خطيب الجامع الأزهر يحذر الشباب من الإدمان
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عباس شومان، رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، والأمين العام لهيئة كبار العلماء، ودار موضوعها حول "الإدمان آفة المجتمعات"
قال فضيلة الدكتور عباس شومان، إن مشكلة الإدمان كانت سائدة في المجتمعات العربية قبل الإسلام، حيث كان يتم تقديم الخمر للضيوف كرمز للكرم، لكن جاء الإسلام محرمًا للمسكرات وكل ما من شأنه أن يذهب العقل، لما يلحقه من أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع، لأنها تعطل الوظائف الحيوية للعقل وبالتالي يزداد خطر الإيذاء الذاتي للفرد وإيذاء الآخرين حوله، وجاء تحريمها ليس لمجرد القناعة الدينية، وإنما لوضع حكيم يهدف إلى تحقيق صحة المجتمع وسلامته لأن العقل هو أساس التقدم والازدهار.
وأوضح وكيل الأزهر الأسبق أن تحريم الخمر لم يكن فجائياً، وخاصة أن المجتمع تقريباً كله كان مدمنا، بل تم تهيئة المجتمع قبل تحريمها، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتوعية المجتمع بأن الضرر فيها أكبر من نفعها وتركهم يُعملون عقولهم ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ﴾، ثم أعقبه بعد ذلك التحريم الجزئي : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾، وبعد فترة بعد أن أصبحوا متهيئين لتركها إلى جاء التحريم الكامل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فهذه الخطوات تدل على حكمة الله في القضاء، حيث يرعى الله الناس لقبول الحل.
وأكد د. شومان على الحرمة القطعية للخمر والمخدرات، وأن العودة إلى هذا الضياع يعد رجوعًا إلى عادات الجاهلية التي جاء الإسلام ليقضي عليها، ومن المؤسف أن نشهد انغماس شريحة من شبابنا اليوم تقع في براثن الإدمان رغم وضوح حرمة هذه المواد في ديننا الحنيف، وهذا الأمر يستدعي منا جميعًا مواجهة هذا الخطر ومعالجة الدوافع التي تدفع شبابنا إلى هذا الطريق المهلك، فكل من يتساهل في مواجهة الإدمان سواء كان فردًا أو مؤسسه فهو شريك في هذه الجريمة ولا يرحمه الله ولا المجتمع.
وحذر أمين عام هيئة كبار العلماء من يتحايلون على بعض المواد المخدرة بحجة أنها لم تكن موجودة وقت نزول الحكم بالتحريم، ويردد هذا الكلام فريق من المنتفعين من جراء فساد مجتمعاتنا، لأن الحكم بتحريم الخمر لا يرتبط بنوع المواد منها، بل بقدرتها على إسكار العقول وإفسادها، سواء كانت المواد موجودة وقت نزول الحكم أو لا، لأن المعيار الحقيقي هو تأثير هذه المواد على الإنسان، وليس مصدرها.
ودعا د. شومان الشباب إلى الاستيقاظ قبل فوات الأوان، لأن المجتمع يحتاجكم للإنتاج فلا تكونوا عالة عليه على أسرّة المستشفيات تستنزفون الأموال لا نفع فيكم، محذراً الآباء والأسر من التساهل في متابعة أبنائهم لأنهم أمانة في أعناقهم وعليهم حمايتهم مخافة الوقوع في براثن المفسدات، وعلى المجتمع بأكمله أن يتحمل المسؤولية والمسارعة لمواجهة هذا الخطر قبل أن يتفشى في مجتمعاتنا.
وفي ختام الخطبة طالب وكيل الأزهر الأسبق بضرورة تعاون الجميع مع الجهات المعنية للقضاء على الظاهرة من جذورها، من خلال القضاء على البؤر التي تنتج هذه السموم وتنشرها في مجتمعاتنا، بجانب العمل على توعية شبابنا بخطورة هذه الأفعال المحرمة دينا والمجرمة قانونا، لأن أمان المجتمع وحمايته من هذا الخطر مسؤولية تقع على عاتق الجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: خطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة الجامع الازهر الدكتور عباس شومان الأزهر الإدمان
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: ظنوا بإخوانكم خيرا ومن أدب الفراق دفن الأسرار
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، "اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون، اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم، ومن أدب الفراق دفن الأسرار، من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساق سيسقى بما سقى: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا).
وأضاف الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، أن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض، وإصلاحها أركان متلازمة، والمسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد، الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله مستشهدًا بقوله تعالى (أقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، والعلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
وأفاد الشيخ بن حميد أن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بين ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد، فقال جل وعلا: (إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد)، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ )، غرتهم قوتهم وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا، ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - بقوله: ﴿ كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ )، وقال جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنزِلُ عَلَى عَبْدِهِ وَايَتٍ بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة.
وبين الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، أن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعاتها وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الازدها الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات، وفي بريد الرسائل: من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح فضيلته أن القوة الحقيقة هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، والعزة الله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
وأبان الشيخ بن حميد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق، والباطل، والصالح، والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح، وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام أن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس (وإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وسنة الله أن الصالح يبقى لان فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.