شهادة لا يرتقي إليها شعر البلاغة، حتى نظن أن العدو غير مصدق ما ظفر به بمحض صدفة. لقد خرج عليهم أو دخل عليهم الباب، فهو منتصر بقوة من نزل إليه الأمر بدخول الباب على عدوه. لن نكتب فيه مراثي ولا مديحا، سيكفينا إخوة له زلزلهم ذهابه ولكن شد أزرهم أنه قاتل واقفا لا يتراجع ولا يفاوض على حياة صغيرة.
سننظر في أمر آخر لا نراه إلا مرتبطا بهذه الشهادة، أمة لا تنصر رجالها وتسارع إلى الرثاء المريح.
اليوم تحل بتونس الذكري التاسعة عشر لقيام حركة الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2005، الفعالية الديمقراطية الأشد قوة والأوضح هدفا ضد نظام بن علي، فرجّت أركان نظامه وظلت مفاعيلها شغالة حتى سقط بعد خمس سنوات. وما العلاقة بين شهادة شهيد في غزة وبين الحدث المذكور؟ هنا نعثر على مفاتيح فهم الخذلان العربي لغزة ولأبطالها.
حركة سياسية وعدت بالكثير
للتذكير كان اجتماعا أولا في مكتب المحامي اليساري العياشي الهمامي، تحول إلى اعتصام ثابت حتى بلغ هيئة سياسية تفكر بشكل جماعي وتصدر ورقات عمل وأعدت قاعدة متطورة للعمل السياسي الديمقراطي في تونس. شارك في الفعالية منذ بدايتها طيف سياسي مختلف طالما تنافرت مكوناته وتصارعت فيما بينها، وكانت صراعاتها تصب دوما في مصلحة النظام منذ الزمن البورقيبي. لأول مرة تلتقي فعاليات يسارية وعروبية وإسلامية في مكان واحد لتجمع على أهمية بناء الديمقراطية بالتوافقات والتنازلات المتبادلة. وكان الإجماع الاستثنائي مربكا للنظام، فالمكونات التي طالما دفعها للصراعات البينية تجاوزت خلافاتها وعملت معا ضد نظامه، وبلع صدى عملها إلى الجهات الخارجية المتربصة بنظامه فأضعفته أكثر مما كان عليه من هشاشة.
في اجتماعات الهيئة ونقاشاتها التي طالت زمنا كافيا اكتشف التونسيون بعضهم بعضا وحصل نوع من الحشمة مما كان سائدا بينهم من صراع مبني على أحكام مسبقة، وبدا كما لو أنهم عثروا على أكسير السعادة الديمقراطية. لقد تخلقت بيئة سياسية ملائمة للتقدم على طريق الحرية والديمقراطية، لكن الفرحة لم تدم طويلا.
كلما ظهرت بوادر تحرك شعبي ظهر المخذلون وعملوا على تفتيت الإرادة الشعبية وأغرقوا الساحات في صراعات حزبية يتقنونها، منها أن أي تحرك لمساندة الطوفان هو خدمة لأحزاب الإسلام السياسي المحلية بما يعني عمليا أنه لندع حماس تُهزم حتى لا ينتصر الإخوان أو النهضة أو من سار سيرهم في السياسية المحلية
انفضت الهيئة وتشتت شمل مكوناتها تحت ضغط فصائل يسارية تعتبر في تونس من أحزاب الداخلية؛ وعملت منذ تكوينها على مهمة واحدة وهي حفر الخنادق وكسر الجسور أمام كل احتمالات اللقاء السياسي بين مكونات المشهد السياسي التونسي المتعدد المشارب. تراجعت المكونات اليسارية عن اتفاقات الهيئة وعادت إلى التكتل تحت فكرة لا لقاء مع "الخوانجية" (الرجعية الظلامية.. إلى آخر الأوصاف المعزوفة).
ظلت الأفكار المكتوبة معلقة في سماء تونس تلهم بعض الأقلام، لكن على الأرض لم تتطور الهيئة إلى مشروع حركي حتى حلت الثورة فانفضت نهائيا نحو حلول فردية وحزبية. وقد بدأ تفكيك آخر عناصرها الأستاذ نجيب الشابي بقفزه داخل حكومة محمد الغنوشي التي حاولت الالتفاف على الثورة فسقط معها ولم يقم أبدا.
ما علاقة هذا بغزة وشهيدها؟
لا نحتاج إلى التذكير بخذلان الساحات السياسية والشعبية لغزة منذ انطلاق حرب الطوفان، فقد كانت المظاهرات الصغيرة في بعض الساحات ومنها تونس أقرب إلى رفع العتب أو تنفيس الغضب منها إلى حراك سياسي يضع نفسه في موضع الإسناد الدائم للمعركة بوسائله المحلية، ولم يكن محتاجا للسلاح ليساهم في المعركة. لقد أدت مظاهرات وبيانات خجولة مفعولا عكسيا، فكشفت تهاونا وعرت نوايا معادية لغزة ومعركتها بل تتمول من أعدائها.
لذلك كلما ظهرت بوادر تحرك شعبي ظهر المخذلون وعملوا على تفتيت الإرادة الشعبية وأغرقوا الساحات في صراعات حزبية يتقنونها، منها أن أي تحرك لمساندة الطوفان هو خدمة لأحزاب الإسلام السياسي المحلية بما يعني عمليا أنه لندع حماس تُهزم حتى لا ينتصر الإخوان أو النهضة أو من سار سيرهم في السياسية المحلية. وهذا هو نفس الموقف الذي اتخذته قبل ذلك أحزاب اليسار من هيئة الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر وبرنامجها التوافقي أو التوحيدي للمشهد السياسي التونسي حول مبادئ الحرية والديمقراطية.
لقد كشف المخذلون بزعم حربهم على الإسلام السياسي أنهم يؤدون مهمة لصالح العدو، فمثل قيامهم ضد الحريات قبل الثورة وتخريبهم للانتقال الديمقراطي بعدها؛ بنفس المنهج وقفوا ضد الشارع المتحرك مع غزة، بل تسللوا داخل بعض المظاهرات ليرفعوا شعارات استئصالية تكسر الزخم العاطفي الذي كان يقود الناس بلا قيادة ولا خطة.
وجب التذكير بأن المعركة واحدة وأن أبا إبراهيم وأبا العبد ورجالهم شهداء معركة أكبر من غزة، بل هي معركة تحرير أمة ودفعها في طريق الديمقراطية والعدو الحقيق الذي كسر ظهر الشعوب وعطلها عن نصرة الديمقراطية في أقطارها، وعن نصرة المقاومة في غزة والضفة ولبنان.. هم تيارات التخذيل العربي اليسارية أولا قبل أي فصيل آخر،
وهذا كشف المسألة الأعمق في تاريخ العرب في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ، أعداء الحرية والديمقراطية في أقطارهم هم نفس أعداء غزة في حربها، هم حلفاء للعدو.
قلة من الناس كانت ترى هذا بوضوح، لذلك وجب التذكير بأن المعركة واحدة وأن أبا إبراهيم وأبا العبد ورجالهم شهداء معركة أكبر من غزة، بل هي معركة تحرير أمة ودفعها في طريق الديمقراطية والعدو الحقيق الذي كسر ظهر الشعوب وعطلها عن نصرة الديمقراطية في أقطارها، وعن نصرة المقاومة في غزة والضفة ولبنان.. هم تيارات التخذيل العربي اليسارية أولا قبل أي فصيل آخر، وإذا قارنا قوة التخذيل في الأقطار بقوة سلاح العدو فإننا نجد هذا التخذيل أقوى تأثيرا وأشد أثرا.
هذا لا يخفف عن الأنظمة التي لم يعد يشك أحد في أن وجودها مرهون ببقاء العدو مسيطرا على المنطقة، وأن كل سياساتها تصب في نصرته على المقاومة، لكن هذه الأنظمة كانت معرضة إلى هزات عنيفة وربما سقوط كامل بفعل شارع منخرط في معركة الطوفان بوسائله السلمية.
إنها سلسلة تتضح كل يوم وفي كل حركة تقوم بها تيارات التخذيل العربي التي تعيش فقط من حربها على التيار الإسلامي الذي وجد نفسه بين فكي كماشة الأنظمة وهذه التيارات، فضيَّع طريق التضامن مبقيا على الحدود الدنيا من وجوده، ويكفيه لبراءته أو لتخفيف عاره أمام المقاومة المحاصرة أن قيادته ممزقة بين سجين وقتيل.
شهد أبو إبراهيم كما شهد أبو العبد كما شهدت غزة برجالها وأطفالها وحرائرها على هذه المرحلة، وبرأت ذمتها من ذنب أمة كلما أرادت النهوض ظهر من داخلها من طعن في عزيمتها وكسر قيامتها لصالح العدو، وتلك أسمى معاني الشهادة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديمقراطية غزة اليساري تونس المقاومة تونس غزة المقاومة الديمقراطية اليسار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عن نصرة
إقرأ أيضاً:
جنبلاط دعا حزب الله الى العمل السياسي: للإسراع في تأليف الحكومة
أعرب الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في حديثٍ لـ"جريدة عكاظ" عن تشاؤمه مما هو قادم، مشددا على " أهمية وحدة لبنان وتماسكه وإمكان العبور إلى الضفة والهروب من تداعيات العالم الجديد وصراعاته".
وردا على سؤال عن سر الانفراج الكبير في لبنان الذي أدى إلى حسم ملفَي رئيسَي الجمهورية والحكومة، قال:" ليس هناك سر، لكن هناك تغيرات إقليمية ولبنان جزء منها أدت إلى الانفراج إذا صح التعبير، لقد سقط نظام البعث في سوريا في غضون أيام، وكذلك الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله من إسرائيل، كنا نعيش في حال ما يسمى توازن الرعب مع إسرائيل لكن هذا التوازن انهار، قد تمتلك مئات الصواريخ لكن إسرائيل تمتلك الآلاف من الصواريخ، بالإضافة إلى المعلومات، فضلاً عن الاختراقات داخل حزب الله بدءاً من اختراق أجهزة البيجر إلى اغتيال حسن نصرالله، كل هذه المعطيات بالإضافة إلى نهاية النفوذ الإيراني في لبنان، وكما تعلم إيران حكمت لبنان 24 عاماً منذ تولي بشار الأسد السلطة في سورية عام 2000.. كل هذا أدى إلى انفراجة كبرى".
أضاف: "كنا من المطالبين بانتخاب الرئيس جوزاف عون رئيساً للبنان، وكان من نتيجة الانفراجات انتخاب رئيس الحكومة نواف سلام الذي يتمتع بمصداقية عالية في لبنان خصوصًا بعد الحكم الذي أصدره في المحكمة الدولية ضد مجرمي الحرب في إسرائيل".
وفي ما يتعلق بتعطيل التشكيل الحكومي اعتبر ان " هذه مشكلة قائمة في لبنان، ولكن لا بد أن ننبّه السياسيين اللبنانيين إلى هذا الأمر، فإسرائيل تستغل هذه الفراغ الحكومي، وما تزال تدمر القرى في الجنوب، وإذا ما تم التعطيل واستمر فإننا نعود إلى الماضي وكأننا لم نجرِ اختيار رئيس حكومة جديد، وإسرائيل تستغل كل هذه الأشياء في لبنان باعتبار أنه لا توجد حكومة".
وعما اذا كان سبب التعطيل الجدل حول حقيبة المالية وما نص عليه اتفاق الطائف قال:" هذا ليس صحيحاً إطلاقاً، الاحتفاظ بأي حقيبة وزارية ليس من اتفاق الطائف، إلا إذا كان هذا حصل في الكواليس أن تكون حقيبة المالية لمكوّن مذهبي معيّن، لكن الأصل في الموضوع أن تكون الحقائب الوزارية مداورة وتنتقل بين كل المكونات وليس حكراً على مكون ما.أما وجود مثل هذا في اتفاق الطائف فليس صحيحاً".
وبالنسبة الى رايه عن أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو من أسّس لـ"عرف"أن تكون المالية بيد المكون الشيعي، نفى ذلك ورأى ان " هذا ليس صحيحاً أو بالأحرى لا أذكر ذلك إطلاقاً، فوزارة المالية كانت متنقلة بين كل المكونات السياسية والمذهبية في لبنان، وظهر لاحقاً في لبنان تصنيفات غريبة عجيبة، مثلاً خرجوا بفكرة وزارات سيادية وغير سيادية، مثلا الدفاع والخارجية والداخلية هي وزارات سيادية حسب التصنيف لبعض السياسيين في لبنان ومنها إدراج وزارة المالية، وهذا ليس من الطائف بشيء، ودعني أقول إن هذا معيب في حق لبنان بأن هناك وزارات من الدرجة الأولى والثانية وأيضاً لبناني من الدرجة الأولى والدرجة الثانية".
اما عن موقفه من كل هذا الجدل، فأجاب:"موقفي الإسراع في التاليف الحكومي لأن هناك أخطاراً محيطة بلبنان. وأرى حروباً كبيرة في المنطقة، من غزة إلى الضفة إلى جنوب لبنان، لا بد لنا في لبنان أن نكون متماسكين ونتجاوز الفراغ الحكومي".
وعما اذا كان متشائما قال: "هذا الواقع الحالي الذي تعيشه المنطقة، انظر إلى الفريق التوراتي في إسرائيل فهناك من يطالب باستيطان في جنوب لبنان، وفريق العمل الجديد في الإدارة الأميركية لا يرى وجوداً لفلسطين، والضفة هي للحلم التوراتي. نحن أمام مشهد مخيف، وهذا ينعكس على لبنان الذي يجب أن يتجنب كل أنواع التعطيل".
واعتبر ردًّا على سؤال أن "هناك مشهدًا جديدًا وأدوارًا جديدة في المنطقة، نحن نرى الدور السعودي الإيجابي العائد إلى لبنان بعد 15 عاما، وأيضاً الانفتاح السعودي على سوريا، وهذا أمر مهم وإيجابي في المنطقة وبالدرجة ينعكس على لبنان، وبالتالي لبنان مرتبط بالتحولات الإقليمية".
وبالنسبة الى قوة "حزب الله" وموقعه اليوم بعد الضربات الإسرائيلية، اعتبر ان " على السياسيين والعسكريين في حزب الله أن يدركوا أن الماضي انتهى وأن عليهم التوجه إلى العمل السياسي وترك العمل العسكري، وكلام رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب القسم واضح وهو يجب أن يكون منهج لبنان، حين قال:"إن الذي بيننا وبين إسرائيل هي الهدنة»، لا نستطيع أن ندخل في حرب معلنة ضد إسرائيل لكن أيضاً لا نستطيع أن ندخل في تسوية وهذا أضمن للداخل اللبناني".
وبالسنة الى ضرورة ان يذهب "حزب الله" إلى حوار مصارحة ومكاشفة ويتحول إلى حزب سياسي، قال:" نعم هذا أمر صحيح ولبنان بحاجة إلى ذلك، لكن هناك استحقاقات سريعة في الجنوب منها الانسحاب الإسرائيلي وسيطرة الدولة على الجنوب بدلا عن أي قوة أخرى خارجة عن القرارات الدولية وعن اتفاق الطائف".
اضاف:" في المرحلة الحالية لا نريد توترات في داخل لبنان بالشكل الذي تقصده لحوار مع حزب الله حول موضوع السلاح، هناك حكومة جديدة ودولة يجب أن يتم كل شيء عبر هذه الحكومة، ونزع السلاح من المليشيات كافة في لبنان، بما في ذلك السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وهذا ما تم عليه في الحوار في العام 2006. لبنان يتجه إلى مأزق كبير في حال رفضت إسرائيل الانسحاب من الجنوب وفي استمرارها استباحة البشر والحجر، لكن لا مفر من المواجهة السياسية والوقوف صفاً واحداً وراء الجيش والدولة، وفي هذا المجال الأولوية تكمن في الإسراع في تشكيل الحكومة وهذا فوق كل اعتبار".
سئل: هل تعتقد أن حزب الله تغير اليوم؟
أجاب:" أتمنى ذلك بكل صراحة، ولا أريد أن أتدخل في ولاءاته وفي عقيدته وأن يعملوا على إعادة إعمار الجنوب وبعلبك والضاحية والمدن اللبنانية التي دمرتها إسرائيل، وأن يدركوا أن هناك «لبنان» جديداً بعد الزلزال الأخير الذي ضرب البلاد إثر عملية 7 تشرين الاول".
وعما اذا كان لقاؤه أحمد الشرع بالاتفاق مع حلفائه في لبنان، نفى ذلك وقال:" كلا.. ذهبت وابني تيمور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان الشيخ سامي أبو المنى، وباعتباري رئيس تكتل نيابي ورئيساً سابقاً للحزب مع بعض الشخصيات من الطائفة التوحيدية، فلم أمثّل أي أحد آخر. وكان لقاءً إيجابياً مع الشرع لأني أعرف أن قوة ووحدة واستقرار سورية من مصلحة لبنان والمنطقة، وبالتالي عنوان سوريا هو دمشق ومن هنا جاءت زيارتي".
سئل: نقل عنك في وسائل الإعلام قولك: يجب أن تنسوا ماضي أحمد الشرع، فهل هذا صحيح؟ اجاب: " لم أقل ذلك، قلت في كلمتي أمام الشرع يجب الاحتفاظ بسجن صيدنايا وسجن تدمر والسجون الأخرى، حتى تتعلم الأجيال القادمة ماذا فعل حزب البعث بالسوريين كما تفعل بقية الدول فمعتقل صيدنايا يشبه معتقل «أوشفيتز» في بولندا".
وعما اذا كان الشرع قادرًا على أن يكون عنوان المرحلة الجديدة في سوريا، راى انه " يجب أن نعطي فرصة للشعب السوري الذي انتزع حريته من نظام البعث، وأعتقد أنه مع أحمد الشرع يستطيع أن يكمل مشروع سوريا الجديدة بعد الحوار الوطني المزمع عقده، وأيضاً على المجتمع الدولي دعم هذه الإدارة لتتمكن من العمل وتحقيق الاستقرار".
سئل: لكن تصنيف الشرع إرهابياً ما يزال قائماً، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ اجاب:"في الحرب الأهلية اللبنانية صنفني الأميركيون إرهابياً، الكاثوليك الإيرلنديون صنفوا أيضاً كحركة إرهابية، ولاحقاً صافحت ملكة بريطانيا أحد قادتها، وياسر عرفات تم تصنيفه لسنوات على أنه إرهابي ومن ثم حصل على جائزة نوبل للسلام. المهم الآن هو مساعدة سوريا في هذه المرحلة وعدم الالتفات إلى الأحاديث التحريضية ضد الإدارة العسكرية الجديدة".
وعن تصوّر الشرع للعلاقة مع لبنان، أوضح جنبلاط انه "كان جداً منفتحاً على الحوار مع لبنان، ولديه رغبة في فتح حوار واسع، وهذا هو المطلوب في المرحلة الحالية أن تكون العلاقات من دولة الى دولة ، كان هناك المجلس اللبناني السوري الأعلى وهذا لم يكن نافعاً وليس له أهمية، اليوم نتطلع إلى الحوار دولة لدولة ضمن قواعد الاحترام المتبادل ولقد لمست حرصه على هذه العلاقة".
قيل له: أنت ضيف دائم على كل من يحكم سوريا، من حافظ الأسد إلى الشرع، اجاب:" لقائي مع حافظ الأسد كان لقاء الضرورة نتيجة الأوضاع اللبنانية آنذاك، وكنت دوماً أختار طريق دمشق وسأبقى كذلك، ولا أريد حقيقة فتح صفحة الجروح لأنها باتت من الماضي".
وقال ردا على سؤال:"كان آخر لقاء مع الأسد في حزيران 2011، ويمكن أن أقول إن هذا اللقاء لا ينسى. وكانت الثورة السورية في بدايتها، سألته خلال الحديث «علي الأمان» فأجاب عليك الأمان، فقلت له ما هي قصة الطفل حمزة الخطيب. قال لي لم نعذبه.. أجهزة الأمن قتلته وسلمته لأهله.. حينها صدمت من هذا الجواب. وأكملت الحديث، كان يقرأ كل ما يدور في رأسي ويستعد للأجوبة. وقلت له ماذا عن عاطف نجيب، مدير الأمن السياسي في درعا في تلك الفترة الذي أمر بإطلاق النار على المتظاهرين فأجاب كان على الآخرين أن يدعو عليه ولكن لم يدعِ عليه أحد، وكأن النظام السوري يقبل هذه الادعاءات وكان يتحدث كأنه في سويسرا".
وعما اذا كان يثق بوعود بشار الأسد حين كان في الحكم، قال:" أبداً إطلاقاً عرف بكذبه عالميًا".
سئل: ماذا كذب على لبنان؟ أجاب:" ليس على لبنان فقط، بل على الكل بما فيهم حليفته تركيا التي كانت تربطه علاقة جيدة بها، وكذب على وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو، كان يكذب حتى على المقربين منه، تصور أنه كذب على بثينة شعبان وأعطاها موعد لقاء لكنه كان يخطط للهرب".
سئل: كيف تصف بشار الأسد؟ قال:"شخص جبان هرب من سوريا ولم يدافع عن نفسه حتى إن أخاه هرب من دون أن يبلغه وهرب ماهر إلى كردستان، ومن ثم إلى روسيا".
وقال:" الأسد كان مشكلة لبنان، مارس كل أنواع الاغتيالات في حق اللبنانيين، دخل النظام السوري الى دم كمال جنبلاط وخرج على دم الشهيد رفيق الحريري، وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان بضغط عربي دولي رغماً عنه استمر بعد ذلك بالاغتيالات ولم يتوقف".
سئل: هل سيرفع لبنان دعاوى قضائية ضد أركان النظام السوري؟ اجاب:" نعم من الضروري ذلك، وبعد تاليف الحكومة اللبنانية لا بد من رفع دعاوى قضائية في حق الضباط السوريين المتورطين باغتيالات في حق السياسيين اللبنانيين".
وقال ردا على سؤال:" تركيا دولة محورية وإقليمية، وفي زيارتي التقيت الرئيس رجب أردوغان، وكانت في سياق الوضع في سوريا، وكيف يتم دعم الإدارة الجديدة. وأرى أن التعاون التركي - السعودي سيغيّر الوضع في سوريا نحو الأفضل بكل تأكيد".
وبالنسبة الى الوضع في السويداء لفت الى ان "الأمور في السويداء ستتبلور بين الأحزاب والحركات والمجتمع المدمي، ولكنني فعلاً لا أريد أن أعطي دروساً في الوطنية أو السياسة، من يريد سوريا يجب أن يكون في دمشق ويتعامل مع دمشق، بالنسبة للسويداء لا أريد أن أدخل في هذا الموضوع. لهم تقاليدهم وعاداتهم وخصوصياتهم، وهم جزء من المجتمع السوري لهم وضعهم الخاص وأتجنب أي حديث في التفاصيل، وأنا عربي أولا قبل أي انتماءات مذهبية. ولكنني أريد أن أشير الى ان الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من السويداء والتي بدأها سلطان باشا الأطرش هي العنوان الحقيقي للمرحلة لأن الثورة السورية آنذاك هي التي وحدت سوريا وأعرف أن كثرًا من أهالي السويداء يدركون ذلك".
سئل: كيف تلقيت خبر هروب الأسد؟ اجاب:"عندما سيطرت الإدارة العسكرية على حلب وهرب جيش الأسد، قلت آنذاك في مذكراتي انتهى الأسد حينها، ومع بعض الأصدقاء في باريس قلت إن نظام الأسد انتهى وكانوا ما يزالون في حلب فقط.
وأكد ردا على سؤال انه بدأ بكتابة مذكراته وأنه قدّم للبنان وللحزب ما يمكن تقديمه، و"الآن تيمور يسير على النهج نفسه واوصيه بأن يتعلم من تجربته الخاصة، ولا أعطيه توجيهات على الإطلاق".