لجريدة عمان:
2025-02-07@05:04:38 GMT

المهمات الـ «رسولية».. تناثرت بالوكالة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

توصف في هذا السياق مجموعة من المهمات التي نقوم بها كبشر؛ بالمهمة الـ «رسولية» وهذا الوصف؛ وإن كان في ظاهره مقاربة لفظية، إلا أننا نذهب بعيدا إلى حيث المعنى، والمعنى هنا ضمني؛ فمهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام تنطلق من تكليف رباني سامٍ، ليس بعده سمو، ولكننا هنا نقارب بالمعنى، وبالشعور، فلعلنا أن نحظى بشيء من الرضى من لدن رب العزة والجلال، ونقترب ولو بجزء من الألف من التمثل بمنهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإذا كانت رسالة الرسل سامية، فإن تكليفنا بذات المهمات التي قاموا بها هي من الواجبات (الدينية/ الإنسانية) التي لا يعذر عن عدم أدائها أي إنسان يؤمن بالله ربا، وبالرسل والأنبياء، رسلا من عند الله، وهذا أكبر شرف للإنسان المكلف بعمارة الأرض، وإصلاح ما عليها؛ كل بقدر طاقته وإمكانياته، وفق ما نصت عليه النصوص في شأن درجات تغيير المنكر؛ على سبيل المثال.

ولأننا وفق هذا المستوى من التكليف المتواضع فإن التقييم يظل متواضعا كذلك ومعرضا لعدم بلوغ الغايات السامية، ولذلك يأتي التعبير وفق ما نص عليه عنوان هذه المناقشة «المهمات الرسولية .. تناثرت بالوكالة» لأنه صار هناك إخلال كبير؛ سواء في تحمل المسؤوليات، أو في التخاذل عن الأداء بصورة صادقة وأمينة، فأصبحت تتناقلها أطراف عدة، صدقت هذه الأطراف في أدائها للمهمات المنوطة بها، أو أخلت بالعهد، وهو عهد يظل مقدسا، ولو على مستوى البشر أنفسهم، لأن الهدف هو الإصلاح الصادق الأمين، فالمسألة تتجاوز الوجاهة والتفاخر، والإسقاط في خندق «المصالح الخاصة» فالأمانة أمانة صغرت هذه الأمانة أو كبرت، تعهد صاحبها أمام الحاكم المكلف بأمر الله، أو الحاكم ما دون ذلك بكثير، فالنص القرآني لم يضع حدا في المحاسبة على كبر المسؤولية أو صغرها فقط، وإنما جاء النص حازما، ومباشرا (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره؛ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وعلينا أن نعي «مثقال الذرة هذه» لنستحضر ثقل المهمات والمسؤوليات بعد ذلك.

حتى عهد قريب نُظِرَ إلى محاضن التربية على أنها الكفيلة بتقديم أفراد إلى المجتمع من ذوي الكفاءات السلوكية، والمعرفية، والآداب، والأخلاق، والسمت الاجتماعي الرفيع، وهذه في مجملها تمثل جانبا مهما من المهمات الرسولية في حياتنا اليومية، وظل هناك اعتماد كبير على هذه البيئة التكاملية لهذه المحاضن، وقد كان ذلك حقا، وواقعا، وكان هناك اطمئنان كبير، وارتياح أكبر لأدوارها الإنسانية المنبثقة من الدين الصحيح، ولذلك تكاتف أبناء المجتمع مع هذه المحاضن؛ التي تمثلها: الأسرة - في المقام الأول - والمسجد، والمدرسة، والمجتمع المحيط الذي يشهد تكاتفا غير مسبوق في مجالات التربية، والتعاون، وتصدير الخلق الرفيع، والسلوكيات الحميدة إلى الأجيال المتلاحقة، وكان هذا الدور الـ «رسولي» أثره الكبير في استقرار المجتمعات، وفي إشاعة أمنها الاجتماعي؛ حيث كان الجميع أولياء أمور جميع الأبناء في الحي الواحد، وفي المجتمع الواحد، انعكاسا لقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» - الحديث مروي عن طريق النعمان بن بشير؛ رضي الله عنهما؛ حسب المصدر -. ولذلك نظر إلى المجتمعات التي تنشط فيها هذه المحاضن على أنها مجتمعات مؤتمنة على ذاتها قبل كل شيء، ومجتمعات تتعزز فيها البناءات الذاتية لمجمل القيم الإنسانية، ولذلك كان اختراقها صعبا من قبل الذين تخالجهم أنفسهم بالإساءة إليها، أو تشويه صورتها النقية. وفي مراحل متأخرة من عمر المجتمعات تراكمت المهمات الرسولية لدى المجتمعات، وفقا لحاجة المجتمع، وتطور الحياة، وتجدد الوسائل؛ سواء من قبل الأفراد أو من قبل مؤسسات؛ حيث دخلت هنا تصنيفات أخرى من حيث الوظائف، سواء تحت مسمى تخصصات، أو تحت مسمى مبادرات، أو انطلاقا من مبدأ التعاون الفردي، حيث ينذر أناس أنفسهم خدمة الآخرين من حولهم دون مقابل؛ ترسيخا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية التي يعونها وفق أفكارهم، ومفاهيمهم، وخلاصة تجاربهم، وتقييم الأوضاع من حولهم، وحاجة الآخرين إليهم، مثل ما عرف؛ حتى عهد قريب؛ بقادة الرأي، أو كل ما يندرج تحت مختلف المسؤوليات التي يقوم بها الناس طواعية دون مقابل، فالمهم هو التعاون لصالح المجتمع ومن فيه، وصولا إلى مجتمع مثالي؛ ولو بصورة نسبية يرضى عنها معظم هؤلاء المجتهدون في عطائهم، وفي اجتهادهم، وفي تضحياتهم، مع التنبيه أنه حتى أولئك الذي ضمهم تعريف «محاضن التربية» يكون فيهم المتطوعون، ويكون فيهم المضحون، ويكون فيهم الصادقون في عطائهم؛ سواء كان هذا العطاء ماديا مقبوضا، أو معنويا يستشعر به صاحبه، ويرى فيها التزاما تربويا مهما، لا يمكن التفريط فيه، ولذلك يلزم به نفسه.

ولأن مساقات الحياة ليست جامدة، فهي ديناميكية الحركة، والتطور، والتبدل، والاختلاف، والتنوع، فمن المتوقع أن تحدث الكثير من التغيرات؛ سواء في الوسائل، أو في تطور الأفكار، أو في كيفية الأداء، وبالتالي فذلك كله يؤدي إلى اختلافات كثيرة في النتائج، وفي تقبل هذه النتائج، وفي ردات الفعل لهذه النتائج، لأن العامل المشترك؛ هنا؛ هو الإنسان، وهذا الإنسان هو حمال أوجه، ما يقبله في لحظة ما، يرفضه في لحظة أخرى، وما يرتضيه سلوكا في فترة زمنية ما من زمن مسيرته الإنسانية، لا يستسيغه في لحظة متقدمة من ذات المسيرة، فالخبرات التراكمية عند كل فرد تعمل على إعادة إنتاج كل ما يقوم به الفرد العامل، ويقابل بتقييم الطرف الآخر المستقبل لهذا الإنتاج، ولا شك أن في هذه الإعادة تكون هناك مجموعة من الاختلافات، والتغيرات، فينعكس ذلك كله على مواقف الناس وتقييماتهم، وينشأ نوع من الصراعات المتقابلة، بين رفض لما هو مستجد، وإشادة بما هو ماض، وهو ما يندرج تحت مفهوم «صراع الأجيال» وبالتالي ففي كل هذه السيناريوهات الحياتية هناك تبدل واختلاف في هذه «المهمات الرسولية» التي نتحدث عنها في هذه المناقشة، حيث يصعب البقاء على وتيرة واحدة في العمل، وفي النتائج، سواء على المستوى الأفقي من حيث الكم (مجموعة الأعمال التي يتم تفعيلها) أو من حيث الكيف (وهو المتمثل في النوع المنتج) فالبناءات الإنسانية من أصعب البناءات على الإطلاق؛ لأنها قائمة على الإيمان، والقناعة، مع تصادم كل ذلك بالخبرات والمواقف المكتسبة، وهذه كلها مسائل مقعدة ليس يسيرا اختراقها.

قد يطرح أحدنا سؤالا: من هو المسؤول الأول في الحفاظ على بقاء المهمات الرسولية لتأديتها أدوارها بكامل طاقاتها، دون أن يحدث هناك أي خلل من شأنه أن يقزم من مستوى العائد لكل هذا النشاط الرسولي، أو يشوه الصورة الإجمالية التي يحرص عليها المجتمع، لتكون عنوانا مهيبا له، وصورة؛ هي أقرب إلى المثالية - في حالة استثناء محاضن التربية -؛ هل هم القادة السياسيون، أو هم المثقفون، أو هم قادة الرأي، أم الاجتماعيون (ذوو العلاقات الاجتماعية)؟ وللإجابة عن هذا التساؤل المتفرع والمتشعب؛ يمكن القول إن المستجدات التي تحدث، والتي تستجد أثرت كثيرا، بل أوجدت تصدعا لدى هذه المكونات كلها، سواء على مستوى المؤسسة الرسمية أو غير الرسمية «محاضن التربية» أو ما يشاركها مما تم ذكره أعلاه، كلها تعيش تحديات هذه المستجدات، وهي مستجدات تفرض نفسها بحكم مسار الحياة اليومي، وليست مجدولة حسب ما يقيم البعض، أو أنها موجهة بصورة مطلقة؛ وإن تخللها شيء من ذلك؛ إلا أن القاعدة العامة هي أن هناك تبدلا، وتغيرا، وتمايزا واختلافات في موازين التربية، وفي توجهات المسارات الاجتماعية، حيث إنه يحل مفهوم السوق؛ الذي يكاد يؤثر بصورة أو بأخرى؛ على كل ممارسات ومهمات الإنسان اليومية، مع الحرص على عدم الفصل بين المهمات التي يضطلع بها الإنسان لتسيير شؤون حياته اليومية، وبين ما يعزز من علاقته بربه، ويكون غدا أمامه يُسْأَلُ عن مثقال الذرة خيرا كان ذلك أو شرا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

لافروف: هناك خطط إسرائيلية للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية

أكد وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، أن هناك خططا إسرائيلية للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية.

وأضاف لافروف: إقامة دولة فلسطينية على أساس القرارات الدولية هي الأولوية القصوى لحل الأزمات.

كما أكد وزير خارجية روسيا أن مصر وقطر كان لهما دور رئيسي مع الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة.

ولفت لافروف: 46 ألف مدني خسروا حياتهم في غزة وهذا أكبر من عدد ضحايا الصراع في أوكرانيا، مؤكدًا أن  هضبة الجولان ستظل أرضا سورية.

وتابع أنه  يجب التصدي لمحاولة الغرب إزاحة روسيا والصين وإيران عن سوريا.

جاء ذلك ضمن خبر عاجل أفادت به فضائية القاهرة الإخبارية.

مقالات مشابهة

  • ترامب : لن تكون هناك حاجة لجنود أميركيين في غزة
  • 5 نصائح ذهبية لشراء السيارة المثالية .. فيديو
  • محمد عنتر: معين الشعباني أفضل مدرب في إفريقيا.. وعلي ماهر سبب توقيعي للمصري
  • مدبولي: نأمل أن يكون 2025 عام انخفاض أسعار التضخم سواء في مصر أو عالميا
  • قرقاش: التنسيق الإماراتي السعودي ركيزة أساسية لاستقرار وازدهار المنطقة
  • حزب الوعي: جهود مصر لإعادة إعمار غزة تؤكد دورها الريادي تجاه الاشقاء
  • نائب رئيس «الوعي»: جهود مصر لإعادة إعمار غزة يؤكد دورها الريادي تجاه المنطقة
  • لافروف: هناك خطط إسرائيلية للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية
  • «المستقلين الجدد»: إشادة الصليب الأحمر بجهود مصر نحو غزة رسالة إلى العالم
  • ترامب: هناك اهتمام كبير بتطبيق تيك توك