من الخطأ الفادح الخلط بين العبادات والعادات، والأخطر هو إلباس بعض العادات ثوب العبادات أو إنزالها منزلتها والإصرار غير المبرر على ذلك.
ففى مجال العبادات ينبغى التفرقة أولا بين أداء الفرائض وأداء السنن، فقد سأل رجل النبى (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام، فَقَالَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «خَمْسُ صَلَواتٍ فى اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ ؟ قَالَ : «لاَ، إِلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ»، فَقَالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : «وَصِيامُ شَهْرِ رَمَضَانَ»، قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : «لاَ، إِلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ« قَالَ : وَذَكَرَ لَهُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : «لاَ، إِلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ» فَأدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : وَاللهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أنْقُصُ، فَقَالَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أفْلَحَ إنْ صَدَقَ».
ثم يجب أن نفرق بوضوح بين ما هو من سنن العبادات وما هو من العادات، فحثه (صلى الله عليه وسلم) على صيام عرفة أو عاشوراء أمر تعبدى يدخل فى سنن العبادات، أما ما يتصل باللباس ووسائل السفر ونحو ذلك، فمن باب العادات.
وكما لا يمكن لعاقل أن يقول : لن أركب السيارة أو الطائرة اليوم وسأسافر بالجمل كما كان النبى (صلى الله عليه وسلم) يفعل، فإنه ليس من المعقول أيضًا أن يقول أحد: لا تلبسوا هذا اللباس لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يلبسه، فقد لبس النبى صلى الله عليه وسلم من جنس ما لبس منه قومه وما كان متاحا فى عهده صلى الله عليه وسلم.
فمرجع الأمور الحياتية العصرية المستجدة إلى العرف والعادة وما يراه أصحاب الذوق السليم ملائمًا لعصرهم وبيئاتهم، ما لم يخالف ثابت الشرع الشريف.
ويجب أن نفهم ما ورد من آراء بعض العلماء فى ضوء عادات قومهم وزمانهم ومكانهم، فإذا كان الإمام الشافعى (رحمه الله) قد عدَّ غطاء الرأس من لوازم المروءة فإنه راعى ظروف بيئته وعصره، وقد رأينا فى بعض البيئات من يعُد عدم غطاء الرأس مخلاًّ بالمروءة، لأن عادة القوم جرت به، أما أن نجعل ذلك دينًا وعلامة من علامات الصلاح والتقوى ومن يخالف ذلك يتهم فى دينه، أو أن نلزم به الناس باعتباره دينًا أو سنة أو كلام فقيه واجب الاتباع فهذا عين الجمود وعدم الفهم.
الأستاذ بجامعة الأزهر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أ د محمد مختار جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام الشافعي صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
أوقاف الفيوم تنظم ندوة علمية من المسجد الكبير بفيديمين
عقدت مديرية أوقاف الفيوم برئاسة الدكتور محمود الشيمي وكيل الوزارة، ندوة علمية بالمسجد الكبير بإدارة أوقاف فيديمين، بعنوان: “عناية الإسلام بالمرأة.. أمًا وبنتًا وأختًا وزوجة”.
يأتي هذا في إطار دور وزارة الأوقاف المصرية ومديرية أوقاف الفيوم العلمي والدعوي، وضمن جهودها لتحقيق مقاصد الشريعة وتقديم خطاب ديني وسطي رشيد.
جاء ذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور أسامه السيد الأزهري وزير الأوقاف، وتحت إشراف الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، وبحضور كل من فضيلة الشيخ طه علي مسؤول المساجد بالمديرية محاضرا، وفضيلة الشيخ محمد حسن مدير إدارة أوقاف فيديمين، وفضيلة الشيخ أحمد رجب السيد، إمام المسجد مقدما، وفضيلة الشيخ عبد الله فريح قارئا ومبتهلا، ونخبة من الأئمة والعلماء المميزين، من خلال ندوة بعنوان: “عناية الإسلام بالمرأة.. أمًا وبنتًا وأختًا وزوجة”.
العلماء: الشرع أولى جانب المرأة عناية عظيمة واهتماما كبيراوخلال اللقاء أكد العلماء أن الشرع أولى جانب المرأة عناية عظيمة واهتمامًا كبيرًا، فتكاثرت النصوص لبيان رفعة مكانتها ووجوب تقديرها،فجعلت الجنة تحت قدميها أمًّا، وجزاء مَن أحسن إليها بنتًا، وتمامَ دين الرجل بكونها له زوجة وشطرًا؛ فعن معاوية بن جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ أن جَاهِمَةَ (رضي الله عنه) جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قال: نعم، قال: «فَالْزَمْهَا؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا»، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)،عن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ، وَضَرَّائِهِنَّ، وَسَرَّائِهِنَّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ»، فقال رجل: أو ثنتان يا رسول الله؟ قال: «أَوِ اثْنَتَانِ»، فقال رجل: أو واحدة يا رسول الله؟ قال:«أَوْ وَاحِدَةٌ».
وأشار العلماء إلى أن هناك نصوص واضحة مُحْكَمَةٌ في بيان قدر المرأة في الإسلام، وعلى ذلك تواردت نصوص الوحيين كتابًا وسنة، وعلى هذا التكريم السامي يجب أن تفهم سائر أدلة الشريعة فليس في الشرع انتقاص للمرأة وازدراء لها بأي وجه من الوجوه، وما يُدَّعى فيه خلاف ذلك فيجب رد المـُشْكَلِ فيه إلى المـُحْكَم الذي يجلي إشكاله.