أشاد مفتي راشيا الشيخ الدكتور وفيق محمد حجازي بـ"القمة الروحية التي عقدت الأربعاء الماضي في بكركي ، حيث تمحورت بنودها على وجوب خروج الوطن من أزماته ، بإيقاف آلة الحرب ، وانتخاب رئيس للجمهورية والذي يتجلى بوحدة القرار اللبناني متمثلا في السلطات الرسمية".

واعتبر في بيان  أنه على "الساسة تلقف مقررات هذه القمة ،ليبنى عليها العمل الإنقاذي للوطن بخاصة وأن الحرب على لبنان تدخل ضمن أجندة الآخرين على أرض الوطن ، والتي أسهمت بتشتيت شمل العائلات وتدمير البنية التحتية في كثير من البلدات والقرى فضلا عن سقوط كثير من الضحايا والجرحى من أبناء الوطن" ، معتبرا أن" استمرار هذا الأمر سيولد المزيد من الدمار والضحايا ، ودخول لبنان في نفق مظلم لا فائدة من ورائه سوى مزيد من التفكك والضياع".



واعتبر أن "الوحدة الوطنية في لبنان هي أهم عامل بناء لوقوف الوطن وعدم انهياره ، والقوى السياسية "،مطالبا "بصحوة ضمير تجاه لبنان ، وعدم التلطي وراء مصالحهم الشخصية على حساب وحدة الوطن وسلامته ، ذلك أن مصلحة الوطن أغلى من أنانياتهم ومصالحهم".

وحذر من "خطورة التفرد بالقرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل الوطن بعيدا عن منطق الدولة،  لأن هذا بحد ذاته جريمة لا تغتفر ، وقد جرت ويلات على لبنان ولا تزال ، ولبنان لا يمكن أن يكون بريدا أو ملعبا يتدرب الآخرون فيه وهم الخاسرون دائما ، حيث أثبت التاريخ لهم ذلك، فمصلحة لبنان مقدمة على مصالح الآخرين والوحدة الوطنية هي المسار الصحيح للنهوض بالوطن وإعادة إعماره واستقراره، كما وحيا سماحته تضحيات الفلسطينيين في غزة مباركا لهم جهادهم وتضحياتهم".
 
وطالب المجتمع الدولي بـ"ضرورة الوقوف مع لبنان ووقف آلة الحرب الهمجية عليه ،حمى الله لبنان من كيد الكائدين".

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

صلاح بن البادية- سيرة رائد الحداثة الروحية في الأغنية السودانية

زهير عثمان

صوتٌ يرقص بين الروح والوطن

في فضاء الأغنية السودانية، حيث تتداخل الألحان الأفريقية مع الإيقاعات العربية، وتنحت الكلماتُ مشاعرَ الشعبِ بين ألمِ الحروبِ وبهجةِ الترابِ، يظلُّ اسم صلاح بن البادية علامةً فارقة. لم يكن مجردَ فنانٍ، بل كان ظاهرةً فنيةً جمعت بين العمقِ الروحيِّ والحداثةِ الفنيةِ، فخلقتْ لنفسها مسارًا خاصًا في ذاكرةِ السودانيين. رحلَ الجسدُ، لكن صوته ما زال يُردِّدُ في الأسماعِ: "سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ".
البدايات: من قرى الجزيرة إلى عرشِ الأغنيةِ
وُلد صلاح بن البادية في منطقة الدبيبة بولاية الجزيرة، حيثُ النيلُ ينسابُ بين الحقولِ الخضراءِ، وحيثُ تُورِقُ الأغاني الشعبيةُ كأشجارِ الطلحِ. نشأ في بيئةٍ تتنفسُ التصوفَ والمدائحَ النبويةَ، فتعلَّمَ من تراتيلِ الزوايا والصوفيةِ كيف تكون الموسيقى صلاةً. انتقلَ إلى أم درمان ليكملَ تعليمَه، وهناكَ بدأتْ موهبتهُ تتفجرُ بين جدرانِ المدارسِ والأحياءِ الشعبيةِ.
في ستينيات القرن الماضي، خطا أولى خطواته الفنية، حاملًا معه روحَ الريفِ السودانيِّ ونبضَ المدينةِ. لم يكن صوته مجردَ آلةٍ موسيقيةٍ، بل كان جسرًا بين التراثِ والحداثةِ، بين الفصحى والعاميةِ، بين الصوفيةِ والعاطفةِ الإنسانيةِ.
"سال من شعرها الذهب": حين يُولد اللحنُ من إيقاعِ القطارِ
لا يمكن ذكر صلاح بن البادية دون التوقف عند تحفته الخالدة "سال من شعرها الذهب"، التي كتبها الشاعرُ أبو آمنة حامد بلغةٍ فصيحةٍ نادرةٍ في الأغنية السودانية، ولحنها الموسيقارُ عبد اللطيف خضر الحاوي (ود الحاوي).
القصةُ التي حيكت حول اللحنِ تُجسِّدُ سحرَ الإبداعِ: في رحلةٍ بالقطارِ من بورتسودان إلى الخرطوم، استوحى ود الحاوي الإيقاعَ من دندنةِ عجلاتِ القطارِ، فسجلَّ اللحنَ على عجلٍ في منزل بن البادية فجرًا، خوفًا من أن يطيرَ الإلهامُ مع أولِ خيطِ شمسٍ.
الأغنيةُ، التي غناها بن البادية بصوتهِ الجهوريِّ الممزوجِ بالحنينِ، تحولت إلى أيقونةٍ. كلماتُها تصفُ جمالَ المرأةِ بلغةٍ شعريةٍ مدهشةٍ:
"سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ
كلما عبثتْ به نسمةٌ... ماجَ واضطربُ".
لكنها أيضًا كانت قصيدةً في حبِّ السودانِ، حيثُ الذهبُ رمزٌ لثراءِ الأرضِ، والنسيمُ إشارةٌ إلى شوقِ المغتربين.
الحداثة الروحية: حين يصيرُ الغناءُ ابتهالًا
تميز بن البادية بقدرتهِ على تحويلِ الأغنيةِ العاطفيةِ إلى تجربةٍ روحيةٍ. في أعمالٍ مثل "يا زهرة الروض الظليل" و"وا أسفاي"، مزجَ بين الغناءِ الصوفيِ والعاطفةِ الإنسانيةِ، فكان صوتهُ يُشبهُ الدعاءَ.
أسلوبُه اعتمد على:
الانتقاء الشعري الراقي: تعاون مع شعراء كبار مثل أبو آمنة حامد والتجاني حاج موسى، واختار قصائدَ تحملُ طبقاتٍ من المعنى.
التلحين الهادئ العميق: فضلَ الألحانَ التي تتنفسُ برويةٍ، كأنها تيارٌ نهرِيٌّ يلامسُ الشواطئَ.
الأداء المسرحيِّ الوقور: على المسرح، كان يرتدي الجلبابَ الأبيضَ، ويحركُ يديهِ كأنه يُناجي السماءَ.
أغنياتٌ صارت عيونًا: بصماتٌ لا تُنسى
من أبرز أعماله التي شكلت "عيون الأغنية السودانية":
"ليالي الخير": احتفاليةٌ بالأملِ، لحنٌ يرقصُ بين الفرحِ والطمأنينةِ.
"كسلا": قصيدةٌ في حبِّ المدينةِ، غناها وكأنها معشوقةٌ تستحقُ التمجيدَ.
"ردي النضارة": حوارٌ مع الذاتِ عن فقدانِ البراءةِ في زمنِ الحربِ.
في كلِّ أغنيةٍ، كان بن البادية يحفرُ في الذاكرةِ الجمعيةِ للسودانيينَ، ليتركَ نقشًا يقولُ: "هنا مرَّ فنانٌ رأى الجمالَ حتى في جراحِ الوطنِ".
الجدلُ الفنيُّ: عندما اختلفَ العمالقةُ
أثارتْ أغنيةُ "سال من شعرها الذهب" غضبَ الفنانِ الكبيرِ إبراهيم عوض، الذي اعتبر أن ود الحاوي كان يجب أن يمنحَ اللحنَ لهُ بعد تعاونهما الناجحِ في أغانٍ مثل "المصير". لكن التاريخَ أثبتَ أن اختيارَ ود الحاوي لبن البادية كانَ صائبًا، فقد حوّلَ الصوتُ القويُّ والروحُ التأمليةُ الأغنيةَ إلى تحفةٍ خالدةٍ.
الإرثُ: ما بعد الرحيلِ
رحل صلاح بن البادية تاركًا وراءه إرثًا غنائيًا يُدرسُ في كلياتِ الموسيقى، وصوتًا ما زالَ يُعيدُ للسودانيينَ ذكرياتِ زمنٍ كان الفنُّ فيهِ رسالةً وليسَ سلعةً. اليومَ، تُعيدُ الأجيالُ الجديدةُ اكتشافَ أغانيهِ، لا كتراثٍ فحسب، بل كدليلٍ على أن الفنَّ الحقيقيَّ لا يموتُ.
في زمنِ الانقساماتِ، يظلُّ بن البادية رمزًا لوحدةِ السودانِ الثقافيةِ، حيثُ لا فرقَ بين شمالٍ وجنوبٍ، إلا في تنوعِ الإيقاعاتِ التي تجتمعُ تحتَ سماءِ أغانيهِ.
النغمةُ التي صارتْ ترابًا
عندما يُذكر صلاح بن البادية، يُذكر السودانُ بكلِّ تناقضاتِه: جمالُ الأرضِ وقسوةُ الحروبِ، غنى الثقافةِ وفقرُ السياسةِ. كانَ صوتُه مرآةً لهذا التناقضِ، لكنه اختارَ أن يُغني للجمالِ رغمَ الجراحِ. اليومَ، وبعد رحيلِه، صارتْ أغانيهِ جزءًا من ترابِ السودانِ، تُنبِتُ كلما مرَّ عليها مطرُ الذاكرةِ.
رحم الله صلاح بن البادية، فقد كان نغمةً صادقةً في سماءِ الفنِّ السودانيِّ.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • خبراء إسرائيليون يحذرون الاحتلال من نعي حزب الله وإزالته من خارطة التهديدات
  • وكيل القوى العاملة بالنوا : كلمة الرئيس السيسى خارطة طريق لتحقيق السلام
  • عون تسلم دعوة لحضور القمة العربية في بغداد
  • وفد حكومة الوحدة الوطنية يناقش خارطة طريق للإصلاح المالي في واشنطن
  • المفتي يهنئ رئيس الجمهورية والشعب بذكرى تحرير سيناء
  • صلاح بن البادية- سيرة رائد الحداثة الروحية في الأغنية السودانية
  • برلماني: كلمة الرئيس في حفل تخرج الأئمة خارطة طريق لتجديد الخطاب الديني
  • واشنطن: زيلينسكي يبتعد عن طريق السلام
  • اجتماع وزاري عربي بالقاهرة يناقش الحرب على غزة وملفات أخرى
  • المفتي قبلان: لن تقوم قائمة للدولة إلا بعد تأكيد السيادة الوطنية