من سيخلف السنوار في قيادة حماس؟
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
أعلنت إسرائيل – اليوم الخميس – عن قتل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار، والذي وصفته بالعقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" التي شنت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات ومعسكرات غلاف غزة.
ولعب السنوار دورا رئيسيا في قيادة حماس العسكرية وأحد أبرز الشخصيات على الساحة الفلسطينية، هدفا متكررا للعمليات الإسرائيلية.
في أعقاب أنباء استشهاد يحيى السنوار، برزت أسماء عدة من قادة حماس المحتملين لتولي قيادة الحركة. هؤلاء القادة لعبوا أدوارا محورية في بناء قوة حماس العسكرية والسياسية، ويعتبرون من الشخصيات الأساسية التي يمكن أن تقود المرحلة المقبلة. وإليكم بعضا منهم:
محمد الضيفحاولت إسرائيل اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف 7 مرات أعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014 و2023 و2024، وباءت جميعها بالفشل.
ويعتبر الاحتلال "الضيف" أبرز المطلوبين لديه، وما فتئت أجهزة مخابراته تعمل ليلا ونهارا في تعقبه وتتصيد الفرصة للإيقاع به.
وأشهر تلك المحاولات كانت أواخر سبتمبر/أيلول 2002، عندما قصفت مروحيات إسرائيلية سيارات في حي الشيخ رضوان بغزة، ونجا منها بأعجوبة لكنه أصيب إصابة مباشرة جعلته مشلولا يجلس على كرسي متحرك.
وأعلنت حماس بداية أغسطس/آب 2023 استشهاد زوجة الضيف وابنه علي البالغ من العمر 7 أشهر، في غارة إسرائيلية حاولت استهدافه.
ويوم 13 يوليو/تموز 2024 هاجم الاحتلال منطقة المواصي في خان يونس بسلسلة غارات، أعلن أنها كانت تستهدف اغتيال الضيف.
لكن حماس نفت وجود الضيف في المكان المستهدف، وقالت إن هذه ادعاءات للتغطية على حجم المجزرة المروعة التي ارتكبها الاحتلال.
ويعد الضيف شخصية بارزة في المقاومة الفلسطينية، ويمثل رمزا للغموض والتحدي في وجه الاحتلال الإسرائيلي. اشتهر بلقب "الضيف" نظرا لقدرته على التخفي والنجاة من محاولات الاغتيال المتكررة. وقبل انخراطه في العمل العسكري، كان له دور بارز في المجال الفني، حيث أسس فرقة "العائدون"، وهي أول فرقة فنية إسلامية في فلسطين، كانت تهدف إلى إحياء التراث الفلسطيني ونشر رسائل المقاومة من خلال الفن.
انضم الضيف لاحقا إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، حيث أصبح قائدا عسكريا بارزا. وقد عُرف بذكائه الحاد وتكتيكاته العسكرية الفريدة، وكان له دور بارز في تطوير أسلحة حماس، مما جعله هدفا رئيسيا للاحتلال الإسرائيلي.
أشرف على العديد من العمليات العسكرية المهمة التي ساهمت في تعزيز موقف المقاومة الفلسطينية. ومن بين هذه العمليات، كانت عملية أسر الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان، التي شكلت ضربة قوية للجيش الإسرائيلي وأظهرت القدرة التنظيمية والاستراتيجية لكتائب عز الدين القسام.
وبقي الضيف بعيدا عن الأضواء، ولم يظهر إلا في مناسبات نادرة، عادةً عبر رسائل مرتبطة بالعمليات العسكرية. وقد عاد اسمه ليتصدر الأخبار مجددا في أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع إطلاق عملية "طوفان الأقصى"، ما أعاد تأكيد دوره كمخطط استراتيجي وقائد عسكري لحركة حماس.
مروان عيسىيعد مروان عيسى، نائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام وعضو المكتبين السياسي والعسكري لحركة حماس، من أبرز الشخصيات القيادية في الحركة ومن أكثر المطلوبين لدى إسرائيل. لعب دورا محوريا في تطوير قدرات الكتائب، مما شكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل.
ورغم إعلان إسرائيل عن مقتله في غارة جوية في مارس/آذار 2023، لم تصدر حماس تأكيدا رسميا حول وفاته، ما أبقى مصيره غامضًا. ويلقب عيسى بـ "رجل الظل" نظرا لقدراته في الإفلات من الرقابة الإسرائيلية، وهو أحد العناصر المحورية في اتخاذ القرارات العسكرية داخل الحركة.
واعتقل عيسى – اليد اليمنى للضيف والرجل الثاني في كتائب القسام – على يد قوات الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى، حيث أمضى خمس سنوات في السجن (1987-1993) بسبب نشاطه التنظيمي في صفوف حركة حماس، التي انضم إليها في سن مبكرة.
وتعتبره إسرائيل تهديدا دائما، وتصفه بأنه أحد أبرز عقول "حرب الأدمغة" المستمرة بينها وبين حماس. كما تصفه بأنه رجل "أفعال لا أقوال"، وتقول إنه يتمتع بذكاء استثنائي وقدرات عملية، وتذهب إلى حد القول إنه "يمكنه تحويل البلاستيك إلى معدن"، في إشارة إلى مهاراته في تطوير القدرات العسكرية للحركة وتكيفه مع الظروف الصعبة.
محمد السنوارمحمد السنوار، شقيق يحيى السنوار، هو واحد من أقدم وأبرز قادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. نادرا ما يظهر في العلن، لكن دوره المركزي في قيادة العمليات العسكرية يجعل منه شخصية حيوية داخل الحركة. التحق بكتائب القسام منذ بداياتها الأولى عام 1991 في غزة، حيث أصبح عضوا في هيئة الأركان.
وكان السنوار (الأخ) هدفا متكررا لمحاولات اغتيال إسرائيلية، ونجا من عدة هجمات، بما في ذلك محاولات باستخدام غارات جوية وعبوات ناسفة، وكان آخرها في عام 2021. وبرز اسمه كأحد المخططين الرئيسيين لعملية "الوهم المتبدد"، التي تعد إحدى العمليات الأكثر جرأة في تاريخ المقاومة الفلسطينية. استهدفت العملية موقعا عسكريا إسرائيليا قرب معبر كرم أبو سالم في 25 يونيو/حزيران 2006، شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وأسفرت العملية عن مقتل جنديين إسرائيليين وأسر الجندي جلعاد شاليط، الذي ظل في الأسر لخمس سنوات، حتى تمت مبادلته بأكثر من ألف أسير فلسطيني في صفقة تبادل تاريخية في عام 2011.
وهذا الإنجاز العسكري رفع من شأن السنوار (الأخ) كقائد عسكري ذي تأثير كبير داخل كتائب عز الدين القسام، وأصبح هدفا بارزا على قوائم الاغتيال الإسرائيلية، نتيجة لدوره في التخطيط وتنفيذ عمليات مماثلة.
خليل الحيةيعد خليل الحية، نائب يحيى السنوار وقيادي بارز في حركة حماس، من الشخصيات التي برزت في مسار العمل السياسي والعسكري داخل الحركة. قاد مؤخرا محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بخصوص وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ويعتبر شخصية محورية في هذه المفاوضات الحساسة.
نجا الحية من عدة محاولات اغتيال إسرائيلية، أبرزها استهداف منزله في عام 2007، والذي أسفر عن مقتل عدد من أفراد عائلته، وفي عام 2014 قتل ابنه الأكبر في هجوم إسرائيلي آخر. ووردت تقارير عن تواجده مع إسماعيل هنية في مبنى بالعاصمة الإيرانية طهران خلال هجوم إسرائيل، لكن الحية لم يكن في الشقة المستهدفة لحظة الضربة.
انخرط الحية، الحاصل على درجة الدكتوراه في السنة وعلوم الحديث، في الحركة الإسلامية منذ شبابه المبكر تحت تأثير مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين. ولعب دورا بارزا في العمل التنظيمي والأمني في قطاع غزة في الفترة بين 1984 و1986، حيث ساهم في حماية المجتمع الفلسطيني من الاختراقات الصهيونية. كما شارك في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان جزءًا من المجموعة التي أسست لاحقًا حركة حماس.
في فبراير/شباط 2024، قاد الحية وفد حماس إلى مصر لاستكمال المحادثات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة، في إطار جهود دولية لتهدئة الأوضاع المتوترة في القطاع.
خالد مشعلخالد مشعل هو أحد المؤسسين البارزين لحركة حماس وشغل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة من عام 1996 حتى 2017، وتولى قيادة الحركة بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين على يد إسرائيل في مارس/آذار 2004.
طوال حياته، كرس مشعل جهوده لخدمة القضية الفلسطينية، معتبرا المقاومة المسلحة والنضال السياسي أساسين في تحرير الأرض الفلسطينية. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في سن مبكرة، وشارك في تأسيس حركة حماس عام 1987. وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، اكتسبت الحركة زخما كبيرا، وأصبح مشعل عضوا في مكتبها السياسي منذ تأسيسه.
في عام 1996، تولى مشعل رئاسة المكتب السياسي لحماس، وبعد اغتيال أحمد ياسين، وأصبح القائد الفعلي للحركة.
تعرض مشعل لمحاولة اغتيال نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي في العاصمة الأردنية عمّان عام 1997، عندما تم حقنه بمادة سامة. إلا أن محاولة الاغتيال فشلت بعد تدخل مباشر من الملك حسين بن طلال، الذي طالب إسرائيل بتقديم العلاج لإنقاذ حياته.
وانتقل مشعل إلى قطر بعد أن أغلقت السلطات الأردنية مكتب حماس في عمّان عام 1999 واعتقلته لفترة قصيرة. لاحقا، عاش في سوريا لفترة طويلة قبل أن يعود إلى قطر في أعقاب الأزمة السورية عام 2012.
محمود الزهاريعد محمود الزهار من الشخصيات الأكثر تشددا داخل حركة حماس، ويعتبره المراقبون أحد "صقور" الحركة. تعرض خلال مسيرته لعدة محاولات اغتيال واعتقالات من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مما جعله واحدا من الشخصيات التي تسعى إسرائيل بشكل دائم إلى تصفيتها.
في 10 سبتمبر/أيلول 2003، تعرض الزهار لمحاولة اغتيال عندما استهدفت طائرة إسرائيلية من طراز "أف 16" منزله في حي الرمال بمدينة غزة، في هجوم أسفر عن استشهاد نجله البكر خالد ومرافقه، وإصابة زوجته وابنته بجروح، وهدم منزله بالكامل.
ورغم إصابته بجروح طفيفة، إلا أنه نجا من الهجوم. وفي وقت لاحق، فقد الزهار نجله الثاني حسام، الذي كان عضوا في كتائب عز الدين القسام، عندما استشهد في غارة إسرائيلية على غزة في يناير/كانون الثاني 2008.
ولم يكن الزهار غريبا على الاعتقالات، فقد اعتقلته إسرائيل عام 1988 بعد 6 أشهر من تأسيس حماس، وأبعدته إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992 مع عدد من قيادات حماس. كما اعتقلته السلطة الفلسطينية عام 1996، حيث تعرض لتعذيب شديد أدى إلى تدهور حالته الصحية.
وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2005 وتولي هنية رئاسة الوزراء، شغل الزهار منصب وزير الخارجية في الحكومة التي شكلتها حماس. في الوقت الحالي، يظل مصير الزهار مجهولا بعد اختفائه عن الأنظار منذ عملية "طوفان الأقصى"، ولم تصدر حماس أو إسرائيل أي تأكيدات حول حالته.
محمد شبانةمحمد شبانة، المعروف باسم "أبو أنس شبانة"، يعد من أبرز القادة العسكريين في كتائب عز الدين القسام، حيث يقود كتيبة رفح في جنوب قطاع غزة. ويعتبر شبانة أحد الأسماء الرئيسية المرتبطة بتطوير شبكة الأنفاق الهجومية التي تستخدمها حماس، وقد لعب دورا محوريا في تعزيز قدرات الحركة العسكرية.
برز دوره بشكل خاص خلال الهجوم الذي وقع عبر الحدود في عام 2006، حيث تمكنت قوات حماس من أسر شاليط، في عملية تم التخطيط لها بعناية واعتمدت بشكل أساسي على استخدام الأنفاق. كما تولى قيادة كتيبة رفح بعد مقتل 3 من قادتها خلال حرب غزة في 2014.
وشكلت شبكة الأنفاق التي ساهم شبانة في تطويرها، والتي تمتد من رفح إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، حيث استخدمتها حماس لشن هجمات مفاجئة ولتنفيذ عمليات تسلل نوعية. وجعلت هذه القدرات شبانة واحدا من القادة المطلوبين بشكل عاجل على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية.
ورغم تعرضه لمحاولات اغتيال عدة، ما زال شبانة يلعب دورا محوريا في العمليات العسكرية لحماس، ويعتبر من الشخصيات المؤثرة التي تعتمد عليها الحركة في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية.
روحي مشتهىيعتبر روحي مشتهى أحد أقرب حلفاء يحيى السنوار ومن أبرز الشخصيات القيادية في حركة حماس، ويعرف بدوره المهم في تأسيس أول جهاز أمني لحركة حماس أواخر الثمانينيات، حيث كان مسؤولا عن تعقب العملاء الفلسطينيين المتهمين بالتعاون مع إسرائيل وتصفيتهم. وساهم مشتهى في تعزيز القدرات الأمنية للحركة، مما جعله هدفا دائما لمحاولات الاغتيال الإسرائيلية.
أفرجت إسرائيل عنه في عام 2011 ضمن صفقة جلعاد شاليط الشهيرة، وذلك بعد سنوات طويلة قضاها في السجون الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، تولى مشتهى العديد من المهام الحساسة داخل الحركة، بما في ذلك التنسيق الأمني بين حماس والسلطات المصرية، خاصة فيما يتعلق بمعبر رفح والعديد من القضايا الأمنية الأخرى المرتبطة بالحدود.
وسبق أن وردت تقارير عن مقتله في غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ولكن لم تؤكد حماس رسميا هذه الأنباء، ولا يزال مصيره غير واضح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات کتائب عز الدین القسام العملیات العسکریة محاولات اغتیال یحیى السنوار من الشخصیات داخل الحرکة لحرکة حماس حرکة حماس قطاع غزة فی غارة غزة فی فی عام
إقرأ أيضاً:
حسن خريشة لـعربي21: هذا سر تمسك السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات مع إسرائيل
قال نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، الدكتور حسن خريشة، إن "تمسك السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات مع إسرائيل، وعلى رأسها اتفاق أوسلو، لا يعود إلى قناعة وطنية أو سياسية، بل إلى مصالح فئوية مرتبطة ببقاء السلطة نفسها، وهذه الاتفاقيات أصبحت الإطار الوحيد الذي يبرر وجود السلطة، ويوفر لها الغطاء السياسي والدعم المالي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية".
وأوضح خريشة، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "السلطة لا تستطيع الانفكاك من هذه الاتفاقيات لأنها ببساطة لم تُبنَ على مشروع تحرري حقيقي، بل على دور وظيفي مُحدد"، مضيفا: "السلطة تلتزم أمنيا بالاتفاقيات لأنها تضمن بقاءها، وتُرضي المانحين، وتُحافظ على امتيازات الطبقة السياسية، فيما يُترك الشعب يواجه الاحتلال وحده".
وشدّد على أن "كل مَن راهن أو روّج لموضوع حل الدولتين قد باع الوهم للشعب الفلسطيني؛ فاتفاقية أوسلو لم يذكر فيها بند بشكل واضح لإقامة دولة فلسطينية، وإنما نحن الفلسطينيون من اخترعنا هذا الموضوع لنقول إن هناك حل الدولتين، وهو ما تبناه الأوروبيون، وتبناه أصدقاء لنا في العالم، لكن الأمر لم يعد ممكنا في الظروف الحالية، وبالتالي أصبح حل الدولتين جزءا من الماضي".
وذكر خريشة أن "التاريخ الفلسطيني الحديث بدأ في 7 أكتوبر 2023، وحركة حماس صنعت معجزة بكل المقاييس لم يكن يتوقعها أحد، والشعب الفلسطيني موحد خلف مقاومة أنجزت انجازا كبيرا، وقدّمت تضحيات كبيرة، وأعتقد أن أي انتخابات قادمة ستفوز بها المقاومة"، متابعا: "ليس لدينا خيار سوى أن نصمد ونقاوم".
وإلى نص المقابلة المصورة مع "عربي21":
كيف ترى العملية العسكرية الواسعة التي بدأتها إسرائيل في الضفة الغربية في يناير/ كانون الثاني الماضي ومساعيها الرامية لمحو المخيمات؟
هذه العملية هي تكرار لعمليات سابقة كان الهدف منها -كما أعلن الإسرائيليون- اجتثاث المقاومة، لكن هذه العملية الجديدة التي بدأت منذ أكثر من 88 يوما في جنين، و82 يوما في مخيم طولكرم، وكذلك في نور شمس لها أهداف مختلفة كثيرة، وتختلف عن كل المرات السابقة التي كانت تشتمل على اجتياحات، وتدمير بنى تحتية.
هذه المرة هناك تدمير بنى تحتية، وحرق عدد من البيوت، هدم عدد آخر، واتخاذ المتبقي منها في المخيمات كثكنات عسكرية، والأهم من ذلك هو طرد الناس بالقوة من بيوتهم، وتشكيل فرق هندسية تعمل من أجل هدم البيوت وتحويل الزقاق الذي كان عرضه مترين إلى شارع عرضه 20 مترا، وتقسيم المخيم إلى مربعات الهدف منه في النهاية إنهاء فكرة المخيم باعتبار القضية الفلسطينية كلها هي قضية لجوء وحق عودة.
كل هذا بالتزامن مع منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين من القيام بواجباتها وعملها المنوطة به، وهو ما يُعتبر احتلال مباشر لشمال الضفة الغربية، وتحديدا لهذه المخيمات، ومن ثم تتسع هذه الدائرة لتشمل معظم شمال الضفة الغربية، فالبداية كانت من جنين ثم نور شمس، ثم طولكرم وطوباس والفارعة، ومخيم بلاطة، والعديد من المناطق الأخرى.
وهذا يترافق مع إطلاق يد المستوطنين لتكثيف وتعزيز الاستيطان من خلال استخدامهم كأداة من أدوات جيش الاحتلال، فهم يحرقون المنازل، ويغلقون الطرق.
وهناك قضية جديدة تطفو على السطح بشكل مكثف وهي "الاستيطان الرعوي"، بمعنى: مستوطن واحد يجلب عددا من الأبقار والأغنام، ثم يحوّط المنطقة التي يرعى بها، وبالتالي تصبح هذه الأرض جزءا من الاستيطان، والأغوار أكبر مثال على ذلك.
أيضا هناك محاولات لشق طرق كبيرة في القدس، وهو ما يجري بالتوازي مع العملية العسكرية التي يقوم بها الاحتلال في شمال الضفة الغربية، التي تهدف إلى إلغاء المخيم، ثم تهجير السكان، ومنع عودتهم إلى المخيمات أو المناطق التي هجروا منها، وهو ما يتوافق مع رؤية ترامب حين يتحدث عن المستوطنات، فقد كانت الإدارة الأمريكية قديما تقول إن الاستيطان عقّد طريق التسويات، أما الآن فقد ظهرت مصطلحات جديدة تُعمّم وتُستخدم بشكل مكثف مثل مصطلح (يهودا والسامرة) الذي يُطلق على الضفة الغربية، وهو المصطلح الذي تبنته الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال اعتماد هذه التسمية عبر سفيرها الموجود لدى إسرائيل.
والهدف من ذلك كله هو الاستيلاء على الضفة الغربية، وضمها للاحتلال، وقد أتضح ذلك خلال تصريحات قادة الاحتلال، أو قرارات الكنيست.
أضف إلى ذلك: البوابات الحديدية التي تنشر على كل الطرق الداخلية، والخارجية الرابطة بين المدن، وحتى بين القرى، من أجل إنشاء "معازل" تمنع في المستبقل قيام أي كيان تواصلي بين هذه المدن ومحيطها، بمعنى هناك محاولات لضم الضفة الغربية بشكل كامل، ومنع إقامة أي دولة فلسطينية في المستقبل.
لماذا لم نلحظ انتفاضة واسعة داخل الضفة منذ اندلاع "طوفان الأقصى" وإلى الآن؟
المواجهات العسكرية أو المظاهر المسلحة أو أنشطة الكتائب الفلسطينية موجودة قبل "طوفان الأقصى"، ومع انطلاق "طوفان الأقصى" ازدادت نشاطا وتجذرا، لكن البيئة في الضفة الغربية ليست موائمة للمقاومة بشكل كبير؛ لأن السلطة لديها قرار واضح بعدم تصعيد الأمور مع الإسرائيليين لأسباب كثيرة، منها عدم قدرتها أو عدم رغبتها في مواجهتها، والالتزام بالاتفاقات، وغيرها من الأسباب.
كما أن الاحتلال كان يقوم كل فترة باجتياح مخيم ما، ويستخدم كل ما يمتلك من أدوات سواء كانت تكنولوجية، أو التحرك على الأرض من أجل اجتثاث المقاومة، وقد فشل في المرات السابقة، لكن هذه المرة الأمور تغيرت، ففي البداية كانت هناك انتفاضة مسلحة، واليوم الانتفاضة لم تعد موجودة نتيجة الإجراءات التي يتخذها الإسرائيليون، أو تتخذها السلطة الفلسطينية مع الأسف.
هل فشلت كل محاولات استنساخ تجربة "مقاومة غزة" في الضفة الغربية؟
في البداية كنا نسميهم هؤلاء "الفدائيين الجدد"، وكانت بداياتهم في عام 2021 مشجعة، وكان الجانب الإسرائيلي يخشى أن يكون هناك نموذج مشابه لنموذج غزة، لذلك بذلوا جهدا كبيرا جدا من أجل اجتثاث هذه الظاهرة، على اعتبار أن المدن الفلسطينية الموجودة في المخيمات سواء في طولكرم أو قلقيلية أو جنين هي مدن بالخاصرة الإسرائيلية، بمعنى أن المسافة بين طولكرم -على سبيل المثال– للبحر لا تزيد عن 12 كيلو مترا، وبالتالي هي خاصرة رخوة للإسرائيليين.
لذا، حاول الاحتلال بكل السبل عدم استنساخ ما جرى في غزة، أو على الأقل ألا تكون هناك إمكانيات لهذه المقاومة قادرة على إيقاع الأذى الكبير بالإسرائيليين.
والآن نرى أن هناك احتلالا مباشرا، ولا توجد مقاومة حقيقية كما كانت في عام 2021 وحتى بعد "طوفان الأقصى"؛ لاعتبارات كثيرة أهمها، وأخطرها هي الإجراءات التي تعزل المناطق بعضها عن بعض، ليسهل الاحتلال المباشر لتلك الأراضي.
ما الذي أضعف المقاومة في الضفة بشكل أكبر.. الضربات الإسرائيلية أم قمع السلطة؟
الذي أضعف المقاومة، أو كان له التأثير الكبير عليها هو أمرين: الأول، الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، بالإضافة إلى موقف السلطة التي لم تكن ترغب بالأساس بأن تكون هناك انتفاضة أو مقاومة مسلحة للإسرائيليين، لذا كانت هناك عمليات اعتقال، ورأينا كيف أطلقوا عليها في جنين "حماية وطن"، لكن مع الأسف "عملية حماية وطن" لا تحمي مَن يريد حماية الوطن.
كان من المفترض أن القائم على "حماية وطن" أن يحميه من مستوطني الاحتلال، لكن مع الأسف هذا الأمر ساهم في إضعاف المقاومة، من خلال حملات الاعتقالات، والملاحقات المستمرة لهؤلاء الشباب.
بالإضافة إلى أن الاحتلال استخدم كل ما لديه من قوة، فنحن نعيش الآن حرب إبادة حقيقية هنا في الضفة الغربية على غرار ما جرى في غزة، ولدينا على سبيل المثال العديد من القرى المهجّرة، وهناك على الأقل 15 ألف نازح أو مُهجّر من المخيمات، والنصيب الأكبر من هذا العدد من مخيم جنين، لذا الأمور باتت مختلطة، ولهذا كان الإضعاف مُتعمد جدا للمقاومة في الضفة الغربية.
وأقول إن السلطة الفلسطينية اليوم لم تعد مشروعا وطنيا، ولا حتى حالة انتقالية نحو الاستقلال كما روّجوا لنا. ما يجري على الأرض يشي بأنها باتت ذراعا وظيفيا للاحتلال، تؤدي دورا أمنيا وسياسيا واقتصاديا لتثبيت وجوده، وقمع كل ما يهدد هذا "الاستقرار" المزعوم.
باتت المقاومة تُلاحَق في الضفة على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تأسست إثر توقيع اتفاق أوسلو، تحت لافتة التنسيق الأمني، وهو تنسيق لا يصبّ إلا في مصلحة الاحتلال.
والسلطة تُعيد إنتاج نفسها ككيان بيروقراطي، يتغذى على المساعدات، ويعيش على رواتب الموظفين، ويسهر أحيانا على راحة المستوطنين أكثر من سهره على حماية أبناء شعبه.
الانتخابات مغيبة، والمجلس التشريعي مشلول، والرئاسة مُحتكرة منذ أكثر من عقد ونصف، بينما تُمارس السلطة القمع والتضييق على الحريات، وتدير الضفة بعقلية أمنية لا تختلف عن عقلية المحتل.
إن ما يجري لم يعد قابلا للتجميل أو التبرير، ولم تعد هناك مساحة للحديث عن "تصويب المسار". فالمسار من أساسه مختل، والسلطة انحرفت عن كل ما كان يؤمل منها.
الواقع يقول: لدينا سلطة تُشغّل بعض الناس عند الاحتلال، وتلاحق المقاومين، وتمنع أي عمل وطني حقيقي، وتُدير ملفاتها بإشراف مباشر من المانحين ومنسق الاحتلال.
كيف تقيم تجربة أوسلو، وكيف ترى الموقف من حل الدولتين والموقف من الدولة الواحدة؟
هذا الأمر تبناه الرئيس الأمريكي «بوش الابن» في الفترة السابقة قبل 23 عاما تقريبا، وكل مَن راهن أو روّج لهذا الموضوع قد "باع الوهم" للشعب الفلسطيني؛ فاتفاقية أوسلو لم يذكر فيها بند بشكل واضح لإقامة دولة فلسطينية، وإنما نحن الفلسطينيون من اخترعنا هذا الموضوع لنقول إن هناك حل الدولتين، وهو ما تبناه الأوروبيون، وتبناه أصدقاء لنا في العالم.
لكن الأمر لم يعد ممكنا في الظروف الحالية، بدليل الحرب التي تجري في غزة، ونتائج الاستيطان المكثف والعدوان المستمر على الضفة الغربية، لذا "وهم" حل الدولتين يتلاشى يوما بعد يوم، ويجب علينا ألا نصنع للإسرائيليين مبررات أو أوهام.
وقد رأينا كيف تعامل الاحتلال مع المبادرة العربية التي طرحت عام 2002، والآن هناك مشروع عربي الذي هو نتاج القمة العربية الأخيرة، ومع الأسف ما زال حبرا على ورق، ولم يطبق أي منه؛ وأعتقد أن السبب في ذلك هو الإدارة الامريكية، بجانب الإسرائيليين، بالإضافة للضعف الرسمي الفلسطيني الذي لا يعتبر نفسه جزءا من هذه الحرب التي تُشنّ على قطاع غزة، ولا هنا في الضفة الغربية، وإنما أصبح جزءا من النظام العربي الرسمي، وهو ما ينعكس على الحالة الفلسطينية.
لذا، أعتقد أن "حل الدولتين" بات جزءا من الماضي، وليس على الفلسطينيين إلا الصمود والمواجهة في حرب الإبادة التي يتعرضون لها، فهي حرب وجود بالنسبة لنا، وقد عايشنا حروبا كثيرة، وكان الشعب الفلسطيني دائما ما يصمد فيها، ويخرج منها يلملم جراحه، وفي النهاية هو صامد وباق في أرضه.
لكن البعض يؤمن بأن «أوسلو» لا تزال سارية المفعول؟
ما بقي من «أوسلو» هو "بقايا سلطة"، قبل أوسلو كانت فلسطين قريبة للفلسطينيين، وكان لدينا طموحات عريضة وآمال كبيرة، لكن بعد أوسلو رأينا أنها لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى المزيد من الاستيطان، بالإضافة إلى الانقسام الداخلي الفلسطيني، وفي عام 2002 اجتاح الإسرائيليون مخيم جنين، وقالوا: "إن أوسلو قد انتهت" ثم طُرحت المبادرة العربية ورفضوها، فكانت الدبابات الإسرائيلية دائما تلغي الاتفاقات.
وعندما نتحدث عن أوسلو نتحدث عن «مناطق أ، ب، ج» وما تم احتلاله في الضفة الغربية هي مناطق (أ) وهي تحت السيادة الفلسطينية بالأساس.
هناك إجماع وطني فلسطيني من خلال المجلس الوطني، والمجلس المركزي، والمجالس الوطنية الأخرى منذ 2015 بضرورة إنهاء أوسلو، وما ترتب عليها، وأهمها إلغاء التنسيق الأمني، لكن مع الأسف الشديد لم تنفذ هذه القرارات حتى اللحظة بالرغم من إدراكنا التام أن الكل الفلسطيني مُستهدف، وليس المقاومة في غزة فقط، بل كل الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
المُستهدف هو المقاوم والمفاوض الذي يأمل تحقيق إنجاز حل الدولتين، لذا مطلوب منا اليوم أن نوحد جميع صفوفنا، وأن نلم شملنا من أجل أن نجيب على السؤال الكبير: كيف تُستثمر القضية الفلسطينية بوضعها الحالي؟، علما بأن «طوفان الأقصى» زلزل المنطقة بشكل كامل، فكل التغييرات التي تجري في العالم الآن كان وراءها "طوفان الأقصى".
ما سر تمسك السلطة بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل؟
يقولون إنهم غير قادرين على مواجهة الإسرائيليين، ويقولون إن هناك "كيانية فلسطينية" قد أُنشئت، وهو ما لم نراه على الحقيقة، فالسلطة الفلسطينية تتآكل يوما بعد يوم، وحتى الإسرائيليون يستهدفون هذه السلطة، بمعنى أنهم يريدون سلطة ضعيفة تخدم الأجندة الإسرائيلية، وليست قوية تخدم الفلسطينيين، وإنما دور وظيفي لهذه السلطة.
وحتى اللحظة لا توجد "أجسام شرعية" في هذه السلطة، بمعنى لا توجد مؤسسة مُنتخبة في السلطة الفلسطينية، وقسم من هؤلاء ما زال -بكل أسف- يعتقد بإمكانية تحقيق تسويات مع الاحتلال، وقسم آخر يعتقد أن السلطة أو الحكم الذاتي هو "كيانية" فلسطينية ستؤدي بنا في المستقبل إلى الدولة.
لكن بعد أكثر من 25 عاما ما زالت الأرض الفلسطينية تتقلص يوما بعد يوم، والاستيطان يزداد، ومع ذلك ما زال البعض يتمسك ببقايا أوسلو، رغم أن تلك الاتفاقية هي ما جلبت هذا الدمار الكبير الذي نراه اليوم؛ فعندما قسّموا المناطق لـ أ، ب، ج لم يتطرقوا للاستيطان والمستوطنات، أو القدس.
وتمسك السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات مع إسرائيل، وعلى رأسها اتفاق أوسلو، لا يعود إلى قناعة وطنية أو سياسية، بل إلى مصالح فئوية مرتبطة ببقاء السلطة نفسها، وهذه الاتفاقيات أصبحت الإطار الوحيد الذي يبرر وجود السلطة، ويوفر لها الغطاء السياسي والدعم المالي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، والسلطة لا تستطيع الانفكاك من هذه الاتفاقيات لأنها ببساطة لم تُبنَ على مشروع تحرري حقيقي، بل على دور وظيفي محدد، وهي تلتزم أمنيا بالاتفاقيات لأنها تضمن بقاءها، وتُرضي المانحين، وتُحافظ على امتيازات الطبقة السياسية، فيما يُترك الشعب يواجه الاحتلال وحده، وهذه الاتفاقيات منحت السلطة شكل الدولة دون أن تمتلك مقوماتها، ولذلك لا تزال تتمسك بها رغم فشلها عمليا.
أعتقد أن مَن صنع أوسلو يندم على فعله اليوم أشد الندم، وأحمد قريع –رحمه الله- كان يقول ذلك بشكل واضح، والرئيس عرفات قال: "وقعنا في فخ الإسرائيليين" من خلال هذا الاتفاق "المسخ" الذي قسّم الشعب الفلسطيني، وكثّف الاستيطان، وأطاح بطموحات الفلسطيني التي كانت تتلخص دائما في العودة والتحرير.
كان المشروع الوطني الفلسطيني هو العودة والتحرير، ويبدو أن العودة اليوم أصبحت صعبة جدا، والتحرير أصبح جزءا من الأدبيات التاريخية للشعب الفلسطيني.
نأمل في ظل الوضع الحالي أن نتماسك نحن الفلسطينيون من أجل أن نصنع مشروعنا الوطني الثابت والواضح الذي يتمثل في العودة والتحرير.
هل يمكن القول بأن السلطة الفلسطينية اليوم باتت بلا شرعية؟
ليس هناك جسم شرعي واحد في السلطة الفلسطينية؛ فقد كان لدينا مجلس تشريعي منتخب، وتم حل هذا المجلس على وعد بأن تكون هناك انتخابات بعد 6 شهور، وهو ما لم يحدث.
تستخدم منظمة التحرير، والمجلس الوطني، والمجلس المركزي بديلا عن الأجسام الشرعية المنتخبة في فلسطين، لذا نحن بحاجة لتجديد الشرعيات، وهذه الشرعيات يجب أن تجدد عبر صندوق الاقتراع؛ ففي السابق كان الحصول على الشرعية عبر الكفاح المسلح والمقاومة، وهذه المقاومة في الضفة الغربية لم تعد قائمة ولا السلطة تتبناها، وبالتالي صندوق الاقتراع هو الخيار الوحيد لنا، ونأمل في الفترة القادمة عندما تهدأ الأجواء أن يكون هناك توجه حقيقي لانتخابات، علما بأن الانتخابات التي كانت مقررة في فترة سابقة قد ألغيت بحجج لا تصمد أمام الواقع.
وبالتالي شرعية صندوق الاقتراع غير متوفرة، والمؤسسات الفلسطينية غائبة، وعندما تكون هناك حكومة فلسطينية لا تُعرض على المجلس التشريعي، ولا تأخذ الثقة من جسم شرعي منتخب، لذا لا تستطيع أن تمارس عملها، وبالتالي هناك تجاوزات كثيرة للقانون الأساسي الفلسطيني في هذا الشأن.
في حال إجراء انتخابات خلال الفترة الراهنة.. كيف ترى فرص أو حظوظ فوز حركة حماس بالمقارنة بحركة فتح؟
هذا «الطوفان» بالنسبة للفلسطينيين كان حلم، وهذا الحلم أصبح حقيقة ناصعة على الأرض، ورأينا كيف يقاوم ويقاتل الشباب الفلسطيني، ورأينا كيف يقدم شعبنا الفلسطيني كل التضحيات الجسام ليصنع تاريخ جديد للشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني شعب موحد خلف مقاومة أنجزت انجازا كبيرا، وقدّم تضحيات كبيرة، وأعتقد أن أي انتخابات ستفوز بها حركة حماس، وسيفوز "برنامج المقاومة" على "برنامج التسويات"، علما بأن "برنامج المقاومة" هو مَن فاز في 2006 في الانتخابات التشريعية، والنتائج ذاتها ربما تكرر مرة أخرى.
ما طبيعة الاتصالات التي لا تزال قائمة بين السلطة وإسرائيل؟
حتى اللحظة هناك تنسيق أمني واضح، لكن الإسرائيليين لا يعيرون السلطة أي اهتمام، ولا تحظى بتقدير يُذكر من الإسرائيليين، ومع ذلك هناك استمرار في ملف التنسيق، وهو تنسيق من جانب واحد؛ لأن الإسرائيليين يريدون استخدامنا، ولا يعتبرونا شركاء في تسوية، أو سلام، أو حتى في اتفاقية أوسلو.
هل تملك إسرائيل أوراق ضغط على السلطة ورموزها؟
بكل تأكيد فهذا احتلال، والاحتلال يعمل على مدى سنوات طويلة من أجل تدجين الفلسطينيين، اليوم عندما نرى في شمال الضفة الغربية سيارات الجيش الإسرائيلي تجوب الشوارع، حتى يشعروا الناس أن هذا شيء طبيعي ويعتاد الناس هذه الصورة المشينة.
وعلى الجانب الآخر هناك عملية تدجين من خلال فرض عملية التعايش، عندما يقول الإسرائيليون إنهم لن يخرجوا قبل نهاية العام من المخيمات أو من شمال الضفة الغربية، نجد بعض الناس تتعامل مع الأمر بمنتهى الرضا.
مع الأسف الشديد بعض المناطق تخوض صراع ومواجهات مع الاحتلال بشكل مباشر، في حين بعض المناطق الأخرى تعيش حياتها بالطريقة العادية، بمعنى أصبحت كل مدينة وكل محافظة تدافع عن نفسها بنفسها بعيدا عن ترابطها مع الآخرين، سواء كان ذلك على امتداد ساحة الوطن في الضفة الغربية بأكلمها.
ما طبيعة أوراق الضغط التي تملكها إسرائيل على السلطة؟
أولا تملك قضية المعابر، ثانيا تملك قضية المقاصة واحتجاز الأموال وهي إحدى نتائج أوسلو، وتمتلك قضية السجون والاعتقالات، وتمتلك منع السفر لهؤلاء للناس، وتمتلك أيضا تلميع البعض في هذا الشأن، وتمتلك قوات على الأرض، وعندما تسأل الفلسطيني مَن يوجد في المخيمات الآن يقول البعض: "إنه الجيش"، وهو وسيلة ضغط كبيرة على الفلسطينيين.
هناك محاولة إفقار للفلسطيني، هذا الإفقار يأتي عن طريقين: منع العمال من التوجه إلى أعمالهم، والموظفون لا يستطيعون أخذ رواتبهم كاملة، نتيجة تجميد أموال المقاصة.
نرى أيضا حملات منظمة ضد البنوك الفلسطينية، أو القطاع المصرفي الفلسطيني بشكل عام، وكلها عمليات إضعاف متعمدة وممنهجة من قِبل الإسرائيليين حتى تبقى السلطة ضعيفة، وتستمر في الالتزامات التي لا تلتزم بها إسرائيل بأي صورة من الصور.
هل السلطة الفلسطينية مُخترقة من إسرائيل، وهل يمكن القول إن الاحتلال يملك أوراق فساد أو ابتزاز ما بحق بعض رموز السلطة؟
بالطبع فالاحتلال في عمل دائم، وهذه الأمور كانت موجودة سابقا، وستبقى موجودة، لأن كل الدول المحتلة تعمل على إسقاط الآخرين ليعيشوا تحت الاحتلال.
وأعتقد أن الأمر يتم عبر تخويف، وتهديد، وابتزاز للكثيرين سواء كان عبر بطاقات (v.i.p) أو عبر التصاريح والمنافع الاقتصادية، وما شابه، ويتم استخدام الابتزاز بصورة أو بأخرى في التعامل مع بعض رموز هذه السلطة.
كيف ترى شعبية ودور الرئيس محمود عباس في الوقت الراهن؟
قلت إن السلطة منذ البداية اتخذت قرارا بعدم المشاركة في الحرب، وكأن الحرب تجري في عالم آخر، وبالتالي هي لم تكن شريكة لأسباب كثيرة، هذا الأمر جعل السلطة تعزل نفسها بنفسها، بالإضافة إلى صعود المقاومة، ووقوف الحاضنة الشعبية وراء المقاومة أضعف السلطة بشكل كبير.
السلطة اليوم تعيش أزمة كبيرة وكأنها مغيبة عن الواقع، وأيضا الفصائل نفسها تعيش أزمة؛ لأن الدور الإغاثي يفترض أن تقوم به السلطة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، والفصائل الفلسطينية، لكن يبدو أن هؤلاء تخلوا عن دورهم، وكأنهم في عالم، والناس في عالم آخر.
عندما كان هناك إضراب مؤخرا، الذي تبنى الموضوع بالأساس هم المحامون، وبالتالي النقابات المهنية أصبحت تأخذ دور الفصائل نتيجة تنازل الأخيرة، وبمعنى آخر تخلي الفصائل عن دورها الحقيقي في المواجهة التي تجري بين الشعب الفلسطيني وبين الإسرائيليين على كل الصعد.
لماذا فشلت كل محاولات المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية خلال المراحل السابقة؟ ومَن المسؤول عن ذلك؟
النخب السياسية الفلسطينية ما زالت تعيش صراعاتها الداخلية، وتعيش أحلامها وأوهامها، ومصالحها، لذا عندما ذهبوا إلى كل عواصم العالم وكان آخرها الصين، وروسيا، والقاهرة.. تجدهم يتفقون ثم يعودون إلى كرتهم الأولى.
ما زال البعض منهم ليس لديه رغبة في إنهاء الانقسام، وليس لديه قرار، بالإضافة إلى المحيط الإقليمي، فهناك أيدي وأرجل كثيرة في الساحة الفلسطينية تمنع ذلك.
ومن ناحية أخرى كلٌ يريد التشبث بموقفه، على اعتبار أن موقفه هو الموقف الصحيح. المقاوم يقول ذلك، والمفاوض يقول ذلك.. والفصائل الفلسطينية فشلت في تشكيل كتلة مانعة تمنع الانقسام، أو كتلة جامعة تجمع المنقسمين من أجل إنهاء حالة الانقسام الداخلي.
واليوم نحن نتعرض لحرب وجودية، وبالتالي مطلوب التوحد من كل الفلسطينيين بكل هيئاتهم، وفئاتهم، وتوجهاتهم على اعتبار أن الاستهداف لهم جميعا، ولا أحد يمتلك حصانة ضد الاستهداف من قِبل الإسرائيليين.
لذا، يجب أن يوحد شعبنا الفلسطيني، لأن هذا الدم الذي أريق في غزة، وتلك الضحايا، وهذا الدمار الكبير الذي يحصل في غزة، أو هنا في الضفة الغربية لم يستطع أن يوحد هؤلاء أو على الأقل أن تخرج أصوات حقيقية تقول إنها مع تشكيل هيئة أو حكومة فصائلية وطنية، وإنهاء خلافاتهم بصورة أو بأخرى، وما زال كل منهم يحاول أن يدير الصراع بالطريقة التي تخدم مصالحه، ويريد أن يرمي الكرة في ملعب الآخرين.
أعتقد أن هذا الأمر نتاج عدم وجود رغبة، أو عدم وجود قرار، أو إرادة سياسية بهذا الشأن، فالكل يريد أن يحافظ على ما حصل عليه من مكاسب نتاج هذا الانقسام.
ما مستوى التماسك الشعبي في غزة على ضوء الأحداث والمظاهرات التي شهدها القطاع سابقا؟
أنا كفلسطيني، ونائب في المجلس التشريعي، أعتقد أن الناس تمتلك حرية الرأي والتعبير والتظاهر، وقول ما يشاؤون، وتحديدا عند ما يكونون في قطاع غزة؛ لأنهم هم أصحاب الجرح، ويعيشون الدمار.. وقد أوصلوا رسالة واضحة أن حرب الإبادة ليست ضد المقاومة ولا ضد حماس فقط، بل تستهدف كل الشعب الفلسطيني.
لكن الذي لم أستطع أن أفهمه أن تخرج مسيرة أو تجمع من الناس في رام الله تهتف بشعارات تشعرنا بالعار؛ فكيف تقول: "حماس برة برة، وحماس إرهابية"، وتطالب بنزع سلاح المقاومة، ويطالبون أيضا بتهجيرهم.
هؤلاء (حماس) هم مَن صنعوا هذا العز والكرامة، وصمدوا بشكل بطولي لأكثر سنة ونصف في وجه أعتى قوة في الشرق الأوسط شريكة مع أكبر قوة في العالم أمريكا وغيرها، أعتقد أن هؤلاء يجب أن يُكرموا لأنه لا توجد حروب بدون تضحيات كبيرة.
نفهم الألم، ونتفهم الجرح، لكن أن تصدر هذه الشعارات هنا في رام الله فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا، وشعبيا مرفوض؛ لأن الشعب الفلسطيني ما زال يتغنى بـ 7 أكتوبر، بالرغم من ملاحظات البعض هنا وهناك، لكن عندما نقول سحب سلاح المقاومة، فإن السلاح الفلسطيني كان دائما شرف للفلسطيني، وتمسك به سنوات طويلة، ولم أر فلسطينيا واحدا يتنازل لا عن شرفه ولا عن سلاحه.
هؤلاء القادة الكبار الذين قدّموا أرواحهم هم وأبناءهم وعائلاتهم كلهم، وكل مَن في قطاع غزة قدّم الكثير خلال حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وبالتالي صرخاتهم، وألمهم مفهوم، لكن أن يكون هناك صدى لهذا الصوت هنا في رام الله فهذا أمر غير مفهوم ومُدان.
مَن يقف خلف محاولات الفتنة في غزة؟
إنها أصابع الإسرائيليين، نتنياهو فشل فشلا ذريعا طوال سنة ونصف في حرب استخدم فيها كل وسائل التكنولوجيا، ووسائل حرب الإبادة، ولم يحقق أيا من أهدافه التي تحدث عنها، بدءا بالحديث عن تحرير الأسرى، وإنهاء حكم حماس عسكريا وإداريا، وقد فشل في ذلك، والآن يستخدم الأدوات الجديدة التي كان يستخدمها دائما، وهي التركيز على الانقسام الداخلي، فقد حاول خلال سنوات طويلة أن يقسم الشعب الفلسطيني، لكن الشعب الفلسطيني كان دائما يتوحد عندما يواجه هذا الاحتلال.
واليوم أعتقد أن أصابع إسرائيل موجودة، أصابع من أبناء جلدتنا أيضا موجودة للأسف الشديد، وبالتالي هم يحاولون فرض فكرة أن المقاومة فشلت، وتحميل المقاومة مسؤولية هذا الدمار، في حين أن كل العالم يدرك أن هذا الدمار مسؤولية الإسرائيليين والأمريكان.
وحتى لو خرجت حماس من غزة أو استسلمت حماس.. فإن الإسرائيلي سيكمل مشروعه الواضح، وهو مشروع التهجير، وإعادة الاحتلال، وهو ما يتوافق مع رؤية ترامب التي تحدث فيها عن "ريفيرا غزة".
لكن هذا لا يؤثر كثيرا على مجريات الأحداث، لأن الناس ليس لها خيار في غزة إلا أن تصمد وتنتصر، وهي منتصرة، فمن صمد 17 شهرا أو سنة ونصف في وجه هذا العدوان سيستمر في الصمود؛ لأنه ليس له خيار آخر سوى أن يبقى، وأن يبقى الوطن، وأن تبقى غزة.
بالنسبة لي: التاريخ الفلسطيني الحديث بدأ في 7 أكتوبر، وهؤلاء صنعوا معجزة بكل المقاييس لم يكن يتوقعها أحد، وحلم تم تحقيقه على الأقل في الأيام الأولى من هذه الحرب، وهذا ما نعيشه سواء كان في الضفة الغربية أو في غزة أو في الشتات الفلسطيني الذي ما زال يؤمن بأنه ليس لدينا خيار سوى أن نصمد ونقاوم.
بماذا تقصد بـ "أصابع أبناء جلدتنا" التي ذكرت؟
أقصد نحن الفلسطينيين؛ فجزء منا يريد أن تنتهي المقاومة من أجل العودة إلى قطاع غزة، لكن المستفيد الأول من ذلك هم الإسرائيليين بالدرجة الأولى.
وأعتقد أن الأمر في النهاية سينتهي بالحكمة والعقل، فما من بيت في غزة إلا وقدّم ضحايا وتضحيات من أجل هذه الحرب، ومَن يقدم الدم يحق له الكلام، أما استثمار ما جرى على حساب مَن قدّم الدم فهذا أمر مرفوض ومعيب جدا.
كيف تقيم دور الإمارات في دعم القضية الفلسطينية؟
لا أود الحديث عن الإمارات على وجه الخصوص، فأنا أشعر بالخذلان من عالمنا العربي الرسمي بشكل كامل؛ فهؤلاء عقدوا أول قمة بعد 35 يوما من الحرب، واتخذوا عددا من القرارات (12 قرارا تقريبا)، ثم عادوا إلى قمة أخرى واتخذوا ثلاث قرارات أخرى زيادة عن القرارات سابقة، ومع الأسف لم يطبق منها شيئا.
الجانب الإسرائيلي كان يدرك منذ اللحظة الأولى أن هذه الحرب لن يشارك فيها أي عربي مع الفلسطينيين باستثناء اللبنانيين واليمنيين، أما بقية العرب وقفوا موقف المتفرج.
وعندما نرى حجم التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية التي تجري في أمريكا، وغيرها من دول العالم.. لم نرَ مثلها في عالمنا العربي، الذي كان ينتفض في الستينات، والسبعينات، والثمانينات في انتفاضات كانت تمتلئ بها الشوارع العربية من أجل فلسطين.
يقولون إنهم خاضوا حروبا ثلاثة أو أربعة ضد إسرائيل من أجل القضية الفلسطينية، واليوم أشعر بالأسى والأسف نتيجة تركنا وحدنا في هذه المعركة.
لو أرادوا الوقوف معنا فإمكانيات وقدرات الأمة العربية قدرات كبيرة جدا، فكان بإمكانهم الضغط على الأمريكيين من أجل وقف الحرب منذ زمن لو استخدموها، أو استخدموا على سبيل المثال طرد السفراء الإسرائيليين، ووقف عمليات التطبيع، وغير ذلك.
كان بإمكان الأمة أن تصنع شيئا على المستوى الإغاثي، فكثير قدموا لنا مساعدات عينية، لكنها ليست المطلوبة، فأنا لا أريد كرتونة طعام، بل أريد أن تقف معي في المحافل الدولية وتضغط على الإسرائيليين لوقف هذه المجازر التي لم يحدث مثلها في العصر الحديث، فلم نسمع أو نقرأ في كتب التاريخ عن حرب إبادة استمرت سنة ونصف على شعب تعداده مليونين ونصف المليون على مساحة جغرافية صغيرة، على مرأى ومسمع من العالم.
أشعر مثل كثير من الفلسطينيين بالأسى؛ فالعالم العربي تخلى عنا بشكل مخزٍ في الوقت الذي كنّا بحاجة ماسة له، فنحن لم نقصر يوما في علاقتنا مع أي بلد عربي رغم ضعف وقلة إمكانياتنا.
كنت من الجيل الذي عاصر الفصول الأخيرة من الثورة الجزائرية، وكنّا في المدارس في حالة فقر مدقع، وكان على كل طالب أن يدفع يوم السبت من كل أسبوع قرشا أو تعريفة لصالح صندوق لدعم الثورة الجزائرية، علمونا كيف ننشد للجزائر، لكن اليوم لا أحد يُعلّم أولاده مثل ذلك، وربما يكون ذلك نتيجة عدم رغبة الأنظمة، وضعف الأحزاب، والقوى السياسية العربية، ولم تعد تسمع اسم فلسطين إلا في انتخابات الاتحادات الطلابية في بعض البلدان العربية، وكأن اسم فلسطين صار "شماعة" أو سُلما للوصول للحكم. مَن يستخدم اسم فلسطين عليه أن يكون وفيّا لفلسطين ونضالها.
أعتب على كثير من الأحزاب والقوى العربية التي لم تستطع أن تتفاعل مع الأحداث، باستثناء البعض كإخواننا في اليمن الذين نكن لهم كل الاحترام، الذين يخرجون كل جمعة في مظاهرات مليونية، بالإضافة إلى الأردن أيضا، فمثل هذه الفاعليات تشعرنا بالانتماء.
وأقول بشكل واضح: نحن نشعر بالانتماء لهذه الأمة العربية، ونؤمن بأن الحضن العربي مهما كان باردا فهو أدفأ من الأحضان الإسرائيلية والأمريكية، لكن مع ذلك نشعر أحيانا بحالة من الإحباط عندما أرى طيارا أمريكيا يحرق نفسه من أجل فلسطين، عندما نرى جامعات النخبة في أمريكا تخرج وتتظاهر، في مقابل صمت طلابنا.
قضيتنا قد عمّت العالم، وعادت إلى الصدارة في كل مكان، والمطلوب أن نعيش هذه التجربة في عالمنا العربي، على الأقل أن يقوم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القمم العربية أو الإسلامية.