الـFinancial Times :هل لبنان معاقب على قرار اتخذه حزب الله بمفرده؟
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
ذكرت صحيفة "Financial Times" البريطانية أنه "بعد شهر من بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية المتعددة الأبعاد ضد حزب الله ولبنان، لم يستوعب اللبنانيون بعد حجم ما حل ببلدهم. فقد أصبح ربع لبنان الآن خاضعا لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، وما يقرب من ربع السكان في حالة نزوح، ينامون في المدارس، أو في الشوارع، أو في منازل مستأجرة أو غرف فنادق.
وبحسب الصحيفة، "لقد تم تدمير بلدات بأكملها. وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحويل لبنان إلى غزة أخرى وطالب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في الجنوب بالتراجع. وفي الوقت نفسه، اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. في هذه الدوامة، يواجه لبنان تحديات متعددة. أولاً، الضغوط الاجتماعية الهائلة. لقد أدى نزوح أكثر من مليون شخص من المناطق المستهدفة بالضربات الإسرائيلية إلى اكتظاظ سكاني في أجزاء مختلفة من العاصمة. وعلى الرغم من ذلك، هناك شعور عميق بالتضامن، وقد هرع المجتمع المدني إلى العمل لإيواء وتأمين الطعام للاجئين. ولكن في بلد يعاني بالفعل من أزمة، فإن القدرة على دعم مثل هذا الجهد ستكون محدودة".
وتابعت الصحيفة، "يشعر اللبنانيون بأنهم معاقبون على قرار اتخذه حزب الله بمفرده، وربط مصير لبنان بغزة وجر البلاد إلى الحرب.لكن الطائفة الشيعية هي التي تتحمل وطأة غضب إسرائيل، فمدنهم وأحياؤهم هي البيئة التي يعمل فيها حزب الله، كما استهدفت الضربات الإسرائيلية مناطق أخرى، حيث تزعم إسرائيل أنها تستهدف أعضاء حزب الله الذين لجأوا إلى مناطق أخرى. ففي يوم الإثنين، استشهد ما لا يقل عن 21 شخصًا، نزحوا من الجنوب، إلى بلدة أيطو الشمالية. قد يعتقد نتنياهو أن هذا من شأنه أن يدفع بقية لبنان إلى الانتفاض ضد حزب الله أو الشيعة، وبالتالي الدخول في حرب أهلية. إن التحديات السياسية في الداخل هائلة وحساسة، كما وتعارض أغلبية كبيرة من اللبنانيين حزب الله. ولكن في حين يرى معارضوه، وحتى حلفاؤه، فرصة لتقليص قوته، لا أحد في لبنان يتطلع إلى الإسرائيلي ليسحق حزباً سياسياً أو مجتمعاً آخر".
وأضافت الصحيفة، "تم تعلم هذا الدرس في عام 1982 خلال الغزو الإسرائيلي الأخير الواسع النطاق. والآن لبنان، الذي شاهد تدمير غزة على مدى العام الماضي، حذر للغاية من نوايا إسرائيل.بالإضافة إلى ذلك، في حين تم اغتيال رأس قيادة حزب الله، إلا أن الحزب لم يرفع الراية البيضاء. فحزب الله لم يكن يوماً المشكلة الوحيدة في لبنان. واللافت أن الساسة المتخاصمين في البلاد لم يتحدوا بعد في مواجهة الأزمة. ويحتل انتخاب رئيس لبنان مكانة عالية على جدول الأعمال، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد وتختلف الآراء حول التوقيت. فهل ننتخب شخصاً بسرعة للتفاوض على شروط وقف إطلاق النار؟ أم ننتظر وقف إطلاق النار لتجنب أي شكوك حول شرعية الانتخابات؟"
وبحسب الصحيفة، "هناك الكثير من النشاط الدبلوماسي الدولي ولكن ما من وقف لإطلاق النار في الأفق، وربما لن يكون هناك وقف لإطلاق النار قبل الانتخابات الأميركية، وهذا يقودنا إلى بعض أهداف الحرب الإسرائيلية، إلى جانب الهدف المعلن الذي لا يمكن تحقيقه والمتمثل في تدمير حزب الله. لقد تحدثت إسرائيل عن توغلات برية محدودة وأصرت على أنها لن تحتل جنوب لبنان. وقال وزير الدفاع يوآف غالانت إن الجيش الإسرائيلي سوف يدمر القرى الواقعة على طول الحدود واحدة تلو الأخر، وقد تم بالفعل تدمير العديد من القرى. ويبدو أن الهدف هو إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان على عمق عدة كيلومترات داخل لبنان، حيث تستطيع إسرائيل مراقبتها من أراضيها. ومن الواضح أن إسرائيل تريد إبعاد حزب الله عن الحدود، ولكن هذا يعني أيضاً أن أحداً من سكان هذه القرى لن يعود إلى دياره في أي وقت قريب".
وختمت الصحيفة، "إن الحرب مستمرة، وسوف يكون تأثيرها على الجنوب وعلى لبنان بأكمله طويلاً".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و»إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية