للإمام أبى القاسم الجنيد (ت 297 هـ) شذرة يقول فيها وهو يصف العارف إنه: (مَنْ إذا نَطَقَ عَنْكَ وَأنْتَ سَاكت!). وهو وصف مُوغلٌ فى تجسيد الولاية كونها سرّاً ينطق عن السّر، وإنْ كان موغلاً فى الوقت نفسه فى البعد عن العقلانية التى يُشكَلُ معها النطق بالأسرار؛ لأنها تأخذ بالعموم ولا تأخذ بالخصوص، وتتوجّه إلى العقول ولا تتوجه إلى الأسرار، ولكن منذ متى تُقاس الولاية بمقياس العقول المحدودة بحدود ما تفكر فيه؟
الولاية بعيدة، بعيدة عن حدود العقول المحدودة بحدود ما تفكر فيه، فما يطابقها أو ينطبق عليها فى عملية البحث من حيث كونها منهجاً، ليس هو العقل بل البصيرة، أعلى من العقل وأرفع فى ملكات الإدراك.
وإذن؛ فلابد من معرفة الجهة التى نتحدَّث فيها أو المنطقة التى ينطلق القول منها، ومعرفة ما يناسبها من عمليات الإدراك لكيلا نخلط بين حابل ونابل أو بين منهج ومنهج حين نحاكم أحدهما بالآخر فى البحث والفحص والتنقيب، وعليه؛ فلا يُفهم من قول الجنيد هذا ما يفهمه صاحب العقل المحدود حين يرى إشارته تتوغّل بعيداً عن العقلانية فيحكم بالعقل عن أشياء صدرت من منطقة الذوق، فلا يكون حكمه صواباً بالقياس إلى من يريد أن يقيس الشيء وهو فى الوقت نفسه يجهل كيف يقاس.
وفى إطار قيم المعرفة، منهجاً وتحققاً، تجئُ صفة العارف متصلة بالإنسان حيث كان، ولكنها لا تتصل به حين تتصل إلا بالإنسان الأعلى من حيث مراقيه المعرفيّة لا من حيث هبوطه ونكوصه وترديّه.
تتجلى فى المحبة وحدة الخالق؛ لأنها فيما يقول الإمام أبو الحسن الشاذلى: «أخذت من الله لقلب عبده عن كل شيء سواه، فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل مُتَحَصّناً بمعرفته، والروح مأخوذة بحضرته، والسّرَّ مغموراً فى مشاهدته، والعبد يستزيد فيُزَاد، ويٌفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيُكسىَ حُلل التّقريب على بساط القربة، ويمسّ أبكار الحقائق وثيّبات العلوم».
لاحظ: المفاتحة لما هو أعذب من خطابات التأنيس، لا يمكن أن تكون إلا فى رياض المحبّة بمقاماتها العلويّة وأحوالها الروحية العالية.
يظهر أولاً للوهلة الأولى فى هذا التقسيم، غلبة التصوف السّنى على الإمام أبى الحسن وخاصّة استعمال مصطلحات القشيري.
وللحديث بقية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم
إقرأ أيضاً:
السودان.. «البرهان» يتوّعد باستمرار الحرب ويدعو الجميع لـ«تحكيم العقل»
أكد رئيس مجلس السيادة السوداني، الفتاح البرهان، “عدم استعداده للمساومة أو التفاوض مع قوات “الدعم السريع”، متهما إياها بـ”الميليشيا الإرهابية التي تنتهك حرمات الشعب”.
وقال البرهان، السبت، في كلمة وجهها للشعب السوداني بمناسبة عيد الفطر، نقلتها وكالة “سونا”: “تدخل هذه الحرب التي تعيشها بلادي والتي أشعلتها مليشيا آل دقلو ومعاونيها وداعميها عامها الثالث وقد فعلت بالوطن والمواطن أسوأ ما يمكن أن يحدث في الحروب”.
وأضاف: “إن الفظائع التي ارتكبت في حق شعبنا والمرارات التي أذاقها لهم هؤلاء المجرمون صورها وأصواتها وجراحها المتجددة تجعل الخيارات صفرية في التعامل مع هؤلاء المجرمين وداعميهم، وأقول لهم بصوت الشعب النازح والمهجر والذي نهبت أمواله والمحاصر والأمهات الثكالى والأطفال الإيتام والشهداء، إننا لن نغفر ولن نساوم ولن نفاوض ولن ننكص عن عهدنا مع الشهداء”.
ووفقا للوكالة، أكد قائد الجيش السوداني، “أن القوات المسلحة تقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين، ولا تنحاز لأي جهة على حساب الآخرين”.
وتابع البرهان: “أجدد عهد القوات المسلحة مع الشعب أن لا تراجع عن هزيمة وسحق مليشيا آل دقلو الإرهابية ورغم ذلك ظلت أبواب الوطن مفتوحة لكل من يحكم عقله ويتوب إلى الحق من الذين يحملون السلاح، فالعفو عن الحق العام ومعالجة الأمر العسكري ما زال ممكنا ومتاحا”.
وناشد البرهان المواطنين السودانيين المتواجدين في مناطق سيطرة الدعم السريع، قائلا: “أناشد أهلنا في مناطق سيطرة التمرد برفع أيديهم عن مساندة مشروع آل دقلو الاستعماري، وحماية أبنائهم من الذين سيوردونهم المهالك، فالسودان الواحد الموحد أرضا وشعبا أمانة تاريخية يجب عدم التفريط فيها”.
وكان “سيطر الجيش السوداني على معظم مدينة أم درمان، التي تضم قاعدتين عسكريتين كبيرتين، ويبدو أنه عازم على بسط السيطرة على كامل منطقة العاصمة التي تتألف من ثلاث مدن هي الخرطوم وأم درمان وبحري”، لم تصدر “قوات الدعم السريع” تعليقا على تقدم الجيش في أم درمان حيث لا تزال القوات شبه العسكرية تسيطر على بعض المساحات”.
يذكر أن الحرب التي اندلعت في أبريل نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدت إلى “مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح الملايين من منازلهم، ويعيش نحو نصف سكان السودان، أي حوالي 26 مليون شخص، وهم يواجهون انعدام الأمن الغذائي مع تزايد مخاطر المجاعة في مختلف أنحاء البلاد، وتدهور شديد للأوضاع الاقتصادية”، وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.