موسكو- على وقع تواصل الأزمة بين روسيا والغرب، تراهن موسكو على تحقيق خرق جديد في توجهها نحو وضع أسس لنظام مالي عالمي جديد، وذلك من خلال قمة مجموعة "بريكس" المزمع عقدها في قازان (عاصمة تتارستان الروسية شرق موسكو) في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ووفق مراقبين روس، تشكل القمة المقبلة حلقة ضمن سلسلة أهداف تشمل -من بين أمور أخرى- وضع منطلقات لإطلاق عملة جديدة لبلدان المجموعة ونظام تسوية مالي دولي جديد.

أهداف وتحديات

ظهرت "بريكس" استجابة للأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009 كرد فعل من قبل بلدان نامية على ما اعتبرته انعدام المسؤولية من جانب المنظومة الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، التي -وفقا لهم- أظهرت افتقارها إلى السيطرة على مؤسساتها المالية، الأمر الذي أطلق العنان لأزمة مالية حادة.

وإذا كانت البلدان النامية هي الأكثر معاناة من الأزمة المالية العالمية، فقد أصبحت روسيا المتضرر الأكبر في إطار المجموعة بعد العقوبات الغربية التي اتخذت ضدها منذ عام 2014، بسبب ملف ضم القرم ومرورا بالحرب مع أوكرانيا عام 2022.

وبسبب هذه العقوبات تواجه روسيا عقوبات مالية غير مسبوقة من حيث القوة والعدد من الدول الغربية، إذ يخضع حاليا حوالي 7.7 آلاف فرد وكيان قانوني روسي للعقوبات، وتواجه البلاد تجميدا غير مسبوق تسميه "سرقة" لأصولها الأجنبية (تبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار)، مع تجميد حساباتها ومدفوعاتها في الأسواق العالمية من قبل المؤسسات المالية الغربية.

كما تم حرمانها من الوصول إلى نظام الدفع الدولي "سويفت". علاوة على ذلك، بدأ الغرب، مع التهديد بفرض عقوبات ثانوية، في إجبار دول محايدة أو صديقة لموسكو على منع التسويات المالية معها.

شعار القمة المرتقبة في روسيا لتجمع بريكس (موقع القمة) جردة حساب

وتشكل قمة قازان المقبلة فرصة كذلك لتقييم مدى نجاح أو تعثر المشاريع والمبادرات الأساسية للمجموعة على الخطين الاقتصادي والمالي، وبالأخص ما يخص بنك التنمية الجديد والتعامل بالعملات الوطنية عوض الدولار، ومسألة العملة الموحدة ونظام الدفع الدولي.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، صرح في وقت سابق بأنه سيتم إعداد تقرير للقمة بشأن خيارات إنشاء منصات دفع بديلة للتسويات بين دول المنظمة.

وبرأي الباحث الاقتصادي فلاديمير أولتشينكو، فقد رأى العالم كله كيف يمكن للدول الغربية أن تتوحد ضد أي دولة لا تتفق مع سياساتها، كما حصل مع روسيا، مما فتح أعين العديد من الدول وجعلها تفكر فيما إذا كان النظام المالي العالمي الحالي، القائم على هيمنة الدولار واليورو، عادلا وقابلا للحياة.

ويوضح للجزيرة نت أن عملية تقارب بدأت منذ عدة أعوام تترسخ بين الدول النامية نحو التخلص من الدولار في مدفوعاتها الدولية والابتعاد عن الدولار واليورو في الاحتياطيات المالية لبلادها، وأن البريكس -حسب رأيه- بدأت العمل كمنصة تنسيق لتوحيد هذه الدول بهذه العملية، كما تشير إلى ذلك الأرقام وقائمة الدول التي تسعى للانضمام إلى المنظمة.

اجتماع وزراء اتصالات مجموعة البريكس في نهاية سبتمبر/أيلول تمهيدا للقاء القمة (موقع القمة) حلول وبدائل

ويتابع الباحث أولتشينكو أن روسيا حققت خطوات مهمة في جهودها لإعادة توجيه التجارة إلى شركاء جدد موثوقين، من بينهم 4 من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، رغم الضغوط الشديدة التي تتعرض لها من جانب المنظومة الغربية.

ووفقا له، فإن نظام الدفع الجديد سيبدأ في التبلور بشكل أكثر وضوحا بعد اختتام أعمال القمة، كونه سيبحث نقاط القوة أو الضعف التي برزت خلال الأعوام الماضية من عملها، للمساعدة في المضي قدما لتقليل اعتماد اقتصادات دول البريكس على الدولار.

ويضيف أن حصة العملات الوطنية في حسابات المشاركين في المنظمة وصلت إلى 65%. ورغم أن التخلي الكامل عن الدولار سيؤدي إلى فرض عقوبات جديدة من قبل الولايات المتحدة، فإن هذا لا يعني أننا يجب أن نجلس مكتوفي الأيدي، إذ يمكننا تقديم عملة غير نقدية تتجاوز الحدود الوطنية.

ليست مجرد علامة تجارية

من جانبه، يقول الكاتب في الشؤون الاقتصادية، فلاديسلاف دياشوف، للجزيرة نت، إن المنظمة ليست مجرد علامة تجارية، ولكنها إطار مناسب للقوى الكبرى والمتوسطة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري فيما بينها وزيادة رأس مالها السياسي في الساحة الخارجية وتعزيز مواقفها التفاوضية مع القوى الأكبر.

وبرأيه، فإن الحديث الدائر في وسائل الإعلام الغربية -بأن "بريكس" راكدة اقتصاديا وفشلت في تحقيق أهدافها لأن منطلقاتها سياسية صرفة- لا يستقيم مع الواقع، إذ انتعشت التجارة البنية بين دول "بريكس" بشكل ملحوظ.

ويوضح أن الجهات المشككة تتجاهل عامل الوقت الضروري اللازم لبلورة نظام اقتصادي دولي جديد، وهي مرحلة إلزامية مرت بها كافة المنظمات الدولية عند نشأتها، بما في ذلك مجموعة الدول الصناعية السبع.

ويعتبر أن مخاوف المنظومة الغربية التي دفعتها لتوجيه تهديدات لبعض "بريكس" هي أكبر دليل على الخطر الذي يمثله إنشاء بنك تنمية عالمي جديد للمجموعة، والذي يعني في المقام الأول التخلي التدريجي عن اليورو والدولار في المدفوعات وتعزيز العملات الوطنية.

ويشير إلى أنه حتى لو كان الاتفاق على تطوير التعاون المالي، وتوفير خطوط ائتمان متبادلة بالعملات الوطنية بين الأعضاء، ذا طابع إطاري عام، فإن الخطوة الأولى نحو التخلص من "الدولرة" ما زالت متخذة.

وكان من المقرر أن تناقش قمة البريكس الأخيرة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا العام الماضي إمكانية إنشاء عملة موحدة للدول الأعضاء، لكن هذا لم يحدث. ويتوقع أن تتم العودة إلى هذه القضية في قمة قازان.

وبهذا الخصوص، قال ألكسندر بانكين نائب وزير الخارجية الروسي أن العمل جارٍ للتحرك نحو عملة موحدة للاستخدام في إطار البريكس، لكن هذه العملية تواجه بعض التعقيدات بسبب التشريعات، فكل دولة لديها حيثياتها الوطنية الخاصة في هذا الشأن، بحسب تعبيره.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

التحول الرقمي والأمن الغذائي في مقدمة اهتمامات اجتماع وزراء الاقتصاد العرب.. غدًا

قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية رئيس قطاع الشؤون الإقتصادية السفير الدكتور علي بن إبراهيم المالكي إن التحول الرقمي وآثاره الاقتصادية والاجتماعية المختلفة والأمن الغذائي وشؤون البيئة والمناخ، سيكون في مقدمة اهتمامات الدورة غير العادية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية المقررة غدًا "الاثنين"، والتي سُتعقد من أجل القمتين العربية العادية والتنموية.

وأضاف المالكي - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن اجتماع الغد سيشارك فيه وزراء الاقتصاد العرب وسيبحث الموضوعات التي ستعرض على القمة العربية بدورتها العادية الـ34 والمقرر عقدها في العاصمة العراقية بغداد خلال الفترة (12 - 17) مايو المقبل، بجانب الموضوعات التي ستعرض على القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية الخامسة، التي ستعقد بالتزامن مع القمة العربية العادية.

وأوضح أن الموضوعات ستتمحور حول متابعة تنفيذ قرارات القمة الأخيرة، واقتراح موضوعات جديدة ذات طابع اقتصادي واجتماعي تعزز التعاون بين الدول العربية الأعضاء كالتحول الرقمي وآثاره الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، والأمن الغذائي وشؤون البيئة والمناخ.

يُشار إلى أنه قد عقد، اليوم، في مقر جامعة الدول العربية اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي على مستوى كبار المسؤولين؛ للتحضير للاجتماع الوزاري غدًا.

مقالات مشابهة

  • ترامب يستثني روسيا من الرسوم الجمركية .. مفاوضات سرية تسبق العقوبات | تفاصيل
  • لهذا السبب لم يتمّ إدراج روسيا في رسوم ترامب الجمركية
  • التحول الرقمي والأمن الغذائي في مقدمة اهتمامات اجتماع وزراء الاقتصاد العرب.. غدًا
  • الجامعة العربية.. المجلس الاقتصادي يبحث استعدادات قمة بغداد
  • «الكيلاني» تختتم مشاركتها بـ«القمة العالمية للإعاقة» في برلين
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • المفتي قبلان: اللحظة للتضامن الوطني وليس لتمزيق القبضة الوطنية العليا التي تحمي لبنان
  • الإمارات الأولى عالمياً في ريادة الأعمال والأمان ومؤشرات الهوية الوطنية
  • زيلينسكي يكشف أول الدول الأوروبية التي سترسل قوات إلى أوكرانيا
  • أوحيدة: الدول التي تتحدث عن حرصها على استقرار ليبيا تتعامل مع المليشيات وتحميها