عبدالحكيم عامر

منذ بداية الأزمة في غزة، شهدت الساحة اللبنانية تصعيدًا متزايدًا في التوتر بين حزب الله والعدوّ الإسرائيلي، وقد اتخذت هذه المواجهة أبعادًا متعددة، تجاوزت الصراع العسكري المباشر لتشمل حربًا نفسية معقدة.

وتتجلى الحرب النفسية على حزب الله كجزء من الصراع المُستمرّ في المنطقة، حَيثُ اتخذت أشكالًا متعددة منذ بداية الحرب العسكرية، في الأشهر الأخيرة، قادت دول غربية مساعيَ دبلوماسية للضغط على حزب الله نحو قبول وقف إطلاق النار، في محاولة فصل دوره عن جبهة إسناد غزة، ومع ذلك، كان حزب الله على الدوام متمسكاً بموقفه الرافض، وهو ما أعلنه الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله، في خطابه الأخير.

فبدأ العدوّ الإسرائيلي حربه النفسية عبر دعاية تتعلق بعودة ما يسمى “سكان الشمال” من المستوطنين، بالإضافة إلى دعوات لحزب الله بسحب قواته إلى ما وراء نهر الليطاني، وهذه الدعوات كانت بمثابة استفزاز للحزب، الذي يعتبر هذه الأراضي لبنانية لا يمكن التخلي عنها.

كما استهدفت العملية النفسية الإسرائيلية باغتيال شخصيات قيادية في الحزب، مثل القائد فؤاد شكر، واستخدمت تقنيات متطورة في الاتصال مثل أجهزة “البيجر” واللاسلكي لتفجيرها لتعطيل الاتصالات بين القادة والمقاتلين. في الوقت نفسه، زعمت وسائل إعلام العدوّ وجود 6 فرق عسكرية في الجنوب، فيما استخدم العدو أَيْـضاً عبارات نفسية موجهة لمرتادي السواحل بمغادرتها متوعدًا بمشاركة بحرية لمساندة عملياته العسكرية البرية والجوية؛ مما زاد من حدة التوتر.

وتصاعدت الحرب النفسية لتشمل أبعادًا دبلوماسية، حَيثُ بدأ بعض الشخصيات اللبنانية، بالإضافة إلى قوى أمريكية وإسرائيلية وفرنسية وعربية، بالتعامل مع الوضع القائم في لبنان، والتي بدأت بالتعامل مع سلطة الأمر القائم بلبنان والتي تعيش في فراغ سياسي للدفع بها في تبني المطالبة بتطبيق القرار “1701” مستغلين ما يتوهمونه فراغًا قياديًّا لحزب الله في مرحلة أكثر حساسية، وأقل تأثيرًا حسب اعتقادهم بتسريع ذلك، والقبول به دون حضور وتمثيل للحزب فيه.

أتت دعوات لبنانية عميلة وأمريكية بإطلاق دعوات وقف الحرب والقبول بتطبيق القرار “1701” ونشر قوات الجيش بالجنوب اللبناني، والدعوة لانتخاب رئيس عميل للبنان يقوم بالسيطرة على السلطة، ويبسط سلطة الجيش على كُـلّ الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح حزب الله وإخراجه من أي تمثيل سياسي، مستغلين الظروف النفسية التي يعيشها والتهويل والتضخيم بأنه إذَا لم يتم احتواء الموقف فستتحول القضية لحرب إقليمية.

لكن المقاومة الإسلامية في حزب الله تجاوزت الصدمات النفسية بشكل سريع، واستعادت عافيتها؛ مما دفع العدوّ الصهيوني للانتقال إلى تكتيكات نفسية أكثر تأثيرًا؛ بهَدفِ إحداث صدمة مُستمرّة تعيد الحزب إلى حافة الانهيار النفسي وتساعده في تحقيق أهدافه العسكرية البرية بأقل خسائر ممكنة، حَيثُ بدأ العدوّ بشن عمليات عسكرية هي الأعنف في تاريخه، مستخدمًا قنابل فراغية ذات أصوات مدوية، مستهدفًا مناطق مدنية ومفتوحة لتحقيق أهدافه في الصدمة والرعب، اعتمدت هذه الاستراتيجية على استهداف القوات والاغتيالات لأبرز القادة ومنهم أمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله، ومن ثم انتقل إلى تدمير البنية التحتية والبيئة الاجتماعية.

ولكن في مقابل جرائم العدوّ الصهيوني، يبرز ثبات وصمود مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان، الذين يواصلون معركة الطوفان؛ دعمًا لغزة وأبطال مقاومتها، ويستمرون في التصدي للعدوان الصهيوني على لبنان، يشهد ميدان المواجهة قوة وصلابة المقاومة وتماسك جبهتها القتالية، حَيثُ تتحكم في مجريات المعركة من خلال توجيه ضربات مؤلمة لجيش العدوّ وكيانه المحتلّ.

وتواصل المقاومة الإسلامية في لبنان دعمها للفلسطينيين في قطاع غزة بشكل تصاعدي من حَيثُ الكمّ والنوع، وتتصدى لمحاولات التوغل البري للجيش الصهيوني.

تحولت الحدود اللبنانية إلى مصيدة لجيوش العدوّ الصهيوني، وتُلحِقُ بهم المقاومة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد؛ مما يبدّد أحلام كيان الاحتلال في إعادة المستوطنين إلى الشمال، ويؤكّـد لهم أن تحقيق أهدافهم العدوانية بات أمرًا مستحيلًا.

ويمضي حزبُ الله في تصعيد عملياته البطولية، مركّزًا على توجيه ضربات مؤلمة للعدو الصهيوني، ينكل بقواته ويُثخِنُ جراحهم في الميدان، مستخدمًا نيرانًا مكثّـفةً تحرق القوات المتسللة وتدمّـر الآليات العسكرية، كما يستهدف مواقعه وقواعده العسكرية وتجمعاته في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بجانب الحدود اللبنانية.

غدت ضربات حزب الله تطال عمق كيان الاحتلال، حَيثُ يبعثر أهدافه بدقة باستخدام صواريخه النوعية وطائراته المسيَّرة، ومن بين هذه العمليات النوعية التي نفّذها مؤخّراً، كانت عملية استهداف “بنيامينا” جنوبي حيفا، والتي أسفرت عن سقوط عشرات الصرعى والجرحى من ضباط وجنود قوات الاحتلال.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات

في الحروب، لا تُطلق النيران فقط من فوهات البنادق والمدافع، بل تنطلق أيضاً من وراء الشاشات وصفحات التواصل، عبر رسائل مشبوهة وأحاديث مثبطة، في إطار ما يُعرف بالحرب النفسية. ومن بين أبرز أدوات هذه الحرب وأكثرها خبثاً: “التشكيك”. هذا السلاح الناعم تُديره غرف إلكترونية متخصصة تابعة للمليشيات، تهدف إلى زعزعة الثقة، وتفتيت الجبهة الداخلية، وبث الهزيمة النفسية في قلوب الناس، حتى وإن انتصروا في الميدان.

التشكيك في الانتصارات العسكرية، أحد أكثر الأساليب استخداماً هو تصوير الانتصارات المتحققة على الأرض من قِبل القوات المسلحة السودانية على أنها “انسحابات تكتيكية” من قبل المليشيات، أو أنها “اتفاقات غير معلنة”. يُروّج لذلك عبر رسائل تحمل طابعاً تحليلياً هادئاً، يلبسونها لبوس المنطق والرصانة، لكنها في الحقيقة مدفوعة الأجر وتُدار بخبث بالغ. الهدف منها بسيط: أن يفقد الناس ثقتهم في جيشهم، وأن تتآكل روحهم المعنوية.

التشكيك في قدرة الدولة على إعادة الإعمار، لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ رسالة أو منشوراً يسخر من فكرة إعادة الإعمار، خصوصاً في مجالات الكهرباء والمياه وإصلاح البنى التحتية المدمرة. هذه الرسائل تهدف إلى زرع الإحباط وجعل الناس يشعرون أن لا جدوى من الصمود، وأن الدولة عاجزة تماماً. لكن الواقع أثبت أن إرادة الشعوب، حين تتسلح بالإيمان والثقة، أقوى من أي دمار، وقد بدأت بالفعل ملامح إعادة الحياة تظهر في أكثر من مكان، رغم ضيق الموارد وشدة الظروف.

التشكيك في جرائم النهب المنظمة، مؤخراً، لاحظنا حملة تشكيك واسعة، تُحاول التغطية على جرائم النهب والسلب والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات طوال عامين. الحملة لا تنكر تلك الجرائم بشكل مباشر، بل تثير أسئلة مغلّفة بعبارات تبدو عقلانية، لكنها في جوهرها مصممة بعناية لإثارة دخان كثيف ونقل التركيز نحو جهات أخرى.

كيف نُساهم – دون قصد – في نشر التشكيك؟ المؤسف أن الكثير منا يتداول مثل هذه الرسائل بعفوية، وأحياناً بدافع الحزن أو القلق على الوطن، دون أن يتوقف ليتساءل: من كتب هذه الرسالة؟ ولماذا الآن؟ وما الذي تهدف إليه؟ وبهذا نُصبح – دون أن ندري – أدوات في ماكينة التشكيك التي تخدم أجندة المليشيات وتطعن في ظهر الوطن.
كيف نواجه هذه الحرب النفسية؟
الرد لا يكون بصمتنا أو بتكرار الرسائل المشككة، بل بـ:
وقف تداول أي رسالة مجهولة المصدر أو الكاتب.
عدم إعادة نشر أي محتوى يحمل ظنوناً أو يشكك أو يُحبط أو يثير اليأس.
نشر الإيجابيات، وبث الأمل، وتعزيز الثقة بالله أولاً، ثم بمؤسسات الدولة مهما كانت لدينا من ملاحظات أو انتقادات.

في الختام، التشكيك لا يبني وطناً، بل يهدمه حجراً حجراً. فلنكن على وعي، ولنُفشل هذا السلاح الخفي، بمناعة داخلية قائمة على الإيمان، والعقل، والأمل، والثقة بأن الوطن سيعود أقوى، ما دام فينا من يرفض الانكسار ويؤمن بأن النصر لا يبدأ من الجبهة، بل من القلب والعقل.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢١ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • سلاح المقاومة… درع الكرامة وخط النار الأخير في وجه العدوان الصهيوني
  • سلاح حزب الله: الحاجة والضرورة لردع العدو الصهيوني
  • الرئيس عون يؤكد استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية
  • السيد القائد يشيد بعمليات وكمائن المقاومة ضد العدو الصهيوني في قطاع غزة
  • الحرب النفسية وتداعياتها
  • لجان المقاومة الفلسطينية تؤكد أن المجازر الصهيوني في غزة ترتكب بقرار وسلاح أميركي
  • البث الإسرائيلية: منح فرصة أخيرة للتفاوض قبل توسيع العملية العسكرية في غزة
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • حماس: استهداف العدو الصهيوني للمرافق المدنية يعكس نهج الإبادة
  • حزب الله يطالب الدولة اللبنانية بالخروج من موقع المتفرّج العاجز