صحيفة الاتحاد:
2025-03-18@17:59:13 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: اللغة والإنسان

تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT

هل نستطيع تصوّر الإنسان خارج شرط اللغة..!
هذا سؤالٌ لا يحتاج لجواب، ولكنه يحتاج لأخذه بالاعتبار حين نفكر بمعاني الثقافة ودلالات التحوّل الفكري، فللغة سلطةٌ عميقة على الأذهان، واللغة أسبق من الإنسان، بمعنى أن لغة كل واحد منا سابقةٌ عليه في الوجود، ونحن من هنا نولد في اللغة، فنجد المعاني، وما هو أخطر من المعاني، أقصد به المجازات.

والمجازات هي لعبة لغويةٌ مضادة للمعاني، وصانعةٌ لها في الوقت ذاته، وتأتي الحقيقة من قول ابن سينا بأن المعاني غير محدودة، بينما الألفاظ محدودة، ولذا لزم أن يدل اللفظ الواحد على أكثر من معنى. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تطلع كل مبدع، لأن يبتكر معاني تحقق صفة الإبداعية في مادته المكتوبة، ولو ظلت معانيه مثل معاني سالفيه لما دخل لعالم الإبداع، وهنا تكون وظيفةُ الإبداع في أنه يدفع لصناعة المجازات، وهذه لغة ما بعد اللغة، وهذا ما يجعل صناعة المعاجم اللغوية تظل تتسع وتتغير، وكذلك تظل الخطابات تتسع حسب مجالات القول، ليس الشعري والسردي فحسب، بل سنرى الخطاب العلمي والخطابات الاقتصادية والسياسية، وخطاب الإعلام ولغة وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا فالإنسان نفسه لغةٌ، لأنه يصف نفسه باللغة، ويعبّر عن فكره وعن أحلامه باللغة كما يتمثلها في اقتصادياته وعلاقاته السياسية والقانونية والحقوقية، وهو محكوم باللغة، ومن ثم فالتراث اللغوي يصبح قيمةً أوليةً يجري الإنسان وفق شرطها، مع ما يتيحه المجاز من حرية فردية تمكنه من أن يتحرر من سلطة سلفه، وهذا يعني أن اللغة عامةٌ وشمولية، بينما المجاز يتيح فرصة الفردانية والتفرد، مع بقاء المجازات الكبرى ذات بعد شمولي مثل معاني الهوية، ومعاني المعتقدات، ومعاني البنية الكلية للوحدة البشرية، حسب المرجعيات التي تنتمي لها تماماً كما تنتمي لموقع جغرافي بحدود مقررة، بعد أن كانت الجغرافيا في بداية علاقة الإنسان معها بيئة مفتوحة على الأبدية، ولكن الإنسان طمح للخصوصية، فصنع بيئات سماها بالأوطان، وبيئات معنوية سماها باللغات، وفي كل مرة يختص لنفسه بيئةً خاصةً سماها البيت، ويقابلها المجاز القابل للتفرد والاختصاص، وفي العلم جرى العرف بتسميات المجازات العلمية بالمصطلحات، والمصطلح مجاز فردي رغب بأن يتحوّل لمجازٍ عام، وأن يدخل للمعجم بمعنى محدد، بينما ظلت مزية المجاز العلمي في تفرده وفردانيته من حيث الإنتاج، ومن حيث البقاء منتسباً لقائله الأول.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: أغنيةٌ قادمةٌ من الغيم د. عبدالله الغذامي يكتب: هناك أرض تكفي للجميع

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

بلال قنديل يكتب: الناس بالناس

الناس هم اساس المجتمع، و جوهر الحياة وهذا العنوان يحمل في معناه   أنّ الناس  بإيجابياتهم و سلبياتهم  قوّتهم و ضعفهم  هم أساس الحياة  و هم من يُشكّلون  نسيجها  المُتداخل

في هذا العالم  الواسع  نجد  أنفسنا  مُحاطين  بأناسٍ  كُثر  مختلفين  في  أشكالهم  و  أفكارهم  و  طبائعهم  بعضهم  قريبٌ  منّا  بِروابطِ  الدم  أو  الصداقة  أو  المُجتمع  و  بعضهم  آخر  لا  نعرفهم  إلاّ  بِمُجرد  المُصادفة

و في هذا التفاعل  المُستمر  بين  الناس  تظهر  معادنهم  الحقيقية  فنجد  من  يُسارع  إلى  مدّ  يد  العون  و  المُساعدة  في  أوقات  الشّدّة  و  الضيق  و  نجد  من  يُغلق  بابه  في  وجه  المُحتاج  و  يُدير  ظهره ويعامله بسلبيه وكانه لم يكن يعرفه يوما

و  في  مواقف  الحياة  المُختلفة  تتجلّى  قوّة  التّرابط  بين  الناس  فنجد  أنّ  الناس  بالناس  يُصبحون  أقوى  و  أكثر  قدرةً  على  تجاوز  الصّعاب  و  المُشكلات  و  نجد  أنّ  التّعاون  و  التّضامن  هما  أساس  النجاح  و  التّقدّم

و لكن  في  نفس  الوقت  نجد  أنّ  الناس  بالناس  يُمكن  أن  يُصبحوا  أكثر  ضعفاً  و  هشاشةً  فالتّنافس  و  الحسد  و  الغدر  و  الخيانة  كلّها  أشياء  تُؤثّر  سلباً  على  المُجتمع  و  تُهدّد  بِتفكّكه

و  في  هذا  العالم  المُعقّد  يُصبح  من  الضروريّ  أن  نُدرك  أهمية  التّواصل  و  الفهم  و  التّسامح  بين  الناس  يجب  أن  نُحاول  أن  نرى  الجميل  في  الآخرين  و  أن  نُقدّر  جهودهم  و  أن  نُساعدهم  عندما  يحتاجون  إلى  ذلك

و  في  النهاية  يبقى  الناس  هم  أساس  الحياة  و  هم  من  يُحدّدون  مسارها  فبِحسن  تعاملنا  مع  بعضنا  نُبني  مجتمعاً  قوياً  و  متماسكاً  و  بِسوء  تعاملنا  نُهدّد  بِتفكّكه  و  انهياره

فلتكن  علاقتنا  ببعضنا  بناءة  و  إيجابية  لتكن  قائمة  على  المحبة  و  الاحترام  و  التّعاون  لتكن  مُلهمة  لِجيلٍ  قادم  يُدرك  أهمية  التّرابط  و  التّضامن  بين  الناس  ففي  النهاية  الناس  بالناس  و  الحياة  بِالناس

فلتكن  حياتنا  معاً  أجمل  و  أكثر  إشراقاً

مقالات مشابهة

  • سالم بن سلطان القاسمي: يوم زايد للعمل الإنساني مناسبة لتكريس معاني البذل والمحبة
  • كريم خالد عبد العزيز يكتب: رسالة تقوية وتشجيع: ذكريات خالدة وحب متجدد
  • بلال قنديل يكتب: الناس بالناس
  • راشد عبد الرحيم يكتب: خطاب الهزيمة
  • تقرير رسمي: المغاربة رابع أكثر شعوب العالم تحدثاً باللغة الفرنسية
  • الكوردية.. إرث اللهجات المتعددة يصطدم بتحدي اللغة الموحدة
  • «مشهد يجسد معاني الرحمة».. شرطة أبوظبي تفتح الطريق أمام سرب من البط
  • فيديو | «مشهد يجسد معاني الرحمة».. شرطة أبوظبي تفتح الطريق أمام سرب من البط
  • مناهج التعليم
  • د. نصار عبد الله: للصيام حكمة تتمثل في تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليه