حلف لـ”تقليم أظافر إثيوبيا”.. ما تأثير التكتل المصري الصومالي الإريتري على حرب السودان؟
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
يتناول هذا التقرير التحالف الإقليمي الناشئ بين مصر والصومال وإريتريا، مع التركيز على دور هذه الدول في تشكيل مشهد النزاع السوداني. يسعى التحالف إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني، مما قد يؤثر بشكل مباشر على التوترات الحالية في السودان. ويستعرض التقرير الأبعاد السياسية والاستراتيجية لهذا التحالف..
التغيير: أمل محمد الحسن
يمثل تتويجاً لرحلة طويلة نحو الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل”، بهذه العبارات وصف الرئيس الإثيوبي آبي أحمد اتفاقية عنتبي “الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل”.
الاتفاقية التي لا توافق عليها دول المصب السودان ومصر، إلى جانب الخلافات السابقة حول سد النهضة ثم الاتفاق الذي منحت بموجبه جمهورية أرض الصومال، غير المعترف بها دوليا، إثيوبيا مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن، أدت إلى نشوء تكتل إقليمي جديد تقوده القاهرة وتشارك فيه كل من إريتريا والصومال ضد أديس أبابا.
مصالح متباينة
على الرغم من توافق الدول الثلاث صاحبة الحلف الجديد على محاصرة إثيوبيا، إلا أن كل دولة منهم تحمل أهدافا مختلفة للدخول في هذا التكتل وفق صحفي ومحلل سياسي إريتري، فضل حجب اسمه، مشيرا إلى أن التحركات المصرية تدفعها حرب المياه التي تعتبرها مصر تقع ضمن أمنها القومي، فيما تضغط الصومال على أديس أبابا لسحب اعترافها بأرض الصومال وعدم التمكن من استخدام الموانئ بدون موافقة مقديشو.
ووصف هذا المحلل، الموقف الإريتري، في حديثه لـ” التغيير” بأنه ناتج عن خلافات عميقة مع حكومة آبي أحمد على إثر توقيع اتفاق بريتوريا بينها والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الذي يخالف هدف أسمرا المتمثل في ضرورة القضاء عليها.
ووأوضح المحلل الإريتري بأن موقف رئيس بلاده من سد النهضة متأرجح انطلاقا من علاقاته المتذبذبة مع إثيوبيا مشيرا إلى تصريح لأفورقي في مقابلة إعلامية عندما قال “إن مشروع سد النهضة ذو بعد سياسي وعاطفي أكثر منه تنموياً”.
وأضاف: عقب وصول آبي أحمد لسدة الحكم في إثيوبيا وتطبيع العلاقات بين إرتريا وإثيوبيا زار أفورقي سد النهضة، وقال لاحقا في مقابلة مع التلفزيون الإرتري، إن سد النهضة أصبح أمرا واقعا،وأشار إلى أن ودول المصب أخطأت في عدم إثارة القضية عند بداية تشييد السد، وأكد عدم وجود حل لهذا الخلاف إلا بالحوار حول القضايا الفنية لسد النهضة بين الدول الثلاثة بما يضمن مصالحها.
أمن مصر القوميمن جانبه قال المستشار العسكري السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي، عادل عبد الكافي، إن القاهرة لا تتحرك عسكريا خارج أراضيها إلا لحماية أمنها القومي.
وأشار في حديث لـ”التغيير” إلى أن التكتل المصري الأخير يهدف للوجود في الحديقة الخلفية لإثيوبيا من أجل الضغط عليها وحرمانها من تحقيق استراتيجيتها التي بنتها مع أرض الصومال.
التكتل المصري الأخير يهدف للوجود في الحديقة الخلفية لإثيوبيا من أجل الضغط عليها وحرمانها من تحقيق استراتيجيتها التي بنتها مع أرض الصومال
مستشار عسكري
ووأوضح عبد الكافي بأن إثيوبيا تملك تحالفا مع الإمارات وإسرائيل تحصل بفضله على معدات عسكرية وتكنولوجيا متطورة تهدد الأمن المصري.
اختلف مع التحليلات السابقة الصحفي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد حسن الذي يرى في التحركات المصرية محاولة لعرقلة التنمية في دول حوض النيل عامة وأثيوبيا والسودان بصفة خاصة.
أجندة خبيثةوقال حسن في مقابلة مع “التغيير” إن القاهرة تحقق أجندتها الخبيثة بدعم كل عوامل الاضطراب والقلاقل داخل هذه الدول مستغلة أوجه القصور وعوامل النزاع الداخلية والخارجية، وأضاف”: القاهرة تنفق في سبيل ذلك بسخاء”
واتهم عبد الصمد القاهرة بدعم انفصال إريتريا عن إثيوبيا وجنوب السودان عن السودان، مشيرا إلى إنها اليوم لاستغلال الصومال التي دعمتها في الستينات والسبعينات لمحاربة إثيوبيا، مما أسفر عن الحرب الأهلية الصومالية التي مزقت الصومال.
وأضاف: تعود القاهرة اليوم للصومال وإريتريا ودول أخرى لكي تضغط على إثيوبيا في محاولة انتزاع ما عجزت عن تحقيقه عبر المفاوضات.
يوضح الصحفي والمحلل الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد بأن دول حوض النيل أدركت ما يحدث وبدأت فعليا في الاستفادة من النيل بما يحقق مصالحها التنموية بالتعاون والعمل المشترك واصفا اتفاقية عنتبي بالخطوة المتقدمة في الاتجاه الصحيح لمعالجة الخلل والسياسات المجحفة التي تريد بعض الدول استمرارها للمستقبل.
تقليم أظافرمن جانبه دافع الصحفي المصري سيد مصطفى عن تحركات بلاده مؤكدا أنها لا تنوي الإضرار بأديس أبابا، لكنها تشعر بالقلق من اتفاقية آبي أحمد مع أرض الصومال لجهة أنها لا تريد ضغوطا إثيوبية على البحر الأحمر .
ووصف الحلف الجديد بأنه مكون من “مناهضي إثيوبيا” ويسعى فقط لـ”تقليم أظافرها” والوقوف في وجه طموحاتها، وعلى الرغم من عدم مشاركة السودان في هذه القمة، إلا أن مصطفى يراه “حليفا ضمنيا” في هذا التكتل.
ورأى مصطفى في مقابلة مع :التغيير” إن الحلف ذو جذور تاريخية وثقافية وإن بلاده لها أيادي بيضاء على إريتريا والصومال، كما يرى أن هناك تبادلا ثقافيا وتاريخيا يجعل البعض يعول على أن يكون للتكتل ثمار اقتصادية واجتماعية وثقافية تفوق النتائج السياسية والأمنية.
التكتل الاقليمي لا يسعى للإضرار باثيوبيا لكنه يريد “تقليم أظافرها”
صحفي مصري
تحالف هزيل سياسياعلى الرغم من ردود الفعل الكبيرة على التكتل الإقليمي الجديد، إلا أن الخبير الاستراتيجي محمد إبراهيم كباشي قلل من فاعليته واصفا الدول التي تحالفت معها القاهرة بأنها لا تملك وزنا سياسيا على المستويين الإقليمي والدولي، على الرغم من امتلاكها مواقع جيو استراتيجية، واصفا الجماعات الموجودة في الصومال بذات الطبيعة “المافيوية” الباحثة عن مصالح اقتصادية أكثر منها سياسية.
ووصف الخبير الاستراتيجي القراءة المصرية بـ”الخاطئة” حال كان هدفها إضعاف أديس أبابا مشددا على أن هذه المنطقة ملتهبة وأي محاولة لتجديد الصراع فيها ستؤثر في حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتهدد المصالح المصرية بصورة مباشرة.
وقال كباشي لـ”التغيير” إن مصر لا بد أن تتجه إلى الحلول السياسية والتفاوضية بدلا عن استعراض القوة والتمدد الأمني والعسكري مشيرا إلى أن تجاربها الخارجية السابقة مثل ما حدث في اليمن جعلها تدفع فواتير عالية.
ولفت الخبير الاستراتيجي لضرورة أن تتجه مصر نحو الحلول السياسية والتفاوضية؛ لأنه أفضل من استعراض القوة والتمدد الأمني والعسكري. وأضاف: “مصر لديها تجارب في اليمن وغيرها وكانت الفاتورة باهظة عليها”. حسب قوله.
من الأفضل أن تتجه مصر نحو الحلول السياسية والتفاوضية؛ لأنه أفضل من استعراض القوة والتمدد الأمني والعسكري
خبير استراتيجي
وحذر كباشي من محاولات دفع خارجية لدول المنطقة للعب أدوار مخطط لها لفاعلين مصلحتهم المحافظة على مصالح الدول الغربية، واستدرك قائلا “لا أتحدث عن فزاعة الغرب، لكن إدارة الصراعات والمياه والبحث عن النفوذ في منطقة متفجرة على أساس أمني وعسكري سيضفي مزيدا من التعقيد على المشهد.
التحالف وحرب السودانلا شك في أن التحالف المصري الصومالي الإريتري ضد إثيوبيا، والذي يقع في محيط السودان الذي تدور فيه حرب لأكثر من 17 شهرا سيلقي بظلاله عليها خاصة وأن مصر تقع في حدوده الشمالية فيما تقع الدولتان المتناحرتان إريتريا وإثيوبيا في حدوده الشرقية، والتي على الرغم من عدم وصول الحرب إليها، إلا أن الخبير الاستراتيجي يصفها بأنها قابلة للانفجار.
ويشير كباشي لـ”التغيير” إن مناخ التجييش والتمليش الذي صنعته الحرب أوجد تشكيلات مختلفة في داخلها صراعات أفقية ورأسية حتى داخل الكيان الواحد.
وأوضح أن المنطقة على شفا حرب لذا فإن أي انفجار سيساعد على تمدد الحرب ويؤثر على المصالح المصرية في السودان أو القرن الأفريقي، ويجعل مشروعات الأمن المائي مثل سد النهضة والسد العالي عرضة للاستهداف.
دعم الجيشمن جانبه يرى الخبير العسكري عادل عبد الكافي أن التحركات المصرية ستحد من قدرة إثيوبيا على دعم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” وستقلل من أثر الخطة الإماراتية الساعية لمنحه نفسا طويلا يمكنه من امتصاص الضربات الموجعة التي وجهها له الجيش مؤكدا حصول القوات المسلحة السودانية على أسلحة نوعية ومعلومات استخباراتية مكنته من توجيه ضربات للدعم السريع أحدثت فرقا في ميدان المعركة. ووأضاف: “هذا ما جعل حميدتي يخرج في خطابه الأخير مهزوزا”.
اتفق الصحفي المصري المهتم بالشأن الإفريقي سيد مصطفى مع الخبير العسكري في أن التحالف سيخدم الجيش السوداني بتشكيل ما يعرف بـ”توازن الرعب” وفقا لتعبيره، مقابل التحالفات الإفريقية في الحدود الغربية للسودان التي توفر الإمداد للدعم السريع مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد.
وأشار مصطفى إلى أن التحالف سيحد ويمنع بشكل كبير، تحركات قوات “حميدتي” في شرق السودان كما سيقدم مساعدات للجيش السوداني وهو ما رأيناه في معارك جبل موية!
وولفت إلى أن من فوائد التحالف تقليل الضغط الذي تمارسه إثيوبيا، بالنيابة عن بعض القوى الكبرى، على حكومة بورتسودان سواء عبر الإيقاد أو عبر الاتحاد الأفريقي من أجل إدخال قوة دولية إلى السودان.
السودان ساحة حرب
وأعرب مصطفى عن خوفه؛ مما وصفه بالتداعيات السالبة لهذا التحالف، والتي بدأت في الظهور بالفعل مثل منع الدعم السريع تصدير السلع في المناطق الواقعة تحت سيطرتها لمصر مشيرا لأهمية الموارد المالية لتلك المناطق التي تعاني الاستهداف والقصف المستمر للجيش السوداني للأهداف العسكرية أو المدنية التي يستخدمها الدعم السريع ما يؤثر سلبا على البنى التحتية.
وأضاف “السؤال هنا هل يمكن أن يتطور هذا السيناريو لأن يتحول السودان لساحة معركة غير مباشرة بين التكتل الجديد وبين إثيوبيا”.
وأعرب الصحفي المصري المهتم بالشأن الإفريقي عن أمله في أن يضغط التحالف الجديد على طرفي الحرب لفتح الطرق والممرات الإنسانية، وأن يكون طوق نجاة جديد للولايات الجنوبية في السودان تمنعها من الانزلاق في أتون ما حدث لولايات دارفور وولاية الخرطوم.
انضم الخبير الاستراتيجي كباشي لمصطفى في أمله بأن تلعب مصر والتحالف الجديد أدوارا جادة في إنهاء حرب السودان مشددا على أن اعتماد الحلول الأمنية يزيد تعقيد المشهد، وستدفع تكلفته كل المنطقة بما فيها مصر سياسيا وأمنيا واقتصاديا.
وأوضح كباشي إن مصر تملك الحق الكامل في عمل تحالفات سياسية، لكنها لا بد أن تعي أن المدخل الاستراتيجي من اتفاقية عنتبي لا بد أن يكون سياسيا وقائما على الحوار لتليين مواقف دول الحوض من جهة وإيجاد أرضية مشتركة معها لإدارة المصالح المائية عبر التفاوض ولدعم استقرار المنطقة من جهة ثانية.
الوسومأرض الصومال إرتريا اتفاقية عنتبي الصومال حرب الجيش والدعم السريع رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد سد النهضة مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أرض الصومال إرتريا الصومال حرب الجيش والدعم السريع رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد سد النهضة مصر الخبیر الاستراتیجی على الرغم من أرض الصومال مشیرا إلى فی مقابلة سد النهضة آبی أحمد إلى أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
“تقدم” – العمياء التي لا ترى ما حولها.!!
الحراك المدني والسياسي في بلادنا لم يتعافى من أمراض الماضي، ظل يكرر التجارب السابقة بكل عيوبها، هذا إذا لم يزد في وتيرة العيب التراكمي، فحين انقلب الاخوان على الحكومة الشرعية برئاسة الصادق المهدي، لم ينتفض رئيس الوزراء الشرعي (الصادق)، الانتفاضة التي تليق به كصاحب حق أصيل منحه الشعب عبر صناديق الاقتراع، فخان الأمانة التي تستوجب مواصلة المشوار النضالي المعارض )بصدق(، فهادن النظام الذي سيطر على مقاليد أموره صهره زعيم الاخوان، وعمل على تهدئة الأنصار الغاضبين، باستحداث تنظير جديد أفرز نوع غريب من المعارضة أسماه (الجهاد المدني)، الذي كان بمثابة تعطيل لصمود بعض الشرائح الحزبية الساعية لمواجهة الانقلابيين عسكرياً، ومن غرائب ومدهشات هذا (الصادق المهدي)، أنه لم يكتف بإقناع اتباعه بضرورة سلوك الجهاد المدني (النضال الاستسلامي)، بل عمل سرّاً مع الانقلابيين لتعضيد بقائهم في السلطة، التي نزعوها منه نزعاً، وذلك باختراقه للتجمع الوطني – التحالف السياسي والعسكري العريض، الذي تأسس من أجل إزالة الحكومة الاخوانية المنقلبة على شرعية (رئيس الوزراء الصادق المهدي)، الذي خرج من الخرطوم على مرأى ومسمع أجهزة الحكومة الاخوانية، في رحلة سفر بريّة عبر الحدود السودانية الارترية، والتحق بالتجمع الوطني الديمقراطي في أسمرا، ثم عاد بعد مضي أشهر قليلة، أعقبها تفكك التحالف الهادف لاستعادة الشرعية، وحصل من النظام على المكافأة، هذا الحدث التاريخي المهم يجب على السياسيين (الشرفاء)، أن يلقنونه للأجيال الحاضرة، وأن لا يخدعوهم بتسويق الرجال الديمقراطيين المزيفين الرافضين لحكم العسكر نفاقاً، فمثل هذا التآمر المدني مع الانقلابيين العسكريين الاخوانيين، هو واحد من أسباب معاناة شعبنا من بطش العصابة الاخوانية، لذلك يجب الربط بين الخذلان الذي مارسه زعيم حزب الأمة، والأسباب الجوهرية التي مهدت لوصول الاخوان (الجبهة الإسلامية) للسلطة عبر الانقلاب.
عاشت قيادات أحزاب الأمة والاتحادي والبعث والشيوعي وغيرها، في توائم وانسجام مع منظومة دولة الانقلاب، التي رأسها البشير لثلاثين سنة، فسجدوا جميعهم داخل قبة برلمان (التوالي السياسي)، الذي وضع لبنة تأسيسه حسن الترابي شيخ الجماعة الاخوانية، هذا التماهي مع الانقلاب خلق طبقة سياسية حزبية داجنة ومذعنة لما يقرره العسكر الانقلابيون، لذلك جاءت ردة فعل القوى السياسية المشاركة في حكومة حمدوك مهادنة بعد انقلاب العسكر عليها، ولم تساند رئيس وزراء الثورة المساندة القوية والمطلوبة، ليصمد أمام الأمواج العاتية القادمة من بحر الانقلابيين الهائج المائج، فقدم حمدوك استقالته وغادر البلاد، وفشل طاقم الحكومة الشرعية في اختيار رئيس وزراء جديد ولو من منازلهم، ليقود الحراك الثوري المشروع، وكذلك أخفق أعضاء المجلس السيادي الشرعيين، في اختيار رئيس لمجلسهم للاستمرار في تمثيل السيادة التي اختطفها الانقلابيون، فارتكبوا ذات خطأ رئيس الوزراء الأسبق الذي انقلب عليه الاخوانيون، فاستسلم وانهزم وقدم لهم خدماته الجليلة، الخطأ الثاني هو عودة حمدوك لقيادة طاقم حكومته الشرعية تحت مسمى تحالف سياسي جديد مناهض للحرب أسموه "تقدم"، في خلق ازدواج للجسم السياسي الحاضن للشرعية "قحت"، كان يجب أن تستمر "قحت" في لعب دورها الداعم لثورة الشباب وحكومة الانتقال الحقيقية، وأن تترك رئيس الوزراء المستقيل ليكوّن التحالف المدني (غير السياسي)، المنوط به إيقاف الحرب، فاستقالة حمدوك ابّان ذروة الصلف الانقلابي هزمت الثوار وطاقم حكومته، فما كان له أن يعود للتعاطي السياسي بعد أن غادر السلطة طواعيةً، ومن الأفضل أن يكون أيقونة مدنية ورمز وطني يسعى بين السودانيين بالحسنى بقيادة آلية مدنية توقف الحرب.
الضعف السياسي والمدني المتوارث عبر الأجيال، فتح الباب واسعاً أمام فلول النظام البائد، لأن يصولوا ويجولوا بين بورتسودان وعطبرة مختطفين سيادة البلاد وحكومتها، فالمؤتمر الذي أقيم في كينيا بغرض تشكيل حكومة يعتبر خطيئة كبرى من "قحت" المتحورة إلى "تقدم"، كان الأجدى أن يمارس وزراء حمدوك دورهم الشرعي الذي لا يجب أن يهدده الانقلاب غير الشرعي، وأن يختاروا من بينهم رئيساً للوزراء بديلاً للمستقيل، ليصدر قرارات بإعفاء جميع رموز الحكومة التنفيذية المنخرطين في الانقلاب من وزراء وولاة وحكام أقاليم، ويستعيض عنهم بكوادر دستورية بديلة ممن يذخر بهم السودان، وأن يقوم أعضاء مجلس السيادة أصحاب الشرعية الدستورية بالدور نفسه، وأن يستمر دولاب العمل في المناطق المحررة بوتيرة طبيعية، تهيء الأجواء لقيام الدستوريين بدورهم الوطني، إنّ ما فعلته القوى السياسية والمدنية من تخبط وخلط لأوراق اللعبة السياسية بالمدنية والعسكرية، هو ما قاد لهذا الوضع الضبابي الذي يشي بحدوث انشقاقات أميبية، سوف تعصف بوحدة تحالف "تقدم"، بحسب ما يرى المراقبون، بل وتفتح الباب لاتساع الفراغ السياسي المتسع يوماً بعد يوم منذ أن اندلاع الحرب، لقد لعبت "تقدم" دور الأعمى الذي لا يرى ما يعوزه من أشياء هي في الأساس موجودة حوله، وعلى مرمى حجر من عكازه الذي يتوكأ عليه، فتقدم في حقيقتها هي "قحت" الحاضن لأجهزة الانتقال – حكومة تنفيذية ومجلس سيادي وجهاز تشريعي لم يؤسس، فلماذا تبحث عن شرعية تمتلكها؟، وكيف سمحت لأن يقودها العميان لإضفاء شرعية على حكومة بورتسودان الانقلابية المشعلة للحرب؟.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com