لجريدة عمان:
2024-11-18@00:33:02 GMT

مقايضة .. ما أبغضها!

تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT

يذهب مفهوم المقايضة -عموما- إلى الشأن التجاري أكثر منه إلى الشأن الإنساني، وذلك حسب العرف المتداول بين الناس، حيث تتم المقايضة سلعة بسلعة، وهذا أسلوب قديم -ربما- قبل أن يتطور النظام المالي المتداول بين الناس، كما هو الحال في الوقت الحاضر، حيث يتم دفع المال مقابل السلع، وأصبح من النادر جدا أن يعود أسلوب المقايضة التقليدية في عرفها القديم، والذي يهمنا أكثر في هذه المناقشة هي المقايضة الوجدانية، وهي المقايضة التي أراها من وجهة نظر شخصية، أنها امتحان كبير للذات التي تقف على طرف مقابل لتزن مستويات التفاعل بين الطرفين: إن سلم علي فسأسلم عليه، وإن زارني فسأزوره، وإن سأل عني فسأسأل عنه، وإن قدم لي هدية قدمت له هدية، وإن قابلني مبتسما فسأبتسم له، وإن واجهني بوجه مكفهر فسيكون موقفي كذلك؛ فأنا لست أقل منه، وتتناسل هذه المشاعر المتقايضة مع الطرف الآخر، وكأننا في حلبة نزال المنتصر فيها من يكون شعوره وفق هذه الصورة.

هذه الهواجس -يقينًا- لا يصرّح بها الفرد مع آخرين من حوله بصورة مباشرة، وإنما يضمرها في ذاته، ليقابل كل من يتوقع منه أن يكون نقيضًا لما يشعر به، بذات الأسلوب، والسلوك «مقايضة» وبالتالي متى وصل أحدنا إلى هذا المستوى من الشعور الذاتي تجاه الآخرين من حوله، فَقَدَ •–•كما أتصور– بوصلته الإنسانية، وأسقط نفسه «مع سبق الإصرار والترصد» في مأزق العلاقات الذهنية، وخرج بكامل إرادته عن مجموعة من الخيارات الإنسانية التي يحملها بين جنباته، حيث إن كل إنسان لا يمكن أن يعيش حالة جدب قاحلة وقاسية من كثير من المعززات الإنسانية التي يحملها بين جنباته، وإلا أصبح وحشًا كاسرًا لا يطيقه حتى أقرب الناس إليه، من أسرته في بيته الصغير، ولا أتصور أن إنسانًا طبيعيًا يمكن أن تصل حالته إلى هذا المستوى من الضعف.

ولأن الأمر كذلك فكيف يستطيب لفرد أن يتحرر من هذه التجاذبات الإنسانية التي يحملها بين جنباته؟ وبصورة أخرى كيف تكون له القدرة على لعب دورين في آن واحد، وهو ما يسمى بـ«انفصام الشخصية»؟ ما قد يحصل في مثل هذه الحالة عندما يواجه الفرد ضغطًا شعوريًا غير مسبوق، وتكون ردة الفعل لزمن قصير جدا، حتى «تهدأ العاصفة» أما أن يكون وفق ما جاء أعلاه سلوك ممنهج على طول الخط مع الآخرين، فهنا المسألة تأخذ بعدًا آخر، يندرج تحت الأمراض النفسية، ومعنى ذلك، فمتى أحس أحدنا بأنه وقع في مثل هذه المأزق أن يراجع نفسه سريعًا؛ لأن الأمر غير طبيعي بالمطلق، واستحسانه لهذا السلوك الذي يتصادم به مع الآخرين، فلن يكون على رأس قائمته أحد، حيث العزلة عندئذ.

يأتي البغض هنا، انعكاسا لمآلات النتائج المتوقعة من استمرار حالات المقايضة الوجدانية بين الناس، حيث يظل كل فرد يتوجس الأمر السيء من الآخر، ولا يأمن ما يضمره الآخر له، مع أن الآخر عندما يواجهك بوجه عبوس، أو عدم القدرة على التفاعل معك بالصورة التي تتوقعها -ربما- أنه يمر بحالة وجدانية صعبة، ربما عنده مشكلة أو أزمة في أمر ما، ربما كان مرهقا نفسيا أو جسديا، ربما لا يملك مالًا ليقابلك بمستوى هداياك، ربما لم يجد الفرصة المناسبة ليزورك، ربما انشغل عن الاتصال بك، فقائمته من العلاقات ليست أنت فقط، ثم، أين البذخ الإنساني الذي تتمتع به، وتشعر نفسك بأنك تمتلكه دون غيرك؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اللغة التي يفهمها ترامب

ما اللغة التى يفهمها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو؟!

الأول يفهم لغة المصالح، والثانى يفهم لغة القوة، والاثنان لا يفهمان بالمرة لغة القانون الدولى وحقوق الإنسان والمحاكم الدولية وقرارات الشرعية الدولية.

هل معنى ذلك أن الرؤساء الأمريكيين، وكذلك رؤساء الوزراء الإسرائيليون السابقون كانوا ملائكة ويقدسون لغة القانون والشرعية الدولية؟!

الإجابة هى لا. جميعهم يفهمون ويعرفون لغة القوة والمصالح، لكن تعبيرهم عن ذلك كان مختلفا وبدرجات متفاوتة، وكانوا دائمًا قادرين على تغليف القوة الخشنة بلمسات ناعمة وقفازات حريرية ملساء والقتل والتدمير بعيدًا عن كاميرات وعيون الإعلام. والدليل أن المذابح والمجازر الإسرائيلية مستمرة منذ عام 1948 حتى الآن، وخير مثال لذلك كان رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز.

نعود إلى ترامب ونقول إنه يصف نفسه أحيانًا بأنه مجنون ومن يعرفه يقول عنه إنه يصعب التنبؤ بأفعاله، وأنه لا ينطلق من قواعد معروفة. هو لا يؤمن بفكرة المؤسسات، والدليل أنه همش حزبه الجمهورى، وهمش وسائل الإعلام وتحداها. كما يزدرى المؤسسات الدولية، بل إنه ينظر مثلًا إلى حلف شمال الأطلنطى باعتباره شركة مساهمة ينبغى أن تعود بالعوائد والأرباح باعتبار أن الولايات المتحدة هى أكبر مساهم فى هذه الشركة أو الحلف.

تقييم ترامب لقادة العالم يتوقف على قوتهم وجرأتهم وليس على التزامهم بالأخلاق والقيم والقوانين.

حينما علق على خبر قيام إيران برد الهجوم الإسرائيلى، نصح إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وقبل فوزه بالانتخابات الأخيرة نصح نتنياهو أن ينهى المهمة فى غزة ولبنان بأسرع وقت قبل أن يدخل البيت الأبيض رسميًا فى 20 يناير المقبل.

وإضافة إلى القوة، فإن المبدأ الأساسى الذى يحكم نظرة وقيم ومبادئ ترامب هو المصلحة. ورغم أنه يمثل قمة التيار الشعبوى فى أمريكا، والبعض يعتبره زعيم التيار المحافظ أو اليمين المتطرف، فلم يعرف عنه كثيرًا تعصبه للدين أو للمبادئ. هو يتعصب أكثر للمصالح. وباعتباره قطبًا وتاجر عقارات كبير، فإن جوهر عمله هو إنجاز الصفقات.

وانطلاقًا من هذا الفهم فإنه من العبث حينما يجلس أى مسئول فلسطينى أو عربى مع ترامب أن يحدثه عن قرارات الشرعية الدولية أو الحقوق أو القانون الدولى. هو يعرف قانون المصلحة أو القوة أو الأمر الواقع.

ويحكى أن وزير الخارجية الأسبق والأشهر هنرى كسينجر نصح وزيرة الخارجية الأسبق مادلين أولبرايت قبل أن تلتقى الرئيس السورى الأسد، وقال لها: «إذا حدثك الأسد عن الحقوق والشرعية قولى له نحن أمة قامت على اغتصاب حقوق الآخرين أصحاب الأرض، وهم الهنود الحمر، وبلدنا تاريخها لا يزيد على 500 سنة، وبالتالى نؤمن بالواقع والقوة وليس القانون».

هذا هو نفس الفكر الذى يؤمن به ترامب، لكن بصورة خشنة وفظة. هو يتعامل مع أى قضية من زاوية هل ستحقق له منافع وأرباح أم لا.

وربما انطلاقًا من هذا المبدأ يمكن للدول العربية الكبرى أن تقدم له لغة تنطلق من هذا المبدأ. بالطبع هناك أهمية كبرى للحقوق وللشرعية وللقرارات الدولية والقانون الإنسانى، ومن المهم التأكيد عليها دائمًا، لكن وإضافة إليها ينبغى التعامل مع ترامب باللغة التى يفهمها. أتخيل أن اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية يمكنها أن تتفاوض مع ترامب بمجرد بدء عمله فى البيت الأبيض. بمنطق أنه إذا تمكن من وقف العدوان الإسرائيلى على فلسطين ولبنان فسوف تحصل بلاده على منافع مادية محددة، أما إذا أصرت على موقفها المنحاز?فسوف تخسر كذا وكذا.

بالطبع هذا المنهج يتطلب وجود حد أدنى من المواقف العربية الموحدة، ولا أعرف يقينًا هل هذا متاح أم لا، وهل هناك إرادة عربية يمكنها أن تتحدث مع الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا المنطق الوحيد الذى يفهمونه أم لا؟

الإجابة سوف نعلمها حتمًا فى الفترة من الآن حتى 20 يناير موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض
خصوصًا أن تعيينات ترامب المبدئية كلها لشخصيات صهيونية حتى النخاع، وهى إشارة غير مبشرة بالمرة.

أما عن نتنياهو فكما قلنا فهو لا يفهم إلا لغة القوة. وقوته وقوة جيشة وبلاده مستمدة أولًا وثانيًا وثالثًا وعاشرًا من قوة الولايات المتحدة، وبالتالى سنعود مرة أخرى إلى أن العرب والفلسطينيين يقاتلون أمريكا فعليًا وليس إسرائىل فقط.

(الشروق المصرية)

مقالات مشابهة

  • شح السيولة والحصار الإسرائيلي يعيدان غزة إلى عصر المقايضة
  • غزة: استمرار منع دخول غاز الطهي يعمّق الأزمة الإنسانية في القطاع
  • إيطاليا ترسل أكثر من 15 طنا من المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • بلدية غزة: استمرار منع دخول غاز الطهي يُعمّق الأزمة الإنسانية ويُهدد البيئة
  • اللغة التي يفهمها ترامب
  • ‏احتلال أرض فلسطين وصمةُ عار في جبين الإنسانية
  • د.حماد عبدالله يكتب: الإهتمام بالشأن العام !!
  • الخارجية الكندية تحذر من الكارثة الإنسانية في غزة
  • كندا تحذر من الأوضاع الإنسانية الكارثية في غزة
  • كندا تحذر من الكارثة الإنسانية في غزة