أيديولوجيا ثقافة الحوار فى واقعنا المعاصر 1
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
بداية ما الفرق بين الحوار الثقافى ، وثقافة الحوار؟
ما حال واقعنا الثقافى ؟ وما هى رؤيتنا له؟
وما هى مقومات وركائز النهوض به؟
بداية لابد أن نقدم تعريفا للمصطلحين.
فما المقصود بثقافة الحوار؟
ثقافة الحوار ، من وجهة نظرى ، هى فهم واستبصار، وإدراك الموضوع محل المناقشة، ثم إدارة الحوار بموضوعية مع طرح الذاتية وعرض رأيك مع فتح قناة تواصل مع الآخر والإنصات إليه باهتمام، والدخول معه فى حوار بنَّاء من خلال عرضه لرأيه ، ووجهة نظره مهما تباينت .
أما الحوار الثقافى، فهو عبارة عن اختيار نقطة محورية بموضوع ما سواء أ كان هذا الموضوع سياسيا، أو اجتماعيا، أو اقتصاديا، أو سيكولوجيا مع دعوة أهل التخصص ؛ لتبادل الآراء والأفكار من خلال تنظيم حلقة نقاشية أو بحثية أو ندوة أو أى مسمى آخر -أمسية، مثلا - ويدير الحوار محاور بارع يتملك زمام الحلقة النقاشية ويتوغل فى أحشائها دون أن تطغى فكرة فى الحوار على أخرى ويكون متوازنا فى إدارة الحوار متسما بالموضوعية والحرفية، والأمانة المهنية؛ حتى لا يطغى أحد على الآخر.
والغرض من المصطلحين الخروج بحوار بنَّاء من الممكن أن نستفيد بما يقدمه من آراء وأفكار واطروحات، ومعالجات ونتائج للوصول لحلول ناجعة لكثير من مشكلاتنا، التى تمس واقعنا المعيشيّ، كمشكلة القطيعة المعرفية، أو التفكير الأحادى الجانب، أو العزلة الفكرية، أو مشكلة التبعية الممقوتة، أو النزعات التشددية عند أصحاب بعض الديانات السماوية، أو الوصاية الفكرية المتمثلة سلبيا -أفعل ولاتفعل- أنا الذى أفكر لك، أنا الذى أكتب لك ، أنا الذى أخطط لك، من دونى لاتستطيع أن تحيا.
أو محاولة الآخر بسط هيمنته عليك، كالذى يحاول الغرب المتطرف أن يفعله مع أبناء العالم الثالث، أو كما يدعى بعض المستشرقين من مقولة(الغرب المتمدن، والشرق المتخلف).
وهذا الطرح يجسد واقعنا الثقافى المعاصر، لا جديد، لا جدية، لا نية للتغيير للأفضل، العود القهقرى إلى الخلف، وركب التقدم التقنى والعلمى العالمى فى واد ونحن ندور فى فلك واحد دوران الفرجار فى الدوائر متحدة المركز، ماذا سيقدم لنا فى الندوات والمؤتمرات، كم سيدفعون لنا نظير الظهور على شاشات الفضائيات، والكل مدان ، لا استثنى أحدا وأنا أولهم . الجميع لهم مآرب أخرى، إما سلطة أو شهرة أو نفوذ وجاه، والنتيجة إنهيار تام أو شبه تام لصرح الثقافة ،وتدمير موروثنا الثقافى الذى توارثناه من آبائنا ،وأجدادنا وأسلافنا .
ومما يثير الدهشة والعجب ،أن يهمش أصحاب الأقلام ذا الفقارية التى تكتب بغية الإصلاح، بغية التنوير، بغيرة نشر الثقافة الحقيقية، الثقافة الجماهيرية ،التى تصل من خلالهم إلى المدن والقرى والنجوع.
لا أخفيكم سرا ،كثيرة هى مشكلاتنا المعاصرة، إذا أردنا الكتابة عنها لاتكفينا مقالات كثيرة ومقالات، فواقعنا متجدد سيال متدفق ، وقضايانا ،لاتنتهى طالما أن هناك كائنا حيا اسمه إنسان ، فإنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس وإنسان الحاضر دأبه وديدنه السعى الدؤوب(الدءوب )، لأن يكون إنسان ينطلق إلى آفاق جديدة.
ونستكمل الحديث لاحقا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ثقافة الحوار إدارة الحوار موضوعية
إقرأ أيضاً:
شهادة حول عصر مضطرب من تاريخ تونس المعاصر.. كتاب جديد
صدر مؤخرا عن الدار المتوسطية للنشر بتونس كتاب من الحجم الكبير، من 550 صفحة، يحمل عنوان: "أقواس من حياتي" للكاتب والاعلامي والناشط السياسي والحقوقي التونسي المستقل صلاح الدين الجورشي. وقد برز الجورشي منذ عقود بحضوره الفكري والإعلامي العربي وبمساهماته في القنوات التلفزية والمجلات والصحف التونسية والعربية عديدة بينها مجلة 15*21، التي أسسها مع المفكر احميدة النيفر ورفاقه من مجموعة "الإسلاميون التقدميون في تونس" في الثمانينات، وصحيفة "الرأي" المعارضة وجريدة الصباح اليومية ثم مجلتي حقائق والمغرب الأسبوعيتين..
هذا الكتاب اختار له مؤلفه أسلوب "كتاب المذكرات والشهادات"، وهو يقدم سردية شخصية عن أكثر من نصف قرن من الحراك الفكري والثقافي والحقوقي والسياسي في تونس وفي كامل المنطقة العربية الإسلامية .
وبحكم خصوصية التجارب الفكرية والسياسية والإعلامية التي مر بها الجورشي خلال الخمسين عاما الماضية، قدم الكتاب قراءة نقدية وتأليفية للأدوار التي لعبها مع عدد من رموز النخب التونسية من عدة تيارات وانتماءات في قطاعات الإعلام والنضال من أجل الحريات وحقوق الإنسان والتعددية الفكرية والسياسية .
كما قدم الكتاب شهادات مكتوبة شخصية نادرة عن دوره وعدد من رفاقه مرحلتي التأسيس والتفعيل لـ "التيار الإسلامي التونسي الحركي الجديد" ثم تيار "الإسلاميين التقدميين" و"اليسار التونسي والعربي الحقوقي المعتدل" وجمعيات ثقافية وحقوقية محلية وإقليمية ودولية كان من بينها جمعية منتدى الجاحظ والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وشبكات للديمقراطيين في العالم العربي والفضاء الأورومتوسطي.
رسائل إلى النشطاء الإسلاميين والعلمانيين
وإذا كان كتاب الجورشي حاول أن يقترب أكثر من القارئ بأسلوبه الجميل والخفيف وتجنب تعقيدات الدراسات الفكرية المعمقة، فقد بدأ واضحا أنه حرص على أن يبلغ رسائل ثقافية وسياسية بالجملة أغلبها موجه إلى النخب التي كان قريبا جدا منها أو خاض معها معارك فكرية وإعلامية وسياسية أي النخب الإسلامية وخاصة "الاخوانية" و"السلفية" من جهة، والنخب والماركسية اللينينية والتيارات "الحداثية الاستئصالية" التونسية والعربية من جهة ثانية.
كان كتاب "أقواس من حياتي" للجورشي وثيقة فكرية سياسية تأريخية تأليفية حاولت "توظيف الشهادات الشخصية ذات الصبغة التاريخية" لتقديم قراءة لتطورات تونس والمنطقة بعد انتفاضة شبابها في العقد الأول من القرن الحالي وخاصة أواخر 2010 ومطلع 2011 ضمن ما عرف بـ "ثورات الربيع العربي".ولعل من أهم ما قد يفيد الباحثين والأجيال القادمة في هذا الكاتب خصص فقرات عديدة لتقديم "سردية نقدية" لتجاربه وعدد من الزعماء "المؤسسين" للحركات الإسلامية التونسية من جماعة الدعوة والتبليغ إلى الجماعة الإسلامية ("الإخوانية") وحركات الاتجاه الإسلامي والنهضة و"اليسار الإسلامي" و"التيار الإسلامي التقدمي" في تونس ومصر والمنطقة منذ تأسيس مجلتي "المسلم المعاصر" ثم "اليسار الإسلامي" في مصر وبروز كتابات ومفكرين مثيرن للجدل بينهم فتحي عثمان وجمال الدين عطية وحسن حنفي ومحمد عمارة وغيرهم من المتحفظين على "القراءات المحافظة والماضوية والسلفية المتشددة للاسلام دينا وتراثا وفكرا"..
تأسيس المعارضات في تونس والمنطقة
لكن الكتاب قدم في نفس السياق معلومات وشهادات مهمة عن جوانب عديدة في مسار تأسيس المعارضة التونسية والمغاربية والعربية الليبيرالية واليسارية والإسلامية المعتدلة خلال العقود الماضية، مع التوقف عند بعض مظاهر"الانغلاق الفكري والسياسي والحزبي" التي برزت في نفس الوقت داخل بعض الحركات والأحزاب الإسلامية واليسارية المتشددة والمجموعات "الحداثية الاستئصالية ".
وكانت هذه المجموعات بقية أسيرة "العقل الحزبي" و"القوالب الأيديولوجية الجاهزة". ولم ينجح بعضها في التحرر من عقدة "المدرسة اللائكية الفرنسية المتشددة" التي برزت مطلع القرن العشرين ولا في الانخراط في القيم التعددية الكونية التي تبنتها "العلمانية الديمقراطية الانقلوسكسونية".
طرائف.. واستنتاجات
ومن بين ما ميز الكتاب أن مؤلفه تعمد، على غرار ما عرف به في بعض كتاباته الصحفية ومداخلاته، أن يمزج الجد بشيء من الهزل وتقديم بعض "الطرائف والنوادر"، بدءا من حديثه عن "الفأر" الذي اكتشفه في مستودع للأرشيف في شركة النقل التي بدأ مساره المهني فيها شابا، قبل أن ينتقل إلى عالم الصحافة. وكان وقتها مكلفا بكتابه تقرير عن أوضاع الحافلات العمومية كان مطالبا بتسليمه لمسؤول الأرشيف .
فتساءل بينه وبين نفسه: هل قدر له أن يقضى حياته في تلك المهنة يوفر" للفأر" ما يحتاجه من ورق ليقضمه ويعيش؟
كما تعمد الكاتب نشر بعض "طرائف" الأستاذ عبد الفتاح مورو في مراحل عديدة من مشواره داخل الساحات الإسلامية والحقوقية والسياسية والبرلمانية، رغم الصبغة المثيرة للجدل لبعض تلك "الطرائف"، وبينها التمرة التي أهداه إياها آية الله الخميني، عندما التقاه في باريس مع بعض القيادات الإسلامية السنية، أو روايته عن "الرصاصة" التي أطلقت عليه في مستوى القلب يوم المواجهات الدامية بين قوات الأمن التونسي والعمال والعاطلين عن العمل يوم 26 يناير 1978، في سياق الصراعات العنيفة على خلافة "الرئيس المريض" الحبيب بورقيبة .
لقاءات مع مفكرين عالميين
وإذا كان القارئ المتابع لتطورات الحياة السياسية ومسارات حركات "الاحتجاج الشبابي" الإسلامية واليسارية في تونس والمنطقة يمكن ان يجد في شهادات صلاح الدين الجورشي ما يشفي غليله جزئيا من معلومات وأفكار، فإن من بين أبرز إضافات المؤلف أنه قدم "إضافات فكرية" مهمة، بعضها في شكل شهادات عن قراءاته ولقاءاته ومناظراته مع نخبة من المفكرين والكتاب والسياسيين العرب والتونسيين من مدارس مختلفة.
وهنا تبرز جوانب مهمة من الإشكاليات التي أثارها الكاتب والكتاب، لا سيما عندما عرض أو ناقش بعض أفكار وكتابات أعلام بارزين بينهم هشام جعيط والطيب التيزيني وحسن حنفي ومحمد أركون ومالك بن نبي ومحمد عمارة وسعد الدين العثماني وعصمت سيف الدولة ويوسف القرضاوي ومنير شفيق ومحمد الطالبي واحميدة النيفر ومصطفى النيفر وزياد كريشان فاطمة المرنيسي وبرهان غليون وطارق البشري ورضوان السيد وعدد من علماء الشيعة المعتدلين...
التيار الإسلامي "الثوري" والتيارات الإصلاحية
يضاف إلى هؤلاء عدد من كبار رموز الفكر والسياسة و"الإسلاميين الثوريين" وزعماء الحركات السياسية الإسلامية الشيعية والسنية بعد ثورتي إيران وأفغانستان أواخر سبعينات القرن الماضي ،بينهم محفوظ النحناح وقيادات جزائرية والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد حسين فضل الله من لبنان وقياديين ومثقفين وسياسيين إيرانيين بينهم زوجة المفكر الإيراني والكاتب "الإسلامي التقدمي" الشهير علي شريعتي الذي اغتالته مخابرات الشاه الإيراني الإيرانية في بريطانيا، فساهم اغتياله في تفجير الثورة الكبرى التي أطاحت بحكمه.
قدم الجورشي سردية حول جلسات حوار ومناظرات جمعته بعدد كبير من السياسيين والمثقفين في تونس والمنطقة، بينهم الرئيسين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي ورفاقهم وقيادات حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي والمقربون منهم في الحكومة والبرلمان .في نفس الوقت قدم الكتاب عروضا عن حوارات فكرية سياسية خاضها مع عدد من الحكام والسياسيين التونسيين والعرب بينهم الرئيسان الباجي قائد السبسي والحبيب بورقيبة ومعمر القذافي ورئيس البرلمان التونسي السابق راشد الغنوشي ورئيس الحكومة التونسية الأسبق محمد الغنوشي.. كما شملت الحوارات أجيالا من رواد الحركات المعارضة الليبيرالية والإسلامية واليسارية في تونس بينه راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو والفاضل البلدي وصالح كركر ووزراء وبرلمانيون سابقون في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي بينهم رواد حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ورابطة حقوق الانسان التونسية وصحف المعارضة الليبيرالية مثل احمد المستيري وحسيب بن عمار وخميس الشماري محمد الشرفي ..
شهادات عن "الاستثناء الديمقراطي التونسي"
في السياق نفسه كان كتاب "أقواس من حياتي" للجورشي وثيقة فكرية سياسية تأريخية تأليفية حاولت "توظيف الشهادات الشخصية ذات الصبغة التاريخية" لتقديم قراءة لتطورات تونس والمنطقة بعد انتفاضة شبابها في العقد الأول من القرن الحالي وخاصة أواخر 2010 ومطلع 2011 ضمن ما عرف بـ "ثورات الربيع العربي".
في هذه الشهادات قدم الجورشي سردية حول جلسات حوار ومناظرات جمعته بعدد كبير من السياسيين والمثقفين في تونس والمنطقة، بينهم الرئيسين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي ورفاقهم وقيادات حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي والمقربون منهم في الحكومة والبرلمان.
وكشف الجورشي في كتابه جوانب مما جرى في الكواليس في العشرية الماضية، التي يعتبر أنصار الديمقراطية التونسية بكونها قدمت " صة نجاح" وأنها "قدمت نموذجا عربيا وإسلاميا للتعددية والتعايش بين الفرقاء رغم ثغرات الدستور الجديدة والسياسات المتبعة والفشل في تحقيق استقرار سياسي امني يضمن حماية " الاستثناء الديمقراطي التونسي "..
مراجعات.. توسيع الآفاق
إجمالا يستحق الكتاب القراءة المتأنية والفهم ثم المناقشة والنقد، خاصة أن مؤلفه قدمه في شكل "شهادة" غضت الطرف عن حقائق كثيرة يمكن تناولها في دراسات معمقة، بما في ذلك فيما يتعلق بمسارات تجديد الفكر الديني والخطاب السياسي الإسلامي والحداثي في تونس والتجارب العديدة "للإسلاميين التقدميين" و"الإسلاميين المستقلين" و"التيار الإسلامي الديمقراطي المستنير" وحركات "الإصلاح" التي لا يجب أن تختزل في تجربة واحدة، على أهميتها ..
إذن فالكتاب قدم محاولة فكرية سياسية تأليفية مهمة جدا، لكنه يحتاج إلى متابعة القضايا التي أثارها في كتب ودراسات أخرى، تقرأ بدورها التاريخ المعاصر والواقع بنية البناء والإصلاح واستشراف مستقبل أفضل..