لجريدة عمان:
2024-10-18@19:33:25 GMT

مقايضة .. ما أبغضها!

تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT

يذهب مفهوم المقايضة -عموما- إلى الشأن التجاري أكثر منه إلى الشأن الإنساني، وذلك حسب العرف المتداول بين الناس، حيث تتم المقايضة سلعة بسلعة، وهذا أسلوب قديم -ربما- قبل أن يتطور النظام المالي المتداول بين الناس، كما هو الحال في الوقت الحاضر، حيث يتم دفع المال مقابل السلع، وأصبح من النادر جدا أن يعود أسلوب المقايضة التقليدية في عرفها القديم، والذي يهمنا أكثر في هذه المناقشة هي المقايضة الوجدانية، وهي المقايضة التي أراها من وجهة نظر شخصية، أنها امتحان كبير للذات التي تقف على طرف مقابل لتزن مستويات التفاعل بين الطرفين: إن سلم علي فسأسلم عليه، وإن زارني فسأزوره، وإن سأل عني فسأسأل عنه، وإن قدم لي هدية قدمت له هدية، وإن قابلني مبتسما فسأبتسم له، وإن واجهني بوجه مكفهر فسيكون موقفي كذلك؛ فأنا لست أقل منه، وتتناسل هذه المشاعر المتقايضة مع الطرف الآخر، وكأننا في حلبة نزال المنتصر فيها من يكون شعوره وفق هذه الصورة.

هذه الهواجس -يقينًا- لا يصرّح بها الفرد مع آخرين من حوله بصورة مباشرة، وإنما يضمرها في ذاته، ليقابل كل من يتوقع منه أن يكون نقيضًا لما يشعر به، بذات الأسلوب، والسلوك «مقايضة» وبالتالي متى وصل أحدنا إلى هذا المستوى من الشعور الذاتي تجاه الآخرين من حوله، فَقَدَ •–•كما أتصور– بوصلته الإنسانية، وأسقط نفسه «مع سبق الإصرار والترصد» في مأزق العلاقات الذهنية، وخرج بكامل إرادته عن مجموعة من الخيارات الإنسانية التي يحملها بين جنباته، حيث إن كل إنسان لا يمكن أن يعيش حالة جدب قاحلة وقاسية من كثير من المعززات الإنسانية التي يحملها بين جنباته، وإلا أصبح وحشًا كاسرًا لا يطيقه حتى أقرب الناس إليه، من أسرته في بيته الصغير، ولا أتصور أن إنسانًا طبيعيًا يمكن أن تصل حالته إلى هذا المستوى من الضعف.

ولأن الأمر كذلك فكيف يستطيب لفرد أن يتحرر من هذه التجاذبات الإنسانية التي يحملها بين جنباته؟ وبصورة أخرى كيف تكون له القدرة على لعب دورين في آن واحد، وهو ما يسمى بـ«انفصام الشخصية»؟ ما قد يحصل في مثل هذه الحالة عندما يواجه الفرد ضغطًا شعوريًا غير مسبوق، وتكون ردة الفعل لزمن قصير جدا، حتى «تهدأ العاصفة» أما أن يكون وفق ما جاء أعلاه سلوك ممنهج على طول الخط مع الآخرين، فهنا المسألة تأخذ بعدًا آخر، يندرج تحت الأمراض النفسية، ومعنى ذلك، فمتى أحس أحدنا بأنه وقع في مثل هذه المأزق أن يراجع نفسه سريعًا؛ لأن الأمر غير طبيعي بالمطلق، واستحسانه لهذا السلوك الذي يتصادم به مع الآخرين، فلن يكون على رأس قائمته أحد، حيث العزلة عندئذ.

يأتي البغض هنا، انعكاسا لمآلات النتائج المتوقعة من استمرار حالات المقايضة الوجدانية بين الناس، حيث يظل كل فرد يتوجس الأمر السيء من الآخر، ولا يأمن ما يضمره الآخر له، مع أن الآخر عندما يواجهك بوجه عبوس، أو عدم القدرة على التفاعل معك بالصورة التي تتوقعها -ربما- أنه يمر بحالة وجدانية صعبة، ربما عنده مشكلة أو أزمة في أمر ما، ربما كان مرهقا نفسيا أو جسديا، ربما لا يملك مالًا ليقابلك بمستوى هداياك، ربما لم يجد الفرصة المناسبة ليزورك، ربما انشغل عن الاتصال بك، فقائمته من العلاقات ليست أنت فقط، ثم، أين البذخ الإنساني الذي تتمتع به، وتشعر نفسك بأنك تمتلكه دون غيرك؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

العنصرية بوجه الإنسانية: من يحمي العمّال الأجانب في لبنان في زمن الحرب؟

 
هربوا من ظروف بلدانهم المتردية ظنّا منهم أن لبنان أكثر أماناً لهم، فدهست الحرب المستجدّة آمالهم. إنّهم العمال الأجانب من أفريقيا وآسيا على وجه الخصوص، الذين واجه الكثير منهم مصاعب جمّة إثر أزمة النزوح في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان.

تحدّث تقارير عدّة عن الحال المزرية التي وصل إليها العمّال الأجانب الذين لم يجدوا مكاناً لهم داخل مراكز الإيواء لأسباب عدّة، فوجدوا أنفسهم في الشارع خاصة وأن عائلات بكاملها تركت بيوتها بما فيها كي تلتحق بموجة النزوح والنفاد بحياة أفرادها بعيداً من القذائف والصواريخ الإسرائيلية.  

وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن نحو 176500 مهاجر يعيشون في لبنان، رغم أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير،  فيتم الركون بشكل عام إلى رقم 200 ألف مهاجر، ولكن حتى هذا الرقم "أقل من الواقع بشكل كبير"، وفقاً للخبراء والناشطين في هذا القطاع.

ويعمل كثيرون من هؤلاء كعمال نظافة أو مربيات أطفال، وهم خاضعون لنظام الكفالة في البلاد، الذي يربط العامل الأجنبي بكفيل محلي، وغالباً ما يؤدي هذا الأمر إلى إساءة معاملة العامل وزيادة صعوبة ظروفه خاصة في زمن الحرب على سبيل المثال.

فقد بات الكثير منهم اليوم مشردّاً بسبب هرب موظفيهم من أماكن سكنهم، فلم يجدوا ملجاً لهم لأن العديد من مراكز الإيواء رفضت استقبالهم بحجّة أنها للبنانيين فقط، فوقفت العنصرية عقبة بوجه الإنسانية.

إلا أن أوضاع هؤلاء تفاقمت نحو الأسوا من عدم استجابة سفارات بلدانهم مع اتصالاتهم لإجلائهم، خاصة وأنهم لا يمتلكون أسعار تذاكر الطيران، فضلاً عن أن شركات الطيران أوقفت رحلاتها من بيوت وإليها ما عدا شركة طيران الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن الأغلبية لا تمتلك جواز سفرها.

وعلى الرغم من قتامة الوضع، إلا أن بعض المتطوعين لبوا نداء الإنسانية، ففتحت بعض الأديرة والمدارس أبوابها لمن هم من غير اللبنانيين، عملاً بمبدأ أن الجميع يستحقّ الحماية والإنقاذ لما تيسّر من أدوات لتحقيق ذلك، ومهما كانت ضئيلة، ومن هذه الأديرة دير تابع للرهبنة اليسوعيّة في شرق بيروت.  

الأمل بالإنسانية يظل اساسياً في هكذا ظروف، لذا لا يجوز اعتبار العمّال الأجانب الذي يعينوننا في بيوتنا وسواها، طرفاً هامشياً.    
المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • بيان أوروبي بريطاني مشترك: السودان يمر بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم
  • هاريس وترامب.. وخطاب «الوقت الحرج»
  • وسائل إعلام إسرائيلية: السنوار ربما قتل بالصدفة
  • الجيش الإسرائيلي: ربما قتلنا يحيى السنوار بالصدفة!
  • يا كيجاب: بعدك أيامنا تنقصها النكهة.. قليل من السكر ربما وكثير من الملح والإيدام.. وذلك الدفء والإبتسام
  • العنصرية بوجه الإنسانية: من يحمي العمّال الأجانب في لبنان في زمن الحرب؟
  • خبيرة سياسية: يجب مقايضة إسرائيل بأوراق سياسية وأمنية لإيقاف تنفيذ مخططات نتنياهو
  • أبوالغيط والصراع مع إسرائيل
  • أستاذ علوم سياسية: يجب مقايضة نتنياهو بأوراق سياسية لكي يتوقف عن تنفيذ مخططاته