القبض عليه وإعدامه.. محاكمة السنوار التي حلمت بها إسرائيل
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
خلال حرب ضروس تجري في قطاع غزة، يتخيّل نتنياهو نصره المطلق كمشهد سينمائيّ يعرضه أمام العالم، فيرى نفسه جالسًا في منتصف الصورة، عن يمينه يجلس رئيس الشاباك، وبجانبه رئيس الموساد، وعن يساره غالانت وهرتسي هاليفي، ينظرون إلى شاشات مشوّشة، تعرض صورًا لجنود النخبة بوجوه مشوّهة، ثم يعطيهم نتنياهو الإشارة ليلقوا القبض على يحيى السنوار.
فلربما كان يحلم نتنياهو بصورة يمنتجها على هواه، بأن يلقي القبض على غريمه السنوار، ويزيّف مشهدًا لانتشاله من أحد الأنفاق، في مشهد مشابه للحظة إلقاء القبض على صدّام حسين، ومن ثمّ يقوم بمحاكمته على شاشات التلفزيون محاكمةً لربما تطول لأشهر أو ربما سنوات، يتم فيها إلقاء التهم ضد السنوار فيما يتعلق بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول وما بعده وربما أيضًا فيما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وهو ما يعيدنا كذلك إلى محاكمة (آيخمان)، النازي الذي اختطفه الموساد من الأرجنتين لتحاكمه مجازًا عن كل النازية في تل أبيب.
ومن ثمّ يتم إعدامه ومن ثم حرق جثته وإلقاء رماده في البحر!
ولكن، يشاء القدر أن يَكتب سيناريو مختلفًا عن أحلام نتنياهو، فيتم اغتيال السنوار في غزة، إذ لم يهرب الأخير من قطاع غزة كما كانت تروّج إسرائيل، ولم يكن مختبئًا في أحد الأنفاق محاطًا بالأسرى الإسرائيليين كما زعمت الحكومة الإسرائيلية. بل كان المشهد الحقيقي يظهر أن السنوار التحم مع بضعة جنود، بل وقد جرى ذلك صدفةً ودون تخطيط من الجيش ولا معلومات من أجهزة الاستخبارات، حتى إن أولئك الجنود لم يكونوا من القوات الخاصة كوحدة الكوماندوز مثلًا، وقد خلط هذا المشهد المفاجئ وغير المخطط له كل أوراق بنيامين نتنياهو وبعثرها في الهواء!
لطالما كان نتنياهو يدير التوقيت حسب ما يريده ويحقق مآربه السياسية والعسكرية والإستراتيجية، حيث إنه لا يختار الوقت الذي ينفذ فيه اغتيالاته أو يصدر فيه قراراته بشكل عشوائي أو عبثي، فلم يكن عبثًا أن يصرح باعتبار قطاع غزة منطقة قتال ثانوية قبل أسبوعين.
بل كان يهدف من وراء ذلك إلى تبييت الحالة في قطاع غزة، واعتبارها حالة أمنية خطيرة إسرائيليًا فيستغلها في إحياء البارانويا الإسرائيلية، ولكن ضمن وتيرة معينة، تتلخص في أن يعمل على إضعاف صدى القضية الفلسطينية عن طريق افتعال أزمة أخرى بذات الزخم. وهذه الأزمة المفتعلة يعتبرها ملاذًا بالنسبة له، وهذا ما نراه من خلال تعامله مع الجبهة اللبنانية!
ولكن تباغته الجبهة التي لم تكن من ضمن حسابات نتنياهو في الوقت الحالي، الجبهة الإيرانية، بل والأكثر من ذلك، أن نتنياهو لا يستطيع التغاضي عنها باعتبارها ذات أهمية جيوسياسية في المنطقة. حيث كان يرمي في كتاباته إلى رغبته بقتل القضية الفلسطينية في داخل الجبهة الإيرانية، فلطالما كان يختزل القضية الفلسطينية بالبعد الإيراني لا غير.
فهو يرى أن القضاء على إيران يعني بالضرورة القضاء على كل ما له علاقة بفلسطين، سواء المقاومة الفلسطينية أو التحرير أو حتى العودة، فقام نتنياهو باختصار القضية الفلسطينية في شخص حماس، وحماس في ظلّ إيران، ولهذا يرى أن التخلص من إيران أو الشر الأكبر، حسب قوله، يعني موت القضية الفلسطينية والمقاومة المتمثلة في حماس. لذا صحيح أنه كان يريد أن يزحف إلى طهران باعتبارها مركزًا لمحور المقاومة ومعسكرها الأكبر بالنسبة إليه، لكنه لم يكن يريد الهرولة إليها.
لقد كان ينوي نتنياهو أن يستغل ضبابية الحرب لشيطنة الشرق الأوسط وإعادة ترتيبه لنظام إقليمي جديد وفق تصور أشار إليه في عدة مناسبات، ومن ثم ترتيب أوراق إسرائيل الداخلية، ومن ضمنها إعادة النظر في القوانين القضائية وتعديلها، وبالتالي يحتكر اليمين الحكم في إسرائيل بكل ما للكلمة من معنى!
وليقيم كل مشاريعه تلك، فإنّ عليه أن يضمن استمرار الحرب، ولاستمرار الحرب فإنه يحتاج إلى ذرائع، وإن كانت ذرائع إسرائيل دائمًا ما تختلف عن أهدافها، حيث تقوم بتشخيص الحالة بشكل خاطئ ومتعمّد، لكي تعالجها بشكل يلائم تصوراتها ومصالحها.
فمثلًا، تتذرع إسرائيل في حربها على قطاع غزة بهدفها بالقضاء على حكم حماس وإضعافها عسكريًا وسياسيًا، وهذا الهدف بات محققًا بالنسبة لإسرائيل، خصوصًا بعد عمليات الاغتيال الكبيرة التي قامت بها، إضافة إلى أن قدرات حماس الصاروخية باتت أضعف من ذي قبل ولم تعد تشكل خطرًا على أمن إسرائيل.
وبعد تحقيق هذين الهدفين، وخصوصًا بعد اغتيال السنوار، لم يعد هناك مجال لنتنياهو لتجاهل ملف الأسرى، وهو الهدف الثالث الذي أعلنه منذ بداية الحرب، ولكن تكمن المشكلة لدى نتنياهو أن إتمام صفقة إعادة الأسرى سيعني إنهاء الحرب في غزة، وإنهاء الحرب في غزة يعني انتهاءها في الجبهات الأخرى، وهذا ما لا يريده.
فانتهاء الحرب يعني أن على إسرائيل العودة إلى يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وتحقق في كل تداعياته والأسباب التي أدت إليه، ومحاسبة المسؤولين عنه، وهذا ما سيلغي مشروعه وربما ينهي مستقبله السياسي!
إن اغتيال السنوار قد وضع نتنياهو بين خيارين، وهما ما صرح به ليلة أمس بايدن وسموتريتش، حيث يريد منه بايدن إنهاء الحرب والذهاب نحو صفقة تبادل، بينما يريد سموتريتش منه الاستمرار في هذه الحرب لأهداف استيطانية، فمشروع سموتريتش يهدف إلى السيطرة والاستيطان من البحر إلى النهر، وهذا ما يؤيده نتنياهو، وبالتالي عليه أن يختار، لكنه صرح منذ البداية أنها حرب الوجود وحرب القيامة.
لذا فقد يبدو أنه سيستمر في حربه حتى تحقيق مآربه ومشروعه الإقليمي والاستيطاني، ولكن السؤال، كيف سيهرب من الضغط الأميركي لإنهاء الحرب، إضافة إلى ضغط أهالي الأسرى والمعارضة الإسرائيلية للاتجاه نحو صفقة؟
بالطبع سيكون ذلك من خلال القفز إلى الجبهة الإيرانية، وهذه الضربة ستكون بالنسبة له الورقة الرابحة، لذا سيضعها على الطاولة لثلاثة أسباب، أولها تحييد الرأي العام الإسرائيلي، والثاني إعادة القطاع إلى خانة الجبهة الثانوية، أما السبب الثالث فهو استغلال مقتل السنوار، والذي يعتبره مشهد نصر، لإضافة مشهد انتصاري آخر!
ومن هنا نعود إلى مشاهد نتنياهو، ومخيلته الجامحة نحو منتجة مشاهد انتصارات لحظية، حيث كان حدث اغتيال السنوار بعيدًا عما كان يخطط له. لا يمكن الإنكار بأن مقتله يعد انتصارًا لإسرائيل، ولكنه انتصار بمحض الصدفة، وهو ما قد تحاول إسرائيل أن تتنصل منه فيما بعد، وإظهار الأمر على أنه عملية بطولية، خصوصًا أن مشهد موت السنوار كان مشهدًا يؤكد رواية المقاومة وينسف الرواية الإسرائيلية بحقه.
ولكن، بغض النظر عن طبيعة المشهد، فإن الحقيقة تكمن في أن السنوار لم يعد موجودًا، أي لم يعد هناك من يعلق عليه نتنياهو أسباب عرقلة الصفقة واستمرار الحرب وتهديد أمن إسرائيل، وفرصته الوحيدة الآن هي الهروب إلى إيران من خلال توجيه ضربة لها، وربما نشهد ذلك في الساعات القادمة!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القضیة الفلسطینیة اغتیال السنوار قطاع غزة وهذا ما مشهد ا ومن ثم
إقرأ أيضاً:
الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أخبار عن تأسيس مليشيات جديدة للقتال بجانب الجيش مثل الأورطة الشرقية، حركة تحرير الجزيرة، تيار شباب البجا، وغيرها. قبل الحرب أيضاً وبذرائع مختلفة كالمطالبة بالحقوق والتمثيل في السلطة، وعدم حصول مناطق على إمتيازات أو تجاهلها في إتفاق جوبا وغيرها، تم تأسيس مليشيات مثل قوات درع البطانة، درع الوطن، وقوات كيان الوطن، تحت بصر وسمع الأجهزة العسكرية والأمنية، وفي الغالب هذه الأجهزة هي من أسست هذه المليشيات، مما يدل على أن استراتيجية الجيش والإسلاميين الرئيسية هي تأسيس واستخدام المليشيات، سواء التي أسسها الجيش أو التي تحالفت معه، بما في ذلك تلك المرتبطة بالإسلاميين كالبراء بن مالك. هذه المليشيات استخدمت قبل الحرب لإشاعة الفوضى ولتهديد قوى الثورة المدنية بالحرب، ولإشاعة حالة من الضعف الأمني. بعد إندلاع الحرب تستخدم هذه التشكيلات للقتال ضد مليشيا الدعم السريع. وللمفارقة العجيبة، فإن قوات درع الوطن بقيادة كيكل كانت قد إنضمت للدعم السريع وتسببت في إجتياح مدني وسنجة وغيرها وسقوطها في قبضة مليشيا الدعم السريع، ثم قبل أسابيع عاد كيكل بعدد قليل من هذه القوات وإنضم للجيش كمليشيا شبه مستقلة تحت اسم درع البطانة وليست تحت سيطرة الجيش بالكامل وإن تم الإدعاء بغير ذلك.
في بعض الأحيان، تُستخدم هذه المليشيات كأداة ضغط سياسي، وربما لاحقاً عسكري، كما يحدث حالياً في مطالبة ما يسمى تيار شباب البجا بإخراج مليشيات العدل والمساواة وتحرير السودان من ولايات الشرق. تُستخدم هذه المليشيات الآن لإنهاء الحرب والإنتصار على مليشيا الدعم السريع، على حساب استقرار الدولة ومستقبلها.
يناقش هذا المقال لماذا يرفض الجيش والإسلاميون دمج أو ضم، ولو مؤقتاً، كل التشكيلات والأفراد الراغبين في القتال ضد مليشيا الدعم السريع في الجيش، وماهي أسباب استخدامهم لاستراتيجية المليشيات وتأثيرها على مستقبل السودان.
أسباب استخدام المليشيات
إحدى الأسباب الرئيسية وراء الاعتماد على هذه المليشيات، وربما السبب الرئيسي، هو الخشية من صعود تيار داخل الجيش بعد إنضمام فئات مختلفة من الشعب للقتال معه، قد ينحاز إلى مطالب الشعب السوداني التي عبرت عنها ثورة ديسمبر. هذه الخشية تُفسر رفض الجيش والإسلاميين لانضمام الكثير من العسكريين المفصولين أو المعاشيين إلى صفوف الجيش في الحرب الحالية، حيث يرون أن هؤلاء قد يشكلون تياراً مناهضاً لهم وقد يصبح لهم صوت ووزن داخل الجيش، وربما أصبحوا أداة للتغيير السياسي خارج سيطرتهم. كذلك قتال هذه التشكيلات هذه بجانب الجيش بشكل شبه مستقل بعيداً عن سيطرة الجيش الكاملة عليها، يطرح تساؤلاً بشأن دور هذه المليشيات بعد الحرب وقابلية استخدامها للتمكن من السلطة، أو للحصول على إمتيازات سياسية، أو لقمع الشعب والقوى السياسية.
وفي الوضع الإقتصادي الحالي، فإن تشكيل المليشيات يُعتبر أقل تعقيداً وأقل تكلفة من تدريب الجنود وفق المعايير النظامية. هذه التشكيلات المسلحة تعتمد غالباً على دعم مالي ولوجستي من قنوات غير رسمية كالدعم الشعبي، ولكن مثلاً يتحدث العديد من المواطنين عن كثرة الإرتكازات الأمنية والمطالبة بالرسوم من المركبات العابرة وغيرها من الظواهر. هذا الشكل من التمويل يقلل من الأعباء المباشرة والإلتزامات المالية على القيادة العسكرية والسياسية. كما أن الإرث التاريخي للمليشيات، الذي يعود إلى نزاعات السودان الطويلة، جعلها أداة مفضلة لتحقيق السيطرة وتقسيم القوى داخل الدولة.
التحديات الناجمة عن المليشيات
هذا النهج يمثل خطراً كبيراً على مستقبل السودان. وجود المليشيات يضعف المؤسسات الوطنية ويؤدي إلى ازدواجية السلطة، ويعيق الإلتزام بالقوانين وتطبيقها. كما أن الغالب في تكوين هذه المليشيات أنه على أسس قبلية وإثنية أو مناطقية مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويخلق صراعات محلية طويلة الأمد، تهدد الوحدة الوطنية. تزايد هذه التوترات يؤدي إلى إضعاف التماسك المجتمعي ويعيق إنتصار الجيش نفسه، ويزيد من تعقيد أي جهود للوصول إلى تسوية سياسية.
الاعتماد على المليشيات يؤدي إلى إضعاف الجيش النظامي، حيث تصبح هذه التشكيلات بديلاً غير منضبط للقوة الرسمية، مما يقوض فعالية الجيش ويهدد تماسكه. بالإضافة إلى ذلك، التمويل المالي لهذه المليشيات لاحقاً سيعتمد غالباً على السيطرة على الموارد وربما النهب، مما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد وتعطيل التنمية كما حدث في حالة مليشيا الدعم السريع. كما أن انعدام الأمن الناتج عن نشاطها يفتح الباب لممارسات كالتهريب والأنشطة غير المشروعة، ويعوق الاقتصاد ويزيد من الأزمات المعيشية.
الدور الخارجي والتدخلات الإقليمية
تدخل القوى الخارجية لدعم هذه المليشيات يضيف حلقة أخرى من التعقيد، ويحول السودان إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية. وفي تناقض غريب، ورد أن الأورطة الشرقية ومليشيات أخرى قد تم تدريبها في إريتريا، حيث بدأت مليشيا الدعم السريع كقوة محلية ثم طورت علاقات خارجية لتصبح مستقلة عن الدولة، ما يعكس إمكانية تحول هذه المليشيات إلى كيانات ذات علاقات خارجية معقدة وربما تصبح تحت سيطرة خارجية. هذه العلاقات تُعقد أي محاولة لفرض السيادة الوطنية وقد تؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم في الأراضي والموارد الوطنية.
على المدى الطويل، تُعرف المليشيات باستخدامها للعنف المفرط وغير المنضبط، مما يؤدي إلى تصاعد الانتهاكات وزيادة الفوضى. هذا الوضع يجعل الإنتصار الشامل أو تحقيق السلام أمراً صعباً، حيث تصبح هذه التشكيلات المسلحة عقبة رئيسية أمام أي حل. حتى في حال الإنتصار الكامل للجيش، فقد تتغير أهداف المليشيات مع مرور الزمن وقد تستخدمها أطراف خارحية كما حدث مع الدعم السريع، مما يهدد استقرار الوضع حتى بعد انتهاء الصراع العسكري.
التحديات في المستقبل: تفكيك المليشيات ودمجها في الجيش
حتى إذا تحقق إنتصار كامل للجيش على مليشيا الدعم السريع وهو أمر مستبعد في الظرف الحالي، أو تم التوصل إلى اتفاق سلام، فإن تفكيك المليشيات أو دمجها في الجيش يمثل تحدياً كبيراً، كما أظهرت تجارب دول أخرى في المنطقة مثل الصومال وليبيا. منذ بداية التسعينات، واجهت الصومال صراعاً طويل الأمد بسبب وجود المليشيات المسلحة التي دعمتها قوى خارجية مختلفة، مما أدى إلى انهيار الدولة وتفككها إلى مناطق سيطرة متعددة. وبعد أكثر من ٣٥ عام على إندلاع الحرب في الصومال لا تزال المليشيات تستخدَم في صراعات محلية ودولية، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار المستمر والتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية. في ليبيا، تسببت المليشيات المدعومة خارجياً في تمزيق الدولة إلى كيانات متناحرة على السلطة. فإن كان قرار الجيش والإسلاميين أنهم لن يذهبوا لإتفاق مطلقاً، فالأفضل لمستقبل السودان أن يكون كل المقاتلين تحت القوات المسلحة فعلياً والإبتعاد عن استراتيجية المليشيات هذه.
في النهاية، الاعتماد على استراتيجية المليشيات يعكس ضعف الفكر وعدم قدرة قادة النظام السياسي والعسكري الحالي في السودان على التعلم من التجارب الذاتية والخارجية، وعدم الاكتراث لأرواح السودانيين. إن تحقيق السيطرة الآنية باستخدام المليشيات، وإن حدثت وهي مستبعدة في الظرف الحالي، على حساب الاستقرار الوطني لن يحقق الأمن المستدام، بل يقود السودان نحو التفتت والانقسام، مع تداعيات كارثية على الشعب السوداني لعقود قادمة. الحلول الحقيقية تكمن في بناء مؤسسات قوية، والبدء بإصلاح الجيش إلى مؤسسة مهنية ذات عقيدة وطنية تمثل كل السودانيين الآن وأثناء هذه الحرب.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد