ترسانة إيران العسكرية.. هل تعكس الأرقام الواقع؟
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
في ربيع عام 2024 قتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسبعة آخرون من بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بعد سقوط مروحية كانت تقلهم شمال شرقي البلاد. مصادر طهران الرسمية أرجعت الحادث لسوء الأحوال الجوية إلا أن خبراء عسكريين توقفوا عند طراز الطائرة ،"بل 212"، المروحية التي دخلت الخدمة في الجيش الأميركي قبل ما يقارب 60 عاما.
الباحث في الشؤون العسكرية الإيرانية، بهنام بن طالبلو، قال لبرنامج "الحرة تتحرى" على قناة "الحرة" إن "حادث تحطم المروحية يكشف عن الافتقار إلى الصيانة والمشاكل الحقيقية في قدرات الجمهورية الإسلامية بحيث تستخدم مروحية أميركية قديمة هي النسخة الأقدم من نوع بل".
الحديث عن فعالية قدرات طهران العسكرية برز أيضاً قبل شهر من حادث مقتل رئيسي عندما هاجمت إيران إسرائيل بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة.
مدير برنامج الدراسات العسكرية في معهد واشنطن، مايكل آزنشتات، أوضح للحرة "كان هذا ردا على عدد كبير جدا من الهجمات الإسرائيلية ضد أفراد ومصالح إيرانية في المنطقة، قتل الإسرائيليون جنرالين إيرانيين وخمسة من مساعديهما في دمشق في مبنى ملحق بسفارة طهران".
لكن عملية "الوعد الصادق"، كما أطلقت عليها طهران، لم تكن اسما على مسمى بحسب آزنشتات الذي أشار إلى أنها "كانت المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران إسرائيل مباشرة، تم إسقاط معظم الصواريخ والمسيرات قبل أن تصل إلى أهدافها والعديد منها تعطل وانفجر فوق الأراضي الإيرانية، يبدو أن لديهم مشكلة في جودة تصنيع الأسلحة"، على حد قوله.
يقول الخبير العسكري في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية، برادلي بومان، إن "القدرات العسكرية الإيرانية ليست ضخمة ولا ضئيلة إنها مهمة، ليست قريبة من قدرات الولايات المتحدة مثلاً لكن يتعين علينا أن نتعامل مع إيران وقدراتها العسكرية على محمل الجد ... لأنها تمتلك الإمكانيات اللازمة لإلحاق ضرر كبير بجيرانها كما تفعل في الغالب ".
فهل تستطيع طهران تغيير المعادلة العسكرية في الشرق الأوسط كما تدعي وما صحة تصنيفها على لائحة جيوش العالم؟
يجيب آزنشتات على هذا التساؤل بالقول إن "الإيرانيين يبالغون دائماً في قدراتهم، ففي الماضي كان من السهل دحض هذه الادعاءات، لأن أسلحتهم غالبا ما كانت تفشل، لكن اليوم فان الكثير منها أصبحت جيدة، ليست الأكثر تقدمًا في العالم إلا أنها تلبي احتياجاتهم وتتوفر بأعداد كبيرة جدا نظراً لتكلفتها المنخفضة".
وبحسب موقع "غلوبال فاير باور"، المتخصص في تحليل بيانات القوى العسكرية العالمية، تحتل إيران المرتبة الرابعة عشر من بين 145 دولة لكن خبراء يؤكدون أن تلك التصنيفات لا تعبر بالضرورة عن القدرات الفعلية للجيوش كونها تعتمد فقط على كميات الأسلحة وليس كفاءتها.
أحياناً تكون الأرقام غير دقيقة أو خادعة، لأن قوة الجيوش لا تعتمد فقط على الكمية بل أيضا على النوعية التي يجب أخذها بعين الاعتبار، ويقول الباحث، بن طالبلو، إن إيران لديها طائرات أميركية قديمة جدا من طراز F-14 وF-4 وF -5 وهناك أيضا أسطول عفا عليه الزمن، بحسب تعبيره.
قبل عقود وبحلول منتصف السبعينيات صنف الجيش الإيراني وقتها كأكبر قوة عسكرية في المنطقة والخامس عالمياً. وبدعم أميركي ضخم للشاه محمد رضا بهلوي حصلت طهران وقتها على أحدث الأسلحة الغربية.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذكرت في تقرير أن إيران تعاقدت آنذاك على شراء معدات عسكرية تزيد قيمتها عن مليار دولار من الولايات المتحدة، فيما وصفه مسؤولو وزارة الدفاع بأنه أكبر صفقة أسلحة أشرف عليها البنتاغون على الإطلاق.
وفي بدايات عام 1979 اندلعت الثورة الإيرانية فرحل الشاه، محمد رضا بهلوي، إلى المنفى وتحولت ملكية الآلة العسكرية المتطورة إلى روح الله الخميني والجمهورية الإسلامية.
وبعد عام من قيام الثورة الإيرانية وفي خريف عام 1980، اندلعت الحرب مع العراق، ويقول نادر نوري، دبلوماسي إيراني منشق مقيم في فرنسا، إن هذه الحرب استمرت ثماني سنوات كاملة وكانت الحصيلة حوالي 500 ألف قتيل وجريح وأضرار مادية قدرت بمليارات الدولارات، لتخرج إيران من حربها الطاحنة مع العراق بدروس قاسية وخسائر جسيمة.
إيران تبنت تدريجياً استراتيجية عسكرية مبنية على عقيدة تسمى "الحرب غير المتكافئة"، ولتنفيذ هذا المبدأ اعتمدت بشكل أساسي على الحروب غير النظامية سيما من خلال إنشاء فيلق الحرس الثوري والذي كان في الأصل قوة عسكرية صغيرة ولكن تدريجياً ونتيجة الحرب الإيرانية العراقية تحول إلى جيش حقيقي.
اعتمادا على الحرس الثوري تبلورت عقيدة إيران العسكرية لمواجهة أعدائها بطريقة غير مباشرة ولمد نفوذها السياسي والديني في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع أكثر باتجاه تلك العقيدة كان تآكل الترسانة الإيرانية بعد ثماني سنوات من القتال المرير ضد العراق وتدمير المئات من الطائرات والمدرعات التي لم يكن بالإمكان تعويضها بسبب العقوبات الغربية.
وفي 7 أكتوبر عام 2023، شنت حماس هجوما مباغتا على إسرائيل، لكن اللافت كان حجم السلاح الإيراني المستخدم والذي وجد طريقه إلى غزة متخطيا طوقا إسرائيليا محكما.
تقارير صحافية رجحت تهريب السلاح إلى القطاع عبر القوارب والأنفاق أو تخبئته داخل شحنات المواد الغذائية والسلع. خلال العقد الماضي استخدمت طهران أيضا الهندسة العكسية لنماذج استولت عليها من مسيرات أميركية وإسرائيلية في تطوير وإنتاج نسخ محلية منها.
على الرغم من قصورها التكنولوجي وصفت تقارير صحفية المسيرات الإيرانية بأنها غيرت طبيعة الحروب كونها رخيصة وقاتلة ومنتشرة على نطاق واسع. واعتمادا على قلة التكلفة وسهولة الإنتاج شكلت المسيرات عنصرا أساسيا في استراتيجية الحرب غير التقليدية التي تنتهجها إيران ضد خصومها فزودت وكلاءها بمئات النسخ من هذا السلاح لاستخدامه نيابة عنها.
مع اندلاع الحرب في غزة، في خريف عام 2023، حولت جماعة الحوثيين اليمنية البحر الأحمر لساحة معركة باستهداف السفن التجارية المارة في الممر الملاحي بطرازات متعددة من صواريخ إيرانية الصنع.
وفي محاولة لتغيير المعادلة السياسية في الشرق الأوسط والالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها تطور طهران قدراتها العسكرية باعتماد قلة التكلفة الإنتاجية ونسخ أسلحة الدول المتقدمة لتوزعها على وكلائها. ثم تعتمد سياسة الإنكار ونفي علاقتها بهذه الفوضى فالعواقب غير مضمونة في حال اضطرت الجمهورية الإيرانية لخوض حرب مباشرة أمام أي من القوى الإقليمية أو الدولية.
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
إيران تتجه نحو إلغاء الانتخابات الرئاسية.. مقترح برلماني في طهران يسلط الضوء على مفهوم الديمقراطية الدينية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اقترح عضو بارز في البرلمان الإيراني (مجلس الشورى) استبدال النظام الانتخابي الرئاسي الحالي في إيران بنظام يتم فيه تعيين الرئيس مباشرة من قبل المرشد الأعلى، في خطوة من شأنها أن تلغي الانتخابات الرئاسية العامة بالكامل.
وفي مقابلة مع موقع "دیدبان ایران" (مراقب إيران)، دافع عثمان سالاري، نائب رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، عن اقتراحه، مؤكدًا أن هذا النظام "لا يتعارض مع الديمقراطية الدينية".
يُذكر أن النظام السياسي في إيران يعتمد على نموذج من الديمقراطية المقيدة، حيث يقتصر اختيار المرشحين على من توافق عليهم مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه التيار المحافظ.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الأحزاب السياسية قيودًا صارمة، فيما تخضع وسائل الإعلام للرقابة الحكومية المباشرة أو غير المباشرة.
وأضاف سالاري أن المرشد الأعلى هو الرئيس الحقيقي للحكومة، وبالتالي لا يوجد مانع من أن يقوم بتعيين رئيس السلطة التنفيذية بنفسه.
دعوات سابقة لإلغاء الانتخابات الرئاسية
سبق أن طرحت عدة وسائل إعلام إيرانية وشخصيات سياسية مقترحات لاستبدال الانتخابات العامة للرئاسة بنظام برلماني يتم فيه اختيار الرئيس من قبل أعضاء البرلمان، بدلاً من انتخابه من قبل الشعب.
يُذكر أن الثقة العامة في منصب الرئاسة وفي النظام الانتخابي الإيراني شهدت تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الـ15 الماضية، حيث أصبح من الواضح أن رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات محدودة جدًا فيما يتعلق بالقرارات الكبرى للدولة.
ووفقًا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية (ايسنا )، التي تملكها الحكومة، فقد تمت مناقشة إلغاء الانتخابات الرئاسية لصالح نظام برلماني في يناير 2022، حيث نشرت الوكالة تقريرًا حلل فيه إيجابيات وسلبيات كل من النظامين، مستندةً إلى آراء عالم السياسة الإيراني البارز حسین بشیریه.
في تقريرها، أوضحت ايسنا أن "في النظام الرئاسي، يتم انتخاب كل من البرلمان والرئيس من قبل الشعب لفترات محددة، ولا يمكن للبرلمان إقالة الرئيس، لكنه يمتلك صلاحية مساءلته. وعلى الجانب الآخر، لا يمتلك الرئيس سلطة حل البرلمان."
أما فيما يتعلق بالنظام البرلماني، فقد أوضحت الوكالة أن "في هذا النظام، يستطيع البرلمان عزل رئيس الحكومة (عادةً رئيس الوزراء) من خلال سحب الثقة منه، كما يملك رئيس الوزراء سلطة حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة." كما أشار التقرير إلى أن الفصل بين السلطات الثلاث يكون أوضح في النظام البرلماني.
الصراع بين الرئاسة والمرشد الأعلى
تأتي هذه الدعوات لتغيير النظام السياسي في إيران نتيجة للصراع المستمر بين منصب المرشد الأعلى ومنصب رئيس الجمهورية منذ تأسيس الجمهورية عام 1979.
وقد تفاقم هذا الصراع تدريجيًا بعد تولي المرشد الأعلى علي خامنئي المنصب، حيث سعى إلى احتكار السلطة بشكل كامل.
وفي حديثه لموقع "دیدبان ایران"، أشار سالاري إلى أن "جميع الرؤساء الإيرانيين منذ عام 1989 قد وُجهت إليهم اتهامات بـ'الانحراف'، وانتهى الأمر بالمرشد الأعلى إلى النأي بنفسه عن كل منهم قبل نهاية ولايته."
وأضاف أن هؤلاء الرؤساء حصلوا في البداية على موافقة خامنئي، إلا أنهم لاحقًا انتهجوا سياسات سياسية واقتصادية واجتماعية لم تكن تتماشى مع توجهاته، مما أدى إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار، لا سيما في القضايا الاقتصادية والسياسات الخارجية.
ووفقًا لسالاري، فإن تعيين الرئيس مباشرةً من قبل خامنئي "لا يزال ديمقراطيًا" لأن المرشد الأعلى نفسه قد تم انتخابه بشكل غير مباشر من قبل الشعب.
ومع ذلك، فإن هذا الادعاء يظل مثيرًا للجدل، حيث إن انتخاب خامنئي من قبل مجلس خبراء القيادة كان محل انتقادات واسعة، خاصةً بسبب التأثير القوي الذي مارسه أكبر هاشمي رفسنجاني، نائب رئيس المجلس آنذاك، لضمان انتخاب خامنئي، كما يظهر في مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت.
هل يتحول الاقتراح إلى واقع؟
في عام 2011، أعرب خامنئي عن دعمه لفكرة انتخاب الرئيس من قبل البرلمان، لكنه لم يتابع تنفيذها، رغم إعادة مناقشة الفكرة عدة مرات منذ ذلك الحين.
إلا أن اقتراح سالاري مختلف تمامًا، حيث ينص على أن اختيار الرئيس سيكون بيد المرشد الأعلى مباشرةً، مما يجعله أكثر شموليةً في تقليص السلطة التنفيذية.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يتم اعتماد هذا النظام رسميًا، حيث يفضل خامنئي على ما يبدو الإبقاء على منصب الرئيس كواجهة يمكن تحميله المسؤولية عن المشكلات السياسية والاقتصادية، بدلاً من أن يتحملها بنفسه.
ويبدو أن النظام الإيراني يتجه تدريجيًا نحو مزيد من المركزية في صنع القرار، حيث تتزايد الدعوات لإلغاء الانتخابات الرئاسية، سواءً عبر الانتقال إلى نظام برلماني، أو عبر تعيين الرئيس مباشرةً من قبل المرشد الأعلى.
ومع ذلك، فإن أي خطوة من هذا القبيل قد تواجه رفضًا شعبيًا واسعًا، خاصةً في ظل تراجع الثقة العامة في النظام السياسي، وهو ما قد يؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية داخل إيران.