بيروت/طهران- أثار حديث رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، والذي أشار فيه إلى استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، ضجة واسعة في الأوساط السياسية اللبنانية. واعتُبر هذا التصريح تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية للبنان، مما استدعى إجراءات دبلوماسية للاستيضاح.

في هذا السياق، عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، عن استغرابه من الموقف الإيراني، واعتبره "تدخلا فاضحا" في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على البلاد.

وطلب ميقاتي من وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لبنان للاحتجاج على تصريح قاليباف.

"تدخل فاضح في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان".. ميقاتي ينتقد تصريحات قاليباف بشأن استعداد إيران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701#حرب_غزة pic.twitter.com/pOjXo17njm

— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 18, 2024

وأوضح الدكتور علي درويش، النائب السابق في الكتلة البرلمانية لرئيس الحكومة اللبنانية، في حديثه للجزيرة نت، أن تصريح رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، بشأن تطبيق القرار 1701 يُعتبر، أيضا، شأنا لبنانيا خالصا، خاصة أن القرار الأممي صدر في عام 2006 ولم يتم تطبيقه حتى الآن.

وأشار درويش إلى أن وزير الخارجية اللبناني طلب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت للاستفسار عن هذا التصريح، إذ يُعتبر من غير المقبول تدخل أي دولة في شؤون لبنان. لذلك، وجه رئيس الحكومة اللبنانية، وزير الخارجية للبحث في هذا الأمر لوضع الأمور في نصابها.

وأضاف درويش أن أي تدخل مباشر في الشأن اللبناني يُعتبر أمرا غير مقبول، وعبّر عن أمله في أن يصدُر بيان بعد استفسار القائم بالأعمال حول تصريح الوزير الإيراني.

وعبّر درويش عن ما سماه "تقدير لبنان" جهود الدول الصديقة والشقيقة، لكنه قال إنه "يبقى المسؤول الأول عن شؤونه الداخلية"، وشدد على أن لبنان دولة ذات سيادة، رغم التحديات التي يواجهها في ظل الحرب، وسيسعى لاستعادة مكانته كمركز مضيء في المنطقة.

الأبعاد السياسية

ويرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني نقولا ناصيف للجزيرة نت، أن "التدخل الإيراني الدبلوماسي" يعتبر من أبرز نقاط الخلاف بين لبنان وإيران. وفي الماضي، كانت هذه الخلافات تتميز بالغموض، نظرا لوجود حزب الله في الحكومات اللبنانية وللدور الذي يلعبه في العلاقات مع إيران.

ويعتبر ناصيف أن الدولة اللبنانية "لم تكن دائمًا راضية عن الدور الإيراني الذي يعتبر تدخلا في الشأن اللبناني"، مشيرا إلى أن الوضع اليوم يبدو أكثر تعقيدا وتأثيرا من أي وقت مضى، خاصة بعد "اللقاء السيئ" الذي جمع بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، على حد قوله.

ووفقًا لناصيف، انتهى اللقاء بين  ميقاتي وعراقجي بشكل غير ودّي، ويعزو ناصيف هذا التصرف إلى اتفاق ميقاتي مع الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط على ضرورة وقف النار وتطبيق القرار 1701.

ومع ذلك، طلب وزير الخارجية الإيراني من لبنان التراجع عن هذا التوجه، مشددًا على أن الوقت لا يزال مبكرًا لتطبيق القرار، وأكد على أهمية دعم المقاومة، وحذر من أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى فقدان الدولة اللبنانية لأي تأثير.

مواجهة التدخلات

في السياق نفسه، يُشير ناصيف إلى أن تصريحات الوزير الإيراني تعكس رغبة إيران في استمرار المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، مما يعني استمرار الحرب وما يترتب عليها من تداعيات على لبنان.

ويُضيف ناصيف "عندما يتحدث المسؤولون الإيرانيون عن استعدادهم للتفاوض مع فرنسا حول تطبيق القرار 1701، فهذا يُظهر رغبة إيران في الظهور كوصية على الحكومة اللبنانية. ومع منع الحكومة اللبنانية من الحديث عن هذا القرار، أصبحت إيران تسعى للتفاوض بشأنه مع فرنسا، على الرغم من أن القرار صادر عن مجلس الأمن وليس قرارا فرنسيا. والجهة المعنية بتطبيقه هي لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن".

ويَعتبر ناصيف أن الرئيس ميقاتي محق في احتجاجه على أن إيران لا ترغب في أن يُعلن لبنان عن تطبيق القرار 1701، بل تسعى لتطبيقه أو التفاوض بشأنه بالنيابة عنه، وكأنها الوصية على لبنان.

 

توضيح موقف

وفي الجانب الإيراني، أصدر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، بيانا أكد فيه أن ما نقلته الصحيفة الفرنسية عنه بشأن وقف إطلاق النار في لبنان "غير صحيح على الإطلاق"، مضيفا أنه كان واضحا حيال تطورات الأوضاع في لبنان، وأن بلاده ستؤيد ما تؤيده الحكومة والمقاومة في لبنان بشأن وقف إطلاق النار، وهذا ما جدده خلال اللقاء الذي جمعه بالسيد ميقاتي.

وجاء في البيان "يجب أن لا يتصور أحد أنه قادر على التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام من دون أن يأخذ رأي المقاومة بعين الاعتبار، ومن هذا المنطلق فإن إيران يمكن أن تضع التعاون مع الجانب الأوروبي -للمساعدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي يحظى بتأييد المقاومة والحكومة في لبنان- على جدول أعمالها".

من ناحيته، يقول عبد الرضا داوري، الناشط السياسي المقرب من رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إنه لفهم تصريح الأخير لابد من أخذ جميع مواقفه بعين الاعتبار؛ بدءا من تصريحه قبيل مغادرة طهران فاجتماعاته في بيروت ثم خطابه أمام قمة الاتحاد البرلماني الدولي في جنيف وصولا إلى التقرير الذي قدمه فور عودته إلى طهران.

وفي حديث للجزيرة نت، يوضح السياسي الإيراني، أن قاليباف أكد مرارا دعم بلاده للشعب اللبناني ومقاومته في مواجهة العدوان الإسرائيلي وطالب باتخاذ إجراءات عملية لوضع حد للمجازر الإسرائيلية في لبنان وغزة، وشدد على ضرورة وقف إطلاق النار هناك.

وتابع الناشط السياسي الإيراني، أن قاليباف أعلن عقب اجتماعاته بالمسؤولين اللبنانيين أنه "يحمل معه إلى جنيف قضايا الشعبين اللبناني والفلسطيني"، وقد يكون تأكيده عن استعداد طهران للتفاوض مع باريس لكونها داعما تقليديا للبنان في سياق تقديم الدعم لوقف إطلاق النار.

وأضاف داوري، أنه لا ينبغي تفسير تصريح قاليباف على أنه محاولة لتكريس وصاية على لبنان بعد تأكيده أن الجمهورية الإسلامية ستدعم كل ما سيقرره الشعب والحكومة في لبنان، مضيفا أن مواقف الجمهورية الإسلامية تصدر بشكل رسمي عن وزارة الخارجية وأن ما نقلته الصحيفة الفرنسية عن استعداد طهران للتفاوض مع باريس بشأن تطبيق القرار الأممي 1701 لا يتماشى مع السياسة الإيرانية الداعمة لحزب الله اللبناني.

وبرأي المتحدث نفسه، فإن الموقف الذي تنقله الصحيفة الفرنسية عن قاليباف حول تطبيق القرار الأممي 1701 لا يتناسب وكلامه الداعم للمقاومة اللبنانية التي ترفض التراجع أمام "الأجندة الصهيوأميركية"، مشيرا إلى أن قاليباف تعمد أن يذكر للصحيفة الفرنسية، أن طهران لا تعترف "بالكيان الصهيوني" ولا تعتبره سوى فرع للقوات المسلحة الأميركية في المنطقة.

وخلص إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم ولن تتدخل في شؤون الدول المستقلة الأخرى ناهيك عن الدول الصديقة مثل لبنان، وإنما ترى من واجبها المساعدة في حقن الدماء وإجبار العدو الإسرائيلي على القبول بوقف إطلاق النار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحکومة اللبنانیة محمد باقر قالیباف فی الشأن اللبنانی وقف إطلاق النار تطبیق القرار 1701 وزیر الخارجیة رئیس البرلمان للتفاوض مع بشأن تطبیق مجلس الأمن على لبنان فی لبنان مع فرنسا ی لبنان ی عتبر على أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

تحرير البلدات الحدودية اللبنانية وبطولات المُقاومين

 

 

د. هيثم مزاحم **

 

انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي أخيرًا من البلدات الحدودية في جنوب لبنان تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين لبنان والكيان الإسرائيلي برعاية أمريكية– فرنسية في 26 نوفمبر 2024، برغم تمديده لمهلة الستين يومًا لـ22 يومًا أخرى.

وعلى الفور، عاد السكان إلى بلداتهم، الوزاني والعديسة وكفركلا ومركبا وحولا وميس الجبل وبليدا ويارون وعيتا الشعب ومارون الراس ومحيبيب، بلدات شهدت أساطير من البطولة والصمود والفداء سطّرها أبطال وشهداء المقاومة الإسلامية، بلدات ستكتب قصصًا كثيرة من الإيثار والتضحية والكرامة والتمسّك بهذه الأرض المباركة، جارة فلسطين والمسجد الأقصى الذي بارك الله تعالى من حوله. بلدات هي جزء من الجليل الذي عاش فيه السيد المسيح عليه السلام ونشر دعوته فيه بعدما رفضه أحبار اليهود في القدس والضفة الغربية.

بعد أكثر من عام من خروجهم منها، عاد أبناء هذه البلدات مجددًا الثلاثاء بعدما كانوا تعرضوا لإطلاق النار من العدو الإسرائيلي واستشهد وجرح منهم العشرات عندما عادوا في 26 يناير الماضي عند انتهاء مهلة الستين يومًا.

عاد سكان هذه البلدات الحدودية الـ11، ليجدوا منازلهم ركامًا فوق ركام، ويعاينوا الدمار المُتعمَّد الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي مرة بالغارات الجوية بمئات الأطنان من القذائف والصواريخ، ومرة بالتفجير والتجريف للمنازل والمنشآت والطرقات، بعدما احتل العدو هذه القرى بالمكر والخداع، بعد انسحاب المقاومين؛ تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار، في خرق فاضح للاتفاق، في ظل صمت لجنة المراقبة الدولية المعنية بالإشراف على تطبيق الاتفاق.

لقد صمد مقاومو "حزب الله" 65 يومًا في هذه البلدات الحدودية ومنعوا جيش الاحتلال الإسرائيلي من دخول هذه البلدات وارتقى منهم آلاف الشهداء؛ حيث لا يزال مئات الشهداء تحت الأنقاض وبعضهم لم يبق منه أثر نتيجة أطنان المتفجرات التي قصفت بها هذه البلدات. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية معلنة بعد بعدد شهداء المقاومة في هذه المعركة المجيدة، جبهة إسناد غزة، لكن يروي البعض بأن كل بلدة من بلدات الجنوب اللبناني، وخاصة البلدات الحدودية مع فلسطين المحتلة، قد شهدت ارتقاء عشرات الشهداء من المقاومين، فضلًا عن آلاف الشهداء المدنيين في المدن والبلدات في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت وحتى في العاصمة بيروت وجبل لبنان.

على سبيل المثال، بلدة عيترون الحدودية التي تحررت من الاحتلال قبل نحو أسبوعين، ارتقى 84 شهيدًا من أبنائها خلال الأشهر الأخيرة للعدوان الإسرائيلي.

لكن فرحة التحرير نغّصها بقاء جيش الاحتلال في 5 تلال استراتيجية داخل المناطق اللبنانية، وهو ما رفضه لبنان واعتبره استمرارًا للاحتلال وخرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار الأممي 1701، الذي بدا أنه يتم تنفيذه من طرف واحد، نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية اليومية بالتوغلات والغارات والاغتيالات وتفجير وحرق المنازل والمتاجر والمساجد وجرف الطرقات والبساتين والمقابر واقتلاع الأشجار.

إنَّ استمرار الاحتلال في التوغل في البلدات الحدودية وتفجيره المنازل والمباني وجرف الطرق، هدفه جعل الحياة مستحيلة في هذه البلدات، وخلق منطقة عازلة بين جنوب لبنان والمستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة. وهذا ما سيجعل إعادة إعمار هذه البلدات والقرى تحديًا كبيرًا أمام لبنان حكومةً وجيشًا وشعبًا ومقاومة؛ إذ لا تزال قوات الاحتلال متمركزة في 7 نقاط داخل الأراضي اللبنانية وتمنع الأهالي من الاقتراب من السياج الشائك مع فلسطين المحتلة.

الحكومة اللبنانية الجديدة تريد اعتماد الطرق الدبلوماسية من أجل تحرير باقي الأراضي المحتلة، سواء عبر لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، أو عبر شكوى لمجلس الأمن راعي القرار 1701. أما "حزب الله" فهو يمنح فرصة كافية للحكومة كي تُجرِّب الوسائل الدبلوماسية لتحرير بقية الأراضي ووقف الانتهاكات الإسرائيلية التي جعلت وقف إطلاق النار من جانب واحد. فإسرائيل احتلت البلدات الحدودية بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وانسحاب مقاتلي "حزب الله" من جنوب الليطاني تنفيذًا للقرار 1701، واستمرت في التوغلات وتفجير المنازل وتدميرها حتى يوم أمس، على مدى 3 أشهر، بحيث فاق التدمير خلال فترة وقف النار ما دمره الاحتلال خلال 13 شهرًا من الحرب.

وواصلت إسرائيل غاراتها على عدد من المنازل والمواقع في مناطق لبنانية خارج جنوب الليطاني في الجنوب والبقاع، ونفذت عمليات اغتيال لمقاومين في شمال نهر الليطاني وصولًا إلى اغتيال المسؤول العسكري لحركة حماس في لبنان، محمد شاهين، بغارة بواسطة مسيّرة في مدينة صيدا التي تبعد نحو 60 كيلومترًا عن الحدود مع فلسطين، فضلًا عن الغارات على مواقع في عمق البقاع اللبناني وعلى الحدود مع سوريا، تزعم إسرائيل أنها مخازن أسلحة لحزب الله.

لا شك أن "حزب الله" يُراقب هذه الخروقات بينما يُعيد تنظيم نفسه، وهو مشغول حاليًا بمسألة إيواء النازحين الذين دُمِّرت منازلهم وتعويض من تضررت منازلهم، والتحضير لإعادة الإعمار، وكذلك الإعداد لتشييع أمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله، وخليفته الشهيد السيد هاشم صفي الدين، يوم الأحد المقبل 23 فبراير الجاري.

ويرى البعض أن قرار المقاومة بكيفية التعاطي مع استمرار احتلال التلال الخمس والانتهاكات والاغتيالات والغارات الصهيونية، مؤجّل إلى ما بعد تشييع الشهيدين الأحد المقبل، لكنني أعتقد أن "حزب الله" سيصبر لفترة أطول ويمنح رئيس الجمهورية المنتخب جوزيف عون وحكومة نواف سلام التي لم تحصل على ثقة مجلس النواب بعد، فرصة كافية لتحقيق تحرير الأرض المحتلة ووقف الانتهاكات عبر الدبلوماسية إذ اتفق عون وسلام ورئيس البرلمان نبيه برّي، بعد اجتماعٍ طارئ في قصر بعبدا، على "التوجّه إلى مجلس الأمن الدوليّ الذي أقرّ القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيليّة وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوريّ حتّى الحدود الدولية، وفقًا لما يقتضيه القرار الأمميّ والإعلانات ذات الصلة".

وأكد بيان صادر بعد اجتماع الرؤساء الثلاثة على "استكمال العمل والمطالبة، عبر اللجنة التقنية العسكرية للبنان والآلية الثلاثية اللتين نصّ عليهما إعلان 27 نوفمبر 2024، من أجل تطبيق الإعلان كاملًا". كما دعا إلى "متابعة التفاوض مع لجنة المراقبة الدولية والصليب الأحمر الدولي لتحرير الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل".

وأكّد بيان بعبدا على "تمسّك الدولة اللبنانية بحقوقها الوطنية كاملة، وسيادتها على كامل أراضيها، والتأكيد على حقّ لبنان في اعتماد كل الوسائل اللازمة لضمان انسحاب العدو الإسرائيليّ"، في إشارة إلى ترك خيار المقاومة الشعبية المدنية والمقاومة العسكرية متاحًا أمام لبنان كورقة قوة لإلزام الاحتلال بالانسحاب وتنفيذ القرار 1701 ووقف خروقاته.

إلّا أن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي، مجرم الحرب المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، تقوم على الضغط العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي على لبنان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل قيام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، في محاولة لخلق فتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة، تحت طائلة بقاء قوات الاحتلال في النقاط المحتلة واستهدافه لمواقع ومقاومي "حزب الله"؛ بل إن التهديدات الإسرائيلية طالت مطار بيروت الدولي؛ حيث أنذرت لبنان بأنها ستستهدف المطار في حال هبوط طائرات ركاب مدنية إيرانية في المطار، بذريعة أنها قد تنقل أموالًا إلى "حزب الله" لتمويل إعادة إعمار المباني والمنازل المُدمَّرة والمُتضرِّرة.

وقد رضخت حكومة لبنان لهذه التهديدات، التي نقلتها السفارة الأمريكية في بيروت، خوفًا على سلامة المطار والمسافرين والعاملين فيه وكذلك ركاب الطائرات الإيرانية، ما أدى إلى تعليق الرحلات الجوية لطائرات إيرانية كان يفترض أن تنقل زوارًا لبنانيين للمقامات الدينية في إيران؛ حيث باتوا عالقين في مطار طهران؛ الأمر الذي استدعى تظاهرات لمؤيدي "حزب الله" أقفلت الطريق إلى مطار بيروت لساعات عديدة، مُطالبين بالسماح للطائرات الإيرانية بالهبوط ورافضين الإملاءات الإسرائيلية التي تنتهك السيادة اللبنانية. لكن هذه المشكلة المُستعصِية الحل تزيد الضغوط على العهد الجديد، الذي تريد الإدارة الأمريكية منه نزع سلاح "حزب الله"، وربط إعادة الإعمار بهذه القضية، وهي مسألة يرفضها "حزب الله" والقوى المؤيدة للمقاومة؛ باعتباره شأنًا لبنانيًا يمكن حلّه داخليًا من خلال الحوار الوطني والتوصل إلى استراتيجية دفاعية يكون فيها للمقاومة دور ضمن سقف قرارات الحكومة اللبنانية بالحرب والسلم وبالتنسيق مع الجيش اللبناني.

ولا شك أن البيان الوزاري للحكومة الجديدة يؤكد على احتكار الدولة للسلاح في جميع الأراضي اللبنانية تطبيقًا لاتفاق الطائف (1989)، الذي استثنى المقاومة الوطنية من نزع سلاح ميليشيات الحرب اللبنانية، حتى تستكمل مهمتها بتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي. وليس خفيًا على أحد أن التوازنات الإقليمية والمحلية قد اختلت لمصلحة خصوم المقاومة نتيجة الضربة التي تعرضت لها قيادات المقاومة وكوادرها ومخازنها، وسقوط النظام السوري وبالتالي فقدان ممر الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر سوريا.

وعليه، فإن هذا الاختلال انعكس في بيان الحكومة وعدم ذكرها للمقاومة فيه بشكل صريح وتأكيده على احتكار الدولة للسلاح وتنفيذ القرار 1701 في إشارة إلى نزع سلاح حزب الله. كما ينعكس اختلال توازن القوى الإقليمي في العربدة الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا، دون وجود رادع يردعها، وكذلك في الإملاءات الأمريكية على حكومة لبنان، والذي عبّرت عنها نائبة الموفد الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التي شكرت من القصر الجمهوري اللبناني إسرائيل على هزمها لحزب الله، دون أن يعترضها أحد أو يدين كلامها المذل للبنان والجارح لآلاف العائلات الذين قتلت وجرحت إسرائيل أبناءهم وعشرات آلاف اللبنانيين الذين دمرت منازلهم، وأكثر من مليون لبناني تم تهجيرهم من مناطقهم.

غير أن عودة الأهالي إلى بلداتهم المحررة وتمسكهم الأسطوري بأرضهم، وبحث بعض الآباء والأمهات، وبعضهم جاء من البقاع، عن جثامين أبنائهم الشهداء وآثارهم بين المنازل المدمرة، تشير إلى انتصار البيئة الحاضنة للمقاومة في حرب الإرادات، برغم التضحيات الكبيرة والخسائر الجسيمة. فعلى سبيل المثال، قدمت بلدة ميس الجبل في هذه الحرب ما يزيد على 100 شهيد، معظمهم من المقاومين، ودُمّر نحو 4000 من منازل البلدة، إضافة إلى المساجد والمدارس والمصانع والمحلات والمؤسسات التجارية. لكن أهالي البلدة عازمون على العودة والسكن فيها ولو في الخيام، كما يقولون.

سنحتاج إلى سنوات لتوثيق وكتابة آلاف القصص عن بطولات المقاومين الأسطورية وتضحياتهم في جبهة إسناد غزة، التي دامت 13 شهرًا، فقد استشهد الآلاف منهم داخل البلدات والقرى الحدودية ولم ينسحبوا منها؛ إذ منعوا قوات الاحتلال من دخول معظم هذه البلدات؛ بل بعضهم بقي داخلها حتى بعد احتلالها، فيما كان أهاليهم يظنون أنهم استشهدوا.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • وزير الداخلية الإيراني إسكندر مومني يصل بغداد في زيارة رسمية
  • طرح بريطاني لأبراج مراقبة على الحدود الجنوبية.. واشنطن للالتزام الكامل بالقرار 1701
  • من بعبدا.. هذا ما طلبه عون من وفد الكونغرس الأميركيّ
  • قصة منازل لبنانية دخلها إسرائيليّون.. مشاهد مأسوية!
  • بيان مشترك لـأمل وحزب الله: نرفض بقاء الإحتلال فوق أي جزء من الأراضي اللبنانية الجنوبية
  • كشف السر.. لماذا بقيت إسرائيل داخل 5 نقاط لبنانية؟
  • الجيش اللبناني: إسرائيل لم تلتزم بالانسحاب الكامل وتواصل خرق السيادة اللبنانية
  • الجيش اللبناني: الاحتلال لم يلتزم بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة وينتهك القرار الأممي 1701
  • الجيش اللبناني: الاحتلال لم يلتزم بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة
  • تحرير البلدات الحدودية اللبنانية وبطولات المُقاومين