في عصرنا الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، صارت نافذتنا المفتوحة على العالم ومنصة للتفاعل الاجتماعي والمعرفي، لكنها فى الوقت ذاته أصبحت ساحة خصبة للعبث بالعقول، حيث تقوم بعض الشركات والصفحات وحتى رجال الأعمال باستخدام أساليب دعائية رخيصة تعتمد على الوهم والخداع لجذب انتباه الجمهور.
القصص الوهمية التي تُنشر على هذه المنصات أصبحت لا تُعد ولا تُحصى، مرة يروي أحدهم قصة «نجاح ساحق» لمشروع كان مجرد حلم، وأخرى يتباهى رجل أعمال بأنه بدأ من الصفر إلى أن أصبح مليارديرًا فى وقت قياسي، دون أن يقدم أى تفاصيل أو حقائق حقيقية تدعم كلامه، وبين الحين والآخر نجد شركات تدعى أنها تقدم حلولاً سحرية للمشاكل اليومية، سواء كانت تجميلية أو صحية أو مالية، فقط لتكتشف لاحقًا أنها منتجات وهمية أو لا تقدم أى فائدة تُذكر.
ما يزيد من خطورة هذا الأسلوب الدعائى هو أنه يستهدف العقول الساذجة، أو أولئك الذين يبحثون عن الأمل في تحقيق أحلامهم، حيث يتم استغلال حاجات الناس وطموحاتهم، وللأسف يجد هؤلاء المخدوعون أنفسهم ضحية لحملات دعائية لا تستند إلى أى واقع أو مصداقية.
المشكلة تكمن فى أن هذه الأساليب لا تقتصر على الصفحات الصغيرة أو الأفراد المجهولين، بل إن بعض رجال الأعمال المعروفين يلجأون إلى هذه الأساليب، مغلفين بضاعتهم بالكثير من الضجيج والصخب الإعلامى لجذب الأنظار، متجاهلين تمامًا قيم النزاهة والشفافية.
وعندما نتحدث عن الدعاية الرخيصة، فإننا نشير إلى الحملات التي تعتمد على إثارة المشاعر بدلاً من الحقائق، فكم مرة رأينا قصصًا «مؤثرة» تم بثها على السوشيال ميديا تهدف إلى بيع منتج أو خدمة، لتكتشف في النهاية أن القصة مُفبركة بالكامل، وأن الهدف الوحيد منها هو جذب اللايكات والمشاركات والمبيعات، هذا النوع من الدعاية لا يخدم الجمهور بقدر ما يخدم مصلحة المعلنين والشركات على حساب المصداقية.
الإعلام اليوم في مواجهة تحديات كبيرة، لكن إحدى أكبر هذه التحديات هي ضرورة فضح هذه الأساليب الرخيصة والمضللة، وتسليط الضوء على تلك الحملات التي تستخف بالعقول، فمن واجب الإعلاميين والصحفيين التنبيه إلى هذه الظاهرة وكشف زيفها، وحث الجمهور على التحقق من المعلومات قبل أن يصدقوا كل ما يرونه أو يسمعونه.
إن الحل يكمن في تعزيز ثقافة الوعي الرقمي، وتثقيف المستخدمين حول كيفية التمييز بين الحقيقة والزيف في المحتوى الرقمي. لأن العالم الرقمي، وإن كان يحمل إمكانيات هائلة، إلا أنه مليء بالألغام التى قد تُفجر ثقة الجمهور في كل ما يُنشر إذا لم نتوخ الحذر.
في النهاية، لن يتوقف هذا الاستخفاف بالعقول إلا عندما يتوقف الجمهور عن الانجراف وراء الوهم، ويتبنى نظرة ناقدة لكل ما يراه على هذه المنصات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعي
إقرأ أيضاً:
قوم يا مصري وأنا المصري.. كيف أصبحت موسيقى سيد درويش رمزا للهوية الوطنية
يصادف اليوم ذكرى ميلاد الملحن سيد درويش أحد أهم رموز الموسيقى العربية، بل إنه الأب الروحي للتجديد الموسيقي في مصر.
لم يكن مجرد ملحن موهوب، بل كان صوتًا للمصريين، يعبر عن آمالهم وآلامهم، ويعكس أحلامهم في الحرية والاستقلال، رغم حياته القصيرة، التي لم تتجاوز 31 عامًا، إلا أن تأثيره امتد لعقود، وأصبحت أعماله جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية المصرية.
سيد درويش: حياة قصيرة وتأثير خالدولد سيد درويش في الإسكندرية عام 1892، ونشأ في بيئة بسيطة، حيث بدأ شغفه بالموسيقى منذ الصغر، التحق بالمعهد الديني لكنه سرعان ما انجذب للفن، فبدأ بالغناء في المقاهي، ثم سافر إلى الشام، حيث تأثر بالموسيقى هناك وطور أسلوبه الخاص.
عاد إلى مصر محمّلًا بأفكار جديدة، ليبدأ رحلته في تجديد الموسيقى العربية، من خلال تقديم ألحان تعبر عن واقع المصريين، مستخدمًا لغة بسيطة قريبة من الشارع، وألحانًا مستوحاة من البيئة الشعبية.
لم تكن موسيقاه مجرد تطوير للألحان التقليدية، بل كانت ثورة فنية حقيقية، أدخل النغمات الأوروبية في الموسيقى الشرقية، وابتكر أسلوبًا جديدًا في التلحين والغناء، مما جعل أعماله قريبة من الناس، سواء في الأوبريتات المسرحية أو الأغاني الوطنية والاجتماعية.
“قوم يا مصري”: كيف أصبحت موسيقاه رمزًا للهوية الوطنية؟في ظل الاحتلال البريطاني، كانت مصر تعيش مرحلة من الغليان السياسي، وكان سيد درويش حاضرًا بفنه في قلب الأحداث، لم يكن مجرد فنان يعزف ألحانه في المسارح، بل كان صوتًا للحركة الوطنية، يعبر عن مطالب الشعب في الحرية والاستقلال.
جاءت أغانيه لتعكس هذه الروح الثورية، فكانت “قوم يا مصري” نشيدًا للحراك الوطني، تدعو المصريين للنهوض والعمل من أجل وطنهم.
لم تقتصر أعماله على الأغاني الوطنية فقط، بل شملت أيضًا ألحانًا ساخرة تنتقد الأوضاع الاجتماعية، مثل “الشيخ متلوف” و”أنا المصري”، حيث جسد هموم الطبقة الكادحة، وتحدث بلسان البسطاء.
حتى بعد وفاته عام 1923، ظلت أغانيه حاضرة في المظاهرات والثورات، من ثورة 1919 وحتى ثورة يناير 2011، حيث استعان بها المتظاهرون للتعبير عن مطالبهم في التغيير.
استمرار التأثير: من الثورات إلى الإعلاناترغم مرور أكثر من مئة عام على رحيله، لا تزال موسيقاه تعيش بيننا، ليس فقط في الاحتفالات الوطنية، ولكن أيضًا في الإعلانات والأعمال الفنية.
يتم إعادة توزيع أغانيه بأصوات جديدة، مما يضمن وصولها إلى الأجيال الحديثة. كما أن مسرحياته الغنائية لا تزال تعرض حتى اليوم، وهو ما يؤكد أن إرثه الموسيقي لا يزال مؤثرًا في المشهد الفني المصري