هل نستطيع تصوّر الإنسان خارج شرط اللغة..!
هذا سؤالٌ لا يحتاج لجواب، ولكنه يحتاج لأخذه بالاعتبار حين نفكر بمعاني الثقافة ودلالات التحوّل الفكري، فللغة سلطةٌ عميقة على الأذهان، واللغة أسبق من الإنسان، بمعنى أن لغة كل واحد منا سابقةٌ عليه في الوجود، ونحن من هنا نولد في اللغة، فنجد المعاني، وما هو أخطر من المعاني، أقصد به المجازات.
والمجازات هي لعبة لغويةٌ مضادة للمعاني، وصانعةٌ لها في الوقت ذاته، وتأتي الحقيقة من قول ابن سينا بأن المعاني غير محدودة،
بينما الألفاظ محدودة، ولذا لزم أن يدل اللفظ الواحد على أكثر من معنى. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تطلع كل مبدع، لأن يبتكر معاني تحقق صفة الإبداعية في مادته المكتوبة، ولو ظلت معانيه مثل معاني سالفيه لما دخل لعالم الإبداع، وهنا تكون وظيفةُ الإبداع في أنه يدفع لصناعة المجازات، وهذه لغة ما بعد اللغة، وهذا ما يجعل صناعة المعاجم اللغوية تظل تتسع وتتغير، وكذلك تظل الخطابات تتسع حسب مجالات القول، ليس الشعري والسردي فحسب، بل سنرى الخطاب العلمي والخطابات الاقتصادية والسياسية، وخطاب الإعلام ولغة وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هنا فالإنسان نفسه لغةٌ، لأنه يصف نفسه باللغة، ويعبّر عن فكره وعن أحلامه باللغة كما يتمثلها في اقتصادياته وعلاقاته السياسية والقانونية والحقوقية، وهو محكوم باللغة، ومن ثم فالتراث اللغوي يصبح قيمةً أوليةً يجري الإنسان وفق شرطها، مع ما يتيحه
المجاز من حرية فردية تمكنه من أن يتحرر من سلطة سلفه، وهذا يعني أن
اللغة عامةٌ وشمولية، بينما المجاز يتيح فرصة الفردانية والتفرد، مع بقاء المجازات الكبرى ذات بعد شمولي مثل معاني الهوية، ومعاني المعتقدات، ومعاني البنية الكلية للوحدة البشرية، حسب المرجعيات التي تنتمي لها تماماً كما تنتمي لموقع جغرافي بحدود مقررة، بعد أن كانت الجغرافيا في بداية علاقة الإنسان معها بيئة مفتوحة على الأبدية، ولكن الإنسان طمح للخصوصية، فصنع بيئات سماها بالأوطان، وبيئات معنوية سماها باللغات، وفي كل مرة يختص لنفسه بيئةً خاصةً سماها البيت، ويقابلها المجاز القابل للتفرد والاختصاص، وفي العلم جرى العرف بتسميات المجازات العلمية بالمصطلحات، والمصطلح مجاز فردي رغب بأن يتحوّل لمجازٍ عام، وأن يدخل للمعجم بمعنى محدد، بينما ظلت مزية المجاز العلمي في تفرده وفردانيته من حيث الإنتاج، ومن حيث البقاء منتسباً لقائله الأول.
كاتب ومفكر سعوديأستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
د. عبدالله الغذامي يكتب: أغنيةٌ قادمةٌ من الغيم
د. عبدالله الغذامي يكتب: هناك أرض تكفي للجميع
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية:
الغذامي
عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
هل تطبق جامعة الأزهر مقترح تدريس الطب باللغة العربية؟.. اعرف الإجابة
أكد الكاتب الصحفي محمد الشرقاوي أن مسألة تعريب العلوم الطبية بجامعة الأزهر ليست قراراً نهائيًا، بل هي مجرد مقترح قد يتم مناقشته في المستقبل.
وأوضح محمد الشرقاوي في مداخلة هاتفية مع عبيدة أمير وأحمد دياب ببرنامج «صباح البلد» المذاع عبر قناة صدى البلد، أن تعريب العلوم الطبية بجامعة الأزهر ليست قراراً نهائيًا، بل هي مجرد مقترح قد يتم مناقشته في المستقبل، متابعا:" إذا تمت الموافقة على هذا المقترح، سيتم عرضه على مشيخة الأزهر، ثم يتم رفعه إلى رئيس الجمهورية لاعتماده".
وأشار الشرقاوي إلى أن تاريخ الطب في مصر بدأ منذ عام 1827، وأن اللغة الإنجليزية فرضت على الطب في مصر منذ فترة الاحتلال البريطاني عام 1887، مما أدى إلى أن دراسات الطب استمرت باللغة الإنجليزية لأكثر من 130 عامًا.