شارك مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية اليوم في المؤتمر المتخصص بالإطار الأوروبي المرجعي للغات، الذي تنظمه جامعتا “بلانكيرنا” و”رامون لول” خلال الفترة من 18 إلى 19 أكتوبر الجاري بمدينة برشلونة الإسبانية؛ لتبادل تجارب مستخدمي الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات “CEFR”، وتحقيق توافقه مع اللغات المختلفة، والدروس المستفادة منه.


وأكد الأمين العام للمجمع الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي أن مشاركة المجمع في المؤتمر المتخصص بالإطار الأوروبي المرجعي للغات تأتي لتعميق الهوية اللغوية، وتمكين الالتزام بسلامة اللغة العربية وفقًا لاختصاصات المجمع، وتحقيق مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية “أحد برامج رؤية المملكة 2030”.
وحظي المؤتمر بدعم واسع من منظمات عالمية رائدة في مجال تعليم اللغات وتقييمها، وشارك فيه جمعٌ كبير من الخبراء في هذا الإطار، وقدمت فيه عدد من الأوراق البحثية المهمة المتعلقة بالحدث.
ومثل المجمع مديرة قسم تطوير الاختبارات الدكتورة ابتسام بنت عبدالعليم بن عبدالحليم من خلال ملصق علمي وعرض مرئي، تناولت فيهما استخدام معايير الإطار الأوروبي في بناء اختبار كفايات اللغة العربية للناطقين بغيرها للأغراض الأكاديمية “همزة”، ومناقشة التحديات والحلول المتعلقة بمواءمته مع خصائص اللغة العربية.
وتكمن أهمية هذا الاختبار في تزايد الإقبال على تعلم اللغة العربية من الناطقين بغيرها لأغراض “تعليمية، وثقافية، ومهنية، وسياسية”؛ لذا كانت هناك حاجة متزايدة لاختبار كفاية عالمي موحد لتقييم كفايات اللغة العربية.
ويعد اختبار “همزة” اختبارًا محوسبًا مقننًا، يقيس كفايات اللغة العربية للناطقين بغيرها في استخدام المهارات اللغوية الأربع: “فهم المسموع، واستيعاب المقروء، والكتابة، والتحدث”، ومدته “155” دقيقة، ويحتوي على “75” فقرة، وقد بني بأعلى المعايير المتوافقة مع الإطار الأوروبي المشترك للغات “CEFR” من المستوى “A2” إلى المستوى “C1”.
ويستهدف هذا الاختبار متعلمي اللغة العربية ومعلميها في الجامعات، ومعاهد تعليم اللغة العربية، ومراكزها، إضافة إلى بعض جهات التوظيف.
وأطلق الاختبار رسميًّا في ديسمبر 2023م بعد أكثر من عامين من البحث المكثف والعمل التحضيري، شاملاً العديد من الجلسات التفاعلية والدورات التدريبية، وأجرى خلالها الباحثون التابعون للمجمع مقابلات شبه منظمة مع مجموعة متنوعة من أصحاب العلاقة الذين شاركوا في مراحل مختلفة من تطور “همزة”، ومن ضمنهم: خبراء اللغة، ومعلموها، ومطورو الاختبارات، الذين كان لهم دور مهم في تطوير كفاية الاختبار لمتعلمي اللغة العربية لغة ثانية، وشمل ذلك: تقييم إمكانية تطبيق إطار عمل الإطار الأوروبي المرجعي العام للغات، وتطوير أسئلة الاختبارات بما يتوافق مع معاييره.
ويعد الإطار الأوروبي المرجعي العام للغات معيارًا عالميًا يستخدم لتقييم مهارات اللغة وكفايات المتعلمين في اللغات المختلفة، ووضعه المجلس الأوروبي بوصفه جزءًا من جهود أكبر؛ لتعزيز التعاون بين مدرسي اللغات في الدول الأوروبية المختلفة، ويهدف إلى مساعدة أرباب العمل والمؤسسات التعليمية الذين كانوا بحاجة إلى تقييم إتقان اللغة لدى المرشحين، وصمم لاستخدامه في عمليتي التدريس والتقييم على حد سواء، ويقيّم كل مستويات المهارات من الصفر إلى الإتقان.
يذكر أن مشاركة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في “المؤتمر المتخصص بالإطار الأوروبي المرجعي للغات” تأتي ضمن أهدافه وتوجهاته الاستراتيجية في فتح مجال التعاون مع المؤسسات ذات العلاقة بتعليم اللغات للناطقين بغيرها، والاستفادة من التجارب المؤسساتية المنهجية، إضافة إلى إبراز مبادراته، وبرامجه، ومشاريعه اللغوية المتنوعة، ودورها في المحافظة على سلامة اللغة العربية وهويتها اللغوية، ودعمها نطقًا وكتابة، وتيسير تعليمها وتعلمها داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

إرساء اللُغويات العربية الحديثة لطلاب اللغة الإنجليزية

 

 

أحمد السعدي **

 

اللغة العربية واحدةٌ من أغنى لغات العالم لغويًا وفكريًا من خلال مفرداتها الواسعة وقواعدها المعقدة وعمقها الثقافي، وقد أصبحت اللغة العربية محط اهتمام اللغويين النظريين في العصر الحديث، بعد أن كانت محط اهتمام المستشرقين في الماضي، وذلك لأنها أكبر اللغات السامية من حيث عدد المتحدثين، وكذلك لارتباطها بالدين الإسلامي من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.

وبما أن هناك العديد من الطلاب العرب الذين يدرسون اللغويات الإنجليزية كجزء من مقرراتهم الدراسية في برامج البكالوريوس في اللغة الانجليزية، فإننا نظن أنه يجب أن يتم تخصيص مقررات لدراسة اللغة العربية من خلال علوم اللغويات الحديثة. فاللغة العربية، كونها لغة القرآن الكريم، تحمل أهمية ثقافية وروحية، مما يجعل دراستها الأكاديمية ضرورية للحفاظ على الارتباط بالتراث العربي والإسلامي. يقول الإمام الشافعي في هذا الشأن: "اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد، صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى" (ابن تيمية، 1999 ص. 192). ورغم أننا نتفهم أن هؤلاء الطلاب يدرسون اللغة الإنجليزية، إلا أن هذا لا يمنع تضمين مقررات في اللغويات العربية في برامجهم الأكاديمية.

ويجب التنويه على وجود فرق كبير بين تعلم اللغة للاستخدام العملي ودراسة تراكيبها اللغوية. فتعلم اللغة يهدف بشكل أساسي إلى تطوير مهارات التواصل كالتحدث والقراءة والكتابة والاستماع، بينما تتضمن دراستها الغوص في هيكلها على المستوى النحوي والصرفي والاشتقاقي والصوتي والدلالي، وكذلك تاريخها وأهميتها الثقافية. ففي حين أنه يمكن للطلاب العرب تحقيق الطلاقة في اللغة الإنجليزية لأغراض عملية مثل التقدم الوظيفي أو السياحة أو التواصل الإجتماعي مع مختلف الثقافات، يجب ألا يكون ذلك على حساب هويتهم اللغوية الأم، وذلك لأن إتقان اللغويات العربية لا يتعلق فقط بالحفاظ على اللغة الأم،؛بل أيضًا باستكشاف تراكيبها المعقدة جدًا وعمقها الفكري وتطورها التاريخي.

والسبب الآخر هو أن دراسة اللغويات العربية أمر ضروري للحفاظ على التراث اللغوي للعالم العربي، الذي أسهم إسهامًا فاعلًا في التراث الفكري العالمي، وبدون فهم عميق للغويات العربية، قد يفقد الطلاب العرب الأهمية الأدبية والثقافية للغتهم. وعلى النقيض، فإن التركيز على دراسة اللغة الإنجليزية فقط على المستوى النظري قد يؤدي إلى تآكل تدريجي في ارتباطهم بهويتهم اللغوية العربية. وبينما توفر الطلاقة في اللغة الإنجليزية مزايا عملية، فإن الحفاظ على التنوع اللغوي والثقافي لا يقل أهمية، إذ تؤكد اليونسكو على أهمية التنوع اللغوي وحماية اللغات الأم للحفاظ على الهوية الثقافية. في هذا السياق، تصبح دراسة اللغة العربية من خلال علوم اللغويات النظرية الحديثة ليست مجرد مسعى أكاديمي، وإنما مسؤولية لضمان بقاء التراث العربي وازدهاره.

وبالنسبة للعرب والمسلمين، تحمل دراسة اللغويات العربية أهمية فكرية ودينية عميقة، فالقرآن الكريم، معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، نزل باللغة العربية الفصحى، وتمثل خصائصه اللغوية وجماله البياني جزأينِ أَسَاسِيَّيْنِ من طبيعته المعجزة. وبما أن الإعجاز القرآني يعتبر ركنًا أساسيًا في الإسلام، فإن دراسة اللغويات العربية تتيح فهما أعمق وأكثر ثراءً للقرآن. يقول ابن تيمية، وذلك لأن فهم القرآن بلغته الأصلية يتيح لنا كعرب ومسلمين فهما أعمق للأساليب البلاغية والأناقة اللغوية. وأيضا فإن الاهتمام باللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، ذلك أن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، و ما لا يتم الواجب به فهو واجب (1999، ص. 194). هذا وتمكن دراسة اللغويات العربية من خلال العلوم النظرية الحديثة الطلاب من تحليل اختيار الكلمات بدقة، واستكشاف بنية الآيات وتركيب الكلمات، والكشف عن السمات اللغوية التي ترفع من مكانة القرآن كأعظم ما أُنزل على بشر. وهذا الانخراط ليس فقط مغذيًا للروح ولكنه أيضًا يعزز تقدير الطلاب للغة العربية، وكذلك إدراك العالم الغربي والشرقي لتفردها وميزتها على اللغات الأخرى.

وإلى جانب أهميتها الدينية، فقد كانت اللغة العربية في السابق لغة الاكتشافات الفكرية في مجالات مثل العلوم والفلسفة والأدب والطب وغيرها. فمنذ العصر الذهبي للإسلام وحتى يومنا هذا، ساهم العلماء العرب في تشكيل الفكر والإرث العالميين. ومن خلال إتاحة الفرصة للطلاب لدراسة اللغويات العربية، يمكنهم إعادة الاتصال بهذا الإرث الفكري والمساهمة في العمل الأكاديمي المعاصر في كل المجالات، ذلك أن إهمال اللغويات العربية لصالح دراسة اللغات الأجنبية (فقط) قد يؤدي إلى ابتعاد الطلاب العرب عاطفيًا عن هذا التراث الفكري الغني. فاللغة الإنجليزية، رغم أهميتها للتواصل العالمي، تفتقر إلى الروابط الثقافية العميقة والأهمية التاريخية التي توفرها اللغة العربية للطلاب العرب. أيضًا، فإن الأمر لا يتعلق بالاختيار بين الإنجليزية والعربية؛ بل بتحديد الأغراض المختلفة التي تخدمها كل منهما، حيث يمكن أن يتعايش كلا المسعيين، مما يسمح للطلاب العرب بتحقيق التوازن بين هوياتهم المحلية والعالمية.

وحتى لا يُساء فهمنا، فنحن لسنا ضد أن يسعى الطلاب إلى تحقيق الطلاقة في اللغة الإنجليزية لأغراض عملية، لكننا مع تخصيص مقررات تساعدهم في دراسة اللغويات العربية وفهمها، ذلك أن هذا سيمكنهم من التركيز المزدوج على النجاح في العالم مع الحفاظ على ارتباط قوي بهويتهم اللغوية والثقافية الأصلية. من خلال القيام بذلك، يمكنهم المساهمة في الحفاظ على اللغة العربية كلغة حية ومتطورة والمشاركة بشكل هادف في التقاليد الفكرية والدينية الغنية للعالم العربي.

في الختام.. نظنُ أنه يجب أن يتم تخصيص مقررات للغويات العربية تطرح من خلال النظريات اللغوية الحديثة ويدرسها طلاب اللغة الإنجليزية. قد يبدو هذا الاقتراح غريبًا للبعض، لكنه ليس كذلك للمهتمين حقًا بفهم لغتنا الثرية والجميلة أيضًا، وقبل كل شيء لفهم القرآن العظيم بصورةٍ أفضل وأعمق. وللتدليل على ما نقول به في هذا المقال، يتناول البروفيسور برنارد كومري، من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، في بحثه المنشور في عام (1991) بعض الجوانب اللغوية المهمة في اللغة العربية ويكشف كذلك عن أهمية دراسة اللغويات العربية بالنسبة للنظريات اللغوية الحديثة. أي أن دراسة اللغة العربية من خلال علوم اللغويات الحديثة سيكون مفيدًا لتخصص اللغويات النظرية من ناحية تفنيد هذه النظريات وتطويرها.

******************

المراجع:

ابن تيمية، ت. د. (١٩٩٩). اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم (تحقيق: محمد حامد الفقي). بيروت، لبنان: محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية. (الصفحات ١٩٢-١٩٤).

Comrie, Bernard. 1991. On the importance of Arabic for general linguistic theory. Perspectives on Arabic linguistics 3: 3-30.

** طالب بقسم اللغة الإنجليزية والترجمة، جامعة السلطان قابوس

مقالات مشابهة

  • مشاريع "أبوظبي للغة العربية" في "جيتكس" ترسخ مواكبته التطورات التكنولوجية
  • عبدالله بن بيّه يشارك بمؤتمر "الإيمان في عالم متغيّر" بالرباط
  • آداب عين شمس تعقد لقاءً تعريفياً بمعهد" برليتز" للغات
  • سلطان يشهد إطلاق «جي بي تي» المعجم التاريخي للغة العربية
  • حاكم الشارقة يشهد إطلاق مشروع جي بي تي المعجم التاريخي للغة العربية
  • إرساء اللُغويات العربية الحديثة لطلاب اللغة الإنجليزية
  • «مركز أبوظبي للغة العربية» يعلن القوائم القصيرة لجائزة «سرد الذهب» بدورتها الـ2
  • حكاية ذاكرة عربية والقرآن الكريم سر الثقافة العربية
  • أبوظبي للغة العربية يشارك في فرانكفورت للكتاب