من أصله -القوى الاستعمارية الغربية- التي انجرت إلى هذا الصراع لحظة شعورها بالخطر المحدق الذي ينتظر مولودها غير الشرعي في المنطقة.. على هذا المفهوم نشأت الثقافة القرآنية في اليمن، ونجحت في توصيف الصراع منذ مطلع الألفية الجديدة، واليوم ها هو اليمن يمسك بأحد خيوط المشنقة المرتقبة للفرع وأصوله ويحكم قبضته على الخناق البحري، وقد عطل ميناء إيلات وساهم في تدهور الاقتصاد الإسرائيلي، وهزم الهيمنة الأمريكية في البحار والمحيطات، ولا يزال يبحث في توجيه المزيد من الضربات المؤلمة لإسرائيل.. لدرجة أن وصف مركز غربي ما يفعله اليمن ” تحدياً كبيراً لإسرائيل والقوى الغربية، بعد أن نجحت قواته في فرض إرادتها على الساحة الدولية”، وما لم تأخذ دوائر القرار في الغرب نصائح هذا المركز الداعية إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء العدوان على غزة، كشرط لتخفيف التهديد الذي تشكله صنعاء على الملاحة الدولية، فإن المعركة مستمرة، وهي معركة مختلفة بمفاعيلها البشرية والمنهجية والمادية، لا تقارنوها بمسارات الصراع السابقة البائسة، اخرجوا من دوامة اليأس وكونوا مطمئنين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف حوّلت الحيوانات الصراع مع إسرائيل إلى حرب رمزية على السوشيال ميديا؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في خضم الصراعات السياسية والحروب الإعلامية، لا تتوقف الطبيعة عن إرسال إشاراتها الخاصة، وكأنها تعكس واقعًا متشابكًا يحمل تناقضات العصر،ففي زمنٍ باتت فيه الأحداث تتسارع بشكل غير مسبوق، أصبحت بعض الظواهر الطبيعية أكثر من مجرد مصادفات، بل تحولت إلى رموز تختزل معاني المقاومة والتحدي.
ومع توسع رقعة الإعلام الرقمي، لم تعد هذه الحوادث تمر مرور الكرام، بل أصبحت مادة دسمة تُستخدم في السرديات السياسية والثقافية، حيث تختلط الحقيقة بالأسطورة، ويتحول كل تفصيل إلى إشارة ذات دلالة.
من غرابٍ ينتزع علم الاحتلال، إلى وشقٍ مصري يقتحم قاعدة عسكرية، وفئرانٍ تنهش وجوه الجنود، وصولًا إلى البرص المصري الذي أثار ذعر السلطات البيئية، باتت الطبيعة لاعبًا غير متوقع في ساحة الصراع، تقدم دروسًا عميقة عن الهشاشة والقوة، وتعيد تعريف المقاومة في أبسط صورها وأكثرها رمزية.
غراب يسقط العلمبدأت القصة بمقطع فيديو لغراب يحلق فوق منزل في الضفة الغربية، قبل أن ينقض على علم إسرائيل المرفوع فوقه، وينتزعه رغم محاولات صاحب المنزل منعه. لم يكن الحدث مجرد صدفة، بل سرعان ما تحول إلى رمز لسقوط الاحتلال، وربطه نشطاء بقصة الغراب في القرآن الكريم الذي علّم قابيل كيف يدفن جثة أخيه، معتبرين أن "الغراب يعلمنا كيف نُواري سوأة الاحتلال".
الوشق المصريفي واقعة نادرة، اقتحم وشق مصري قاعدة عسكرية قرب حدود سيناء، متحديًا أسوار الجيش الإسرائيلي. ورغم إصابته، إلا أن مجرد مواجهته لقوات الاحتلال اعتُبر رسالة رمزية تعكس تحدي الطبيعة للأنظمة العسكرية. أثارت الحادثة تفاعلات واسعة، واعتبرها البعض درسًا في المقاومة يأتي من عالم الحيوان نفسه، وكأن الطبيعة ترفض الاحتلال بطريقتها الخاصة.
فئران تنهش وجوه الجنودفي حادثة أخرى أثارت استياءً واسعًا، تعرض جنود إسرائيليون في قاعدة عميعاد لهجوم من الفئران أثناء نومهم، ما أدى إلى إصابتهم بجروح بالغة. لم يكن الحدث مجرد مشكلة صحية، بل اعتبره البعض انعكاسًا لحالة التدهور في المعسكرات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، حيث باتت الظروف المعيشية المتردية تؤثر حتى على أساسيات الأمان داخل القواعد العسكرية.
البرص المصريفي عام 2022، أطلقت إسرائيل تحذيرات من انتشار البرص المصري في منطقة وادي عربة، واعتبرته تهديدًا للنظام البيئي والزراعي. لم يكن هذا المخلوق الصغير في نظر الإعلام مجرد كائن بيئي، بل تحول إلى "عدو خفي"، يُثير الذعر بأسلوبٍ بطيء ومدمر، ليصبح رمزًا لطبيعة المقاومة التي لا تعتمد على المواجهة المباشرة بل على الاختراق التدريجي.
تكشف هذه الحوادث كيف يمكن للطبيعة أن تتحول إلى سلاح رمزي في معارك الإنسان، حيث تتداخل حدود الواقع والأسطورة في تشكيل الوعي الجمعي. في ظل الصراعات السياسية، لم تعد المقاومة مقتصرة على البشر وحدهم، بل دخلت الطبيعة نفسها على الخط، تترك رسائلها بطريقتها الخاصة، وتجعل من الحوادث العادية إشارات تحمل دلالات تتجاوز المعنى الظاهر.