شهدت مناطق شمالي غربي سوريا خلال هذا الأسبوع تصعيدا روسيا هو الأول من نوعه منذ أكثر من 3 شهور، حيث شنت الطائرات الحربية الروسية عشرات الغارات العنيفة على منشآت وأحياء سكنية ما أسفر عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح.

ويفتح هذا التصعيد الذي يأتي على وقع توترات إقليمية غير مسبوقة في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان والغارات الإسرائيلية المتصاعدة على الأراضي السورية، فضلا عن الهجمات المتبادلة بين كل من "إسرائيل" وإيران.



وتنخرط الأراضي السورية بشكل متسارع في هذا الصراع المحتدم سواء من خلال التوغلات الإسرائيلية في الجنوب أو في الحديث عن معركة عسكرية مرتقبة للمعارضة في شمال غربي سوريا ضد النظام السوري.

على وقع ذلك، شنت روسيا التي تتمركز قواتها في قاعدة حميميم بالقرب من محافظة اللاذقية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ما يزيد على الخمسين غارة في الفترة بين يومي الاثنين والأربعاء الماضي على مناطق مختلفة من أرياف حلب وإدلب.




وأسفرت هذه الغارات عن مجزرة مروعة بحق المدنيين، حيث استشهد 10 أشخاص على الأقل وأصيب ما يقرب من 32 شخصا بجروح مختلفة، بينهم نساء وأطفال.

وكانت إدلب التي تعد معقل المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا، تعرضت على مدى الأشهر الأخيرة إلى هجمات متفرقة بين الحين والآخر من الطيران المسير التابع لنظام بشار الأسد، لكن لم تشهد المنطقة هذه الكثافة من الغارات الروسية منذ مدة بعيدة، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤلات بشأن الرسائل التي تريد روسيا، التي تعد حليفا رئيسيا للنظام السوري، من هذه الضربات العنيفة التي تأتي في ظل غليان غير مسبوق في المنطقة.

رسالة بالقبضة العسكرية
وفي هذا الشأن، يلفت الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، نوار شعبان، إلى أن هذا التصعيد الروسي يأتي ضمن تصعيد إقليمي"، مشيرا إلى ضرورة فهم المشهد الإقليمي، بما في ذلك ملاحظة الفواعل التي يشملها هذا التصعيد، وهم "إسرائيل" وإيران وحزب الله.

ويوضح شعبان في حديثه لـ"عربي21"، أن روسيا موجودة في الجغرافيا السورية وقد تم ضرب مواقع عسكرية بالقرب من قاعدة حميميم على الساحل السوري حيث تتواجد القوات الروسية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك تصريحات من الجانب التركي تتحدث عن خطورة التقدم الإسرائيلي، وأنباء متداولة حول عملية عسكرية مرتقبة ضد النظام السوري من قبل المعارضة، وفقا للباحث السوري.


ويلفت شعبان إلى أن روسيا أرادت في ظل هذه المشهد الإقليمي، أن توجه رسالة واضحة مفادها أنها "لا تزال قوة عسكرية أساسية في المنطقة والاتفاقيات التي أبرمتها مع أي جهة لا تزال سارية، بهدف التأكيد على أن عدم وجوده على الساحة لا يعني اختفائه".

و"ارتأت موسكو أن تكون هذه الرسالة عبر إظهار قوة عسكرية ضد فئة مدنية"، وفقا للباحث في مركز حرمون.

ويُرجع شعبان اختيار روسيا للخيار العسكري إلى سببين اثنين، أولهما التأكيد على قوتها العسكرية، الثاني التأكيد على قدرتها على استهداف المدنيين "دون أن يكون هناك أي رادع في وجهها يحول دون ذلك أو أي نوع من أنواع المساءلة".

وتعد محافظة إدلب منضوية ضمن اتفاقية خفض التصعيد، التي وقعتها ما يعرف بالدول الضامنة، وهي روسيا وإيران وتركيا، في الدورة السادسة من مسار أستانا في أيلول /سبتمبر عام 2017، والتي هدفت إلى وقف المواجهات العسكرية بين المعارضة والنظام السوري وجعل محافظة إدلب ملاذا للنازحين من بطش النظام، وهو ما يحد كذلك من موجات اللجوء إلى تركيا.

ولم توقف هذه الاتفاقية التي صنفت بإدلب بمنطقة خفض التصعيد الرابعة، هجمات وتوغلات النظام في المنطقة، وهو ما دفع إلى توقيع اتفاقيات أخرى خلال السنوات اللاحقة بين كل من تركيا وروسيا، اللتين تعتبران حجر الأساس في الوضع القائم في مناطق شمال غربي سوريا منذ سنوات طويلة.

مساع لتغيير الوضع السائد
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أن "هذا التصعيد مصمم في جانب للضغط على تركيا وفي جانب آخر لمحاولة تغيير الوضع القائم على الأرض"، مشيرا إلى أنه "عادة ما يلجأ الروسي إلى مثل هذا التصعيد للضغط على أنقرة إن في الملف السوري أو في قضايا أخرى".

ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "روسيا هي لاعب رئيسي في المشهد السوري وهي حريصة على إظهار أنها تتحكم بدينيامكيات المشهد لا سيما في الشمال".

بالطبع، هذا التصعيد يتقاطع مع التحشيد العسكري للنظام في المنطقة، حيث يحاول الروس الاستفادة من هذا الوضع القائم في المنطقة لمحاولة تغيير الستاتيكو في الشمال السوري، بحسب علوش.

وتداولت الأوساط المحلية خلال الآونة الأخيرة أنباء حول عملية عسكرية مرتقبة لفصائل المعارضة السورية في شمال غرب البلاد ضد نظام بشار الأسد، بالتزامن مع حالة الانشغال التي تعيشها المنطقة وحلفاء بشار الأسد بالحرب الإسرائيلية على لبنان، في حين كشفت وسائل إعلام مقربة من النظام أن هذا الأخير حشد قواته على جبهات القتال مع المعارضة.

وبين النفي والتأكيد المتداول في المنصات المحلية، يبدو أن الحذر والترقب للتطورات المتسارعة في المنطقة هو العنصر السائد على المشهد في شمال سوريا المكتظ بملايين النازحين، الذين طردوا من منازلهم واضطروا إلى النزوح إلى المناطق الخاضعة تحت نفوذ المعارضة.


وفي هذا الإطار، يوضح علوش أن "روسيا تستخدم هذا التصعيد بشكل أساسي من أجل الضغط على تركيا ولمحاولة تغيير الوضع القائم لأن هذا الوضع لم يكن لمصلحة النظام السوري وروسيا، بل كان لمصلحة تركيا في جانب وهيئة تحرير الشام في جانب آخر".

وبالتالي، فإن هناك مصلحة روسية في محاولة تغيير هذا الوضع، كما يقول الباحث.

ويستدرك علوش بالإشارة إلى أن محاولة فرض واقع جديد في شمال غربي سوريا سيزيد من الضغط على العلاقات التركية الروسية في فترة حرجة للغاية تمر بها هذه العلاقة.

ويشير إلى أن وجود حاجة لدى كل من أنقرة وموسكو للحفاظ على إدارة الوضع في سوريا بشكل تفاهمي وتجنب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.

ووفقا لتقدير علوش، فإن "الحفاظ على الاستقرار في منطقة خفض التصعيد الرابعة يشكل مصلحة لجميع الأطراف بما في ذلك روسيا، لكن الأمر يتوقف الآن على كيفية مقاربة موسكو للاستفادة من التصعيد في إطار الضغط على تركيا".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية روسيا النظام السوري إدلب تركيا تركيا روسيا إدلب النظام السوري المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شمال غربی سوریا النظام السوری الوضع القائم هذا التصعید فی المنطقة فی جانب فی شمال إلى أن

إقرأ أيضاً:

لماذا تتحفظ مصر على الوضع في سوريا؟

القاهرة- منذ الإطاحة بنظام الأسد بدا الموقف المصري حيال ما يحدث في سوريا متحفظا في طريقة تعامله مع السلطة الجديدة بدمشق، وتجلت دلائل ذلك على مدار الشهر الماضي عبر مواقف دبلوماسية وتصريحات رسمية، كان آخرها ما قاله وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال كلمته ضمن الاجتماع الوزاري العربي حول سوريا.

وخلال كلمته في الاجتماع الوزاري الموسع الذي عقد الأحد بالعاصمة السعودية الرياض، شدد الوزير المصري على ضرورة "عدم إيواء عناصر إرهابية" على الأراضي السورية، داعيا إلى تكاتف الجهود الدولية للحيلولة دون أن تصبح دمشق "مصدرا لتهديد استقرار المنطقة أو مركزا للجماعات الإرهابية".

قبل ذلك بيومين فقط، وصف وزير الخارجية المصري، خلال حوار تلفزيوني، الحكومة السورية الجديدة بـ"سلطة الأمر الواقع".

غير أن ذلك الموقف المتحفظ لم يمنع مصر ممثلة في وزير خارجيتها أن تكون شريكة في التوافق العربي -الذي خرج به اجتماع الرياض- على دعم سوريا ورفع العقوبات المفروضة عليها.

تحفظ مصري

منذ الإطاحة بنظام حزب البعث، أوائل الشهر الماضي، ظهر التحفظ المصري على التغيرات الجذرية بسوريا، حيث تأخرت القاهرة نسبيا في التواصل مع دمشق الجديدة، إذ أجرى وزير الخارجية المصري اتصالا هاتفيا بنظيره السوري، بعد نحو شهر كامل من تولي السلطة الجديدة قيادة البلاد.

إعلان

وتعددت التصريحات الرسمية بخصوص الوضع السوري، واصفة إياه بالمقلق والممهد لتداعيات خطيرة على المنطقة بأسرها.

وأبدى سياسيون وإعلاميون موالون للسلطة المصرية مخاوفهم وتحذيراتهم مما وصفوه بوصول ما أسموه تنظيمات مسلحة لسدة الحكم في سوريا وخطورة تصدير فكرهم لدول أخرى.

وأصدرت السلطات المصرية قرارا، مطلع الشهر الجاري، يشترط حصول السوريين القادمين من كافة أنحاء العالم إلى القاهرة على تصريح من "جهات معنية" دون تحديد ماهية تلك الجهات.

محددات الموقف

بدوره، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، كلمة الوزير خلال اجتماع الرياض الأخير بمثابة محددات للموقف المصري حيال سوريا.

وأضاف -في تصريحات تلفزيونية- أن موقف القاهرة تجاه دمشق يرتكز على عناصر أساسية هي ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ودعم المؤسسات الوطنية للقيام بأدوارها، وتبني عملية سياسية شاملة تضم مكونات الشعب دون إقصاء لأي طرف.

وأكد خلاف حرص القيادة المصرية على ألا تكون سوريا حاضنة للإرهاب.

وعن وصف وزير الخارجية للقيادة السورية بـ"سلطة الأمر الواقع"، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن هذا المصطلح يوثق الواقع الفعلي في دمشق ويعكس طبيعة ظروف المرحلة الانتقالية الاستثنائية هناك.

وأوضح أن المصطلح يستخدم في مواقف سياسية تشهد فيها أي دولة انهيارا للسلطة التنفيذية خلال فترة وجيزة، وينتج عن ذلك تفكك لمؤسسات الدولة وفراغ بالمشهد السياسي تملؤه عناصر تقرر أخذ زمام الأمور رغم كونها غير منتخبة نظرا لظروف المرحلة الاستثنائية، حسب قوله.

طائرة مساعدات إنسانية وصلت إلى دمشق من القاهرة أوائل الشهر الجاري (مواقع التواصل) أكثر وضوحا

الخبير المتخصص في علم الاجتماع السياسي، عمار علي حسن، رأى أن الموقف المصري من المسألة السورية يبدو أكثر وضوحا، حتى لو لم يمتثل بالضرورة لكل شروط الدبلوماسية التي التزم بها آخرون.

إعلان

وأوضح، في تصريح للجزيرة نت، أن هناك دولا عربية أخذت مسار احتواء السلطة الجديدة في سوريا، تماشيا مع طلب غربي، دون أن يعني هذا بالضرورة رضاها التام عنها.

وأضاف "هناك من أيد السلطة الجديدة، وهناك من تخوف من قطع طريق إمداد المقاومة اللبنانية بالسلاح والمؤونة، وهناك من رحب لتخليص بلد عربي من نفوذ إيراني وصل حد الاحتلال"، حسب قوله.

أما السلطة في مصر، وفق الخبير السياسي نفسه، "فهي تقارب الأمر من عدة زوايا أولها ما يتعلق بالنظر بعين الريبة إلى نوايا تركيا الراعية للسلطة الجديدة بسوريا، وكونها تحل محل إيران هناك، وثانيها يخص علاقة جبهة تحرير الشام بالغرب الذي يرحب بها ويشجعها ويحتويها ولو إلى حين".

وثالث الزوايا، يضيف المتحدث، يتعلق بهزيمة الجيش السوري على يد فصائل مسلحة، ثم تدمير مقدراته على يد إسرائيل، "هذا المسلك لا يروق للسلطة المصرية التي ترى الجيش الوتد الرئيسي لتثبيت الدولة".

ولم تفت عمار حسن الإشارة إلى مخاوف القيادة المصرية حيال تهديد وحدة سوريا، بخاصة حال تجدد حرب أهلية، موضحا رفض القاهرة القاطع لوصول جماعة سياسية إسلامية إلى السلطة ومخاوف من تأثير هذا على جماعات نظيرة بمصر ربما ترى في النموذج السوري الراهن مثلا يُحتذى، وفق قوله.

واستطرد "هناك خبرة مصرية مريرة مع تنظيمات كوّنها مصريون في الخارج ومارست الإرهاب في الداخل مثلما حدث بعد انتهاء الحرب الأفغانية ضد السوفيات من ظهور ما سمي تنظيم طلائع الفتح الذي كونه جهاديون مصريون كانوا في أفغانستان، واليوم تخشى مصر من تكرار الأمر انطلاقا من سوريا".

قلق القاهرة

ومن جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية، خيري عمر، أن وصف الدبلوماسية المصرية للقيادة السورية بـ"سلطة الأمر الواقع" لا يعد انتقاصا من السلطة القائمة بقدر ما هو توصيف واقعي من الناحية القانونية.

وأوضح، للجزيرة نت، أن وضع القيادة السورية الحالية مؤقت لحين إجراء الانتخابات أو إقرار التوافق السياسي عبر حوار وطني، وأردف "على ذلك الأساس تريد الدبلوماسية المصرية تحديد الوضعية القانونية للقيادة السورية، وبالتالي تحديد آليات تمثيل الشعب السوري وعقد الاتفاقيات الخارجية".

إعلان

وعن القلق مصري حيال تصدير الإرهاب من سوريا إلى الدول الأخرى، قال الأكاديمي "بعد سقوط الحكومات التي استقرت لوقت طويل، يحدث فراغ يكون مصدر قلق للدول الأخرى كون السلطة الجديدة لا تكون كاملة السيطرة على كامل إقليم الدولة".

وضرب مثالا بالحالة الليبية وكيف تأثرت القاهرة من نقل أسلحة إلى سيناء من ليبيا، وأضاف "كانت هناك مجموعات متداخلة مسلحة خلال الحرب الأهلية في سوريا، ومن بينها من يحمل الجنسية المصرية، وبالتالي فالقاهرة قلقة من أن تشارك بعض منها في عمليات إرهابية".

في عام 2017، كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد حذر من أن تتحول الجهات الواقفة وراء الحرب في سوريا إلى مصر.

في الإطار نفسه، أكد السفير المصري الأسبق، محمد العرابي، أن مصر تمتلك رؤية إستراتيجية وتتخذ خطوات مدروسة بعناية لذلك، فهي لا تسرع الخطوات نحو النظام السوري الجديد.

وأضاف -في تصريح تلفزيوني- أن القيادة المصرية حريصة على مصلحة الشعب السوري في المقام الأول، موضحا أن وصف الدبلوماسية المصرية للقيادة السورية بـ"سلطة الأمر الواقع" دقيق وفي محله.

مقالات مشابهة

  • نائب: الوضع السوري معقد والعراق يسعى لحماية مصالحه
  • تحالفات مناوئة: رسائل توقيت الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران إلى ترامب
  • إيران: تعاوننا مع روسيا في سوريا يهدف لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي
  • الحوثيون يتابعون تنفيذ الهدنة في غزة.. وتهديدات مفتوحة إذا استمر التصعيد
  • خطوة تاريخية ... اليابان تفتح بعثة دبلوماسية لدى حلف الناتو وسط توتر إقليمي متصاعد مع روسيا والصين
  • الشرع: ملتزمون باتفاق 1974 مع إسرائيل
  • قطر: الوضع في سوريا يتطلب رفع العقوبات عن البلاد بأسرع وقت
  • بتوجيه إيراني ..حراك عراقي لعقد مؤتمر دولي لمناقشة الوضع السوري الجديد
  • بغداد تحتضن قمة دولية عالية المستوى لمناقشة الوضع السوري وأمن المنطقة
  • لماذا تتحفظ مصر على الوضع في سوريا؟